استحوذت قضية المهدي على اهتمام خاصّ من قبل المسلمين، بل وغيرهم من الأديان، باعتباره المنقذ والمخلِّص للبشرية من الظلم والعذاب، والناشر للعدل والطمأنينة، هذه الفكرة كانت مدار تسالم بين جميع الفرق الإسلامية، ولكنّ نقاشاً وجدالاً واسعين دارا بين المؤمنين بها، في التفاصيل، ولاسيما حول غيبته، والفائدة المرجوّة منها، وحول كيفيّة ظهوره، والوسائل والأساليب التي تستخدم لتحقيق مشروعه الهادف إلى رفع الظلم ونشر العدل. وقد أجاب سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله عن هذه الاستفسارات، كاشفاً عن العلل الكامنة وراء غيبته، والهدفية العامة لرسالته في تحقيق العدل المنتظر.
غيبة الإمام المهدي(عج):
س: تقولون إن غيبة الإمام المهدي(عج) غيبٌ من غيب اللّه تعالى، وهذا الغيب يحتاج إلى دليل من الكتاب والسنّة، والحال أن رسول اللّه(ص) لم يبشِّر بغيبته، بل بشّر بظهوره، فكيف بي إن كنت من مذهب غير مذهبكم أن أقتنع بمثل هذا الدليل؟
ج: إذا كان رسول اللّه(ص) بشّر بظهوره،، فإنَّ الظهور إنما ينطلق من خلال الغيبة، هذا جانب. والجانب الآخر، هو أننا عندما نقرأ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، فلا بد من أن يكون في كل زمن يمتد فيه الكتاب شخص من العترة، وليس هو إلاّ الإمام (عج)، هذا إضافة إلى ما وردنا من الأحاديث المتواترة الكثيرة عن أئمة أهل البيت(ع)، الذين يحدّثون عن رسول اللّه(ص) ولا يحدثون عن أنفسهم في ذلك كله.
س: إذا كان الله تعالى قد أرسل الأنبياء(ع) والأئمة(ع) ليكونوا حكماء ومنذرين وقادة، فكيف يكون ذلك وهم مستترون عن الأنظار، كالإمام المهدي(عج)؟ ألا ينبغي أنْ يكون حاضراً معنا ليوجه خطانا ويسددنا؟
ج: مسألة الإمام محمد بن الحسن(عج) تختلف عن كل مسائل الأنبياء والأئمة(ع)، فهو حجَّة الله تعالى، وهو الإمام الثاني عشر الذي لا إشكال في إمامته، ولكن الله سبحانه وتعالى أعدّه من أجل أن يهيئ العالم للعدل الكلّي، وهيَّأه للحالة التي يختم الله بها مسيرة البشرية، ويحقِّق هدف كل الأنبياء والرسالات، ولذلك لم يجعله الله سبحانه وتعالى إماماً في التفاصيل، كما هم الأنبياء(ع) في الرسالة وتفاصيلها في تعليم الكتاب والحكمة والتزكية التربويّة للناس، فقد كان الأئمة يتابعون التفاصيل، حيث جاءوا بالرسالة وعلَّموها، وكذلك الأئمَّة(ع) من آبائه، فقد أكملوا التفاصيل باعتبارهم خلفاء النبيّ(ص) وأوصياءه حسب عقيدتنا، ولذلك عندما سئل(عج) ـ في حال فترة غيبته ـ ماذا نفعل؟ قال ـ كما روي عنه ـ: "وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم"، لأني من خلال آبائي، ومن خلال ما أعطيتهم، يملكون الإجابة عن التفاصيل، سواء على مستوى الجزئيات أو على مستوى الكليات، ((وأنا حجة الله)). فليست هناك حاجة في التفاصيل، والعلماء الذين رووا ودرسوا كل ما جاء عن الله سبحانه وتعالى ورسوله(ص) وعن الأئمة(ع)، قادرون على أن يعطوا لكل جيل من الأجيال القادمة الإجابة عن علامات الاستفهام التي تطرأ في ذهنه، أو الحاجات التي يحتاج فيها إلى التشريع، لذلك لا حاجة للإمام في التفاصيل بعد إتمام البيان، ودور الإمام هو الدور الذي يغيّر فيه العالم، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
أما لماذا غاب كل هذه الغيبة الطويلة؟ ما هو السرّ؟ فإن غيبته غيب من غيب الله سبحانه وتعالى، وظهوره غيب من غيب الله سبحانه، وما يذكر من علامات لا يعطينا الوضوح، بل قد يعطينا بعض الإشارات، وقد استغرق الناس في هذه العلامات، حتى أصبحوا كلّما وقعت حرب عُدّت من علامات الظهور، ولكن هذا غيب من غيب الله تعالى، وسرٌّ من أسراره، ونحن لا نملك المفردات التي نعرف من خلالها هذا السرّ. ودور الإمام(عج) يختلف عن دور كل الأئمة(ع)، وواقعاً، يختلف عن دور كل الأنبياء(ع)، ولعل هذا السؤال يتكرر دائماً، أنه كيف يمكن أن يغيب مع أنه الإمام الذي تقوم به الحجة؟ وفي حالة غيبته لا تقوم الحجة، هذا كله، لأن الثقافة التي عندنا هي أننا نعتبر أن دور الإمام(عج) كدور أبيه وكدور أجداده، والقضية ليست كذلك، من خلال الأحاديث التي وردت في هذا المجال.
س: هل غيبة الإمام المهدي (عج) كانت بعداً عن الواقع البشري، بمعنى أنه يأكل ويشرب، ويلتقي نوّابه، أم أنه غاب عن عالم الدنيا، بمعنى أن غيبته هي عروج على عالم ما وراء الطبيعة؟ فهل هو حاضر على الأرض؟ أم غائب عن الناس؟ أم هو غائب عن الأرض فضلاً عن الناس؟
ج: ما هي علاقتنا بهذا الموضوع؟ وما الذي يهمّنا من هذا الكلام؟ ماذا يأكل أو يشرب؟ أساساً إنّ غيبته غيب من غيب الله سبحانه وتعالى، وظهوره غيب من غيب الله سبحانه وتعالى، إنما نحن اعتقدنا بذلك باعتبار الأحاديث الواردة عن النبي(ص): ((يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)) وغيرها، والآن نسمع بعض الفضائيات أنه هل هو متزوّج؟ وهل عنده أولاد؟ وأين يسكن؟ وماذا يأكل أو يشرب؟ ما هذا الكلام؟ هذا كلام لا ينفع من علمه، ولا يضرُّ من جهله، ولسنا مكلَّفين بالإحاطة بهذه الأمور... نحن مكلَّفون بأن نعتقد به، لأن الصادق المصدّق أخبرنا بذلك، وما عدا ذلك، نحن ننتظره بأن نعمل من أجل الإسلام، فنحن مسلمون وعلينا تكاليف، والآن ننتظره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، لكن يجب أن نعمل من أجل العدل في بيوتنا، وفي بلادنا، وفي السياسة، وفي الاقتصاد والاجتماع. هذا ما يجب علينا أن نهيِّئه... فليس من شغلنا ومسؤولياتنا ما هي صورته، وكيف يعيش؟... إنَّ تكليفنا هو أن نعتقد به، لأنه ثبت لدينا ذلك بالطرق القطعية، ثم علينا أن نعمل بتكاليفنا(3).
الإمام المهدي(عج) والقوة:
س: المعروف أنّ ظهور الإمام المهدي(عج) سيكون قائماً على السّلطة والقوّة، بينما لم تكن دعوة الرّسول كذلك. فلماذا هذا الاختلاف؟
ج: هناك فرق بين الرسول الذي يريد القيام بالدعوة والتبليغ، اللّذان يرتكزان على الإقناع بشكل تدريجي، من أجل الالتزام الفكري والعملي بالرسالة، وبين مهمة الإمام المهدي (عج)، الذي سيكون دوره في نهاية العالم تغيير العالم، وإن كانت الدعوة جزءاً من رسالته التي هي رسالة النبي محمد(ص)، فدور الإمام(عج) هو أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهو دور يحتاج إلى شروط تختلف عن الشروط الخاصة بالأنبياء (ع)، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون للإمام المهدي(عج) أسلوبه في الدعوة إلى الله في الموارد التي يحتاج فيها إلى الإقناع بالرسالة والفكرة والواقع.
س: ذكرتم في ندوة سابقة، أن رسالة الأديان السماوية لم تكن مرتبطةً بالقوة والعنف، بل تعتمد وسيلة الإقناع، على عكس ما هو متحكّم اليوم في العالم، من سيطرة لغة العنف والقوّة؟ فهل يعتبر ذلك سبباً لتعذر إقامة حكم اللّه على الأرض إلاّ بظهور المهدي (عج)؟
ج: نحن نقول إن رسالة الأنبياء (ع) انطلقت من القاعدة الإيمانية الرسالية في نفس الإنسان، ولم تنطلق من الظروف الخارجية المحيطة به، ولكن ليس معنى ذلك أن لا نأخذ بأسباب القوة، بل لا بدّ من أن ينطلق الدعاة إلى اللّه من أجل أن يرتبط الناس بالرسالة على أساس العقل. أما تغيير الواقع فله شروط أخرى، فإذا وصلت الرسالة أو الدعوة إلى مسألة تغيير الواقع، فقد تفرض الظروف القوة أو السلم حسب اختلاف هذه الظروف.
رعاية الإمام المهدي للحركة الإيمانية
يعتقد الشيعة الإمامية، أنّ الإمام الثاني عشر حيٌ يرزق، وهو امتداد للنبي(ص)، والسؤال هو: لماذا لا يتدخل الإمام لتصحيح الفتاوى المنحرفة، سواء كانت صادرة من السنة أو من الشيعة، ولاسيما أنّ رسالة الإمام عالمية، وليست مختصة بالشيعة فقط. أليس عدم تدخله هذا ينافي تكليفه من حيث إنه مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ج: لقد بينّا فيما سبق، أن دور الإمام هو الدور التغييري للعالم كله في المرحلة النهائية للعالم، وأن دور التوعية ودور التبليغ وتأكيد المفاهيم وتصحيحها، كان منوطاً بالأئمة السابقين الذين انطلقوا من خلال خط الرسالة وخط النبوّة. وهناك قواعد كثيرة تركوها لتصحيح ما فسد، ولتصحيح ما أخطأ الناس فيه. لذلك، ليست هناك أية فراغات في هذا المجال، ولكن إذا لم يأخذ الناس بها، فإن الناس هم المسؤولون عن ذلك.
الفائدة العملية من غيبة الإمام(عج)
س: ورد في الأثر، أنه يستفيد الناس من الإمام المهدي(عج) في زمن غيبته كما يستفاد من الشمس إذا ظلّلها الغمام. والسؤال: ما الفائدة العملية للناس من غيبة الإمام(عج)؟
ج : هذه التعليلات التي وردت في بعض الأحاديث من قبيل أنه مثل الشمس يظللها الغمام، غير مفهومة. لكننا نقول إنه لا بد من أن تكون هناك حكمة في هذا الأمر، والله سبحانه وتعالى وحده يعلمها ولا نعلم من ذلك شيئاً. ولذلك فإننا آمنا به ولم نره، وإن الصادق المصدق أخبرنا بذلك كما أخبرنا بالجنة والنار، فآمنا بذلك كله، والإيمان بعضه من بعض، كل متكامل.
وضع المذهب في ظلّ غيبة المهدي(عج):
س: أليس وضعنا اليوم كوضع بقية المذاهب في غياب إمامٍ معصوم، فالأحاديث الضَّعيفة والمتضاربة موجودة في كتبنا، والاختلاف موجود بين فقهائنا، فما الذي يميِّزنا كإماميين، وكيف نستطيع إثبات استمرار النُّبوة بالإمامة في ظلِّ غياب المهدي(عج)؟
ج: ورد في التَّوقيع الشَّريف الصَّادر عن الإمام المهدي(عج) قوله: «وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» وغير ذلك ممّا ورد عن الأئمَّة(ع)، إذ بيَّنوا أنَّ كلَّ ما يحتاجه النَّاس هو ممّا يرجع فيه إلى الفقهاء، أمَّا بالنِّسبة للإمامة والحاجة إليها ومسألة غيبة الإمام المهدي (ع)، فهي ممّا استُدلَّ عليها مفصَّلاً مما لا مجال للحديث عنه في المقام.
عصر ظهور الإمام(عج):
س: البعض يعتقد أنَّ هذا العصر هو عصر ظهور الإمام الحجّة (عج)، فهل يمكن لنا أن نعتقد بذلك؟
ج: يقول تعالى: {إنَّهم يرَوْنَهُ بعيداً* ونراهُ قريباً} (المعارج:6ـ7). ولكن كما أكّدنا أكثر من مرّة، أنَّ هذا ليس مسؤوليتنا، فاللّه الذي جعل حكمته في غيبته، سوف تظهر حكمته أيضاً في ظهوره. أمّا مسؤوليتنا، فهي كيف نحضّر الأجواء المناسبة لهذا الظّهور، ألسنا نقول: «اللّهمَّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة، تعزُّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدُّعاة إلى طاعتك»، فكيف ذلك دون أن ندرس ودون أن نقرأ ودون أن نتثقف؟! كيف تصبح داعية وأنت لم تتوافر على شروط الدعوة إلى اللّه؟! كيف تنتظره وأنت لا تدعو زوجتك ولا أبناءك إلى طاعة اللّه، وليس لديك ثقافة الدعوة الاجتماعية والدينية والحركية؟!
«والقادة إلى سبيلك» أن تجعل نفسك مشروع قائد، بأن تنمّي عناصر القيادة في نفسك. «وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة». فالإمام(عج) إنَّما يأتي ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وعلينا أن نكون مع خطّ العدل، فهو يأتي من أجل العدل العالمي، فمن منّا يفكّر في العدل في بيته؟ ومن الذي يقوم بحقوق زوجته بالعدل؟ أو هل أنَّ الزوجة تقوم بحقوق زوجها بالعدل؟ ومن هو العادل مع أولاده ومع جيرانه؟ هل نكون كبعض من يقول: «يسقط الظلم يعيش العدل» وأهل بيته أشقى النّاس به؟ هل نعدل مع بعضنا بعضاً حتّى نمهد الطريق لظهور العدل المنتظر؟!.
جنود الإمام المهدي(عج):
س: هل جنود الإمام المهدي(عج) سيكونون من الأحياء أم من الأموات الذي يبعثهم الله لنصرته؟ وهل هم الولاة في عهده وقادة جنده؟
ج: المهم أن نكون نحن من جند الإمام المهدي(عج)، وذلك بأن نعدّ أنفسنا لنكون من أنصاره ومن جنده، كما ورد في الدعاء: ((اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة))، أي أن على كل واحد منا أن يربي نفسه على أساس أن يكون مشروع قائد إسلامي، ومشروع داعية إسلامي، وفي ذلك الوقت، هناك من يكون من أنصاره، وهناك من يكون من أعدائه. المهم أن لا نكون من أعدائه، لأن بعض الناس في كثير من الحالات يعمل عمل المعادين للإمام، فالرواية المعروفة عنه أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فإذا كنت مثلاً تظلم زوجتك، أو تظلم جارك، أو تظلم الإنسان الذي تتعامل معه، أو إذا كنت في موقع سلطة وتظلم الناس، فستكون من أعداء الإمام، وتكون من الأشخاص الذين يحاربهم عند ظهوره، لأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنت تتحرّك في خط الظلم.
لذلك على الإنسان أن يربي نفسه، وأن يتخلَّق بأخلاق الخط الذي يتحرك الإمام(عج) من أجل أن يركزه في العالم، لأن الإمام يعمل على أساس خط العدل العالمي، فأنت إذا كنت تنصر الظالمين وتساعدهم وتؤيدهم، فكيف تكون من أتباعه وشيعته؟ المهم عندما نسأل علينا أن نسأل ما هي مسؤولياتنا؟ وما هي تكاليفنا؟ وكيف يكون انتظارنا له انتظاراً إيجابياً؟ وكيف نربي أنفسنا على أن نكون من أنصاره وجنوده؟ حتى لا نطلب أن يعجّل الله فرجه ويسهّل مخرجه، ونكون كما في المثل: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك)!! نعوذ بالله من ذلك.
علامات ظهور المهدي (عج):
س: ما هي علامات ظهور الإمام الحجة (عج)؟
ج: هذا ليس من مسؤوليتنا، لأن غيبته من غيب الله وظهوره من غيب الله. فالأمر لله، ودورنا هو أن نهيىء له بعض المواقع الإسلامية، ونهيىء أنفسنا لنكون جنوده والقادة إلى سبيله. فكم من احتفال عملنا! ولكن هل أعددنا احتفالاً لأنفسنا كقياديين ودعاة إلى الله؟ هل نريد أن يظهر الإمام ونحن مشغولون عنه وعن الإسلام بأنفسنا؟! أنقل لكم قصة طريفة حول هذا الموضوع: تعرفون مسجد (السهلة) بين الكوفة والنجف، فيه مقامات للأنبياء وللحجة(عج)، ومعروف بين الناس - ولا نعلم مصدر ذلك - أنه في كل أربعاء يذهبون إلى ذلك المسجد لغاية أربعين أربعاء لقراءة الدعاء منذ زمن، وكان أحدهم قد أكمل الأربعين أربعاء، وتهيَّأ لاستقبال الإمام، فدخل عليه ورحب به بقوله: يا مولاي، يا سيدي شرَّفتنا. ولما جلس في صدر المجلس، قال للرجل: عليك بالانفصال عن زوجتك لأنها أختك من الرضاعة، وكذلك عليك بالخروج من البيت لأنه وقف للأيتام، وأموالك حرام فعليك التخلي عنها، فخرج الرجل من المنـزل صائحاً هذا حرامي في البيت، أخرجوه. وربما يكون هذا هو موقف الكثيرين منّا عندما يخرج الإمام الحجة(عج). والحسين(ع) جدّ الحجة(عج)، عندما انطلق في مسيرته قال: ((الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديَّانون)). فمن يدري إذا خرج الإمام الحجة(عج) ونحن في غيبة ونميمة، وكذا فقد نكون من أنصار أعدائه، مثل الذين كانوا مع الإمام الحسين(ع) بقلوبهم بينما كانت سيوفهم عليه، فنسأل الله العافية.
نصرة المهدي(عج):
س: كيف يجسِّد الإنسان نصرة الإمام المهدي (عج) عملاً وروحاً؟
ج: هناك طريقتان: مباشرة وغير مباشرة. فالطريقة المباشرة، هي أن ننصر الخط الرسالي الذي ينطلق فيه الإمام الحجة (عج)، وهو إمام المسلمين كباقي آبائه، وليس هناك خصوصية له من هذه الناحية، فهو كباقي الأئمة الإثني عشر (ع)، دوره كأدوارهم، وهو نصرة الإسلام وإقامة العدل الشامل على أساس الإسلام. فعندما نريد نصرة الإمام، علينا أن ندعو إلى الإسلام وأن لا نكتفي بالدعاء، كما لو اكتفى أحدنا بقراءه دعاء (الندبة)، بل علينا أولاً أن نثقف أنفسنا وأهلنا بالإسلام، وأن نواجه القضايا الإسلامية والتحديات ضد المسلمين، ونواجه الظالمين والمستكبرين الذين يفرضون أنفسهم على كل المسلمين في الاقتصاد والسياسة والأمن.
أما الطريقة غير المباشرة، فهي أن نعدّ أنفسنا بحسب مسؤولياتنا الشرعية، ولا يعني ذلك أننا في زمن الغيبة أحرار لنتخلى عن مسؤولياتنا ونجلس فنشرب الشاي ونذهب إلى مسجد السهلة ونعمل 40 أربعاء مكتفين بذلك، فإن الله سبحانه جعل المسؤولية كما في الآية الكريمة، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب/39)، فنحن مسؤولون في كل شيء، وننتظر قدوم الإمام في هذه الحال.
قتال الإمام المهدي (عج):
س: هل يقاتل الإمام المهدي(عج) أعداءه بالمعجزة أم بالأسلحة المعتادة؟
ج: جعل اللّه سبحانه وتعالى غيبة الإمام المهدي(عج) من الغيب وظهوره من الغيب، واللّه يتكفل أداءه وظيفته في أن ينشر العدل الشامل من خلال الإسلام. فلماذا نتعب أنفسنا بمثل هذه الأسئلة، أيّ سلاح يستخدم؟ وهل هو سلاح نووي أو صواريخ أو غير ذلك؟ إن هذا علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه. ونحن نقول إن من الأفضل أن نعرف ما هي معلوماتنا عن الإسلام الذي يحمله الإمام المهديّ؟ وما هي معلوماتنا عن العدل الذي هو عنوان حركة الإمام المهدي(ع)؟ هل نحن نفهم العدل في العالم؟ وهل نحن مع خطوط العدل في العالم؟ وهل نحن مع خطوط العدل في حياتنا كلها، حيث يعدل الزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها؟... علينا أن نسأل عن الأشياء التي نتحمل فيها مسؤوليةً في تكليفنا أمام اللّه سبحانه وتعالى، ونتحمل فيها مسؤولية في بناء حياتنا على الأسس الصحيحة، وعندما يظهر بإذن الله تعالى، فعند ذلك لا تكون ثمّة مشكلة في هذا المجال.
ادّعاء رؤية الإمام المهدي(عج):
س: ما رأيكم في من ادّعى رؤية الإمام المنتظر(عج)، علماً أنّ بعضهم ممن يوثق بكلامه وبعضهم من العلماء؟
ج: غيبة الإمام المهدي (عج) غيب من غيب الله سبحانه، وهي غيبة كبرى، يعني أنه لا يلتقي به أحد. أما إذا كان شخص ما رآه، كما يدَّعي، فما هي خصوصية هذا الشخص لأن يراه حتى يهمس في أذنه شيئاً؟ وهناك بعض النصوص تتحدّث عن تكذيب من ادّعى الرؤية ولو كانوا من الموثقين، فنحن لا نكذِّبهم، ولكن ربما يخيّل إليهم ذلك.
المهدي (عج) ومستقبل البشرية:
س: يروى أنه عند ظهور الإمام المهدي(عج) سيصلِّي السيد المسيح(ع) خلفه، فهل تنصحون المسيحيين بضرورة التخلي عن مساندة اليهود وفتح باب التقارب مع المسلمين بدلاً من وصمهم بالإرهاب، بينما الكيان الصهيوني في فلسطين هو الإرهاب الحقيقي؟
ج: ننصح المسيحيين والمسلمين - معاً - أن لا يتعاونوا مع اليهود، لأننا اليوم نرى الكثير من المسلمين يتعاونون مع اليهود (إسرائيل)، ونحن نريد للمسيحيين أن يؤمنوا بالسيد المسيح كما أرسله اللّه سبحانه، وكذلك نريد للمسلمين أن يؤمنوا بالنبي محمد(ص) كما أرسله اللّه سبحانه. والقضية الفلسطينية هي قضية السيد المسيح(ع) وقضية النبي الأكرم (ص) وقضية كلِّ الرسالات والأنبياء. وأتذكر أني اجتمعت مرة بأحد الكرادلة المسيحيين من الفاتيكان، وهو الكاردينال (أرنير) من نيجيريا، فقلت له: ما هي مسؤولياتك؟ فقال البحث عن الحوار الإسلامي المسيحي، فقلت له: ما هو موضوع البحث الآن؟ فقال نبحث عن موضوع الحريات في الإسلام والنظرة إلى المرأة. فقلت له: أسألك عن قضية أكبر، فلو كان السيد المسيح(ع) موجوداً الآن، فمع من يكون، هل يكون مع اليهود أم مع الفلسطينيين؟ والمفروض أن السيد المسيح طرد اللصوص من ساحة الهيكل، فكيف بلصوص الأوطان من اليهود الذين سرقوا فلسطين؟ فقال هذه قضية سياسية ويمكنك التكلم بذلك مع سفير الفاتيكان في بيروت. فقلت له: أسألك عن ضميرك المسيحي، فتدخَّل بذلك السفير البابوي في دمشق قائلاً: إن إسرائيل (الكيان الصهيوني) هي أمر واقع نتعامل معه. فقلت له: إن الشيطان أيضاً أمر واقع، فهل نعترف بشرعيته، فليس كل أمر واقع يعترف به إذ قد يكون هذا الواقع باطلاً، فسكت.
فالقضية الفلسطينية رغم أنها قضية إسلامية كبرى، إلاّ أن المسيحيين أيضاً لو أخلصوا للمسيح(ع) لكان عليهم أن يشاركوا المسلمين في موقع الدفاع عن المستضعفين في فلسطين، سواء كانوا من المسلمين أو من المسيحيين
التعليقات (0)