هَلْ يَبْكِيْ الأَعْورُ مِنْ عَيْنٍ واحِدَة ؟
لم يشأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التعامل مع الطلبة الذين قاطعوا خطابه في جامعة أمير كبير بالعاصمة (طهران) بشعار " الموت للدكتاتور" ومن ثمّ إحراق صوره جِهاراً وأمام بصره بغير أسلوبه المثير للجدل في التعاطي مع الحوادث الداخلية والخارجية . فقد ردّ نجاد على ذلك الحدث الذي يحصل له لأول مرّة منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في يوليو/ تموز من العام 2005 من خلال مُدوّنته الشخصية (Blog) بأن هذا الحادث " أدخل السرور إلى قلبه حين تتمكّن مجموعة قليلة بين أكثرية طلابية بتوجيه إهاناتها لرئيس جمهورية انتخبه الشعب وبحضوره بكل حريّة ومن دون خوف، وقد ذكّرني ذلك بالأوضاع الطلابية في المرحلة التي كنت فيها طالباً وذكّرتني أيضاً باحتفالات يوم الطالب قبل الثورة وكيف كنا في سنتي 1975 - 1976 في غياب الفضاء السياسي وعدم إمكان توجيه أي انتقاد للحكومة العلمانية المدعومة من الغرب، إذ كان ثمن الإهانة لمسئولي الدولة الموت أو السجن أو التعذيب. أما اليوم فإن أقليّة محدودة تقوم بتخريب جلسة للأكثرية وتصل إلى حدود توجيه الإهانة وإحراق الصور وبوصف الحكومة المنتخبة بأنها صنو للدكتاتورية من دون أن يكون لديهم خوف من العواقب، عندما رأيت بالأمس هذا المشهد الحر لم يعتريني أي شعور بالألم والانزعاج تجاه أي فرد لا كشخص اسمه أحمدي نجاد بل كخادم لهذه الأمة ورئيساً للجمهورية والمسئول عن الإدارة السياسية للبلاد، وشكرت الله بكل ما أوتيت من قوة على نعمة هذه الثورة العظيمة المانحة للحرية التي هي نتاج دماء الأخوة والأخوات الشهداء، وإنني أقدّم كل ماء وجهي وكياني فداءً لهذه الحرية " .
بطبيعة الحال فإن الرئيس التعميري أحمدي نجاد قد استطاع بهذا الخطاب عصر آخر قطرات الربحية من موقف الطلاب وتوظيفه لصالحة بطريقة ذكيّة دَرَجَ عليها في لقاءاته مع مُريديه. وهي تُذكّرني بحادثة مشابهة وقعت للرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي في جامعة طهران في السادس من ديسمبر/ كانون الأول من العام 2004 عندما قاطع خطابه طلاب إيرانيون في اليوم الوطني للطالب بشعارات "عار عليك يا خاتمي " و" خاتمي نكرهك " و "لقد انتخبناك دون فائدة" ! والفارق بين الحادثين هو أن من هتفوا ضد خاتمي كانوا من نسيجه السياسي " إصلاحيون " أما من هتفوا ضد أحمدي نجاد فلم يكونوا " محافظين" !
من يتابع نشاطات الرئيس أحمدي نجاد من خلال مُدوّنته الشخصية التي يُفرِد لها خمسة عشر دقيقة يومياً لربما يُصادف الكثير من المواقف المثيرة للجدل والتي اتّسمت بها شخصيته التي تحولّت بسرعة البرق إلى شخصية كارزمية في فترة قياسية منذ مجيئه إلى الرئاسة قبل سنة وأربعة أشهر، والتي أحسبها قد تكوّنت لبنة بعد أخرى منذ أن كان مُحافظاً لمحافظة أردبيل في عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، ومن ثمّ رئيساً لبلدية طهران، فقد صدّر نجاد مُدوّنته بقوله : " إن الهدف من إنشاء هذا الموقع هو الارتباط بزائريه ارتباطاً مباشراً وثنائياً، ولذلك فضّلت أن أقضي جميع وقتي الذي خصّصته للموقع في قراءة آراء الزائرين الأعزاء ونظراتهم، وإنني أرى أن معظم الخطابات الموجّهة إليّ تتضمّن مقترحات وانتقادات أو حتى أسئلة، وذلك لاعتقادهم بأني أنا الذي سأقرأها شخصياً " .
والغريب أن الكثير من الرسائل التي يُوجهها زائرون إيرانيون وعرب تتلقّى رداً من نجاد، فقد أجاب الرئيس على رسالة أحد الزوّار بالقول " الكثير من الرسائل والخطابات التي يوجّهها لي أبناء الشعب الإيراني وزوار الموقع، تحوي مقترحات وتنبيهات بنّاءة أعتبرها موهبة إلهية تستوجب الشكر، وقد تضمّنت رسالة أحد الإخوة الأعزّاء في الرسائل الأخيرة تنبيهاً قيّماً عن رحلاتنا التفقّدية التي نقوم بها أنا والوزراء إلى محافظات البلاد . لقد تسبّب هذا الشاب في تغيير جذريّ وقيّم لرحلاتنا القادمة للمحافظات، وأتقدّم هنا بصفتي المندوب المنتخب من قبل أبناء الشعب الإيراني، بجزيل الشكر لهذا الشاب وأمثاله ممّن لا يبخلون بآرائهم البنّاءة عن الحكومة التاسعة للجمهورية الإسلامية، ولعلّهم لن يعلموا مدى ما تحمله خطاباتهم من إيجابيات للبلاد " .
كما أن من الغريب في الأمر أن نجاد لم يستنكف من سَرده جزءًا من بُؤس حياته الخاصة، عندما قال بأنه عَمِل حدّاداً في ورشة جارهم يكبس الصفائح لقنوات التبريد لتأمين مصروفات الدراسة التي لم يستطع والده توفيرها له. كما أشار في ثنايا الحديث إلى فترة دراسته الجامعية وأوضاع زوجته عندما تركها متوجهاً للجبهة كناشط في القوات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) إبّان الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) . في جانب آخر من مُدوّنته الشخصية، يطرح الرئيس نجاد تساؤلاً للزائرين : هل ترى في النظام السائد حالياً داخل منظمة الأمم المتحدة وممارسة حق الفيتو من قبل القوى العظمى ومنتصري الحرب العالمية الثانية نظاماً عادلاً ؟ وعلى رغم أن النتيجة تكون شبه محسومة لمثل هكذا أسئلة مُصاغة بشكل يستبطن الإجابة عليها سلفاً، إلاّ أنك وعندما تُشارك في التصويت وتضطلع على النتيجة ترى أن 13 في المئة يُجيبون بنعم، بينما 87 في المئة يجيبون بلا .
ما يهمنا القول هنا، أن هذه السمات التي ارتبطت بشخصية الرئيس أحمدي نجاد هي بلا شك أعطته مزيداً من المقبولية لدى الشارع الإيراني، إلاّ أن الأكيد أيضاً هو أن تحريكها كحجر شطرنجي وحيد في خريطة اللعبة الداخلية والخارجية سيؤول إلى الاستهلال المتدرج مع مرور الزمن، لأن الحكومة التاسعة التي تخطّى رئيسها رقاب ستة من المترشحين معظمهم مُخضرمون بمشهد انتخابي صاعق لديها من الوعود ما يجعل احترامها للوقت مُقدّساً أكثر من أي شيء آخر. وعلى رغم ما قام به نجاد من صرف مبالغ شهرية لأكثر من مليوني طالب جامعي عاطلين ينتظرون الدخول إلى سوق العمل، وتوزيع جزء من أسهم الشركات النفطية الوطنية على شريحتين مُجتمعيتين صُنفتا على أنهما بحاجة لدعم قومي، إلاّ أن التعامل بعقل اقتصادي حكيم مع عوائد النفط المتعاظمة بفضل ارتفاع أسعار النفط وعدم المساس ما أمكن بما جَمَعَتْهُ إيران من عملة صعبة تجاوزت السبعة والخمسين مليار دولار في فترة قياسية، وتخصيصه لصندوق الأجيال... كلها تُشكّل المكاسب الحقيقية لأي حكومة، كما أن غرماء نجاد من الإصلاحيين مازالوا يتوثّبون لتجارب سياسية قادمة، وهم يرقبون المشهد المحافظ ولو بعين واحدة لتسجيل ما أمكن من نقاط على التجربة الأصولية وتوظيفها مُستقبلاً لمعارك انتخابية .
التعليقات (9)
المعارض ، غضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2006-12-27 - الوقت: 10:40:29بسم الله الرحمن الرحيم أودّ أن أشكرك يا أستاذ محمد لمجهودك المتواصل في الكتابة عن متجدات الوضع السياسي في إيران و لكني أرغب في أن أوسع دائرة النقاش لتتعدى رئيس ايران المتشدد الحالي أحمدي نجاد و الرئيس السابق المحافظ الدكتور محمد خاتمي و تشمل السلطة العاليا التي تملك مفتاح الأمر و النهي مهما كبرة أحجار الشطرج أو صغرة لا تنظر إليها بل ينظر لمن يحركها ، فكلا الحزبين لا يستطيعان ان يرسما سياسة إيرانية جديدة حيث أنها محصورة فقط في الولاية المطلقة لمرجعية الخامنئي ،و هي الزاوية الصحيحة التي ينظر من خلالها مسألة منهجية التغير في السياسة الإيرانية . فهل أستطاع خاتمي الذي إجتهد خلال حكمه بأن ينفتح على الغرب بما فيهم أمريكا ؟ أتوقف عند هذه الإلتفاتة التي أتمنى بأن تشر إليها في كتاباتك المقبلة . شكراً لك مجدداً و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
محمد عبد الله محمد
تاريخ: 2006-12-27 - الوقت: 18:48:51الأخ العزيز المعارض .. أشكرك على مداخلتك التي أعقّب عليها ببالتالي : إن مسألة ولاية الفقيه لم تعد اجتهاداً فقهياً يُمكن الاجتراح فيه تبعاً للظروف الفقهية الطارئة والمتبدلة بشكلها اللحظي بل إنها أضحت بنداً في الدستور الإيراني وبالتالي فهي تَنظِم الحياة السياسية الإيرانية، أما مسألة المساحة التي يتحرك فيها الإصلاحيون أو المحافظون فهي مساحة تُفسّرها ظروف الواقع .. فقبل مجيء السيد خاتمي لم تكن إيران كما كانت في عهده بتفصيلات كثيرة كتبت عنها كثيراً، والآن وبعد مجيء السيد أحمدي نجاد فإن الكثير من السياسات قد نُسِخَت وبالتالي فالتبدل موجود وقائم طبقاً للتوجهات الحزبية، أما مسألة الحديث عن العلاقة مع الولايات المتحدة فهي مرتبطة بعدة ملفات هي في الأساس محل اتفاق في حدها الأدنى بين الفرقاء الإيرانيين .. الودائع الإيرانية .. الدبلماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين .. قانون داماتو .. تعويضات طائرة الإيرباص الإيرانية التي أسقطتها البارجة الأمريكية في الخليج فينينس ...... إلخ .. السيد الخامنئي وحسب الدستور هو من يضع السياسات العامة للنظام الإسلامي دون التدخل في التفصيلات الجزئية والإجرائية . تحياتي إليك محمد
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2006-12-28 - الوقت: 05:31:55بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأستاذ الكاتب محمد عبدالله المحترم تحية طيبة و بعد ، أودّ أن أشكرك على تعقبك لمداخلتي المتواضعة ، و أتمنى أن توضح لي و للقراء مرتادي الموقع بعض النقاط التي طرحتها لو سمحت ، و أحبب أن أحصرها في نقاط لكي يسهل تناولها : 1- ( إن مسألة ولاية الفقيه لم تعد اجتهاداً فقهياً يُمكن الاجتراح فيه تبعاً للظروف الفقهية الطارئة والمتبدلة بشكلها اللحظي بل إنها أضحت بنداً في الدستور الإيراني وبالتالي فهي تَنظِم الحياة السياسية الإيرانية . ) ، إذاً أنت توافقني الرأي بأن السلطة العليا المخولة لرسم السياسة الخارجية الإيرانية هو من يشغل منصب ولاية الفقيه أو بعنوان آخر ولاية أمر المسلمين ، و عملية تغير منهجية السياسة الخارجية منوط بتغير من يشغل المنصب . 2- ( أما مسألة المساحة التي يتحرك فيها الإصلاحيون أو المحافظون فهي مساحة تُفسّرها ظروف الواقع .. فقبل مجيء السيد خاتمي لم تكن إيران كما كانت في عهده بتفصيلات كثيرة كتبت عنها كثيراً.) ، كلا الحزبين مطلوق له العنان بأن يعدو بنشاطه في الساحة الداخلية ، و لكن القضايا الخارجية لها بعد مختلف ، فالسياسة الخارجية مشدودة بعنان متين بيد مرشد الثورة الإسلامية السيد الخمنائي ، و يصعب طرح أفكار تتعارض مع منهج المرشد . 3- ( مسألة الحديث عن العلاقة مع الولايات المتحدة فهي مرتبطة بعدة ملفات هي في الأساس محل اتفاق في حدها الأدنى بين الفرقاء الإيرانيين .) ، ليست الواجهة للإنفتاح بالضرورة أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية ، بل أي دولة من شئنها أن تبني مصالح إقتصادية تكنلوجية علمية أو حتى سياسية ، خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ، فسياسة الإنطواء و محدودية العلاقات الدولية لن تدفع عجلة التقدم للبلاد بل قد تشلها إن لم توقفها . ألم تحتاج إيران للسوفيت و بعض الدول الأوربية ذات العضوية الدولية في مجلس الأمن لكي ينتشلها من مئزق ملفها النووي . سياسة التعايش الدولي لها خطواط يجب على السياسة الإيرانية أن تتبعها ، و إن التفرد بالرأي سينعكس عليها إنعكاس سلبي بالتأكيد . شكراً لك مجدداً أستاذي الكبير و أتمنى أن لا أكون ثقيل الظل على مقالاتك . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
محمد عبد الله محمد
تاريخ: 2006-12-28 - الوقت: 17:28:55الأخ العزيز والحبيب " المعارض " .. سرّني كثيراً ما كتبته لي مُتطلعاً فيك واعياً، وقد لحظت في بعض حديثك نوع من الخلط " إن أَجَزت لي أن أقول " في موضوعة ولاية الفقيه ودور الإمام الخامنئي داخل النظام الإسلامي، لذا فإنني أودّ الإشارة إلى التوضيح التالي كسباً لفائدتنا جميعاً كما قلت : كان الإمام الخميني (قد÷ ومن لفَّ لفَهُ من مُريدينَ قد فَهِمُوا شيئاً جوهرياً في العملِ السياسي وهو أنه من الصعبِ على رجلِ السياسةِ أن يقتادَ من أيدلوجية واحدةٍ خالصةٍ لا تقبلُ شيئاً من خارجِ ذوقِها بل وتعتبُره وزناً زائداً على جِسمها، لذا فإنهم وبُعيدَ انتصارِ الثورةِ الإسلاميةِ في 11 فبراير 1979 وعَوا بأن إقامةَ إمارةٍ دينيةٍ يحكمها أميرٌ للمؤمنين أو دولةِ العدلِ الإلهي الذي يحكمها الفقيهُ بلا سلطاتٍ ثلاث هو ضربٌ من الجنون لذا فقد بادرَوا إلى تكييفِ أيدلوجي مع ما هو سائدٌ من نظامٍ دوليٍ في فقهِ الدولةِ الحديث مع المحافظة على قدسيةِ جوهرِ الأفكار الدينية التي ناضلوا من أجلها والتي من أهمِها مبدأ ولاية الفقيه الذي أسس لها سبط بن الجوزي وعمِل بها الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (940 هـ) والمحقق الأردبيلي (993 هـ) في أتونِ قيامِ الدولةِ الصفوية ثم نظّرَ لها أكثر الشيخ أحمد النراقي (1248 هـ) من فقهاءِ القرن الثامن عشر وكلهم كانوا يُجمعون على ضرورة استحصالها المقبوليةِ والبيعةِ لكي تكتمل ويتحقق بذلك انبساط اليد للحاكم . لقد أضاف الإمام الخميني بُعداً دراماتيكياً لولاية الفقيه متيقناً أن من خلالها يمكن العودةُ إلى علاقةِ الثابتِ بالمتغير أو الشريعةِ بالواقع وهي التي تحاكيها التحدياتُ المعاصرة من مناحي مختلفة، تبَعاً لنفوذ الإطار العلمي الغربي مرة أو ارتباطاً بمحاولاتِ التجديد والتحديث التي تتطلع إليها إنتلجنسيا العالم الإسلامي مرة أخرى، وعليه يمسي دور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية جوهرياً ومحورياً، في عقلنة التجاذباتِ الحادة التي تفرزها نزعاتُ الجمودِ أو التجديد، التأصيلُ والتحديث، ذلك أن الحراك الاجتماعي والمعرفي الحيوي الذي يمكن أن تحياه البشرية لا يمكن اختزالُه في مغامرةٍ فكريةٍ خالصة، أو صراعٍ سياسيٍ مباشر لأنها حالةٌ تاريخيةٌ متعددةُ الأبعاد، تغدو مصلحةُ الأمة أحدَ أهم أبعادِها وأكثَرِها حضوراً، من هنا تتبين ضرورةُ الإنشدادِ والركون إلى موقع الولاية بوصفهِ الوازنُ لتقاطبِ المفاهيم والمصالح . وفي سبيل إيجاد مُسببات الحصول على المرشد الصالح فقد دأب الإمام الخميني في بحوثه الولائية على التأكيد على أن شَرطَي العلم والعدالة يجب أن يتوفرا في الولي الفقيه، لكي يُحيلانِ كفايةَ الولي إلى كفايةٍ ذاتية والضوابطُ إلى ضوابطَ داخلية بالإضافة إلى مراقبة الجهة القضائية وأهل الحل والعقد له، بدلاً من التعويل على كفايات وضوابط خارجية، وحيث أن تنفيذ الأحكام الإلهية والعدل يتماثلان ويندرجان في دائرة واحدة، فإن ذلك يعني أن تنفيذ الأحكام الإلهية وخدمة الناس ( كما هو مذكور في كتاب الحكومة الإسلامية ) يشكلان قاعدة ممارسة السلطة في فكـر الإمام الخميني، وهذا هو أحد المرتكزات التي يتأسس عليها تجديده السياسي الديني، حيث أن إعلاء قيمة خدمة الناس ووضعها إلى جانب تنفيذ الأحكام يشكل الإجابة الخمينية على إحدى الإشكاليات المطروحة على الدوام في علم السياسة وعلم الاجتماع، وهو ما أوجد مبدأ فلسفي مؤصل متماهٍ مع قِيَم المجتمع وتستمد منه السلطة مبررات تأسيسها واستمراريتها . وفي عملية استقراء عمودية للحالة المشروعية للأنظمة السياسية السائدة في العالم وخصوصاً تلك الأنظمة التي رَشَحت بعد الثورة البيضاء في انكلترا بالقرن السادس عشر والثورة الفرنسية العتيدة في القرن الثامن عشر وكذا فترة صياغة الدستور الأمريكي بعد الحرب الأهلية في القارة الشمالية الجديدة نلحظ أنها تلتقي حول ركيزتين أساسيتين في مشروع الدولة السياسي : (1) الجهة المركزية والنهائية في سلسلة مشروعية حيثيات النظام السياسي التي يُمكن التحاكم إليها في حالة الصدام التنفيذي أو القضائي أو التشريعي . (2) الخطوط الحمراء لأصل النظام السياسي التي بها حياته وبها مماته ( الحرية الليبرالية في الغرب مثالاً ) وعليه لا يُمكن وبأي حال من الأحوال القفز عليها أو تجاهلها أو التآمر عليها . وتأسيساً على ذلك فقد استطاعت الجمهورية الإسلامية أن تُوجد ما يُمكن أن يُسمى بالمرجعية السياسية العليا التي يُمكن اللجوء إليها كصمّام أمان في حالة الاختناق الدستوري بين السلطات حالها حال باقي الدول وهي موقع الولي الفقيه بالمصطلح الفقهي أو مرشدية الثورة ( أو الجمهورية ) الإسلامية الذي هو وبحسب المادة 110 من الدستور الإيراني موقع محوري في النظام السياسي لطالما كان مفتاحاً دستورياً لحلحلة الكثير من القضايا التي لم يُوجد لدينا حلول إدارية أو قضائية أو تشريعية . خصوصاً إذا استحضرنا فكرة أن الولي الفقيه وبحسب الفقه السياسي غير مقيد بالأخذ بالأحكام الأولية والثّانوية، بل له حكم ولائي مستقل، في عرض الأحكام الأولية والثانوية ناشئ من الخلط بين الأحكام التشريعية والأحكام الإجرائية، كما أن الفقه السياسي لا يقول بأن الحاكم ليس له حكم ولائي بل هو ثابت له، ولكنه ليس في عرضهما بل في طولهما، فمثلاً أن الأحكام الأولية كوجوب الصلاة والزكاة والجهاد، والثّانوية كنفي الضرر والحرج ولزوم حفظ النظام، أحكام كلية إلهية، وقوانين عامّة شرعية، وأمّا الحكم الولائي حكم جزئي من ناحية الحاكم، يحصل من تطبيق القوانين الكلية الإلهية على مصاديقها الجزئية، مثلاً : الفقيه الذي يحكم بأن التدخين بالتنباك في هذا اليوم بمنزلة الحرب ضد الإمام المهدي ( وهي فتوى السيد محمد حسن الشيرازي الكبير في القرن الثامن عشر ) ينظر إلى حكم كلي، وهو أن كلّ شيء يكون سبباً في إضعاف المسلمين، وكسر شوكتهم، فهو بمنزلة المحاربة له واستعمال التنباك في ظروف خاصة كان بنظر الفقيه الجامع لشرائط الحكم وبحسب رأيه الصائب مصداقاً لذلك، فيحكم بهذا الحكم الولائي باتاً، وإذا ارتفعت العلّة الموجبة له يحكم بجوازه لتبدل موضوعه . كما أنه وفي موطن آخر يجب أن نُشير أن فقهاء المسلمين بشتى مشاربهم المذهبية قد اتفقوا على أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على أربعة أركان : 1. الحاكمية لله . 2. للسيادة للشرع . 3. المراقبة للأمة . 4. طاعة الحاكم ما دام في طاعة الله . وعندما نريد إجراء مقاربة بين ما هو سائد من أنظمة دولية حديثة في الغرب وما بها من صلاحيات تنفيذية وتشريعية للمرجعية العليا للدولة بغرض مأسسة العمل التنفيذي والتشريعي وبين المرشد في الجمهورية الإسلامية نلحظ ما يلي : أن النظام السياسي البرلماني الذي ساد منذ القرن السادس عشر حول ثنائية الجهاز التنفيذي بين رئيس الدولة والوزارة قد خضع للمسألة العرفية بشكل مفرط حيث أن رئيس الدولة الذي يُشار إليه بأنه يسود ولا يحكم باعتباره لا يمارس الوظيفة التنفيذية قد احتفظ لنفسه حق تعيين الوزارة وعزلها وحق حل المجلس النيابي المنتخب وأخرى متعلقة بعمل السلطتين التنفيذية والتشريعية في مسائل الوحدة والتضامن والتجانس والانسجام ومظاهر الرقابة المتبادلة من حق السؤال والاستجواب وحق إجراء التحقيق . كما أن الصلاحيات التي أُعطيت للنظام الرئاسي قد لا تكون بغربة عن الصلاحيات التي أعطيت للمرشدية في إيران فالمرجعية الرئاسية العليا في الأنظمة الغربية المتمثلة في الرئيس هي التي تضع السياسات العامة للدولة وتُشرف على تنفيذها وتُنظم وتُراقب أعمال الإدارات العامة وتتولى القيادة العليا للجيش وتباشر السياسة الخارجية دون أن يكون لوزراء الدولة استقلالية في مواجهتها بل هي التي تُعينهم وتعزلهم ويخضعون لها خضوعاً تاماً ويستمدون سلطاتهم واختصاصاتهم منها وتكون مسئوليتهم عند تنفيذهم للسياسة العامة أمامها وحدها كما أن النظام الرئاسي في حيثية التوازن والرقابة أعطى رئيس الجمهورية حق الاعتراض على القوانين التي يشرعها البرلمان وهو ما يُسمى بحق الاعتراض التوقيفي المؤقت . وفي الولايات المتحدة الأمريكية فإن طابع الرئاسة قد اتسم بالتباين إلى حد ما مع ما هو سائد في أوربا، فالرئيس الأمريكي من حقه عزل كبار قضاة المحكمة العليا، وهو قائداً أعلى للجيش سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب وبهذه الصفة يستطيع الرئيس إدخال القوات المسلحة في عمليات حربية دون أن يسبقها إعلان حرب رسمي من قِبَل الكونغرس وهو ذات الأمر الذي فعله الرئيس روزفلت في الحرب العالمية الثانية وترومان في حرب الكوريتين وجونسون في فيتنام . بالإضافة إلى كل ذلك يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة جداً تُخوله مصادرة الأشخاص والأموال بحجة الدفاع الوطني، وهو مارأيناه جلياً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، كما أنه يستطيع أيضاً عقد اتفاقيات دولية دون الرجوع لمجلس الشيوخ وذلك بصيغة اتفاق تنفيذي Executive Agreement . وفي مجال القضاء أقرّ الدستور الأمريكي أن للرئيس حق إصدار العفو العام عن الجرائم وله حق إلغاء العقوبة الجنائية أو تخفيضها أو وقف تنفيذها، كما يملك حق العفو الشامل بأن يرفع عن الفعل وصف الجريمة لمن شملهم الإعفاء وهو تخويل نادر جداً في الأنظمة الغربية . وفي المجال التقنيني خُوِّلَ الرئيس حق التدخل في النشاط التشريعي للكونغرس من ناحيتين : 1. حقه في أن يقدم توصيات تشريعية من خلال إخطاره للكونغرس بحالة الاتحاد العام من وقت لآخر . 2. حق الرئيس في استخدام الاعتراض التوقيفي على القوانين التي يقرها الكونغرس . أخيراً يمكن الوقوف على دور المرشد ومن خلال تجارب سابقة طرأت على المشهد السياسي الإيراني يلعب دوراً مهمّا في النظام السياسي، ومفتاحاً سحرياً لفرملة ما قد يُؤدي إلى تأزيم الموقف أو تعقيده، فتدخله لحسم مسألة الإغتيالات التي طالت ستة من المثقفين الليبراليين عام 1998 ثم طلبه من السلطة القضائية مراجعة وتخفيف حكم الإعدام بحق هاشم آغاجري وقضية مجلس صيانة الدستور في مراجعة الملفات المرفوضة كلها أمور يمكن قراءتها لتوصيف واقع مهم لمحورية تلك المرجعية السياسية الإيرانية، رغم أنني على يقين بأن نظرية الحكم الفقهية المعمول بها في الجمهورية الإسلامية تتمتع بالمرونة إلى أقصى حد بغية الموائمة المستمرة مع المستجدات والأحداث الطارئة وهو ما قد يلمسه كل متتبع للشأن الإيراني عن قرب . تحياتي ،، محمد عبد الله محمد
ام زهراء
تاريخ: 2007-01-02 - الوقت: 04:20:38احبه احمدي نجاد وافتخر به ان يكون قائد للجمهورية الاسلامية الايرانية واتمنى لو كنت من رعاياه او كان قائد بلادي الله يوفقه ويحفظه ويسدد خطاه ويؤيده شكرا على المقااالة سليل الخميني وهو الخميني الصغير القادم
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2007-01-03 - الوقت: 05:49:49بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأستاذ محمد عبدالله المحترم تحية طيبة و بعد ، أودّ أن أشكرك على حسن تعاونك ، و لقد لمست فيك القلم الواعي الهادف ، و لقد إستفدت من حواري الأخير معك ، و أتمنى أن ألتقي معك فكرياً في مقالات مقبلة إن شاء الله ، و كل عام و أنت و مرتادي الموقع بخير . سوف أعرض النقاش في الصرح الحسني إن لم تنانع لكي تعم الفائدة . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حسين سهوان
تاريخ: 2007-01-03 - الوقت: 16:24:43أود أن أعلق إن سمح لي كاتب الموضوع وكذلك المعارض أن أبين شيئا بسيطا جدا في مسألة واحدة وهي مسألة علاقة إيران بالولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها ... علاقة إيران بالآخرين تبتني على أساس الإحترام والتقدير وعدم التبعية وهذا مالم يوافق وجهة النظر الأمريكية على الإطلاق ولذلك وقفت بصورة المعادي لنظام الجمهورية منذ تأسيسه .. إيران قالت مرارا وتكرارا بأنها لاتمانع إقامة علاقة مع أمريكا ولكن ضمن أسس ومبادئ أولها الإحترام ولكن أمريكا التي ترفض ذلك!! وإذا نظرت إلى التاريخ الماضي والحاضر فإن أول من بدأ الحرب ضد إيران هي أمريكا بيد صدام المقبور، وتتالت الأمور ضد إيران من قبل أمريكا واليوم أنت ترى بأن أول من يقف أمام كل شئ إيراني هو أمريكا فكيف يمكن لإيران أن تقيم علاقة مع دولة لاتحترمها .. لاننسى أن إيران الإسلامية ليست مثل الخليج التابع للسياسات الأمريكية أو غيرها من الدول فهي تريد الإستقلال لنفسها وقد مضى على خطاها اليوم بعض الدول مثل فنزويلا .. ليست ولاية الفقيه مانع من إقامة أية علاقة على أسس الإحترام وإنما هذا رأي الشعب والشارع الإيراني ولك أن تعود بالذاكرة قليلا لترى أن معظم الشعب يكره أمريكا لأنها الدولة المتقدمة ضد تطور الجمهورية الإسلامية دائما أخوكم حسين سهوان
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2007-01-04 - الوقت: 10:17:31بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأخ العزيز الأستاذ حسين سهوان المحترم تحية طيبة و بعد ، شكراً لمداخلتك و تلاقح أفكارك مع أفكارنا ، لقد طرحت الموضوع في الصرح الإسلامي لكي نحضى بأفكار أخرى و تعم الفائدة ، و هو على الوصلة التالية : http://alsarh.org/showthread.php?s=4b448be8abdde29f13f6f00cf44239cb&threadid=40486 و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المعارض ، عضو في الصرح الحسيني
تاريخ: 2007-01-04 - الوقت: 13:16:56بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأخ الأستاذ حسين سهوان المحترم تحية طيبة و بعد ، أسمح لي بأن أعلق على ما طرحته شاكراً مداخلتك القيمة . فن التعايش مع قانون الغاب : من الصعب أن تعزل سياسة بلد عن السياسة الأقليمية التي تمثلها سياسات الدول المجاورة و كذلك السياسة الدولية . فبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي تفردت الولايات الأمريكية لتلعب بمصير العالم و خصوصاً دول العالم الثالث أو الدول النامية . ليس الإنفتاح السياسي الخارجي مقصور على أمريكا ، بل إن هنالك سياسات ذات ثقل دولي جديرة بالإلتفاف حولها ، ألم تناشد إيران روسيا و الصين و بعض دول جنوب شرق آسيا بأن تنتشلها من المأزق الننوي . مازال قانون الغاب يحكمنا و لكن الأيدلوجية مختلفة ، فبدل أن يفترسك عدوك علناً ، سوف يبحث عن ألف سبب شرعي ليلتهمك أمام الجميع و هم يصفقون . نحن في زمن التحالفات التي تجمعها المصالح ، فالحلف القوي لا تقدر عليه أمريكا و لا غيرها . أكتفي بهذا القدر و أشكرك مجدداً للمداخلة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته