من أنظمة الحياة الإنسانية الكثيرة والمختلفة في عالم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والصحة وغير ذلك، نظام الأسرة؛ فالأسرة هي اللبنة الأولى والركيزة الأساسية في هيكل البناء الاجتماعي الذي يشمخ رصيناً ومتيناً إذا ما كانت النواة أو الخلية الأسرية تشدها أواصر المحبة وتقوّم بناءها أسس التعاون والإخلاص والتنسيق والروح النشطة المثابرة.
ولعل أبرز وأعظم ما خطط وبرمج له الإسلام هو التنظيم الأسري المنطلق من أعماق الفطرة الإنسانية، ولو أمعنا النظر وتدبرنا في مصدر الرقي والتقدم الحضاري وتتبعنا امتدادات أشعة القيم والفضائل والمثل ومنابت الأخلاق والآداب في الوسط الاجتماعي لرأينا أن ذلك كله ينطلق من التنظيم الأسري المتماسك؛ فلو كان هذا الكيان في المجتمع قائماً على ركائز الفضيلة والآداب الخلقية النبيلة، فإن المجتمع ستسوده روح التعاون والإخاء والمحبة وسيكون مجتمعاً منسجماً متحداً، وأهلاً لحمل الأمانة الإلهية في الحياة، أما إذا أصبح الكيان الأسري كياناً يقوم على الانحراف والرذيلة والتمزق، فهذا يعني تحلل هذا المجتمع وانحطاطه وتخلفه؛ وعلى هذا الأساس فإن الأسرة هي التي تحمل هوية المجتمع وسمات الأمة.
الدور الأمثل للمرأة
لا شك في أن أعظم دور وأفضل نشاط يمكن أن تقوم به المرأة، بما ينسجم مع طبيعتها التكوينية والنفسية، هو ما تؤديه في إطار بيتها وأسرتها، والواقع أن هذا الرأي يؤكده كل إنسان منصف لم يتأثر بالأبواق الدعائية الفاسدة والتيارات المنحرفة التي تريد للمرأة الانزلاق في مهاوي الفساد والانحلال والضياع، والانسياق وراء المقولات الرخيصة التي تستهدف الحط من مكانة المرأة ومنزلتها الرفيعة في المجتمع؛ فالمرأة هي عمود خيمة الأسرة، وهي المحور الذي تلتف حوله الأسرة وينجذب نحوه أعضاؤها؛ فبها تتآلف الأسرة وتنسجم، ولقد أثبت العلم الحديث أن الطفل يكتسب بعض الطبائع وهو ما يزال في بطن أمه، ويتأثر بالكثير من حالاتها النفسية، سواءٌ أكانت سلبية أم إيجابية، وهذه الاكتشافات جاءت لتؤيد الحديث الشريف: (الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه)، كما أن العلم الحديث أثبت استمرار تأثير طبائع الأم على الطفل إلى مدة خمسة عشر عاماً، ولوحظ أيضاً أن الطفل يتأثر ويرضخ لكلام أمه وأسلوبها العاطفي أكثر من الأب.
المرأة لا يقتصر دورها على البيت
المرأة التبريرية هي التي تشعر بالانهزام أمام الحياة عندما تحصر دورها بين جدران البيت، صحيح أن من مهمة المرأة إدارة شؤون بيتها، ولكن هذا لا يعني أن لا تتطلع إلى أدوار أخرى في حياتها.
المرأة يجب أن تواصل مسيرة العمل الرسالي الخالد؛ ففاطمة الزهراء (ع) كانت تأخذ بيد الحسين (ع) إلى بيوت المهاجرين والأنصار لتطالبهم بالاستقامة والثبات على طريق الرسالة باتباع أمير المؤمنين(ع) ونصرته؛ فالمرأة اليوم عليها أن لا تتعلل بأبنائها بل عليها أن تذهب معهم إلى ساحة العمل الرسالي لتؤدي رسالتها الخالدة؛ إذ مع ذلك فقد كانت الزهراء(ع) حاضرة في المواقف السياسية والحوادث العسكرية والقضايا الدينية والثقافية... فكانت القدوة الحسنة للمرأة المسلمة التي ينبغي أن تكون شاهدة على عصرها لكي تساهم في تقرير مصير الأمة، وترفض الانحراف والشرك والضلال وكل أنواع الكفر والنفاق والفسوق.. فيلزم نساءنا وفتياتنا اليوم أن يتخذن الزهراء(ع) قدوة لهن في سائر مناحي حياتهن.
هذا ونحمد لله على هدايته لجيل من النساء والفتيات المسلمات في العالم الإسلامي؛ فنحن نجد الآن أن المرأة المسلمة هي أحسن مما كانت عليه سابقاً، فهي تتواجد في المساجد، وتشترك في المجالس الدينية، وتساهم في أعمال الخير والإحسان، بل إننا نجد بعض النساء يقتحمن ميادين الجهاد ويحملن السلاح دفاعاً عن الإسلام.
ولكن مع ذلك فإن المسافة ما تزال شاسعة بين المرأة وبين الموقع الحقيقي الذي أراده لها الإسلام ولا يزال على المرأة أن تقطع هذه المسافة وأن تكون جدية في تذليل العقبات - إذا ما وجدت في طريقها - بالإضافة إلى الابتعاد عن الاهتمام بصغائر الأمور؛ فإن المرأة بحاجة إلى الجدية في تذليل المشاكل، لأن البعض قد يخطط للتغلب على المشاكل إلا أنه سرعان ما يتراجع فور مواجهته للفشل فينهزم نفسياً، وييأس من روح الله في حين أن اليأس ذنب عظيم، فعلى المرأة إذا دخلت سوح العمل أن توطن نفسها على مواصلة الدرب، وتكون جدية في تذليل العقبات أمام مسيرتها المقدسة، حتى تسير جنباً إلى جنب مع الرجل في أداء الرسالة الإلهية؛ ولتكون بالفعل شاهدة على عصرها.
أين يتجسد دور المرأة؟
إن الإسلام في الوقت الذي يحث المرأة على الاهتمام ببيتها وأولادها لا يفرض عليها البقاء حبيسة ذلك البيت؛ فمجالات العطاء الاجتماعي كثيرة وتستطيع المرأة أن تشترك في المشاريع العامة والخاصة التي تضاعف من وعي المجتمع، أو ترفع الظلامات السياسية أو الاقتصادية عنه، وباستطاعتها أيضاً القيام بأعمال رسالية واسعة كالتوجيه الديني والاجتماعي، وتقديم الخدمات الاجتماعية، وممارسة الكتابة والخطابة، والإسهام في دعم الثورات وتفجيرها. وهكذا فإنه إذا لم يكن هناك تزاحم بين حق البيت وحق العمل، فإن المرأة تستطيع ممارسة أي نشاط علمي أو عملي.
والإسلام ليس ضد عمل المرأة، فلقد كانت المرأة المسلمة تعمل وتتحرك على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مجال، وكان لها الدور الفاعل في صدر الإسلام بل وعلى مدى التاريخ الإسلامي؛ فلماذا - إذن - لا تشترك المرأة المعاصرة في العمل الرسالي أسوة بالرجل، فهذا تاريخنا الإسلامي المشرق يزخر بنماذج فريدة من النساء الرساليات اللائي تركن أثراً لا ينمحي في ذاكرة الزمن.
فالقرآن الكريم يضرب لنا مثلاً بليغاً ببنتي شعيب (ع) كنموذجين رائعين للنساء العاملات بشرف وكرامة، فبين لنا أنهما كانتا تعملان في تربية المواشي، وهن ملتزمات بالآداب والحياء، وعدم الاختلاط، وبهذا الأسلوب على المرأة أن تدخل ميادين الحياة، فتخرج بذلك من جمودها، وبالتالي من إطار الثقافة التي حددتها، وسلبت منها ثقتها بنفسها، وإيمانها بطاقاتها وقدراتها، وعندما ينوي الإنسان المساهمة والمشاركة في العمل الرسالي، فإن الله جل اسمه سوف يوفقه ويهديه سبل الرشاد كما وعده بذلك قائلاً: (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا).
إن موقفنا من المرأة ينبغي أن ينبعث من ولائنا لفاطمة الزهراء (ع) والمعروفة بدورها في تأسيس البيت الرسالي، والشجرة المحمدية التي ما تزال مستمرة وستظل كذلك إلى يوم القيامة، وموقفنا منها (ع) يعبر عن موقفنا من المرأة اليوم، وعلى هذا يجب تكثيف الجهود والتوجيهات تجاه العنصر النسوي سواء أكان متمثلاً بالأم أو الزوجة أو الأخت أو البنت؛ وذلك من خلال تزويد هذا القطاع بالتربية الإسلامية وتركيز الأفكار والرؤى الرسالية في هذا المجال؛ لأجل أن يتمتع النصف الثاني من المجتمع بالوعي المطلوب لكي لا يفقد دوره في مسيرة نهوض الأمة وتقدمها.
لمحة عن دور المرأة السياسي
إن المصلحة السياسية للإسلام تقتضي دخول المرأة بعض حقولها؛ فهي تبدأ بالبيعة التي عقدها رسول الله (ص) مع النساء؛ حيث قال تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً... فبايعهن واستغفر لهن إن الله غفور رحيم) وبهذه البيعة يترجم الإسلام وضع المرأة السياسي في المجتمع كما هو شأن الرجل.
يقول الشيخ شمس الدين (رحمه الله): (وكون النساء يبايعن رئيس الدولة وقائد الأمة ويتلقى ويقبل بيعتهن، يقتضي أن وضعهن السياسي في المجتمع مماثل لوضع الرجل في الحقوق).
فلها الحق في الاعتراض والتصويت والدخول في العمل السياسي برمته لبناء المجتمع سياسياً وتقويمه من الانحرافات والانزلاقات، وانتخاب المرجع الديني الذي تراه قادراً على قيادة الأمة وقد شهد التاريخ الإسلامي بطولات سطرتها النساء وقفن في وجه الحكم المتسلط على رقاب الناس وأعلن رفضهن للواقع السياسي المنحرف آنذاك.
فالسيدة زينب (ع) تقف في مجلس يزيد بن معاوية (عليهما اللعنة) في الشام وتخطب خطبة تناهض فيها الحكم اليزيدي والأموي وتحاججه بآيات القرآن الكريم، غير مبالية بجوره وتعسفه، والإباء والشجاعة يملآن نفسها.
إن دخول النساء المشروع السياسي له فوائد جمة تنعكس على المجتمع بالوعي والسير الصحيح؛ لأنهن يمثلن نصف المجتمع، ولا بد أن يرفعن ما به من ضلالة واضطهاد.
أي إن مسؤولية المرأة - وكذلك الرجل - ظاهرة ومشخصة في حفظ كيان الأمة وترسيخ دعائم الدين، والكفاح ضد الأخطار التي قد تهدده من أي جهة كانت.. والحمد لله رب العالمين.
بقلم: أنوار الموسوي
التعليقات (0)