بسم الله الرحمن الرحيم
1- ماذا نعني بالتميز؟
نعني بالتميز : التفوق على الأقران ، والظهور على الأتراب بكمال الصفات التي ترفع المرء وتعلي شأنه، فتجليه من بينهم وتظهره عليهم بحسن سمته وهديه الفذ ، وخلقه وسلوكه المرموق وبشخصيته الإسلامية المتميزة.
أهمية الموضوع :
موضوع التمييز في تربية الأبناء من الموضوعات المهمة التي ينتمي أن تعني بها الأسرة المسلمة عموماً ، وذلك لعدة أسباب منها:
أولاً:-
لأننا من أمة متميزة ، ميّزها الله عز وجل عن سائر الأمم .. حتى أصبح التميز سمة من سماتها وصفة بارزة من صفاتها ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف …) الآية( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس )الآية ، إنها أمة الوسط التي تشهد على الناس جميعاً ، فتقيم بينهم العدل والقسط ، وتضع الموازين والقيم ، وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد ، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها ، وتقول: هذا حق وهذا باطل..
- أمة متميزة في شريعتها ، فهي الشريعة الخالدة التي لا يمحوها الزمن فهي صالحة لكل زمان ومكان .. لا يحدها جنس فهي للناس كافة ..
- أمة متميزة في عبادتها وما أكثر ما كان يقول قائدها صلى الله عليه وسلم : (خالفوا المشركين) لتتميز الأمة عن كل من سواها .. ومن أبى إلا التبعية فإنه ليس منها (من تشبه بقوم فهو منهم) إن انتمائنا لهذه الأمة التي ميزها الله عن سائر الأمم يعني أن نبحث عن التميز ، ونربي أبناءنا عليه ليكونوا كالأمة التي ينتسبون إليها "
ثانياً:-
لأن الله عز وجل قد شرفنا ، ورفع قدرنا ، وأعلى شأننا وميّزنا بأن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم رسولنا ونبينا ومبعوثه إلينا .. وأكرم به من تميز وأنعم به من فخر ، وأعظم به من فضل وحظنا من هذا التميز أن نكون متميزين وذلك بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
ثالثاً:-
حاجة الأمة إلى المتميزين من أبنائها ، الذين يرفعون رايتها ، ويؤمنون برسلها ، ويدركون وظيفتها ، الواحد من هؤلاء المتميزين يعدل ألفاً بل يعدل ألوفاً كما قيل:
والناس ألف منهم كواحد *** وواحد كالألف إن أمر.
رابعاً:-
انتشار الغثائية في الكثير من الخلق ودنوّ هممهم وسفول خلقهم حتى أصبح الكثير من النشء لا أثر لهم ولا فائدة منهم في أمور الأمة ، ونصرة الدعوة .. بل أصبحوا عالة على الأمة بسوء خلقهم وسفول طباعهم وانحراف سلوكهم والأخطر من ذلك كله شذوذ أفكارهم واعتقاداتهم .
خامساً:-
كثرة وسائل الفساد التي سلطت على الأسرة المسلمة ، مما أفقد الكثير من هذه المحاضن أثرها في تربية النشء وإعداده ، والاهتمام به ورعايته ، وهذا يجعل التذكير ببعض الوسائل التربوية والأساليب الدعوية المؤثرة في إصلاح النشء من الأهمية بمكان.
سادساً:-
الأجر العظيم ، والثواب الكبير لمن سعى في صلاح أبنائه، وأحسن تربيتهم ورعايتهم فقد جاء في الحديث (إن الرجل ترفع منزلته يوم القيامة فيقول: أنى لي هذا ؟ فيقال: باستغفار ولدك لك ) والحديث الآخر: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : وذكر منها ولد صالح يدعو له) فبذل الجهد في تربية الأبناء ليكونوا متميزين في صلاحهم وسلوكهم وقدراتهم مشروع استثماري عظيم لا ينتهي به حتى بعد الممات ..
سابعاً:-
إن تربية الأبناء والقيام على توجيههم ورعايتهم ، أمانة عظمى ، ومسئولية كبرى سنسأل عنها بين يدي الله عز وجل كما جاء في الصحيحين في حديث أبن عمر ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..) ولهذا فالاهتمام بتربية الأبناء أداء لهذه المسؤوليات وقيام على هذه الإناث.
ثامناً:-
الذريّة المتميزة بصلاحها ، مطلب الأنبياء ومحل سؤالهم ورجائهم فقد جاء في دعاء زكريا عليه السلام (فهب لي من لدنك ولياً ، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا). فأجاب الله دعاءه ووهب له يحيى فكان متميزاً بزكاته وتقواه ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحكم صبيًا ، وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً).
تاسعاً:-
التميز والتفوق هو مطلب الصالحين ، ولهذا كان من دعائهم ( واجعلني للمتقين إماماً). إذا ثبت هذا ، فإننا بين يدي العديد من الأفكار العملية للإجابة عن هذا السؤال .. الذي هو في الأصل بحث ميداني شمل العشرات من الأسر ، قمت به عبر استبانة وزعتها على تلك الأسر المتميزة لمحاولة الوقوف على أبرز الأفكار العملية التي جعلت في أبنائهم متميزين .وإليكم بعض تلك الأفكار أو التجارب العملية إذ لم أذكر إلا الأفكار العملية؛ لأنها أكثر أثراً من التوجيهات النظرية.
1) المربي الخاص:-
نظراً لانشغال كثير من الآباء عن أبنائهم لظروف العمل وطبيعة العصر فإن التقصير كبير في قضية الجلوس مع الأبناء وتربيتهم وتأديبهم ، ولذلك فإن بعض الآباء اتجه إلى فكرة المربي الخاص للأبناء .. فيأتون بمدرس مربٍّ لبيوتهم أو الأبناء يذهبون إليه ، فيحفّظهم القرآن والسنة ، ويتعلمون معها بعض الآداب والفنون ويضع الأب للمربي البرامج التي يريد تربية أبنائه عليها .. وهي فكرة ليست بجديدة إذ طبّقها الكثير من السلف .. ومنهم بعض خلفاء الدولة الأموية والعباسية إذ كانوا يوكلون تربية أبنائهم لأحد من المشايخ الأفذاذ فيتعلم الأبناء العلم والأدب جميعاً …
وهي فكرة ناجحة .. ناجحة .. جداً .. وتخفف من التقصير الحاصل من بعض الآباء بحق أبنائهم نظراً لانشغالهم أو لعدم قدرتهم على تعليم أبنائهم تلك العلوم والآداب أو لعدم اتساع صدورهم للجلوس مع الأبناء والصبر على أخطائهم .. وأنا أعرف بعض الأسر قد أخذت بهذا فابتدأ المربي بتحفظ جزء عمّ للطفل منذ سن الخامسة أو السادسة ومعه الأذكار ، فتحفة الأطفال للجمزوري ثم منظومة الآداب ثم متن العدة ثم نظم الآجرومية وهكذا.. وليس الأمر مقصوراً على حفظ تلك الفنون ، وإنما أيضاً كما ذكرنا يعلمه الأدب معه وقد لا يستطيع كل أب أن يأتي لأبنه بذلك المربي .. فتأتي الفكرة الثانية وهي:
2) حلقات التحفيظ :-
وقد لا يستطيع كل أحد على فكرة المربي الخاص ، فلابد أن يكون هناك بديل عنها وهي حلقات التحفيظ في المساجد .. ومن نعم الله علينا في هذه البلاد انتشار حلق تحفيظ القرآن واشتراك الأبناء فيها أمر طيب ولكن لابد من تفعيل أثر تلك الحلق ، ومتابعة تحصيل الابن بها ومن أجل أن نحصل على أكبر فائدة ممكنة أنصح بأمور أهمها
أولاً: أن يكون هناك سجل يومي تعرف فيه كم حفظ وجودة الحفظ ، وكم راجع من المحفوظات السابقة.
ثانياً: أن يكون هناك تشجيع دائم من قبل الأب لابنه على انتظامه وحسن أدائه ( جوائز عينية أو مالية).
ثالثاً: شكر مدرس الحلقة وتشجيعه على الاهتمام بالابن.
3) اختيار المدرسة المتميزة في إدارتها وتربيتها:-
المدارس ليست على مستوى واحد .. من حيث التميز في الإدارة والتربية والعطاء .. فابحث لابنك عن المدرسة المتميزة التي يقوم على إدارتها والتدريس فيها أساتذة فضلاء مربون ، محتسبون يستشعرون بالأمانة التي وكلت إليهم ، والمسئولية التي أنيطت بهم .. فكلما كثر عدد هؤلاء الصنف من المعلمين في مدرسة كلما أصبحت قلعة علم وإيمان وتربية وإحسان.
الطالب يتأثر بأستاذه كثيراً .. وعيونه تبصره كل يوم سبع ساعات أو ثمان ساعات .. فإن كان من أهل الاستقامة كان ذلك أدعى لاستقامة التلميذ .. وإن كان متميزاً في شخصيته وعلمه وأدبه كان ذلك عوناً على تميز ولدك وارتقائه .. ( إذن فهناك معايير لاختيار المدرسة المناسبة ، وليس القرب من البيت هو المقياس الوحيد).
4) تسجيله في أبرز نشاطات المدرسة:-
في المدارس عادة جماعات أنشطة ، تقوم على تنمية مهارات الطلاب ، والارتقاء بملكاتهم ومهاراتهم والإفادة من مواهبهم ، والكثير من الطلاب استفادوا من تلك المناشط في إبراز شخصياتهم في حياتهم أكثر من استفادتهم أحياناً من التوجيهات الأسرية ، كما أن تسجيلهم في تلك النشاطات فيها فائدة أخرى وهي عزلهم عن الطالح من الطلاب وشغلهم عن الدوران في الممرات مما يتيح الفرصة للتعرف على الشلل.
5) المجلة الهادفة:-
الإعلام لا يمكن تجاهله وإدارة ظهورنا عنه ، فهو بمختلف وسائله المسموعة والمرئية والمقروءة يشكل رافداً من أهم روافد الارتقاء نحو التميز ولما كان الإعلام العالمي منه الغث والسمين، كان لابد للأسرة المسلمة أن تعنى بإيجاد الوسائل الإعلامية التربوية الهادفة في داخل الأسرة كبديل عن تلك الغثاثة والسفاهة التي تعرض في الليل والنهار على شاشات التلفزة وغيرها من وسائل الإعلام ، وكذلك وتحذير الأبناء من الوسائل الإعلامية السامة المفسدة .فالمجلة الهادفة إحدى الوسائل الإعلامية وفي الساحة بحمد الله العديد من المجلات التي تدعو إلى الخير وتنشره وتحرص عليه ، وتحذر من الشر والتيارات الهدامة وتدعوا إلى محاربتها ، وتكشف زيفها وانحرافاتها وباطلها، فالمجلة الهادفة طريقة من طرق معرفة أحوال المسلمين ، ومتابعة قضاياهم ، وإشعار للابن بأنه لبنة من لبنات بناء كبيرة هي الأمة الإسلامية ، فيشعر بانتمائه لهذه الأمة ، ويستشعر مسئوليته تجاه المسلمين في كل مكان بالإضافة إلى تنمية قدراته الأدبية ، وتعويده على القراءة ، وإكسابه للمعارف المتنوعة المبثوثة في تلك المجلات .
6) الشريط:-
أيضاً الشريط وسيلة إعلامية
التعليقات (0)