شارك هذا الموضوع

خادم الإمام الحسين (ع) يحكي ديرة الماضي .. وصمود مأتم

خادم الإمام الحسين (ع) يحكي ديرة الماضي .. وصمود مأتم
الحسينية مناديةً أهلها التمسك بمبادئ أهل البيت (ع)


 حسينية بن خميس – قسم الإنترنت
رجل عاصر رجالات الماضي، واحتك بمعظم أحداث الحسينية (الحاج أحمد بن خميس) والديرة (السنابس). معاصر عاش حلاوة وألم الماضي والحاضر. مأتميٌ في طبعه، تمنى الرجوع ولو للحظة واحدة إلى ذلك الارتباط العجيب بأهل البيت (ع)، الذي بدأ في التفكك مؤخرا، لم يذهب إلى الجبل (بابكو) ولكنه عمل بجد ونشاط. ساهم في إعادة بناء الحسينية في المرة الثانية التي يزيد عمرها عن 127عاما. هذه الشخصية هي الحاج سيد عيسى سيد شرف، الذي حل ضيفا عزيزا على أسرة تحرير قسم الإنترنت التابع لحسينية بن خميس. 
 
وبدأ الحديث مع السيد عيسى بجو من الفرح المبطن بألم الماضي في إحدى غرف هذا المأتم الحسيني، حيث انطلق بالقول: "منذ أن خلقت وفهمت والمأتم قائم على حجارته، فالمأتم كان قديما جدا حيث تم هدمة وإعادة بنائه مرة واحدة فقط من عمر المأتم. ومن بين الأشخاص البارزين – الذين أتذكرهم – في إعادة بناء المأتم، هم أبو علي حسين بن أحمد بن خميس وأخوه جعفر، حجي أحمد الخيج، سيد عبد العزيز العلوي ، منصور الخيج، حجي عيد مرهون، حجي عبدعلي مرهون، أحمد مرهون، وحجي عبد الحسين داغر وغيرهم . وكنا نشتغل كل يوم وفي جميع الأوقات، وخلال شهرين تقريبا من هدمه تمت إعادة بنائه وتجهيزه. وأشير إلى أنه بعد أسبوع واحد من عيد الفطر كانت هناك فكرة القيام بترميمه، ولكن هذه المهمة لم تكن لها جدوى لكون المأتم قديماً جداً. وما أن حلّ يوم الحادي من شهر محرم الحرام حتى صار المأتم جاهزا بجميع مرافقه. ونشير إلى أن المأتم يحتوي على نخلتين وبئر (جفر)، وبعد مرور السنين تم قلع النخلتين وسد فتحة البئر دون دفنها".


وأشار السيد عيسى إلى أن المساحة الداخلية للمأتم تمت توسعتها قدمين، إضافة إلى استبدال الطين بالحجر (الطابوق)، كما اختلفت الهندسة عن سابقتها، حيث صارت مواكبة للطراز الحديث.


 إدارة التأسيس
وفي زاوية متصلة، أردف السيد عيسى بالقول: "هناك أشخاص يديرون المأتم مثل أبو علي الذي يعتبر رئيسا للمأتم، محمد علي مرهون الذي يعد نائبا له، مهدي مرهون الذي كان مسئولا عن الأمور الفنية والخطابة..، أحمد مرهون وأخوه عيد، يوسف كريم، وعلي بدر وأخوه عباس. وكانت الإدارة ليست مقتصرة على المذكورين، بل كل شخص يستطيع أن يخدم بإخلاص يمكنه أن يشارك في الإدارة. وبعد وفاة أبي علي بن خميس ، استلم زمام الأمر بدلا عنه الحاج محمد علي مرهون، وبعد أن صار الحاج محمد علي في مرحلة متقدمة من العمر، وواكب ذلك ظهور دماء جديدة من الشباب، بالإضافة إلى تغير العصر، جميع ذلك أخذ في النمو حتى جاءت فكرة الانتخابات الحرة لمجلس إدارة المأتم وذلك حسب الأعراف التي بدأت في التنامي داخل مجتمعنا المحلي". وأكد على أن الإدارات السابقة لم يكن فيها تخصيص للمهام الواجب القيام بها، حيث يستطيع كل فرد القيام بأي نوع من هذه المهام.


  عزاء الحسين (ع)
واستطرد السيد عيسى في الحديث قائلا: "العزاء كان عبارة عن مجموعة من الحلقات- كل حلقة تسع لحجرة واحدة- وتتميز بكونها تحتوي على هواسات فقط. وأما مسار العزاء فإنه ينطلق من باحة المأتم ماراً ببيت حجي سلمان وبيت الأزرق –القريب من مأتم آل عبدالحي- حتى يصل إلى الخضر، وثم يرجع في نفس الطريق ولكنه يدخل مأتم سيد عبدالله الفلة ومنه إلى مأتم بن خميس.


 خطيب أهل البيت (ع)
واتجه السيد عيسى نحو الخطابة الحسينية إذ قال: "يسافر كل من أبي علي، ومحمد علي مرهون إلى العراق للاستماع إلى الخطباء من أجل اختيار الأفضل من بينهم لجلبه إلى المأتم في موسم محرم الحرام. وقبل هذه الفترة كان الخطباء يجلبون من منطقتي الديه وسترة". وواصل حديثه: "ومن بين هؤلاء الخطباء العراقيين، الشيخ مسلم الجابري، سيد علي الأعرجي، الشيخ باقر المقدسي ، الشيخ عبد الوهاب الكاشي ، السيد جاسم الموسوي الكربلائي ، الشيخ فاضل المالكي ، السيد طاهر الملحم، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب. ويتم ترتيب مكان خاص لسكنهم، وذلك في إحدى غرف المأتم المخصص لذلك، حيث يقوم بقراءة مجالس اليوم بأكمله من الصباح حتى المساء، كما يقوم الخطيب بالقراءة مع أحد المآتم في المنامة ولكن في أوقات مختلفة. ولكن جلبهم بدا محظورا من قبل الحكومة، ونتيجة لذلك تم الاعتماد على الخطيب البحريني". وأشار إلى أن الخطابة في الماضي كان شغلها الشاغل الاتجاه نحو الارتباط بأهل البيت (ع)، ولكن كلما تقدمت الخطابة بدأ الخطيب في تقليل الحث على هذا الارتباط، وخصوصا بعد دخول القنوات الفضائية والمسارح والسينمات في الحياة اليومية".


 منبع التدريس
استطرد السيد عيسى في كلامه إلى الحديث عن التدريس في المأتم فقال: "كنا نتعلم في الماضي بعض المواد الأكاديمية والفقهية على يد مجموعة من المدرسين ومنهم مهدي بن خميس ومهدي مرهون، وذلك طبعا في الفترة المسائية، والذي يتخرج من المأتم يقوم بعملية التدريس في نادي الديرة. كما كنا نذهب إلى (المعلم) لتعلم القرآن الكريم".


 مدرسة الخميس
واستمر السيد عيسى في حديثه في الموضوع نفسه ولكن في نوع آخر من مؤسسات التدريس بالقول: "كنا نذهب إلى مدرسة الخميس، التي كانت الوحيدة في المنطقة، وذلك مشيا على الأقدام لعدم توفر السيارات في ذلك الوقت، أم (الكبارية) أو الأغنياء فإنهم يذهبون إلى المدرسة فوق الحمير. علاوة على ذلك فإن وزارة الصحة تقوم بتطعيم تلاميذ المدرسة بشكل دوري لتجنب الإصابة بأمراض تلك الفترة، ونوع هذا التطعيم إما إبرة أو دهن السمك (دواء شرب)".  


روايات في تسمية الديرة
أما فيما يتعلق بمنبع تسمية المنطقة بالسنابس، أجاب السيد عيسى: "هناك روايتين حول هذا الموضوع، الأولى تقول بأن اسم السنابس مشتق من اسم منطقة في السعودية تسمى "سنابس تاروت"، والرواية الثانية هي عكس الأولى".


 اعمل نهارا وبسط ليلا
وفي جانب آخر، تطرق السيد عيسى إلى أن "هناك الكثير من المهن التي تزاول في القرية منها الغوص والزراعة والبناء وصيد السمك... . وبعد الانتهاء من مزاولة هذه المهن في النهار، يقوم الرجال بعمل (بسطة) مكان الجلوس على ضفة البحر لتبادل الأحاديث وما صادفهم أثناء عملهم، حيث كان البحر لا يفصله إلا شارع بينه وبين بيوت الديرة –حاليا موازي لبيت عبدالله حمد (رحمه). كما نقوم بالجلوس بالقرب من مسجد السيف على قاعدة مدفونة تسمى "البُلط"، التي تعتبر عبارة عن مجموعة من الحجارة المغطاة بالرمال الناعمة، حيث نقوم بقضاء السهرات عليها حتى اليوم التالي. أما بسطات النساء فكانت تشتمل على نوع خاص من القصص والحكايات تقوم إحداهن بسردها على الجماعة وتسمى (خراريف)، ويحتوي هذا النوع من الأحاديث على الكثير من المواعظ والحكم المفيدة".


 البترول والجبل ـو (بابكو) :
وأوضح السيد عيسى أن الجبل أصبح ملاذ معظم الأهالي. أما بالنسبة لي فكنت أشتغل في البناء وفي تحميل البضائع في السوق، حتى التحقت في وقت سابق بوزارة الكهرباء والماء. وأكد أن الوظائف في الماضي موجودة، ولكن لا يريدون إعطاءها لأحد، ومن يشتغل في الحكومة لابد أن يحافظ عليها، وعلى سبيل الطرفة، سمعت أن أحد الأشخاص في القرية كان يعمل في شركة ويحصل راتبين في الشهر، لأنه يصطف مرتين في طابور توزيع الرواتب.


 مثقف لوّل (الزمن القديم)
وأكد السيد عيسى أن مثقف أيام (لول) هو من يعرف القراءة. وقال: "في حال ذهاب إحدى أسر أحد الأشخاص إلى العراق، فإنهم يقومون بإرسال الخطابات إليه للتعرف على أحوالهم، وإن لم يستطع قراءتها فإنه يبحث عن شخص يعرف القراءة لمدة قد تزيد عن يومين. وأضاف أن "من بين مثقفي (لول) حجي صالح محمد تقي خميس الذي يعرف اللغتين العربية (الفصحى) والإنجليزية.


عريس بنعال (زنوبة)
وتطرف السيد عيسى قليلا ليأخذ منحى الزواج في الماضي، إذ قال: "الذي يريد أن يتزوج يكون أمره بيد واليه (والده أو من ينوب عنه) ، وفي حال جمع المهر وصار عمره مناسبا لتحمل المسئولية، تقوم أمه أو إحدى أخواته أو عماته لاختيار الزوجة المناسبة للعريس، وفي حال الاتفاق تتم (الملجة) أو عقد الزواج والعريس لا يراها إلا في الزواج المتعارف عليه حاليا. وفي اليوم التالي من (الملجة) يتم توزيع سمك صافي في الديرة إعلانا بعقد الخطوبة. وعند قرب ليلة الزواج يقوم "العزام"، الذي يدور على كل بيت في الديرة ليعزمهم على زواج العريس، وقد يكون هذا العزام من الأهل أو يستأجر من أهالي الديرة. وتكون العزومة في بيت العريس، وهي عبارة عن وجبة عشاء، التي غالبا ما تكون من اللحم والرز. وأما في صباح العرس يؤتى بـ(الريوق) أو الفطور ، وهو عبارة عن حلوى وممروس (طحين مع تمر معمول) وخبز محله. وبعد تناول وجبة العشاء يقرأ الملا المولد حتى يطلع النجم، الذي ما أعرف كيف يحسبونه ،كما يقوم للذهاب إلى المسجد ليصلي ركعتي الزواج، بعد ذلك يتجه نحو بيت عروسته، ويسكن معاها سبعة أيام في بيت أبيها. وأثناء العرس يلبس العريس نعال زنوبة (نايلون أو نعل جلدي مزركش بالزري) وبشت وسيف ، وهذه الأشياء إما يشترونها له أو يتسلفونها من أحد الأشخاص في الديرة. أما مدة الخطوبة فإنها تتراوح على حسب المستوى المعيشي للأسرة، ولكنها لا تزيد عن أربعة أشهر".


 صلاة الجماعة
من جهة أخرى، يقول السيد عيسى: "الناس في الماضي يذهبون إلى سترة والدراز لأداء صلاة الجماعة وذلك لعدم وجودها في السنابس – منذ أن فهمت. فكنت في الماضي أذهب مع أخي علوي (أبو سيد هادي) لأداء صلاة الجماعة وراء الشيخ عيسى بن علي، الذي كان بيته في موقع غاز الكاظمين حاليا، كما نقوم بالصلاة في الحجر. على رغم ذلك سمعت أن في السنابس علماء مثل الشيخ عبدالله المصلي والشيخ علي والد الشيخ عيسى بن علي. وأول صلاة جماعة في السنابس كانت حوالي قبل 20 سنة تقريبا".


 الأطفال والسيارة
ويعود السيد عيسى قليلا إلى الماضي إذ يقول: "في أيام طفولتنا كنا نلعب بالساعات في أحد شوارع الديرة، ولكن خلال هذه الساعات الطويلة لا نرى إلا سيارة واحدة، ولم يكن ظهورها مفاجأة لنا وذلك عكس آباءنا. وممن يملكون السيارات (الول) الومن الماضي حجي عبدالحسين ملا جعفر وحجي عيد مرهون وحجي إبراهيم الحرحوش.. .


وانهمك السيد عيسى في نهاية اللقاء بالتحسر على كثير من ماضٍ ولّى، وخصوصا تلك الذكريات الجميلة. فالآن ترى الشباب وعامة الناس يذهبون إلى المجمعات والمعارض تاركين وراءهم المآتم الحسيني وما يتلى فوق منابرها من رثاء ومآسي أهل البيت (ع)، ولكن لكل زمن رجاله.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع