شارك هذا الموضوع

بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسه في السنابس (1-2) مشروع تعليم الصلاة .. فكرة بدأت متواضعة حتى عمرت

بحثنا عن فكرة، دائما ما يضرب بها الأمثال، فكرة بدأت تتكرر في أوساط المجتمع البحريني خصوصا ونحن نعيش في مطلع القرن الواحد والعشرين الذي يحمل في طياته الكثير من المفاجآت، فكرة خرجت إلى الحياة بأساسات متينة تحيطها من جميع الجوانب طاقات شبابية بمعنى الكلمة، فهذه الفكرة شكلت أساس الجيل المقبل الذي يشحن بنسمات الإسلام، لكي يكون صلبا في وجه الظروف التي غالبا ما تكون ضده، حتى لو لم تكن له علاقة بها لا من قريب أو بعيد ". .."، ولكن قبل ان يكون مشروع الفكرة جاهزا لابد من تهيئة الظروف المكانية والزمانية، بالإضافة إلى التعرف على عناصر نجاحها وسر مستقبلها.


بدأت الانطلاقة مع أحد مؤسسي مشروع تعليم الصلاة بالسنابس وعضو الإشراف العام سعيد حبيب الذي بدأ حديثه معرجا على منبع الفكرة، وذلك تهيؤا لبداية المشروع وما تبعه من أمور كثيرة، فبدأ يقول "ان مرحلة ما قبل المشروع بدأت بفتح أحمد الإسكافي "رحمه الله" مجلس بيته لاستقطاب شباب المنطقة من أجل الحفاظ على وازعهم الديني والأخلاقي، وكانت هذه الفترة امتدت بين عامي 1975 و1977م. فرواد هذا المجلس من خيرة شباب المجتمع آنذاك. بالإضافة إلى ان المجلس كان مليئا بالكتب الدينية والثقافية المختلفة، التي هيأت قلوب رواد المجلس لتؤدي دورا مهما في حاضر ومستقبل المنطقة".


ويضيف حبيب بعض تفاصيل ما يجري في المجلس بصفته أحد أعضائه فيقول "إن الأستاذ الإسكافي سن برامج منوعة و-على سبيل المثال وليس الحصر- تم إصدار مجلة حائطية في المجلس بعنوان "الغرس"، هذا الاسم له مغزى لا يخفى على أصحاب النباهة. علاوة على تكليف كل فرد -مهما كان مستواه - أن يقوم بتحضير أحد الكتب ليلقيه على جمهور المجلس، ومن ثم يطرح للمناقشة. كما يتم التشجيع على كتابة المقالات في الصحف والمجلات المحلية. وقد تسلمت "الوسط" جملة من مقالات الإسكافي "عليه الرحمة" مع بعض المشاركات لمدرسي المشروع، التي نشرت في الصحف المحلية وغير المحلية.


خرج المولود من بطن المجلس
وبدأ حبيب الانخراط في بدايات الفكرة في قوله ان ابرز الأفكار التي دارت في المجلس هي فكرة تعليم الصلاة بشكل اكثر اتساعا في المنطقة، بعد ان كانت حكرا على بعض البيوت. فلكل فكرة نظرية قبل الانتقال إلى مرحلة التطبيق على الواقع. هذه الفكرة لم تلق أي اعتراض من شباب المجلس، وقد أدى هذا الموقف إلى مسارعة الأستاذ الإسكافي باتجاه طرق باب مأتم بن خميس في بداية الأمر، ويعد الأخير الأقرب إلى مجلس الأستاذ، وبعد موافقة إدارة المأتم بإعطائه الحرية الكاملة في استخدام المأتم، ومن خلال ذلك تم الإعلان شفويا عن المشروع وفتح المأتم لاستقبال الأطفال بسرعة كبيرة، إذ بدأت أول صلاة للأطفال في المأتم في شهر مارس من عام ،1977 واختير عيسى حبيب أول شخص يؤم الأطفال، وبلغ عدد الأطفال في الأسبوع الأول نحو 50 طفلا، وبعد أسابيع قليلة ازداد العدد ليصل إلى المئات، الذي أدى بدوره إلى ملء ساحة المأتم الداخلية. بالإضافة إلى عدم مقدرة المكان على استيعاب أعداد أخرى من الأطفال، ما اضطر الأستاذ ومن معه إلى فتح المشروع في مأتم السنابس ليس فقط لاستيعاب الأعداد المتزايدة، وإنما لتعميق وحدة القرية واستقبال أعداد اكبر من الأطفال، الذين يصعب عليهم عبور الشوارع للذهاب إلى المأتم الآخر "..."، وقد استقبل مأتم السنابس بنفس رحابة بن خميس لهذه الفكرة، وتمت أول صلاة في هذا المأتم بإمامة المرحوم إبراهيم طريف.


اكتمال بناء جسم المشروع
ويكمل حبيب النصف الآخر من المشروع في قوله "لم تمض إلا شهور قليلة من انطلاق المشروع حتى فكر الأستاذ ومن معه في توسعة دائرة المشروع، ويكمن الهدف من ذلك في احتواء الطلاب الذين انتهوا من حفظ الصلاة، وذلك من خلال تدشين بعض الحلقات الدراسية المتعلقة بتدريس أحكام الصلاة وشروطها بالإضافة إلى المعارف الفقهية والدينية الأخرى. هذه الخطوة استدعت انخراط جميع طاقات المجلس في هذا المشروع. الذي كنت من بينهم مع احمد عباس خميس والأستاذ الإسكافي الذي يعد القطب الأول لهذا المشروع.


وينحرف حبيب باتجاه آخر ولكنه في صلب الموضوع فيقول إن المرحلة الأولى التي وصل إليها المشروع ساعدت على ظهور أفكار وأنشطة كثيرة، من أهمها افتتاح مشروع تعليم الصلاة للنساء، الذي لا يقل أهمية عن المشروع الرجالي، إذ شهد إقبالا كبيرا من الجنس الآخر، إذ شارك أقرباء القائمين على المشروع الرجالي من الجانب النسائي في النهوض بهذا المشروع، وقد نجح بحمد الله، ويعد هيكل كلا المشروعين متشابهين في جميع الأمور تقريبا، باستثناء الفرق الوحيد في العدد الذي وصل إلى نحو 540 طالبة طبقا لآخر إحصائية.


التخطيط لمستقبل المشروع
ويؤكد حبيب أن القائمين على المشروع لم يكن لديهم أي تخطيط مستقبلي واضح سوى تحفيظ الصلاة والأحكام الإسلامية، وبتدشين الحلقات الدراسية في المشروع، التي انطلقت بدأ بأربع فرق - اثنتان في كل مأتم - وصل عدد الطلبة في كل فرقة ما بين 25 و35 طالبا، وأعمارهم تتراوح بين 9 و14 عاما، ولكل فرقة عمر محدد. وفي حال ازدياد عدد الأعضاء في كل فرقة فان الفرقة تقسم إلى قسمين، تميز الأولى بحرف الألف والثانية بحرف الباء.
ونتيجة الزيادة الملحوظة في عدد المقبلين على المشروع، تدخل أحد المشرفين الميدانيين في المشروع عمار طريف متعمقا في حديثه فقال ان القائمين على المشروع قاموا بانتهاج خطة ترفيع الطلاب بعد قضاء عامين في كل فرقة لاستمرار استقطاب أكبر عدد من الطلاب الجدد في المشروع، فالمشروع كان يحتوي على 8 فرق دراسية، من ضمنها فرقة التخرج التي تؤهل الطالب إلى الانخراط في أحد أنشطة المشروع. من جانب آخر بدأ عدد الفرق بالانخفاض عندما عصفت أحداث التسعينات من القرن الماضي، وبعد هذه الفترة احتوى المشروع على 7 فرق فقط، في حين صار عددهم عند مطلع القرن الجاري 9 فرق، إذ شكلت فرقة التخرج نهاية المطاف بالنسبة إلى مسار الفرق الدراسية، التي يشترط فيها تقديم بحث تخرج ومناقشته أمام جمع من المدرسين والطلبة كما هو الحال في الجامعات.


مطلع الثمانينات... الفترة الذهبية
ويسرد حبيب بعض المنجزات التي تحققت للمشروع في الفترة الممتدة بين عام 1979 حتى العام 1984م في قوله إن هذه الفترة شهدت بداية التطور والقوة للمشروع، وخلفت تنوعا ملحوظا في أنشطته، إذ بدأت جلسات المدرسين بصورة منتظمة، وتم تدشين ليلة تعنى بإلقاء الكلمات والشعر والنشيد والتمثيل "..." بمشاركة الطلاب والمدرسين، التي أطلق عليها حاليا باسم "الليلة المفتوحة" وتعقد كل ليلة خميس من كل أسبوع، بعد ان كانت ليلة الجمعة أسبوعيا وتسمى "منبر الجمعة". علاوة على وجود "مائدة الجمعة"، التي يجلب فيها كل فرد في المشروع غذاءه إلى بيت أحد أعضاء المشروع بعد الاتفاق المسبق معه، بالإضافة إلى تكريم المتفوقين سنويا ووضع الامتحانات مع ترفيع الناجحين إلى الفرقة الآتية. بالإضافة إلى الحضور البارز للطلاب والمدرسين، والقيام بالاحتفالات العامة التي تحيي ذكرى مواليد أهل البيت "ع"، علاوة على افتتاح مشغل يدوي لصقل مواهب الشباب الفنية، وما زاد من اتساع هذه المواهب تخصيص فرصة لجميع الطلاب بالمشاركة في ذلك من خلال وضع حصة فنية ضمن الجدول الدراسي.


ويؤكد حبيب أن المشروع بما تضمنه من احتفالات ساعد على توسيع دائرة جمهور المشروع إلى جميع أفراد المجتمع، هذه الفترة أطلق عليها الفترة الذهبية لمشروع تعليم الصلاة.


توحيد المنهجية... تطور للمشروع
وينعطف حبيب قليلا باتجاه أحد الإنجازات التي تحققت في قوله بان منهج التدريس في المشروع غير معد سلفا، إذ كان اعتماده الأكبر على ثقافة المدرس، وتركز موضوعات الدروس على الأحكام الفقهية خصوصا. واستمر هذا الوضع فترة من الوقت، حتى برزت فكرة جديدة من المنبع "مجلس الأستاذ"، التي تنص على وضع منهج محدد للفرق مع زيادة عدد الفرق وتشكيل جدول للحصص، وقد لاقى هذا الاقتراح موافقة الجميع، وتزامن ذلك مع وجود مربي الفرقة. ومنذ وضع الجدول شهد المشروع تطورا كبيرا كما وكيفا، فازداد عدد الطلبة والمدرسين بالإضافة إلى تنوع مواد الدراسة.


عقبات اصطنعتها الظروف
وينتقل حبيب إلى زاوية أخرى سببت يوما من الأيام بعض العقبات في وجه المشروع فقال إن منعطفات كثيرة واجهت المشروع بعد سنتين تقريبا من تأسيسه، تمثلت في بعض الأزمات السياسية والأمنية التي مرت على بلدنا، التي لا تمس المشروع بصلة بسبب اتجاهه التعليمي فقط، ولكن بحمد الله ثم بحكمة الأستاذ الإسكافي وإخوانه تم التغلب على هذه المواقف التي أدت في بعض الأوقات إلى توقيف التدريس ما عدا الصلاة التي توقفت جزئيا. فأزمة 1980م التي اعتقل فيها 70 شابا تقريبا، لم تؤثر بشيء على سير المشروع، أما أزمة 1984م التي أدت إلى إغلاق جمعية التوعية الإسلامية - التي افتتحت مؤخرا في ظل الإصلاحات في المملكة - سببت في اعتقال مجموعة من كوادرها، وتضم هذه المجموعة بعض القائمين على المشروع، بالإضافة إلى هجرة الأستاذ الإسكافي، وإغلاق الكثير من الجمعيات الإسلامية، ولكن سرعان ما سيطر على الوضع وملئ الفراغ باجتماع عدد من قدماء المدرسين، ورجع المشروع بقوة اكبر وخاصة الأنشطة التي تأثرت جراء ذلك.


 وفاة الإسكافي
ويوضح حبيب سبب الانتكاسة النفسية في قلوب أعضاء المشروع بقوله ان شهر أغسطس من عام 1985م شهد استشهاد الأستاذ الإسكافي في إحدى بلاد الغربة، الذي انعكس سلبيا على نفسية الطلاب والمدرسين، وجاء هذا الغياب بعد صدمة نفسية قوية نتيجة وفاة السيد احمد الغريفي في حادث مروري. ولكن القائمين على المشروع امتصوا هذه الأزمة شيئا فشيئا، إذ ساهم عامل الوقت بتأثيره الطبيعي على القلوب. وبعد هذه الفترة بدأ ترسيخ مفهوم واضح بشأن كون المشروع تعليميا لا علاقة له بالقضايا السياسية، وفعلا تم ترسيخ هذا لجميع المنتمين إلى هذا المشروع، الذي أصبح هذا التوجه معروفا بعدم تأثره بالتقلبات السياسية والعواصف الأمنية في البلد.


تراجع مد المشروع
وتحول اتجاه الحديث إلى رئيس لجنة تعليم الصلاة في المشروع نفسه حسين عبدالله منصور الذي يقول إن نهاية عقد الثمانينات شهد تراجعا بسيطا في المشروع، ولكن مع مطلع التسعينات لوحظ تسرب مجموعة كبيرة من الطلاب، وتكاسل من جانب بعض المدرسين، ولكون المشروع تعليميا ذي صبغة دينية واجتماعية محضة، إلا انه تأثر سلبيا بالحوادث الأمنية والسياسية في تسعينات القرن الماضي، وفي هذه الفترة بدأ المشروع يترنح بين مد وجزر ظروفها، التي أدت بدورها في بعض الأحيان إلى توقف المشروع تماما نتيجة لإغلاق أحد المأتمين في فترة من فترات الحوادث الأخيرة. ويؤكد منصور ان عدد الطلبة في مطلع التسعينات فاق 400 طالب في المشروع، ولكن هذا العدد بدأ في التراجع في نهايته، ويذكر ان العدد في الوقت الراهن تعدى 350 طالبا.


خطط الانفراج السياسي
ومن جانب آخر يضيف حبيب "على رغم بروز علامات الانفراج السياسي في البلاد إلا ان الحضور مازال ضعيفا نسبيا، وبتكثيف الطاقات تم التعرف على الأسباب التي من خلالها وضعت الخطط العلاجية لذلك".


ويوضح حبيب هذه الخطط التي نفذت في السنوات الأخيرة في قوله ان القائمين على المشروع أنشأوا لجنة خاصة بوضع المناهج من خلال الالتقاء بأصحاب الخبرة والمعرفة، ووضع لكل مادة منسق يرجع إليه كلما دعت الحاجة، بالإضافة إلى البدء في توثيق المشروع من خلال توكيل أحد المدرسين بتوثيق المشروع من البداية إلى وقتنا الحالي، علاوة على تشكيل لجنة اجتماعية تعنى بتقوية العلاقات بين المدرسين والطلاب من جهة والمجتمع من جهة أخرى، إذ قامت اللجنة منذ تأسيسها بأكثر من 40 زيارة ونشاط اجتماعي، أما لجنة الترفيه فانطلقت من "المجلس" وانتقلت بعد ذلك إلى المأتمين، وقد دشنت في السنوات الأخيرة رحلة إلى بيت الله الحرام للطلبة، علاوة على تشكيل لجنة مؤقتة لتبادل الأفكار بالتنسيق مع الأنشطة المشابهة في المنطقة من اجل تطوير المشروع والتغلب على المصاعب.


ومن الزاوية نفسها يقول طريف إن بعض أعضاء المشروع قاموا بزيارات إلى عدد من المناطق في البحرين وذلك لنقل التجربة، في حين تقوم حاليا بعض المناطق بزيارة المشروع للتعرف على طبيعته وكيف يمكن الاستفادة من هذه الخبرات.


أبناء المشروع أساس الدعم
وفيما يتعلق بالجانب المادي يقول منصور إن عناصر الدعم الأساسية للمشروع تعتمد اعتمادا شبه كامل على تبرعات طلبة ومدرسي المشروع، بالإضافة إلى بعض الأنشطة كالمسابقات والمهرجانات "..."، التي قلت في الآونة الأخيرة، وتعد هذه الدخول بسيطة جدا، بحيث لا تفي بمتطلبات المشروع، ومن سوء حظ المشروع ان القائمين عليه يخجلون من طرق أبواب الآخرين من أجل النهوض بالمشروع إلى أعلى المستويات.


ولكن هل الدعم المادي هو السبب في فشل بعض المناطق في تشييد أو الاستمرار في مثل هذا النوع من المشروعات أم ان هناك جوانب أخرى تساهم في تحديد مصير التجربة من ناحية النجاح أو الفشل.


هذا المقال أتى من صحيفة الوسط
www.alwasatnews.com

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع