شارك هذا الموضوع

لا يُبَاعُ الحَطَبُ قَبلَ قَطْعِه .. ولا يُبَاعُ السَّمَكُ فِي البحَيرَة

لا يُبَاعُ الحَطَبُ قَبلَ قَطْعِه .. ولا يُبَاعُ السَّمَكُ فِي البحَيرَة


يُشكّل الموضوع النووي بالنسبة للإيرانيين أحد الأهداف الإستراتيجية التي تخضع إلـى عملية " قومنة " مُركّزة بغرض تحويلها كأحد التابوات المُلحقة بمُفردات السيادة والوطنية والدفاع عن مصالح البلد، بل إن تلك الصيرورة قد تبلورت اليوم بشكل واضح إذا ما استُحضرت خطابات المسؤولين الإيرانيين وأيضاً سيرة هذا الملف برمته منذ الشهرين الأخيرين من العام 2002 ولغاية الآن، بل إن الفصل واجب هنا بين أداء اليمين المحافظ (نجاد مثالاً) واليسار الديني الراديكالي (خاتمي مثالاً) واليمين الصناعي (رفسنجاني مثالاً) فيما يتعلق بإدارة هذا الملف، على اعتبار أن الموضوع هو خارج اللعبة الداخلية للأحزاب والتيارات في إيران، كما أن الفصل يكون أوجب عندما نعلم أن الكثير من أوجه النقد للسياسة النجادية فيما يتعلق بالمسألة النووية لا تحمل وجاهة حقيقية في جنبة وسمها بـ " التصادمية " إذا ما علمنا أن لا اعتدال إيران ولا تشددها قد أعطاها غفران الغرب .. ففي عهد رفسنجاني صدر قانون داماتوا الذي يحظر على الشركات استثمار أكثر من أربعين مليون دولار في القطاعات النفطية الإيرانية، وفي عهد خاتمي ضمّ جورج بوش إيران إلى محور الشر إلى جانب كوريا الشمالية والعراق، وفي عهد نجاد صدر القرار 1737 المُجرِّم لطهران فيما يتعلق بملفها النووي !! . وبالرجوع إلى هذا الملف وكيفية صوغه كأحد الأهداف الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية يتوجب معرفة عدد من المتغيرات التي تحكمه من الناحية الاستراتيجية :


الطاقة الإحفورية لإيران


تعتبر إيران ثاني أهم مصادر الدخل النفطي لأوبك بمساهمة تبلغ 3,3 ملايين برميل يومياً، وإبّان حكومة الشيخ رفسنجاني الأولى كان مستوى إنتاج النفط هو بين 3.5 و 4 ملايين برميل في اليوم، وقد تمّ خلال تلك الفترة استثمار الغاز الطبيعي كبديل عن النفط في الاستهلاك المحلي، خصوصاً وأن احتياطي إيران من الغاز يبلغ 26.75 ألف مليار قدم مكعّب، ويصل حجم تصفيته إلى 139.6 مليون قدم مكعّب يومياً . ثم سعت الحكومة إلى تنمية تكرير النفط والبتروكيماويات، فتراجعت حاجة البلاد من استيراد المنتجات النفطية المصفاة من مليار دولار إلى 300 مليون دولار، وارتفع الإنتاج البتروكيماوي إلى 13.1 مليون طن في السنة، وإذا ما سلّمنا إلى حقيقة أن زيادة الإنتاج لكل برميل من النفط يتطلب استثمار 10 آلاف دولار فإنها (أي إيران) ستحتاج إلى استثمار 110 مليار دولار في مجال النفط لكي تستطيع في العام 2020 أن تساير المنتجين الرئيسيين في العالم . بالنسبة إلى الغاز فإن إيران تمتلك 16 بالمائة من الاحتياطات العالمية (الثانية عالمياً بعد روسيا الاتحادية) وفي العام 2003 أنتجت طهران، 124 مليار متر مكعب من الغاز (bcm) وقد وضعت وزارة النفط خطة بهدف إنتاج 292 مليار متر مكعب في العام 2010، وهو ما ساعد على زيادة المرونة الهيكلية في الاقتصاد عبر التقليل من شدة القيود الناجمة عن المآزق، وإتاحة بلوغ نسبة تنموية عامة أعلى في الأمد القصير، لأن موارد النفط من شأنها أن تُزيل الآثار المترتبة على الاضطرابات المؤقتة . في الجانب الآخر ولأن إيران تقع ضمن الحزام المنجمي لمعادن النحاس والكروميت والرصاص والزنك باحتياطي يبلغ 23 مليار طن، فقد أوجد لها بديلاً للصناعات النفطية، وقد أشارت الدراسات إلى أن احتياطيات إيران من الفحم الحجري هي بمقدار 2 مليار طن، وحجر الجير 4 مليار و700 مليون طن، وحجر النحاس 2 مليار و600 مليون طن والرصاص والزنك 100 مليون طن والفلاسبات البوتاسيوم مليون طن والتيتانيوم 2 مليون طن والسليكا 2 مليون طن والأسيستوس 2 مليون طن والكروميت 8.5 مليون طن وحجر الجص 2 مليار و400 مليون طن وأحجار البناء 3 مليار و700 مليون طن، وقد وصل إجمال الناتج المحلي في قطاع الصناعة والمعادن إلى 16 بالمائة ويوفر 19.3 بالمائة من فرص العمل في إيران، كما تضاعف إنتاج الفولاذ والنحاس في العقد الفائت إلى أكثر من 58 ضعفاً بمعدل زيادة سنوي للمعادن يُراوح بين 13 و64 بالمائة  .


وتُشكّل هذه الثروة النفطية والمعدنية الهائلة خاصرة رئيسية للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد دخله القومي عليها بنسبة 60 بالمائة، فقد بلغ حجم الصادرات النفطية الإيرانية خلال السنة المالية 2005 – 2006 إلى 49 مليار دولار، أي بمعنى الضعف مقارنة بالسنة المالية 2000 – 2001 إلاّ أن الإشكال القائم هو أن مآل هذه الثروة هي إلى النفاذ، فالتقديرات تشير إلى موارد الأرض من النفط (2,1 تريليون برميل) ستنضب في بحر خمسة وتسعين عاماً أو أقل . كما أن الشواغل الحقيقية للاستراتيجيين الإيرانيين هي كيفية معالجة الاستهلاك النفطي المتزايد للسوق الداخلي، ففي العام 1995 بلغ معدل الاستهلاك المحلي للنفط الخام 1,292 مليون برميل يومياً (34,5 بالمائة من الإنتاج الكلي) وفي العام 2005 بلغ الاستهلاك 1,657 برميل يومياً (41 بالمائة من الإنتاج الكلي) أي بزيادة وقدرها 35 بالمائة، أما الغاز فقد استهلك السوق المحلي 78 مليار متر مكعب ! وهو تحدي حقيقي يحتاج إلى معالجة جذرية وليست ترقيعية .


الطاقة النووية Nuclear Energy  كبديل استراتيجي


 إذا ما عُرف أن طناً واحداً من اليورانيوم يعطي طاقة مباشرة تساوي ملايين البراميل من النفط فإن ذلك يعني بديلاً عملياً بالنسبة للدول الصناعية أو المستهلكة، وإذا ما علمنا أيضاً أنه وفي العام 2004 زادت معدلات استهلاك الكهرباء بشكل كبير في إيران وذلك نتيجة للإعانات المالية الكبيرة التي قدمتها الحكومة، والتي كلّفت الدولة 2,63 مليار دولار، وأنها ولغاية العام 2030 ستحتاج إلى استثمارات تصل إلى 92 مليار دولار أي ما يساوي 1,3 من الناتج المحلي الإجمالي في مجال الكهرباء وذلك لكي تضيف 54 جيجاوات إلى قدرات التوليد وتطوير أنظمة الإرسال والتوزيع؛ فإن الأمر يكون أكثر إلحاحاً لإيجاد بدائل أكثر ديناميكية، فدولة كفرنسا يتم إنتاج 77 بالمائة من الكهرباء لديها عبر الطاقة النووية، وفي اليابان بنسبة 30 بالمائة وفي الولايات المتحدة بنسبة 20 بالمائة وفي ألمانيا بنسبة 29,9 بالمائة وفي بريطانيا 27,2 بالمائة . وبما أن المحطة النووية تتكلّف ثلاثة مليارات دولار وتستطيع إنتاج 1000 و1500 ميجاوات فإن الأمر يبدو أكثر جديّة، خصوصاً وأن الكلفة ستكون أقل بكثير إذا ما احتسبت مع عمر المحطة الافتراضي وهو أربعين عاماً . وحسب رأي عالم الذرة المصري الدكتور عزت عبد العزيز فإنه " إذا وضعنا حسابات التكلفة على مرحلتين وهما التكلفة الاستثمارية وتكلفة التشغيل نجد أن تكلفة التشغيل اليومية في المحطات النووية أرخص بكثير، حيث أن سعر وقود اليورانيوم أقل من كميات الفحم أو البترول الهائلة التي نستخدمها، وعندما نأتي لتشغيل المحطة بغرض توليد الكهرباء لمدة 30 أو 40 سنة نجد أن التكلفة في التشغيل هي العنصر المهم حيث يتم حساب تكلفة الكيلووات ساعة على عنصري التكلفة الرأسمالية والتشغيلية، والمقارنات دائماً تعقد بين توليد الكهرباء من المحطات النووية وتلك المستخرجة من الفحم والبترول، ومن المعروف علمياً أن تكلفة المحطات النووية أقل كثيراً من غيرها (جريدة الوفد عدد الثلاثاء 31 أكتوبر ‏2006‏‏) " وقد كشفت الدراسات الصادرة مع بداية الألفية إلى أن الاعتماد على الطاقة النووية قد زاد خلال العقد الماضي حيث بلغ عدد المفاعلات النووية الموجودة في العالم زهاء 440 مفاعلاً موزعة في واحد وثلاثين بلداً بإنتاج يصل إلى 368,000 ك وات كهربائي، وفي دراسة أعدتها الهيئة العربية للطاقة الذرية أشارت الدراسة المذكورة إلى أنه وعندما يتضاعف سعر الكعكة الصفراء  قد يزداد سعر الوقود في مفاعلات الماء الخفيف بنسبة 30 بالمائة وسعر الكهرباء المنتجة بنسبة 7 بالمائة فقط، في حين أن مضاعفة سعر الغاز يزيد من سعر الكهرباء بنسبة 70 بالمائة ومضاعفة سعر الفحم يزيد من سعر الكهرباء بنسبة 31 بالمائة (د. محمود نصر الدين) " . أيضاً وفي موضوع النظرة الإيرانية للطاقة النووية فقد قد تلجأ طهران إلى استثمار برنامجها النووي المُطوّر في تنشيط تجارتها الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بإزالة ملوحة المياه، وبما أن هذه التقنية سواء أكانت عبر التبخير الوميضي متعدد المراحل أو التناضح العكسي فإنها تتطلب 6 ك وات من الطاقة الكهربائية لكل متر مكعب بالنسبة للثانية و200 ك وات بالنسبة للأولى، خصوصاً وأن العالم يقوم بإنتاج ثلاثين مليون متر مكعب من المياه يومياً نصفه يُستهلك في الدول العربية، وإذا ما نجحت إيران في هذا المعطي فإن الأمر سيغدو مربحاً لها وسيُقلل من اعتمادها على مداخيل النفط غير المستقرة . أضف إلى ذلك فإن الجمهورية الإسلامية تعاني من مسألة التلوث التقليدي بصورة كبيرة، وقد اضطرت للاقتراض من البنك الدولي في العام 2003  لمكافحة التلوث المتعاظم لديها وخصوصاً في العاصمة طهران، وبالتالي فإن تحويل الاعتماد من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة النووية كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية " سيقلل من انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، على اعتبار أنها لا تنتج أي من أكاسيد الكبريت أو النيتروجين أو الجسيمات الملوثة للبيئة، فعندما تنتج الكهرباء بالطاقة النووية فلا شيء يحترق بالطريقة التقليدية فالحرارة تنتج بطريقة الإنشطار لا الأكسدة، ويقدر انبعاث ثاني أكسيد الكربون من محطات الوقود الأحفوري بخمسة وعشرين مليار طن في السنة، ما يعني أن حوالي 40 بالمائة منها تنبعث من الفحم وحده، و43 من النفط والغاز والباقي من مصادر الطاقة الأخرى، في حين أن كل 22 طن من اليورانيوم تستخدم كوقود توفر على العالم مليون طن من ثاني أكسيد الكربون  (تقرير الهيئة العربية للطاقة الذرية) "


في الجانب الآخر من الموضوع فإن تشدد الموقف الإيراني تجاه الملف النووي نابع من قدرة الطاقة النووية في حال تحققها وفق آلياتها التقنية بدءً بالتنقيب عن خام اليورانيوم، وتحويله إلى أكسيد اليورانيوم، ثم تحويله إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم، وتخصيبه وصناعة وقوده وتحميله إلى المفاعل ثم تخزين الوقود المستعمل وإعادة الاستعمال ثم التخلص النهائي من النفايات سيعني فتحاً هاماً سيُغيّر من وضع إيران إقليمياً ودولياً، وإذا ما صحّت التقارير العسكرية حول قرب توصّل إيران إلى صنع قنبلة نووية فسيكرس من حضوره الدولي على المستوين السياسي والعسكري، ومن جهة أخرى سيُميّع من الخطر الأمريكي والصهيوني تجاهها؛ فحسب المدرسة الواقعية لهنري كيسنجر فإن امتلاك أي دولتين للسلاح النووي سيمنع نشوب الحرب بينهما، فضلاً عن قطع احتكار تل أبيب لهذا السلاح طيلة نصف قرن .


 

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع