شارك هذا الموضوع

برلمانات الميتانقد

في السادس والعشرين من شهر مايو المنصرف افتُتحت أعمال البرلمان الإيراني "السابع" الذي يُسيطر عليه التكنوقراط من المحافظين وبعض من كوادر البناء (إصلاحي معتدل) المدعوم من رفسنجاني، وقد اختير في بداية جلسته الأولى بشكل موقت حسين شيخ أكبر النواب سناً وهو ممثل عن إحدى دوائر محافظة خوزستان، وفي الجلسة الثانية اختير الدكتور غلام حداد عادل الحائز على أعلى نسبة من الأصوات من بين النواب المنتخَبين، وهو رئيس لإحدى جامعات إيران وله قرابة نسب بالمرشد وهو بالإضافة إلى كل ذلك نجم لامع في التيار المحافظ، وكان اختياره رئيساً مؤقتاً للمجلس السابع بعد حصوله على 166 صوتاً من مجموع الحاضرين قد أنهي الخلاف المكتوم الذي كان دائراً بينه وبين زعامات حوزوية وسياسية متنفذة في التيار المحافظ ..


 الأولى من جمعية المؤتلفة والرابطة الإسلامية للمهندسين وجمعية أنصار خط الإمام والقائد الداعية إلى إسناد رئاسة المجلس إلى محمد رضا باهنر وهو إحدى الشخصيات القوية في اليمين، والثانية المتمثلة في روحانيت مبارز ورابطة مُدرسي الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة وبالذات من الشيخ محمد المؤمن الذي طلب من حداد صراحة سحب ترشحه من رئاسة المجلس لفسح الطريق أمام رئاسة رجل دين كالدكتور أحمد أحمدي ومحمد رضا فاكر وموسى قرباني .


بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران أخذ الحقوقيون وخبراء القانون في التداعي لصياغة دستور جديد يفي بمتطلبات واستحقاقات العهد الثوري الجديد وكان النفس السائد أن يُعطى الجانب التشريعي أقصى مداه لكي يُمارس سلطة حقيقية على أغلب جنبات النظام السياسي، وكان ذلك الإجماع نابع من تخوّف البعض من إفضاء عدمية ذلك إلى حالة من الانغلاق والدكتاتورية في عملية اتخاذ القرار وهي ثقافة لا يُراد لها أن تعود .


واللافت من كل ذلك أن الدستور الإيراني لم يُشرَّع فيه بند يؤدي إلى حل السلطة التشريعية وحتى المادة 110 من الدستور التي أعطت القائد صلاحيات كبيرة وواسعة فيما يخص عمله كولي للفقيه لم تتضمن نصوصاً تخوّله حل البرلمان، لذا فإن السلطة التشريعية في الجمهورية الإسلامية تمتلك من القوة ما يجعلها محل ركني وأساسي، وهو ما جعل جميع دورات مجلس الشورى الإسلامي السابقة (ست دورات) لأن تكون مفعمة بالنقاشات والمداولات الجريئة المتعلقة بعمل السلطة التنفيذية وجوانب التقنين، ثم إن الدعم الذي قدمه الإمام الخامنئي للمجلس السادس في يونيو 2001 عندما قال في رسالة وجهها إلى رئيس المجلس مهدي كروبي بأن البرلمان يحق له مناقشة أوضاع المؤسسات التابعة له (أي لسلطة المرشد) كمؤسسة المستضعفين ولجنة الإمام الخميني للإغاثة ومؤسسة الشهيد، قد أثرى العمل التشريعي بقوة، وزاد على ذلك عندما وافق على فتح تحقيق كان الإصلاحيون قد طالبوا به بشأن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون خصوصاً فيما يتعلق بشؤون إدارتها رغم أنها مؤسسة تابعة له مباشرة.


ورغم اشتطاط بعض جلسات المجلس السادس الذي انبرى في مناقشة قضايا حساسة جداً تتعلق ببعض أصول نظام الجمهورية الإسلامية كمتعلقات ولاية الفقيه، إلاّ أن الحكم لم يتخذ إجراءات استثنائية ضد تلك المناقشات أو ضد عملية التشريع .
لقد أدرك النظام الإسلامي في طهران أن الاهتمام بالجانب التقنيني هو اهتمام بديمومة شرعية أي نظام سياسي ويساهم في تطعيمها بكل ما يصلح لتقويمها وتبيئتها للوصول لمراحل متقدمة في عملية التشريع، وهو ما يُؤدي إلى تنشيط الأوعية البنائية لسياسية النظام .


وقبل أن أضع نقطة الختام لحديثي أودّ أن أشير إلى رابط ذو تماس بأصل المقال .. وهو ما حدث عندنا في مجلس النواب قبل أسبوع وأقصد به تداعيات التراشق بالكلمات التي وقعت بين بعض النواب حول قضايا التجنيس وتقرير لجنة الخدمات بالمجلس حول قضية صندوق التقاعد :


1. إن سعي البعض إلى تجريم أهم الكتل البرلمانية وأكثرها حيوية واتقاداً وهي كتلة الديمقراطيين لهو مسعى خطير جداً ويساهم في إشاعة نوع من الاستقواء بجهات ضد جهات أخرى، خصوصاً وأن ذلك التجريم نابع من أهداف سياسية بحتة.


2. إن هذه التجربة البرلمانية (الجدلية) التي بدأت مطلع العام 2002 وشرقت حولها طائفة وغربت أخرى، يجب أن ينظر إليها الجميع على أنها مشروع سياسي كاد أن يموت إكلينيكياً بسبب مقاطعة أطراف مهمة في الطيف السياسي له، وبالتالي فإن إنجاحه ورفده بالمنشطات والعزائم بات أمراً مُلحاً، وأن تطويره وسد الفراغات النظرية والمعوقات الاستراتيجية له وتثبيت بنائه التحتي هو مطلب حقيقي ومهم، وأن حشره في مضايق الهموم الشخصية والهامشية يصيبه في مقتل.


3. إن المساهمة في إعاقتها قد يُشجع الأقوال التي كانت تنادي (مسبقاً) بفشل التجربة التي هي في الأصل وليدة مخاض عسير لم تشهد البحرين مثله، ثم إن الوعود والآمال التي أعطيت للمشككين في صدقية التجربة ستبور وتتعثر .


4. إن أي محاولة لغلق الباب أم مناقشات لها مسوغات تشريعية سيؤدي إلى شحوب وذبول في العمل النيابي، وإن على المتجاورين في مسعاهم ضد كتلة الديمقراطيين أن لا يجعلوا رداء الذاتية والاستسهال مساراً لهم، وإلاّ سيتخلَّق حاضرنا بأشكال وثقافة العقود السود، وبالتالي سيتحول إلى خمر قديم في قوارير جديدة.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع