في أجواء ولادة الإمام المهدي(عج) نريد ـ في هذا اللِّقاء ـ أن نطلّ على سنّة الله في الكون في عملية تغيير الواقع، والوصول إلى النتائج الحاسمة التي قدّرها الله في الكون. فقد حدّثنا الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية، عن إرادته في وصول رسله والمؤمنين من عباده والمستضعفين إلى النتائج الحاسمة في النصر على المستوى المحدود أو على المستوى الكبير.
وفي هذا الاتجاه، فإنّ الله يحدّثنا عن أنّ الانتصار في أي موقع من المواقع، سواء كان انتصاراً رسالياً في تأكيد الرسالة في وعي الناس، أو اجتماعياً أو سياسياً مما نستوحيه من القرآن الكريم، لا بدّ من أن يدفع العاملون في سبيله الثمن من حياتهم ومن ثرواتهم ومن طاقاتهم، لأنّ الله لم يجعل في سنَّته أن يصل الإنسان إلى أية نتيجة حاسمة كبيرة، إلا بعد أن يستنفد كلّ عناصر القوة ليحشدها في الساحة، من أجل أن تتكامل العناصر المادية مع العناصر الغيبية.
دور الغيب في النصر:
ففي القرآن الكريم، نجد أنّ للغيب دوراً في بعض ما أعدّه الله للمؤمنين من النصر، ولكنّ الغيب وحده لا يحكم الحياة حسب سنّة الله في الكون، بل هناك حركة وهناك غيب يحرّك بعض الظروف والأوضاع، ويمنح بعض القوة لهذه العناصر، وهذا ما لاحظناه في بداية الدعوة الإسلامية، فقد أراد الله للمسلمين أن ينتصروا في بدر، ولم تكن هناك أية ظروف موضوعية من خلال عناصر القوة في واقع المسلمين في بدر.
ففي دراستنا للقرآن، نلاحظ أن المسلمين لم يدخلوا في تجربة الحرب، ولم يكن لهم من خلال ظروفهم الطبيعية الموضوعية أية عناصر للقوّة من الناحية المادية والمعنوّية في الدائرة الاجتماعية، بل كان العدو هو الذي يملك القوّة المعنوية والمادية كلّها. فنحن نلاحظ أن قريشاً كانت سيدة العرب، باعتبار موقعها كراعية للبيت الحرام الذي يحجّ إليه كلّ الناس، وباعتبار قوّتها الاقتصادية التي كانت تستند بشكل أساسي إلى رحلتي الشتاء والصيف، وكذلك موقعها الثقافي، إضافةً إلى ما نصطلح عليه في هذه الأيام بالقوة السياسية. وربما يستوحي الإنسان تمتعها بشيء من القوّة العسكرية، بينما كان المسلمون الذين أسلموا مع النبي(ص) لا يتمتعون بكثير من هذه المواصفات، لأنهم كانوا يمثّلون أفراداً من مجاميع مختلفة ومتنوعة. وأراد الله هنا أن يدخلهم في قلب التجربة، وعندما انفتحوا على التجربة الصعبة، برزت عناصر الضعف فيهم، وهذا ما عبّر عنه الله سبحانه وتعالى بقوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون* يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال:5ـ6). فنحن نلاحظ أن هؤلاء المؤمنين كانوا يجادلون النبي(ص) في أمر الصراع مع قريش، حتى إنّ بعضهم قال: "يا رسول الله، هذه قريش ما ذلّت منذ عزّت". ولكن بعضهم ـ وهم القلّة ـ قالوا: "والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيّها: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون}، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون".
{وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودّون أنَّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} (الأنفال:7). حتى إنهم عندما دخلوا في التجربة، تمثلت نقاط الضعف في الاستغاثة {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني مُمدكم بألف من الملائكة مردفين* وما جعله الله إلاّ بشرى ولتطمئن به قلوبكم} (الأنفال:9ـ10). فالله سبحانه وتعالى أعطى الغيب دوره في هذا الإيحاء بوجود الملائكة في الساحة. ويبدو من خلال ما نستفيده من القرآن وبعض الروايات، أن الملائكة كانوا يمثلون قوة معنويّة تعطي للمسلمين قوة ماديّة، وهكذا انتصر المسلمون.
فهناك جانب من الغيب تدخّل ليقوّي هذا الجانب المادي الضعيف. ونلاحظ في آية أخرى قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولماّ يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب} (البقرة:214). فالصورة هي أن النبي(ص) والمؤمنين معه، ساروا في خط النصر وقطعوا شوطاً بعيداً ووقتاً طويلاً، حتى أصيبوا بما يشبه الزلزال، وكادوا أن يصلوا إلى حافّة اليأس، إلى أن بشّرهم الله سبحانه وتعالى أن نصره قريب.
ونلاحظ كذلك في وقعة الأحزاب، كيف أن الله سبحانه وتعالى أدخل المسلمين في التجربة الصعبة {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون* هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً* وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} (الأحزاب:10ـ12)، ولكن الله سبحانه وتعالى كفى المؤمنين القتال ونصرهم بعد أن عاشوا التجربة الصعبة.
من هذه اللقطات التي تمثل نماذج يكثر أمثالها في القرآن الكريم، نخلص إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الغيب في حركة المسلمين والمؤمنين في خط النصر العنصر الوحيد، بل إنه يدخل المؤمنين في التجربة الصعبة، ويبتليهم، ويحرّك الطاقات الكامنة في داخل مواقعهم، حتى يعطيهم الصلابة أكثر، وحتى يعيشوا التجربة بقوة وفاعلية أكبر، وحتى يؤسسوا المجتمع القوي الذي إذا واجهته التحديات استطاع أن يثبت إزاءها، وهذا هو سرّ التربية القرآنية الإسلامية، التي تؤكد للإنسان أن يقدّم كلّ ما عنده ثم يدعو الله، وأن يأخذ بالأسباب المتاحة بين يديه، ثم يتوكل على الله.
ولذلك، فإننا نرى أن في الإسلام حركة غيبٍ تطلّ على حركة الواقع، بحيث ينفذ إلى الثغرات الموجودة في الواقع من أجل أن يسدّها، لتتكامل المسيرة، وربّما تتعلّق إرادة الله بأن النصر لن يتحقّق إلاّ بعد أن تتجاوز الأمّة كثيراً من الظروف الصعبة على مستوى الأجيال، ولكن كلّ حركة تهيئ الظروف الموضوعية لحركة الأخرى، حتى تتكامل مع الظروف في المستقبل، ليكون النصر في نهاية المطاف.
استعجال النتائج:
ولعلّ مشكلة الكثير من الناس الذين يضعفون أمام البلاء وأمام تحديات القوّة الموجودة لدى الآخرين، هي أنهم يستعجلون النتائج قبل أن تنضج المقدمات، ويتطلّعون إلى تحقيق المسبّبات قبل أن تحصل الأسباب. إن الله سبحانه نظّم الكون كلّه على أن ترتبط المسببات بالأسباب في سننه في الكون كما في سننه في الإنسان. فالإنسان يولد من خلال أسباب معيّنة محدودة بزمن خاص وبظروف خاصة، والزرع كذلك ينمو من خلال ظروف طبيعية معينة، والنصر والهزيمة كذلك. فلقد حدّثنا الله سبحانه وتعالى عن أن التحديات التي تواجه المؤمنين تحتاج إلى صبر {لتبلونَّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} (آل عمران:186). والصبر في الإسلام ليس وسيلة تراجعية أو انهزامية، ولكنه يمثل حركة القوة التي يستعملها الإنسان من أجل مواجهة نقاط الضعف في داخل شخصيّته، وفي ساحة الصراع، حتى يتجاوز المرحلة ليحضّر الأسباب التي توصله إلى النتائج.
حركة الغيب في قصة موسى(ع):
ويحدثنا الله سبحانه وتعالى في هذا الاتجاه عن بعض المؤمنين في تأريخ النبوّات، أو الذين كانوا في أشدّ حالات الضعف، ولكن الله نصرهم في حركة الثبات التي عاشوها، وحركة التحدّي التي انطلقوا بها، وفي حركة الغيب التي استمدوا منها الثقة والعزيمة، وذلك في المعاجز التي حققها الله لهم، كما في قصة موسى(ع). فقد كان بنو إسرائيل مستضعفين، وكان فرعون يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وجاء موسى وليس معه أيّ سلاح، وزوّده الله بالغيب في المعجزتين(العصا) التي تحوّلت إلى ثعبان و(اليد البيضاء). وانتصر في الجولة الأولى على فرعون، عندما ألقي السحرة ساجدين {قالوا آمنّا بربِّ العالمين* ربِّ موسى وهارون} (الأعراف:120ـ121). وثبتوا أمام فرعون الذي هدّدهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم وأن يصلّبهم {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا}[طه:72].
وعندما انتصر موسى(ع) على فرعون أمام الناس كلّهم، شعروا أن هنالك قوتين، فلم يعد فرعون القوّة الوحيدة، بل أصبحت هناك قوة أخرى تتمثل بموسى(ع). وبذلك تحرّكت القضية في خط التوازن، وبدأ فرعون يخطّط لاغتيال موسى(ع)، واشتدّ اضطهاد فرعون لبني إسرائيل، حتى إنهم واجهوا موسى(ع) بالقول: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} (الأعراف:129). ولكن موسى(ع) صبر، واشتدّ الاضطهاد إلى أقصى درجة، وشعروا أن لا طاقة لهم على احتماله، فاستنجدوا بموسى ليرفع عنهم العذاب الذي وقع عليهم، فرفعه الله عنهم، للتدليل على القوة التي تمثلت في موسى بخضوعهم له بعد ان كانوا قد عصوا أمره، وعندما أرادوا الخروج من مصر ليؤكدوا قوتهم في مواقعهم الجديدة. أغرق الله فرعون وأنجى موسى، وانطلقوا في تجربتهم.
فنحن نلاحظ أنّ الله تعالى لم يحقّق النصر الأول لموسى(ع)، إلاّ بعد أن دفعه ودفع قومه معه في ساحة المعركة بكلّ قوة، ليواجهوا الموقف بالثبات من جهة، وليدعم الغيب الموقف من جهة أخرى. ولولا أن الغيب أسند العناصر المادية الموجودة لديهم، لما استطاع موسى(ع) أن يحقق الانتصار، لأنه ليس هناك أي توازن في القوة. وقد تحدث الله عن هذه المسألة بقوله تعالى: {ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (القصص:5ـ6).
الحياة ساحة صراع:
ونجد أنه عزّ وجل يحدّثنا في آية أخرى أنّه جعل الحياة ساحة صراع، فالقوة تدفع القوّة، والتوازن في القوة يحقّق التوازن في الواقع، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره} (الحج:40). فهل تريد أن ينصرك الله؟! عليك إذاً أن تنصر الله، وأن تنصر الله، يعني أن تجرِّد طاقاتك كلّها على مستوى ما تملك من طاقة العقل الذي يخطّط، والجسد الذي يتحرك، والوسائل التي تحصل عليها من هنا وهناك، لتنصر كلمة الله وخطّه والقيادات التي تنطلق من خلال رسالات الله {إن الله لقويٌّ عزيز}[الحج:40]. فمن هم الذين ينصرون الله؟ هم {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41). فهؤلاء هم الذين تبقى حركتهم في خط الرسالة حتى بعد الانتصار، لأن المشكلة في الكثير من الذين يبدأون الحركة من موقع الرسالة، أنهم ينسون الرسالة، وتبقى الحركة، وهذا ما قد نبتلى به في بعض الحركات الإسلامية، حيث ينطلق الحزب والحركة والمنظّمة ولو على حساب الإسلام.
معادلة النصر:
ولذلك، أكّد الله سبحانه وتعالى المسألة في قوله: {الذين إن مكَّنّاهم في الأرض}، أي حقّقوا الرسالة، {أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} باعتبارهما العنوان الكبير لهذه الرّسالة، لأنّ الصلاة تمثل معراج المؤمن إلى الله، والزكاة تمثل حركة العطاء عند الإنسان، {وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} (الحجّ:41)، باعتبار أنهما الوسيلتان اللتان تحقّقان الإصلاح في المجتمع وتسقطان الفساد فيه.
فلا بدّ من أن تنصر الله بنصرك، والله عزّ وجل لا يحتاج إلى أن ننصره، ولكن أن ننصر دينه ورسالته ورسله وما إلى ذلك. ونحن نقرأ في قوله تعالى ما يحدث في نهاية المطاف، وهو ما بشّرنا به النبي(ص) والأنبياء من قبل ذلك من أمر المهدي المنتظر(عج): {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور:55). ولقد حقق الله هذا الوعد في المرحلة القريبة في عهد النبي(ص) وترك المرحلة البعيدة للمستقبل.
ففي المرحلة القريبة، حقّق وعده للرسول وللرسالة في خط الإسلام، من خلال انتصار النبي(ص)، من بعدما كان المسلمون يتخطّفهم الناس من حولهم، فأعطاهم الله النصر، واستخلفهم في الأرض بانتصار الإسلام في المرحلة النبوية وفيما أعقبها من مراحل، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وعبده الذين عبدوه في خط الإسلام بكل حريّة، ولم يشركوا به شيئاً. فأعطى الله بذلك النموذج بمن نصروا وانتصروا، وبمن أخذوا بأسباب تحقيق الوعد الإلهي في حركة الإنسان في الحياة. وكأنه سبحانه يريد أن يقول لنا ونحن نتحرك في خط المستقبل وننتظر الإمام(عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إن المسالة لن تكون غيباً مطلقاً، بل سيكون فيها شيء من الغيب وشيء من الجهد، وإلاّ كيف نقول في زيارتنا له (عج الله فرجه): "واجعلنا من أتباعه والمستشهدين بين يديه". فإذا لم تكن هناك مقاومة وجهاد ومواجهة للتحدّي، فكيف نفسِّر الشهادة؟! إذاً لا بدّ لنا في الموعد المنتظر، أن نعدّ أنفسنا للدعوة وللجهاد، ليطلّ علينا غيب الله، ولينصر الله تعالى من ينصره. ومن الطبيعي أن الغيب في الدعوة النهائية (مرحلة الظهور)، أوسع من الغيب الذي عاش في بداية الدعوة، لأنّ الدعوة كانت تريد أن تشقّ الطريق، وتحقق بعض المواقع هنا وهناك، أمّا الدعوة النهائية (الظهور)، فإنها تريد أن تملأ الأرض الأرض بالعدل من خلال الإسلام.
ونستوحي من هذا، أنه ما دامت المسالة في النهاية عندما يأذن الله لوليّه بالقيام، لا تخلو من جهد وجهاد ودعوة وحركة، فهل تخلو الآن منهما ونحن في خط الانتظار؟ هل هي مرحلة الهدوء والإخلاد إلى الأرض والابتعاد عن ساحة الصراع، والهروب من إقامة الدولة الإسلامية هنا وهناك؟ إنّ الذين يقولون بذلك لا يفهمون الإسلام الذي لم يكن لمرلحة معينة، بل كان للزمن كلّه، ولا يفهمون مسألة الانتظار، ولا يفهمون مسالة النصر النهائي الذي أعطى الله نموذجه في النصر في البدايات.
الدعوة إلى تحقيق الانتصار:
لذلك، نحن مدعوون إلى الانتصار، وإلى أن نحقّق أسباب النصر في غيبته(عج)، كما أننا مدعوّون إلى أن نحقق أسباب النصر في ظهوره، وأن تكون لنا إرادة النصر في موقع هنا وموقع هناك، وكما أن الله تعالى أرادنا أن لا نيأس، أرادنا حتى ونحن نعيش الزلزال أن لا نسقط، وأن ننطلق إلى ما قاله تعالى: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} (الصف:13). وحتى نعرف كيف نحتفظ لعقولنا بانفتاحها على الحق في خط المستقبل، ولطاقاتنا بثباتها في الواقع، علينا أن نقف أمام فكرة مهمّة، وهي أن القضية ليست أن تحقق النتائج في حياتك بصفتك الشخصية، بل أن تحققها لرسالتك ولأمّتك وللمستقبل الذي يمهّد لمستقبل أوسع. فهب أنك لم تستطع أن تصل إلى النتيجة النهائية لما تحبّ، فهل يقال عنك إنك فاشل؟ كلا، فلا تعتبروا أنفسكم فاشلين إذا لم تحققوا أهدافكم القريبة، بل إن هناك من ينجح في الوصول إلى بعض الأهداف، وهناك من ينجح في تقريب الساحة نحو الأهداف، فكلّ جيل يحقّق مرحلة للجيل الآخر، حتى يأذن الله للنتائج أن تحصل من خلال استكمال الأسباب والظروف الموضوعية: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}[الأنبياء:105]. فعلينا أن نعمل من أجل تهيئة هؤلاء العباد الصالحين وإعدادهم في خط الدعوة وخط الرسالة وخط الجهاد وخط الحركة، حتى يكونوا في خط الإعداد لوراثة الأرض، وحتى ترتفع رسالة الله في الأرض، وتمتلئ قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. والحمد لله ربِّ العالمين.
التعليقات (0)