بين سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في حديث الجمعة (3 نوفمبر 2006م) بأن المشاركة لا تعني إضفاء الشرعية على الدستور كونها تقوم على هذا الوعي، منبهاً: "أربع سنوات إما أن يتولّى أمرنا فيها بالإضافة إلى من يتولاه من وزراء مجلس نيابيّ معاد، أو يتولى ذلك مجلس نيابي فيه صوتٌ حرٌّ ينطق بالحق بقوّة وجرأة، ويذود عن حمى حقوق هذا الشعب المظلوم"، وقد تطرق سماحته إلى لقاء العلماء بالملك على خلفية تقرير البندر، ومطالبتهم بطمئنة حقيقية عن طريق معالجة الملفات متطلعين إلى موقف ايجابي، مضيفاً: "مطلوب في قضية البندر أن يُكشف اللغز، وأن يُجلّى عن منطقة ما تحت الثلج في هذه القضية، ذلك لا لتأجيج الأوضاع وإنما للاقتراب بها من حالة الأمن والاستقرار والأخوّة الصادقة"، ومشدداً في الوقت ذاته على احترام العلماء الرساليين الذين يذودون عن الدين والوطن، كون اسقاطهم: "مطلب أمريكي" و"فصل الجماهير عن فقهائها وعلمائها مطلب أمريكي تُوظّف له الميزانية الضخمة" مشيراً إلى دور العلماء المخلصين في خدمة أوطانهم، ومنبهاً: "إما أن لا أكون مخلصاً حتى أُصفِّق كلما صفّق الشارع، ولا أكون مخلصاً إلا إذا كلما نادى منادٍ ناديت، فهذه سذاجة"...
وإليكم نص الخطبة:
أولاً: المشاركة والمقاطعة.. كثر الحديث ولم يكثر:
كثر حديثي شخصيّاً في المشاركة والمقاطعة فقد تكرّر مرّات، وهو مع ذلك لم يكثر بلحاظ أهمية الموضوع. مسألة تمسّ دين الناس وديناهم، وتؤثر على كل الملفّات الساخنة العالقة، فإما أن نخفف من غلواء الشر، وإما أن يزداد طغياناً، وإما أن نحقق بعض المكاسب، أو نضيف إلى المأساة مأساة، وقد يكون الحل في المقاطعة، وقد يكون الحل في المشاركة، فلابد من بيان، وانصبّ البيان على أن المشاركة أقرب في النظر من المقاطعة، وأنّها عطاء وحي التجارب، وعطاء وحي النظر الموضوعي، وعطاء وحي النظر الشرعي.
أربع سنوات إما أن يتولّى أمرنا فيها بالإضافة إلى من يتولاه من وزراء مجلس نيابيّ معاد، أو يتولى ذلك مجلس نيابي فيه صوتٌ حرٌّ ينطق بالحق بقوّة وجرأة، ويذود عن حمى حقوق هذا الشعب المظلوم. والخيار هو الثاني وليس الأول.
هذه صور لمجلس نيابي قادم، فاختاروا الصورة التي ترون:
مجلس كلّه موالاة للحكومة، وهذا له مترشّحاته؛ تترشّح عنه قوانين، وتترشّح عنه توصيات، وتترشّح عنه مواقف ليس منها ما يسرُّ الشعب.
مجلس كلّه معارضة، وهذا المجلس لا يتحقق اليوم، ولن يتحقق غداً، فدائماً الحكومات قادرة على أن تجد لها ممثلين في داخل المجالس النيابية.
وفي ظل أرقى دستور فإن المال ساحر، والمال بيد الحكومات أكثر منه بيد المعارضة.
مجلسٌ فيه معارضة ضئيلة، مجلس فيه معارضة مفكّكة.
مجلس فيه معارضة بنسبة مؤثّرة وهي معارضة مترابطة ومنسجمة وواعية ومخلصة.
أتستوي كل هذه الصور عطاءً في الخارج؟! وهل تأتي النتائج بالنسبة لهذه الصور كلها على حدٍّ واحد؟ أم أن ما هو الممكن من كون المجلس فيه معارضة مؤثّرة بنسبة معيّنة، فيه عدد من النواب يمثلون كتلة واحدة متراصة ومنسجمة وواعية ومخلصة ومنتظمة هو الخيار الأفضل عطاء حسب الممكن؟ هذه الصورة هي الصورة التي يمكن أن يُعوّل عليها، الصورة المثلى وهي أن يكون مجلس كله معارضة صورة ليست بيد هذا البلد ولا بيد أي بلد آخر، صورة لا يمكن أن تكون من عطاء هذه الظروف، ولا من عطاء أي ظروف أخرى، الشيء الممكن دائماً أن يمثَّل الشعوب بكتلة نيابية مؤثّرة قادرة على خوض الصراع وإدارة الصراع بكفاءة. نرجو أن نتوفر على مثل هذه الكتلة في هذه التجربة الماثلة.
مضى الميثاق بكل ما له من حسنات وسيئات، ومضى معتبراً دوليّاً ولا رجعة في ذلك، والمشاركة لن تزيد في قانونية الميثاق وفي شرعيته الدولية على الإطلاق.
المشاركة إنما هي لتقول للإيجابي في الميثاق إيجابي، وللسلبي سلبي، ولتقول للسلبي في الدستور بأنه سلبي، وللإيجابي في الدستور بأنه إيجابي، المشاركة إنما هي خطوة في اتجاه تغيير هذا الدستور القائم.
المشاركة لا تعني إضقاء شرعية على الدستور، ذلك لأن المشاركة تقوم على هذا الوعي، على وعي أنها حق من حقوق هذا الشعب، وليست قائمة على خلفية الدستور الذي يسمح بالمشاركة، إننا نشارك لا من منطلق أن الدستور يسمح لنا بالمشاركة، وإنما من منطلق أن من حقنا أن نشارك في قراراتنا المصيرية، وفي إدارة شؤوننا. وإذا كان هذا المنطلق، فالمشاركة لا تبارك الدستور، وكيف تبارك الدستور وهي تعتزم وتعلن عزمها عن مناقشته والسعي إلى تغييره!!
ولا أريد أن أطيل في تفصيل هذه الموضوعات لضيق الوقت.
المشاركة والمقاطعة من الصعب جدّاً، ومن غير المنسجم دينياً أن نقول بأنهما مسألتان أجنبيتان عن الدّين، وأن الدّين لا دخل له فيهما، الدين يتحدث عن خرقة الحيض، عن قطنة الحيض، يتحدث عن التطهير في الخلوة فحسب؟! الدين يتحدث وفي آيات كتابه الكريم وفي السنة المطهرة عن الاقتصاد والحكم والسياسة وعن كل ما يمسّ حياة هذا الإنسان.
"ما من واقعة إلا ولله فيها حكم" أين نذهب بهذا القول؟ نرميه في البحر؟ قول "ما من واقعة إلا ولله فيها حكم حتى أرش الخدش نتبرأ منه؟!
بلى وبكل تأكيد، إن للدين رأيه في المشاركة والمقاطعة، والذين يريدون أن يبحثوا في كتاب الله وسنة رسوله عن عنوان المشاركة وعن عنوان المقاطعة فلن يجدوه، لكن الفقيه يجد أن المشاركة والمقاطعة قد تناولتهما كليات الأحكام الشرعية.
أما نصيحة سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني فأقول عنها: بأنها أقصى ما يمكن لفقيه مخلص مشفق على شؤون أمته، شؤون المسلمين كل المسلمين، وعلى أوضاع المسلمين كل المسلمين، أن يقوله في المقام، الرجل الكبير ليس من مواطني هذا البلد، وهو أوعى بالأوضاع السياسية والعرف الدولي السائد من عدم التدخّل في شؤون البلاد الأخرى، الحاكم الشرعي لا ينطق بالكلمة على مستوى الحكم الولائي إلا في حالات الخطورة القصوى جدا، وحين يكون المؤشّر ليس اللون البرتقالي وإنما اللون الأحمر القاني، الفقهاء عقلية ثقيلة، نفسية رزينة، وعي شديد، الفقهاء من أهل الخبرة، وأهل الإيمان والتقوى حسابهم للمسائل حساب دقيق. هذه النصيحة تُعتبر موقفاً متقدّما جداً جداً في نظري، ولو كان الرجل في بلده وهو مبسوط اليد لجاءت كلمته بمستوى آخر، وذك(1).
ثانياً: مقابلة الملك:
العلماء يُخطون الخطوة الإيجابية، ويقفون الموقف الرسالي الذي يريدون أن يؤمّنوا من خلاله موقفهم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فتنقلب الخطوة على بعض الألسنة إلى مؤامرة، إلى ضعف، إلى اهتزاز ثقة، إلى جبن، إلى آخر هذه الكلمات الهُراء(2).
أنا أقول بأن إسقاط العلماء مطلب أمريكي، فصل الجماهير عن فقهائها وعلمائها مطلب أمريكي تُوظّف له الميزانية الضخمة، فالمخلصون يجب أن لا يقعوا على خطّ واحد مع خطّ الإرادة الأمريكية. ينطلق البعض من إخلاص لكن مع سذاجة على هذا الخط ولو وعى أنه يحقق الإرادة الأمريكية لما فعل، ولكنه في الخارج يحقق الإرادة الأمريكية بفصل الأمة عن علمائها، وما نجحت هذه الأمة في يوم من الأيام، وما وقفت الموقف الرسالي الصامد الصادق الذي لا ينتهي إلى مؤامرة على الأمة، ولا ينتهي إلى بيع الأمة، ولا ينتهي إلى تسلق المواقع الكبيرة الدنيوية إلا بارتباطها بالعلماء(3).
اعطوني بلداً واحداً سنيّاً أو شيعيّاً كانت المواجهة فيه للاستعمار وكان فيه الموقف الرسالي الصامد، وكان توجه الحركة فيه لله وحده أريد بلداً واحداً كان له هذا الأمر كلّه وكانت حركته مرتبطة بغير خط العلماء؟ أبداً، لن تجدوا بلداً واحداً، مصر، الجزائر، تونس، المغرب، إيران، العراق، كل البلاد الإسلامية كان العلم الإسلامي المرفرف فيها، وكانت العزة، وكان الإباء إنما يرافق حركة العلماء، وكان الصفاء والصدق إنما هو في صفّ العلماء دائماً.
إما أن لا أكون مخلصاً حتى أُصفِّق كلما صفّق الشارع، ولا أكون مخلصاً إلا إذا كلما نادى منادٍ ناديت، فهذه سذاجة، وهذا فرض محال على العلماء الذين يمتلكون من العقلية الفقهية، والعقلية الموضوعية ما يكفي.
كان اللقاء مع الملك لبيان خطورة الموقف، وما استتبعه من قلق عميق عند العلماء أولاً، وعند الشعب عامة، وكان هو هذا المطروح، وارتباط ذلك كلّه بتقرير البندر، على أننا لم نعوّل في بياننا على تقرير البندر بقدر ما عوّلنا على لغة الواقع، وأن لغة الواقع في نظرنا أكبر من قرار البندر، وما قرار البندر إلا واحد من شواهد ليس هو أعظمها.
كنا نطالب بطمئنة حقيقية عن طريق لغة الواقع ومعالجة الملفات العالقة، أما كم يتحقق من هذا؟ وهل يتحقق شيء أو لا يتحقق شيء أصلاً فهذا موقف الآخرين، وأنت تواجه المشاكل بآليات، وأساليب تنطلق من واقعك ومن حجمك، وإن كان حجمك كبيراً وواقعك عملاقاً ولكنه الواقع والحجم الذي لا يلغي حجم الآخرين، ولا واقعهم الكبير. وعندك العقل، وعندك الحكمة، وعندك قواعد الدين، وعندك الحرص على وحدة الوطن وسلامة المسلمين، وإننا لأحرص على أوضاع المسلمين من كل الفئات الأخرى على أن هذا الحرص لا يصرفنا عن المطالبة بالحقوق.
أقول: نحن نتطلع إلى أن يكون هناك موقف إيجابي من حضرة الملك بالنسبة إلى مسألة تقرير البندر على أننا نعتبر ذلك اللقاء خطوة على هذا الطريق وليس كلما يمكن أن يكون، وليست هي الخطوة الأولى والأخيرة، وليس هو اللقاء الأول والأخير في هذه المسألة... لا يوجد حزب، ولا توجد طائفة، ولا توجد أي جبهة، حتى الجبهات التي تقاتل بالسيف لا توجد جبهة منها تُعطِّل الحوار، نحن لا نخوض حرباً حمراء مع الدولة، نحن نخوض صراعاً سياسيا مع الدولة، ونريد لهذا الصراع السياسي أن يتحول إلى تفاهم سياسي، موقف الدولة يفرض حالة من الصراع السياسي، موقفنا يتّجه إلى أن نخرج من حالة الصراع السياسي إلى حالة التفاهم السياسي الذي فيه عدل الشعب، وفيه الاعتراف بكرامته وعزّته.
مطلوب في قضية البندر أن يُكشف اللغز، وأن يُجلّى عن منطقة ما تحت الثلج في هذه القضية، ذلك لا لتأجيج الأوضاع وإنما للاقتراب بها من حالة الأمن والاستقرار والأخوّة الصادقة.
العلماء يطالبون النظام بالإصلاح، ولا يخوضون صراعاً أحمر معه، ويميلون جداً إلى أن تكون الحالة حالة حوار وتفاهم لا يُظلم فيها الشعب، في الوقت الذي لا يمكن أن يمثّل العلماء شرطة النظام، أو أن يكونوا الناطق الرسمي عنه، وأن يقوموا بالدور الذي يعجز عنه رجل المخابرات ورجل الشرطة.
أما الذين يرمون العلماء بمثل ذلك فحاسبهم الله حساباً يستحقونه ما لم يعدلوا عن هذا العدوان.
البحرين تشارك أمريكا مناوراتها:
مسيءٌ جداً ومقلق جدّاً ومخجل جداً أن تشارك البحرين أمريكا في مناوراتها في الخليج، ونحن نعرف أن أمريكا لا تريد خيراً لا للبحرين ولا لغيرها من بلاد المسلمين، وهي التي تحاول دائماً أن تزرع الفتنة، وتهزّ أمن البلاد الإسلامية هزّاً عنيفاً، وتسقط كل القوى الإسلامية على الأرض، وتستعمر البلاد الإسلامية بأكملها. البحرين من بين غيرها من الدول الإسلامية والعربية تدخل في مشاركة فعلية في مناورات أمريكا في الخليج وهو أمر مسيء إلى شعب البحرين، أمر مخجل، أمر مقلق جداً، نرجو جداً من النظام أن يعتز بهوية شعبه، ويحترم ضمير شعبة، وأى شعبه، فلا يكون في وادٍ والشعب في وادٍ آخر(4).
أمريكا تأتي بمناوراتها للخليج لتهديد أمن المنطقة، وزعزعة استقرارها، وللهيمنة على كل الثروة النفطية، وعلى كل مَقْدُرات ومقدّرات المنطقة والأمة.
من التطبيع إلى الدلال:
كانت المسألة مسألة تطبيع مع إسرائيل حتى وصلنا إلى أن إسرائيل تتدلل على دولة عربية، وتمتنع وزيرة الخارجية فيها عن حضور مؤتمر يحضره ممثل لحماس، هذا انتقال من حالة التطبيع إلى حالة الدلال وفرض السيطرة، وفرض الشروط، صارت إسرائيل تفرض شروط: حضورها في مؤتمر يعقده بلد إسلامي.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم اجعلنا من أتباع رسلك، والسائرين على طريق أوليائك، ومن الدعاة إلى دينك، والمجاهدين في سبيلك، والراضين لرضاك، والساخطين لسخطك، والمطمئنين بذكرك، والظاهرين بنصرك على عدوك يا قوي يا عزيز، يا شديد يا متين، يا أكرم من كل كريم، وأرحم من كل رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
2 - هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
3 - هتاف جموع المصلين بالتكبير. والولاء للعلماء.
4 - هتاف جموع المصلين بـ(الموت لأمريكا).
من منتديات البحرين
التعليقات (0)