جاء في رسالة الإمام المهدي (ع) الثانية التي كتبها في بداية الغيبة الكبرى للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه:
( ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل،وصلواته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم )(1).
حينما يُراد تغيير مجتمع فاسد أو وضع بائس في مكان ما فلا بد من تهيئة الظروف المناسبة لعملية الإصلاح في ذلك المكان، وخلق المناخ المثالي والأرضية الصالحة لإنجاح عملية التغيير، ولأن عملية التغيير للإمام المهدي (ع) ليست مرتبطة بمكان محدود أو مجتمع محدود، وإنما تغيير العالم تغييراً شاملاً فهذه العملية الإصلاحية الكبرى لابد أن يتهيأ لها مناخ عالمي مناسب يشمل جميع الأرض بل والكون أيضاً.
ولكي تتم هذه العملية بالشكل المطلوب والفعال لابد من توفر شروط معينة، وهي التي ذكرها السيد محمد صادق الصدر (قدس) في موسوعة الإمام المهدي (ع) تحت عنوان شرائط الظهور، وهي بشكل مختصر تتمثل في أربع نقاط أو شروط (2):
الشرط الأول: وجود النظرية أو الأطروحة الكاملة لعملية التغيير.
وبمعنى آخر وجود الأيديولوجية الفكرية الكاملة والقابلة للتنفيذ في كل الأمكنة والأزمنة والتي تضمن الرفاهية للبشرية جمعاء، وهذا ما تم بالفعل بوجود الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية الخاتمة.
الشرط الثاني: وجود القائد المحنك الذي يقود عملية التغيير الشامل.
حيث ينبغي أن يمتلك هذا القائد العظيم القابلية الكاملة لقيادة العالم كله ونشر العدل فيه، وهذا أيضا قد حصل والمتمثل في وجود الإمام المهدي (ع).
ويقول السيد محمد باقر الصدر (قدس) بهذا الخصوص ( إن الإسلام حوَّل فكرة الخلاص من الإيمان بها في الغيب، ومن فكرة ننتظر ولادتها، ومن نبوئه نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعاً ننظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشارك أحزاننا وأفراحنا ويترقب اللحظة الموعودة )(3).
الشرط الثالث: وجود العدد الكافي من الأنصار والمؤازرين للقائد العظيم.
الذين يشكلون قاعدة للتغيير ولديهم مستوى عالٍ من الوعي والاستعداد للتضحية بين يدي القائد بحيث يعتمد عليهم في نشر العدل في جميع أنحاء المعمورة ويكونون قادة لجيش الإمام ومقاتلين بين يديه.
الشرط الرابع: وجود قاعدة شعبية مؤيدة وكذلك استعداد عالمي للتغيير.
أي وجود العدد الكافي من المؤمنين المؤيدين للإمام في حال ظهوره، وكذلك وجود استعداد لدى شعوب العالم لقدوم المخلص المنتظر.
ن هنا نعرف أن ظهور الإمام سوف يتحققلنا متى اجتمعت هذه الشروط في زمن واحد مهما طال الزمن، حيث أن هذه الشروط كفيله بإنجاح عملية التغيير المنشودة، واستحالة تخلف وعد الله لعباده الصالحين.
ويقول شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (قدس) بهذا الخصوص: ( الذي نقوله في هذا الباب.. أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده لا يتم إلا بأمور ثلاثة: أحدها يتعلق بالله وهو إيجاده (ع)، والثاني يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها، والثالث يتعلق بنا من العزم على نصرته ومعاضدته والانقياد له )(4).
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا غاب الإمام المهدي (ع) كل هذه القرون الطويلة ؟ وما الحكمة من استمرار غيبته عليه السلام طوال هذه المدة المديدة التي لا يعلم انتهاءها إلا الله؟
أسباب وغايات الغيبة الكبرى:
كما ذكرنا في السابق إنه لإنجاح عملية التغيير للوضع العالمي الفاسد كان لابد من تهيئة المناخ المناسب والبيئة المثالية لعملية الإصلاح والتغيير، ولكي يتم ذلك بالشكل المطلوب كان لابد من حدوث عدة أمور هامة تشكل مجتمعة العلة أو الحكمة من استمرار غيبة الإمام المهدي (ع) حيث ذكرنا من قبل أن بدء غيبته كان من أجل الحفاظ على شخصه الكريم من القتل، كما أنهلا ينبغي للإمام المهدي (ع) أن يكون ظاهراً بين الناس ويرى بعينه المفاسد والظلم ويبقى صامتاً ومكتوف الأيدي مستسلماً لقوى الطغيان في انتظار حصول هذه الأسباب والأمور التي سنتحدث عنها، فكان لابد من استمراره في هذه الغيبة الطويلة حفاظاً على روح الرفض لدى المؤمنين ضد الظلم والطغيان حتى تجتمع هذه الأسباب وتكتمل، ومن هذه الأمور المهمة التي كان لابد من حصولها:
1- وصول البشرية لمرحلة متقدمة من التطور العلمي والتقني:
لكي يتمكن الإمام المهدي (ع) من بسط سلطته على جميع المعمورة وحكم كامل الكرة الأرضية بالقسط والعدل لابد أن تكون الاتصالات في زمنه سريعة ومباشرة، بحيث يمكنه مراسلة أي من ولاته في جميع الأقطار وحل مشاكلهم في زمن قياسي، وهذا الأمر لم يكن بالإمكان تطبيقه قبل مئة عام من الآن مثلاً، إذ لو أراد أحد ولاته أو الحكام المعينين منه في شرق الأرض أو غربها مراسلته عبر وسائل المواصلات القديمة كالجمال مثلاً، لاستلزم الأمر عدة شهور حتى تصل الرسالة له ، وقد تتفاقم المشكلة طوال هذه المدة بحيث لا يمكن حلها بالشكل المطلوب.
ولذا كان لابد من الانتظار حتى تصل البشرية لمرحلة متقدمة في العلوم والتكنولوجيا مما يساعد الإمام فيحكم كامل الأرض بسهولة ويسر عبر استخدامه وسائل التقنية الحديثة في الاتصالات وأجهزة المراقبة والتحكم عن بعد وغير ذلك من أجهزة وأسلحة متطورة، مما يساعده أيضا في حروبه التي يخوضها ضد الأعداء من الكفار والظالمين.
وهذا الأمر نفهمه من الروايات التالية التي تتحدث عن هذا التطور التكنولوجي في زمان ظهور الإمام المهدي (ع).
فعن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد ـ أي رسول ـ يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه ) (5).
وعن ابن مسكان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق ) (6).
وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (ع): ( كأني أنظر إلى القائم على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ، ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم ) (7).
وعنه أيضاً بشأن خروج الإمام المهدي (ع) قال: ( لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه ) (8).
وهذا ما يحدث فعلاً في الزمان الحاضر عبر شاشات التلفزيون وكاميرات الاتصالات والإنترنت وغيرها.
وعن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه (ع) قال: ( إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها ) (9).
فربما يكون مضمون الحديث السابق هو ما نراه هذه الأيام من أجهزة اللاسلكي الحديثة أمثال النقالات ( الجوالات ) أو شاشات الاتصالات أو ما شابه ذلك.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال:( إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها ) (10).
فلعل المقصود بهذا الحديث الآنف الذكر أن الإمام المهدي (ع) يمكنه أن يطلع على أي مكان في العالم أو أي موقع جغرافي عبر شاشات الرادار أو الأقمار الصناعية أو ما شابه ذلك.
وعن أبي جعفر الباقر (ع): ( في تأويل قوله تعالى ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملآئكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ( (11) قال: ينزل ـ القائم ـ في سبع قباب من نور لا يُعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل ) (12).
ولعل المراد بهذا الحديث هو الطائرات في الزمن الحاضر أو ربما الأطباق الطائرة أو ربما أجهزة أكثر تطوراً تكتشف في المستقبل والله أعلم.
وعن أمير المؤمنين (ع) قال في إحدى خطبه عن أحداث وعلامات الظهور للإمام المهدي (ع): ( وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد (ص) يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الاذفر يسير الرعب أمامها شهرا ) (13).
ولعل أقرب تفسير للحديث السابق هي الصواريخ العابرة للقارات أو الصواريخ التي يتحكم بها عن بعد أو ما شابه ذلك بدليل قول الإمام ( يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب ) فمن المعروف أن الرايات والأعلام لا تطير عادة.
وعن الصادق (ع) قال: ( إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وصار الليل والنهار واحداً وذهبت الظلمة ) (14).
وهذا ما يحدث في الزمان الحاضر مع وجود الكهرباء حيث ذهبت الظلمة وأصبح الليل مثل النهار مع وجود الأنوار والإضاءة الكهربائية.
كما لا يمكن تأويل جميع الأحاديث والروايات السابقة وهناك من أمثالها الكثير جداً بالمعجزات والخوارق، ولا يمكن القول بأن دولة الإمام المهدي (ع) ستقوم على المعاجز فقط طوال مدة بقائها.
إذ من المعروف أن الله سبحانه وتعالى أجرى الحياة الدنيا بالسنن الطبيعية، والمعجزات لا تحدث إلا فيظروف معينة وفي مجالات ضيقة، كإثبات صدق النبي أو الإمام، لكي لا يدعي النبوة أو الإمامة أي مدعي كاذب، أو في حالة الحفاظ على شخص النبي أو الإمام من الأعداء والمخاطر كما تكلم لحم الكتف المسموم لرسول الله وذلك حينمادست له تلك اليهودية فيه السم، أو لوجود مصلحة ما لا تتم بالشكل الطبيعي ولايمكن تنفيذها إلا بالمعجزة كما سافر الإمام علي (ع) إلى المدائن لتغسيل سلمان الفارسي وعاد في نفس الليلة إلى الكوفة بقدرة الله تعالى.
وأما في غير هذه الحالات فإن الأمور تجري بشكلها الطبيعي، وإلا لاستلزم الأمر أن لا يكون هناك جهاد من قِبل الأنبياء والمعصومين لأعدائهم وتحمل الأذى منهم كما حدث لرسول الله حينما كسرت رباعيته، وأُلقيت عليه الحجارة والأوساخ بأبي هو وأمي، إذ أن الله تبارك وتعالى قادر على نصره بالمعجزة ولم يكن هناك حاجة حينئذٍ لاستمرار الدعوة الإسلامية طوال 23 سنة التي قضاها الرسول في ذلك.
ويقول الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله تعالى بهذا الخصوص: ( صحيح أن خضوع العالم وتسليمه ـ للإمام المهدي- سيجعل المهمة سهلة، ولكن هناك مشاكل طبيعية يجب أن نحسب لها حساباً في تصورنا لذلك المستقبل السعيد، منها اختلاف اللغات وبعد المسافات وكثرة متطلبات الحياة …...، وقد يبادر البعض إلى إلقاء المسؤولية على الإعجاز، فالإمام مؤيد من قبل الله ويمكنه أن يستعين بالمعجزة لعلاج كل هذه المشاكل !
ولكنها حينئذٍ ستكون دولة يحكمها الغيب، وتديرها المعجزة.. مع أن الغيب لا يتدخل في قضايا الحياة إلا عبر السنن والقوانين الطبيعية، اللهم إلا في بعض الحالات الاستثنائية المؤقتة، حيث يحدث هناك التدخل المباشر وتكون المعجزة.
إما أن تتحول المعجزة إلى قانون يحكم العالم كله، فهذا خلاف سنة الله التي لن تجد لها تحويلا ولن تجد لها تبديلا ……، من هنا يحق لنا أن نحتمل أن من بين أسباب تأخر خروج الإمام المهدي هو انتظار تهيؤ الأجواء والظروف المادية والآلية والاجتماعية، ليستطيع الإمام عندها من إنجاز مهمته وتنفيذ دوره الخطير على أحسن وجه، مستعيناً بإنجازات العلم الحديث ومكاسب الإنسانية الجبارة ) (15).
كما يجب ألا يساء فهم الأحاديث التي تتحدث عن خروج القائم بالسيف فيفهم بمعناه الظاهري أي ذلك السلاح القديم، وإنما قد تعني هذه الأحاديث والروايات خروجه عليه السلام بالقوة والسلاح وقتاله الأعداء ومحاربته لهم وعدم مهادنتهم، وربما تعني هذه الأحاديث أنه عليه السلام يتخذ السيف شعاراً ورمزاً لدولته أو في حروبه ولا مانع أبداً من استخدامه للأسلحة الحديثة والمتطورة كما يذكر ذلك السيد حسن الشيرازي (قدس)، حيث يقول: ( فرفعه السيف شعاراً أو حمله رمزاً لا يعني استخدامه سلاحاً وحيداً في معاركه، وإنما تشير جملة من الدلائل والقرائن على أنه يستخدم أسلحة أخرى شديدة الفتك والتدمير إلى درجة رهيبة تخلع قلوب القادة العسكريين فيستسلمون لتجاربها الأولية ) (16).
وقد يكون أيضاً لسيفه القوة التي تغلب جميع الأسلحة الفتاكة وتسيطر عليها كما كان لعصاة موسى (ع) فمن المعروف أن معجزات الأنبياء والمعصومين تكون متحدية لفنون وعلوم زمانهم، فلابد أن تكون في زمان الإمام المهدي (ع) الأسلحة في غاية التطور، والعلوم متقدمة جداً فيكون لسيفه الغلبة على جميع تلك الأسلحة والتقنيات المتطورة.
فعن أبي عبد الله (ع) قال في وصف سيوف بعض أصحاب القائم: ( لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله ) (17).
وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (ع) قال: ( سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر إلى مسجد مكة يعلم أهل مكة أنهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة كل كلمة مفتاح ألف كلمة، ويبعث الله الريح من كل واد تقول هذا المهدي يحكم بحكم داوود ولا يريد بينة ) (18).
فمن الواضح من الحديث السابق أن سيوف أصحابه ليست سيوف عادية كما في الزمن الماضي وإنما هي أسلحة متطورة فيها أزرار إلكترونية كثيرة، وأيضاً من ضمن الحديث نستشف أن الإذاعات والفضائيات ستنقل أخبار الإمام المهدي (ع) بدليل قول الإمام الصادق ( ويبعث الله الريح في كل واد تقول ……. ) فالريح هنا ما هي إلا ذبذبات وموجات كهر ومغناطيسية والله أعلم.
وليس معنى هذا الكلام أنه لن يكون هناك معجزات مطلقاً في سيرة الإمام المهدي (ع) وقتاله لأعدائه حيث أكدت الروايات على نصره بالرعب والملائكة والجن والعون والمدد الإلهي فوق ذلك كله، ومن المعجزات المؤكدة التي ستقع بإذن الله في بداية خروجه في مكة هي حادثة خسف البيداء بجيش السفياني بين مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث أكدت عليها الروايات وأخبرت أنها من المحتوم.
إذ أنه في بداية خروجه لن يكون عنده أنصار سوى عدد قليل، بعدد جيش النبي في بدر أي ثلاثمائة وثلاثة عشر ناصراً فقط، بينما جيش السفياني كبير جداً ومجهز بأفضل الأسلحة، ولذلك لابد من تدخل العناية الإلهية في هذه الحالة للحفاظ على شخص الإمام حتى يتجمع باقي أنصاره وجنوده، وهذا ما أكدت عليه الروايات حيث أخبرت أنه لا يخرج من مكة حتى يجتمع عنده عشرة آلاف رجل.
كما لابد أن تظهر مثل هذه المعجزة للإمام حتى يثبت للناس أنه المهدي الموعود فعلاً وليس أحد المدعين للمهدية الذين يكذبون على الناس بافتراءاتهم.
وخلاصة القول أن الإمام المهدي (ع) سيستخدم المعجزة في حالة وجود مصلحة معينة لا تتم بالشكل الطبيعي بينما باقي سيرته ومجاهدته للأعداء ستكون بالمقومات الطبيعية والأسلحة الموجودة في زمان خروجه وبالتعاون مع أنصاره ومؤيديه وشيعته.
ولعل الحديث التالي من أوضح الروايات دلالة على ما نحن بصدده، حيث يوضح الإمام الصادق فيه أن أصحاب الإمام المهدي (ع) ينقسمون إلى قسمين، فبعضهم يأتي إلى مكة بشكل طبيعي وهم القادرون على المجيء ودخول الأراضي المقدسة بالحجاز، والبعض الآخر ممن لم يجهزوا أنفسهم للسفر أو ربما ليس لديهم تصريح دخول فيأتون إلى مكة بشكل إعجازي.
فعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (ع) في تأويل قوله تعالى ) أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ( (19) قال: ( لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه السلام، إنهم لمفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهاراً يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: فقلت جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً ) (20).
فالقسم الذي يأتي لمكة بشكل إعجازي هم المفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة من غير ميعاد كما صرح بذلك حديث آخر عن الإمام الباقر مشابه لهذا الحديث جاء فيه ( وبعضهم نائم على فراشه فيوافيه في مكة على غير ميعاد ) (21).
وأما القسم الآخر فيأتون بشكل طبيعي بالطائرات أوما شابه ذلك كما جاء في الحديث ( يسير في السحاب نهاراً ) أي بشكل علني بدليل قول الإمام ( يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه ) وهذا ما ندعوه في الزمان الحاضر بجواز السفر أو بيانات الكمبيوتر أو الحاسب الآلي أو ما شابه ذلك.
وهذا القسم من الأصحاب عبر عنهم الإمام بأنهم أعظم إيماناً، ولعل السبب في ذلك لأنهم أعدوا العدة للسفر وتحملوا مشاقه وربما عرضوا أنفسهم للاعتقال والمسائلة، وربما دفعوا الأموال الطائلة في سبيل الوصول لمكة المكرمة، فكانوا بذلك أفضل من الآخرين الذين جاءوا لمكة المكرمة بشكل إعجازي، فالأجر على قدر المشقة.
وفي الختام أقول لعل جميع هذه العلوم والتقنيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي ستظهر في المستقبل إنشاء الله ما هي إلا شيء بسيط من بركات قرب ظهور الإمام المهدي (ع) وحينما يظهر سيخرج لنا بإذن الله أضعاف مضاعفة من العلوم النافعة والتقنيات والأجهزة المتطورة.
فلقد جاء في الحديث عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ( العلم سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزئين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثها في الناس، وضم إليها الجزئين حتى يبثها سبعة وعشرين جزءا ) (22).
وصول الأمة الإسلامية ككل للنضج الفكري والاستعداد العالي للتضحية:
سبق أن ذكرنا ضمن شرائط الظهور أنه لابد من وجود قواعد شعبية كافية ذات مستوى عال من الوعي والنضج الفكري ولديها الاستعداد العالي للتضحية في سبيل تطبيق العدل الإلهي في جميع الأرض، وأن هذا الأمر لم يحصل في الماضي ولا حتى في زمان وجود الأئمة عليهم السلام.
فمن ذلك ما روي عن مأمون الرقي انه قال: ( كنت عند سيدي الصادق (ع) إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له: يا بن رسول الله لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه،وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟ فقال له : اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنفية اسجري التنور، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: يا خراساني قم فأجلس في التنور، فقال الخراساني يا سيدي يا بن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال : قد أقلتك.
قال الراوي فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته، فقال السلام عليك يا بن رسول الله، فقال له الصادق (ع): ألق نعلك من يدك و اجلس في التنور، قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خرا سان حتى كأنه شاهد لها، ثم قال : قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال: فقمت إليه فرأيته متربعاً، فخرج إلينا وسلم علينا، فقال الإمام : كم تجد بخرا سان مثل هذا ؟ فقال: والله ولا واحداً.
فقال : لا والله ولا واحداً أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت ) (23).
وحيث أن حكومة الإمام المهدي (ع) هي حكومة عدل مطلق لا عدل نسبي فهذا يستلزم أحكاماً خاصة من الصعب على الكثيرين تحملها، فمثلاً حينما يقضي الإمام المهدي (ع) بين متخاصمين ينبغي له ألا يأخذ بظواهر الأمور ولا يسأل عن البينة كما دلت على ذلك العديد من الروايات، إذ ربما يكون للمتخاصم الكاذب الكثير من شهود الزور بينما المتخاصم الآخر المحق لا يملك أي دليل على صدقه، فالحكم العادل هنا يجب أن يتم بناءه على الحقيقة المستترة ولا يتطلع لظاهر الأمور، وهذا الأمر صعب على الناس تقبله، فحتى إن بعض أولي العزم من الرسل لم يتحملوا ذلك كما حدث من شأن نبي الله موسى (ع) مع الخضر حينما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار.
ولذلك لم يكن الرسول محمد والأئمة عليهم السلام يحكمون بين الناس إلا بظواهر الأمور والبينات مراعاة لهذا الوضع الاجتماعي المعاش.
فعن رسول الله قال: ( إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار ) (24).
أما طريقة حكم الإمام المهدي (ع) فستكون كما حكم نبي الله داوود (ع) بين المتخاصمين حيث لم يسأل عن البينة من المدعي.
فعن الصادق (ع) قال: ( لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منييحكم بحكومة آل داوود ولا يسأل البينة، يعطي كل نفس حقها ) (25).
وعن أبي عبد الله (ع) قال: ( إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داوود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه ) (26)
لهذا يجب على الأمة في زمن القائم التسليم المطلق للإمام حتى وإن كان في ذلك مخالفة لما ترى أن فيه الصلاح وهذا الأمر لا يحدث إلا بعد حصول الأمة على الكثير من النكبات والمصائب لعدم إطاعتها للأوامر كماحدث للمسلمين في عهد رسول الله في معركة أحد وما حدث للكوفيين مع الإمام الحسين وما حدث بعد ذلك للشيعة في زمان الأئمة (ع)، وسيحدث ذلك أيضاً في أول خروج القائم وحكمه.
فعن الصادق (ع) قال: ( إنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة ـ القرية أو الأرض المستوية ـ فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون ) (27).
وعنه أيضاً قال: ( بينا الرجلعلى رأس القائم ـ أي واقف بجنبه ـ يأمر وينهي إذ قال أديروه، فيديرونه إلى قدامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه ) (28).
كما أن كثير من الأمور التي هي واقعاً جائزة شرعاً ومباحة للمسلمين في الوقت الراهن لن تكون كذلك في زمان القائم لأجل المصلحة العامة وقيام الدولة الإسلامية بالشكل المطلوب، ومثال ذلك نهي الإمام المهدي (ع) في حال قيامه وبعد ظهوره عن الطواف المستحببسبب تضاعف عدد الحجاج والمعتمرين في ذلك الزمن وبالتالي يسهل على المؤمنين الطواف الواجب.
فعن الصادق (ع) قال: ( أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف ) (29).
وعنه أيضاً قال: ( موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه، حتى يأتيه به فيستعين به على عدوه، وهو قول الله عز وجل في كتابه ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ( (30) ) (31).
لذلك نرى درجة التسليم لدى أصحاب الإمام المهدي (ع)وإطاعتهم وتقديسهم له منقطعة النظير لدرجة أنهم يتبركون بسرجه كما جاء في بعض الروايات وهم أطوع له من الأمة لسيدها كما وصفهم الإمام الصادق (ع) حيث يقول: ( رجال لا ينامون بالليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها ….. إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحق )(32).
كما أنه لا يمكن أن تصل الأمة إلى حالة التسليم المطلق هذه إلا بعد شعور الأمة بقيمة الإمام بعد فقده بالغيبة و استشعارهم مدى حاجتهم إليه لطول مدة غيابه، فمن المعروف أن الإنسان لا يقدر قيمة الشيء إلا بعد فقده.
وهذا ما حصل لبني إسرائيل في صحراء سيناء حينما جاءهم الأمر من نبي الله موسى (ع) بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء فما كان جوابهم إلا أن قالوا ) إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( (33)، ولكن بعد وفاة النبي موسى (ع) ومكثهم 40 سنة في التيه في صحراء سيناء وشعورهم بأهمية النبي بعد فقده، قاموا مع وصي موسى يوشع بن نون بدخول فلسطين ومحاربة الأعداء.
ودعونا الآن نستعرض هذه القصة التي حدثت في البحرين في الزمن الماضي والتي ذكرها آية الله السيد محمد صادق الصدر في كتابه تاريخ الغيبة الكبرى نقلاً عن أبيه السيد صادق الصدر حيث يقول: ( إن الناس في البحرين في بعض الأزمنة ولمقدار إحساسهم بالظلم وتعسف الظالمين تمنوا ظهور إمامهم المهدي (ع) فاتفقوا على اختيار جماعة من أعاظمهم في الزهد والورع والعلم، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم ومن بين الثلاثة اختاروا أفضلهم ليكون هو واسطتهم في الطلب إلى المهدي بالظهور.
فخرج هذا الشخص المختار إلى الصحراء وأخذ بالتعبد والتوسل إلى الله تعالى لخروج القائم ، وبعد مضي ثلاثة أيام بلياليها وفي الليلة الأخيرة أقبل له شخص وعرفه أنه هو المهدي المنتظر وسأله عن حاجته، فأخبره بأن مواليه في أشد التلهف والانتظار إلى ظهوره وقيام نوره، فأوعز إليه الإمام أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له، ويأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني على سطح أحد المنازل ويعلن في الناس أن المهدي (ع) سيأتي في ساعة معينه.
وامتثل الرجل للأمر، وحلت الساعة الموعودة وكان الناس متجمهرين في المكان المعين على الأرض وكان الإمام مع هذا الرجل وغنمه على السطح.
وهنا ذكر الإمام أسم شخص وطلب من الرجل أن يأمره بالحضور، فأمتثل ذلك الشخص للأمر وصعد إلى السطح، وبمجرد وصوله أمر الإمام صاحبنا أن يذبح واحداً من غنمه قرب الميزاب، فلما رأى الناس الدم ينزل من الميزاب بغزارة اعتقدوا جازمين بأن المهدي (ع) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.
ثم نادى الإمام بنفس الطريقة رجلاً آخر، وكان أيضاً من الأخيار الورعين، فصعد مضحياً بنفسه وبعد أن وصل إلى السطح نزل الدم من الميزاب بنفس الطريقة، ثم نادى الإمام شخصاً ثالثاً ورابعاً، وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود بعد أن تأكدوا أن كل من يصعد سيراق دمه من الميزاب، وأصبحوا يفضلون حياتهم وبقائهم على أمر إمامهم.
وهنا ألتفت الإمام إلى صاحبنا وأفهمه بأنه معذور في عدم الظهور ما دام الناس على هذا الحال من عدم الاستعداد للتضحية من أجل إمامهم ) (34).
3 – تجربة جميع الآراء والاطروحات الفكرية والسياسية وفشلها جميعا:
جرت سنة الله في العباد منذ أُهبط آدم إلى الأرض بأن ترك لهم مطلق الحرية في ما يعتقدون وحرية الاختيار بين الطاعة والمعصية والطريق الذي يريدون سلوكه في الحياة وبالتالي يتحملون أعباء وتبعات اختيارهم، وهذا الأمر مستمر حتى خروج القائم حيث تقام حكومة الله في الأرض وتطبق التعاليم الإلهية سواء رضي الناس ذلك أم كرهوا، كما ذكرنا ذلك من قبل في تفسير الإمام الصادق (ع) لقول الله تعالى ) وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرها ( (35).
لذلك تعددت الآراء والأفكار وكان لابد من تأخر دولة العدل الإلهي حتى النهاية ليتم تجربة جميع الإطروحات الفكرية والسياسية، وحتى إذا ما فشلت كلها واتضح عجز جميع المدارس الأخرى وحصل اليأس منها جميعاً، فحينئذٍ لا يبقى أمام البشرية إلا القبول بالأطروحة الإسلامية والمشروع الإلهي لأهل الأرض.
فعن الباقر (ع ) قال: ( إن دولتنا آخر الدول ولم يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا لو ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل ) والعاقبة للمتقين ( ) (36).
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: ( ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولّوا على الناس، حتى لا يقول قائل أنا لو ولّينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل ) (37).
وعن عمار بن ياسر قال: ( إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها إمارات، فإذا رأيتم فألزموا الأرض وكفوا حتى تجئ إمارتها ) (38).
لذلك لا يمكن للمهدي عليه السلام أن يظهر ما لم يصل إلى الحكم جميع أصناف الناس وتجربة جميع التيارات الفكرية المتعددة وإثبات فشلها جميعاً في إسعاد البشرية وتخليصها من محنها وعدم تمكنها من تطبيق العدل المنشود.
فنحن رأينا في التاريخ الإسلامي على سبيل المثال قد حكم الأمويون والعباسيون والعثمانيون والفاطميون والمماليك وغيرهم و غيرهم ……وكلهم أثبت فشله في الحكم وتفاقمت في عهده الأوضاع وانتشر الظلم والفساد.
وفي العصر الحديث أيضاً تمت تجربة الاطروحات الشيوعية والبعثية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها وكلها فشلت في انتشال الإنسانية من الواقع البائس والانحطاط الذريع، ومع تطور العالم في التكنولوجيا والعلوم واكتشاف ثروات الأرض وأسباب الرفاهية ومع ذلك كله فلا تزداد البشرية إلا عناء وفقرا وجهلا وتزايد في الأمراض والحروب بين جميع أبناء البشر.
وفي النهاية لن يكون هناك أمام البشرية إلا الرضوخللنظرية الإسلامية المتكاملة و تطبيق الحكم الإسلامي في الأرض.
ولقد جاء عن الإمام الصادق (ع) البيت التالي من الشعر (39):
لكل أناس دولة يرقبونها ودولتنا في آخر الدهر تظهر
4 – تمحيص المؤمنين وابتلائهم وامتحانهم من أجل الوصول للكمال:
قال تعالى ) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ( (40).
كنا قد ذكرنا في ما مضى من هذا الكتاب أن دولة الإمام المهدي (ع) هي المشروع الإلهي الكبير في الأرض، ولكي يتم تطبيق دولة العدل هذه بالشكل المطلوب والصحيح لابد أن يتم اختيار الأشخاص الذين يعتمد عليهم في بناء هذه الدولة وقيامها بعناية فائقة , فلا بد إذاً أن ينجح هؤلاء الأشخاص في عدة اختبارات و امتحانات صعبة ومن هذه الامتحانات طول مدة الغيبة والتعرض لأصناف الظلم والابتلاءات، ومثال ذلك ما كان من أصحاب النبي نوح (ع) حيث لم يركب معه في السفينة إلا القليل من المؤمنين بعد أن تساقط الكثير ممن كانوا معه عندما طالت المدة ويئسوا من الفرج.
فعن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (ع) في قصة نبي الله نوح(ع) بعد أن أمضى في دعوة قومه ستمائة سنة قال: (...…. وعاد عليه السلام إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة، فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج، فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا، فهبط جبريل عليه السلام فقال له:إن الله تبارك وتعالى أجاب دعوتك فقل للشيعة: يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر , فإذا أثمر فرجت عنهم , فحمد الله وأثنى عليه وعرفهم ذلك فاستبشروا به , فأكلوا التمر وغرسوا النوى وراعوه حتى أثمر , ثم صاروا إلى نوح (ع) بالتمر وسألوه أن ينجز لهم الوعد, فسأل الله عز وجل في ذلك فأوحى الله إليه قل لهم: كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم , فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم , ارتد منهم الثلث وثبت الثلثان , فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحا (ع) فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد , فسأل الله عز وجل في ذلك , فأوحى إليه قل لهم: كلوا هذا التمر , واغرسوا النوى , فارتد الثلث الآخر وبقيا لثلث فأكلوا التمر وغرسوا النوى , فلما أثمر أتوا به نوحا (ع) ثم قالوا له: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخير الفرج أن نهلك , فصلى نوح(ع) ثم قال: يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة وإني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج , فأوحى الله عز وجل إليه قد أجبت دعائك فاصنع الفلك، وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة ) (41).
لذلك جاء عن النبي وأهل بيته الكثير من الأحاديث والروايات التي تؤكد على مبدأ الابتلاء والاختبار في زمان الغيبة وحصول التمحيص فيها وأن من جملة الامتحانات التي يمتحن الله بها العباد هو فقدهم إمامهم المعصوم وانقطاعهم عنه.
فعن رسول الله قال: ( والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال : إي وربي ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) (42).
وعن إبراهيم بن هليل عن أبي الحسن الكاظم (ع) قال له: (أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل ثم صعر كفه ) (43).
وعن الإمام الرضا (ع) قال: ( والله لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثم قرأ قوله تعالى ) الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( ) (44).
وعن منصور عن أبي عبد الله (ع) قال: ( يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، لا والله حتى يميزوا ولا والله حتى يمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد ) (45).
ولسوف يكون الشعب العراقي أكثر شعوب العالم تعرضاً لصنوف الابتلاء والتمحيص باعتبار أن الكوفة هي عاصمة دولة الإمام المهدي (ع) كما دلت على ذلك العديد من الروايات فلابد أن يمحصوا جيداً ليكونوا بذلك أهلٌ لمجاورة المهدي لهم ولكي يمكنه الاعتماد عليهم في إقامة دولته العالمية، فهم سيكونون كما تحدثت الروايات أكثر الناس تعرضاً لسطوة الشيصباني والسفياني وغيرهم من الظلمة، هذا بالإضافة إلى العديد من الحروب المدمرة، وينقل الشيخ المفيد من ضمن علامات قيام المهدي (ع) والحوادث التي تسبق ظهوره العديد من المصائب التي يبتلي بها أهل العراق فيقول: ( وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة.... وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ) (46).
وعن الصادق (ع):( يُزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلد البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار ) (47).
ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) أنواع الإبتلاءات والامتحانات في زمان الغيبة الكبرى بالأشكال التالية (48): ـ
مواجهة الشهوات والنوازع الشيطانية فتأثيرها أكبر في هذه الغيبة بسبب زيادة إغواء إبليس والاغراءات الشيطانية والفساد الخلقي والانحراف السائد لغياب القيادة الحكيمة وانقطاع الاتصال بها.
سيادة الظلم والجور في الأرض وتعرض الإنسان للضغوطات والاضطهاد والمصاعب بسبب انحسار الإسلام بنظامه العادل عن المجتمعات البشرية.
مواجهة الفرد المؤمن لضروب التشكيك في وجود الإمام كلما طال الزمان وبالتالي التشكيك في العقيدة ومن ثم سيطرة الحياة المادية على المجتمع.
فبعد كل هذه الابتلاءات والمصاعب والمحن يتكامل المؤمنون ويخرج الصفوة الذين يمكن الاعتماد عليهم في قيام الدولة الإسلامية وبقائها بالشكل المطلوب.
ولقد أكدت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام على وجوب الثبات في هذه المحن والصبر على البلاء وتحمل المصاعب مهما عظمت الرزايا وكثرت ضروب المشككين لطول مدة الغيبة.
فعن أبي عبد الله (ع) قال: ( إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط الشوك القتاد بيده، ثم أطرق مليا ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه ) (49).
وعن علي بن الحسين (ع) قال عن غيبة الإمام المهدي : ( فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به،فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت ) (50).
وعن زرارة بن أعين عن الصادق (ع) قال له ضمن حديث عن الإمام المهدي: ( وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته منهم من يقول هو حمل ومنهم من يقول هو غائب ومنهم من يقول ما ولد ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله تعالى يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون ) (51 )
5 – الحصول على العدد الكافي من الأنصار:
ونحن هنا إذا تحدثنا عن الأنصار فنعني بذلك أصحاب الإمام المهدي المخلصين الذين يجتمعون في بداية ظهور الإمام في مكة المكرمة وهم بعدد أصحاب طالوت وجيش النبي يوم بدر أي 313 ناصرا، ولا نقصد بذلك عامة المناصرين والمؤازرين الذين سيلتحقون بالإمام المهدي فيما بعد.
فهذا العدد من الأنصار وإن كان قليلاً نوعاً ما إلا أن تجميعه ليس بالأمر السهل، فهؤلاء الأصحاب الذين هم في غاية الإيمان والإخلاص ليس لهم مثيل على الإطلاق، حيث سيكونون قادة الجيوش وسيكون لهم دور كبير في فتح البلاد وإدارة الأمور وسيكونون فيما بعد هم الحكام والقضاة في دولة الإمام المهدي عليه السلام.
فعن أبي عبد الله (ع) قال: ( أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ولا يمدح بنا معلنا ……..إلى أن قال أولئك الخفيض عيشهم المنتقلة دارهم الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن ماتوا لم يشهدوا أولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان ) (52).
ولذا فهذه الثلة من المؤمنين سيتم اختيارهم بعناية خاصة وينبغي لهم أن يكونوا قد وصلوا إلى درجة كبيرة من الوعي وإدراك الأمور بشكل منقطع النظير، كما يجب أن يكون لديهم الاستعداد العالي للتضحية من أجل الهدف المنشود.
لذلك يصفهم أمير المؤمنين (ع) بشكل رائع وجميل فيقول عنهم: ( كأنهم ليوث قد خرجوا من غاب، قلوبهم مثل زبر الحديد، لو أنهم هموا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها فهم الذين وحدوا الله حق توحيده، لهم بالليل أصوات كأصوات الثواكل خوفاً وخشية من الله تعالى، قوام الليل صوام النهار، كأنما رباهم أب واحد وأم واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة ) (53).
وهم من شدة حبهم وتقديسهم للإمام - روحي لتراب مقدمه الفداء - يتمسحون حتى بسرجه، كما في الرواية التالية عن الإمام الصادق (ع) حيث يقول: (يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة، و يحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد ) (54).
كما ذكرت بعض الروايات والأحاديث أن هناك جماعات معينة تكون ضمن أنصار القائم ومؤازريه، أمثال أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق وكنوز طالقان.
فعن أمير المؤمنين (ع) قال: ( ويحاً للطالقان، فإن لله عز وجل بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي في آخر الزمان ) (55).
وسوف يجتمع هؤلاء الأصحاب، والأنصار في مكة المكرمة عند قيام المهدي (ع) فيبايعونه بين الركن والمقام وهو تأويل قوله تعالى ) فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( (56) وهذا التأويل وارد عن الإمام الصادق (ع) حيث قال: ( نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد ) (57).
وإذا فهمنا ذلك كله فعلينا أن نعرف أن أيضاً هؤلاء الأصحاب والأنصار لم يكن بالإمكان تجميعهم من عصر واحد فقط، بل هم خلاصة جميع الأمم والعصور من لدن آدم وحتى خروج الإمام المهدي (ع)، وهذا ما نفهمه من كثير من الروايات التي تتحدث عن الرجعة وأنها لا تكون إلا لمن محض الإيمان محضا فيكون من أنصار المهدي (ع) أو محض الكفر والنفاق فيُنتقم منه بخزي الدنيا في زمان القائم قبل عذاب الآخرة.
فعن المفضل بن عمر قال ذكرنا القائم ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (ع): ( إذا قام أُتى المؤمن في قبره فيُقال له: يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم ) (58).
وعن أبي عبد الله (ع) في تأويل قوله تعالى ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( (59) قال: ( يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بُعث فلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم ) (60).
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: ( العجب كل العجب بين جمادى ورجب، فقام رجل وقال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تتعجب منه ؟ فقال (ع): ثكلتك أمك وأي العجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته، وذلك تأويل هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( (61)) (62).
ولذلك أيضاً كان يجب أن تطول الغيبة لولي الله المهدي في انتظار مجيء أجيال المؤمنين والأنصار من أصلاب الرجال على مر الدهور والأزمنة وهذا ما نفهمه من الرواية التالية للإمام الصادق (ع).
عن إبراهيم الكرخي قال: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله، ألم يكن علي (ع) قوياً في دين الله عز وجل ؟ قال: بلى، قال: فكيف ظهر عليه القوم ؟ وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك ؟ قال : آية في كتاب الله عز وجل منعته. قال: قلت وأية آية هي ؟ قال: قولهعز وجل ) لو تزيلوا لعـذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما ( (63) إنه كان لله عز وجل ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي (ع) ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عز وجل، فإذا ظهرتظهر على من يظهر فقتله ) (64).
ولعل المقصود من الحديث السابق أيضاً هو انتظار وصول الحق لجميع الناس وإعطاء الفرصة لوصول الهداية لجميع الأجيال وفي جميع العصور.
وتحدثت بعض الروايات والأحاديث عن أشخاص معينين سيحيون في الرجعة ليكونوا من ضمن أنصار القائم أمثال أهل الكهف وبعض أصحاب النبي والإمام علي وأنصار الإمام الحسين في كربلاء.
فعن الأصبغ بن نباته في حديث طويل عن أمير المؤمنين (ع) قال فيه عن قيام أهل الكهف مع المهدي (ع): ( فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم، منهم رجل يقال له تمليخا وآخر خملاها وهما الشاهدان المسلمان للقائم عليه السلام ) (65).
وعن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (ع): ( يا مفضل أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهي والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم ) (66).
وعن الصادق (ع) قال: ( ويقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم الخاتم، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنو طه ويواريه فيحفرته ) (67).
وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال: ( إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمنآل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً ) (68 ).
ولذلك نجد في دعاء العهد الذي جاء فيه عن الإمام الصادق أنه من دعا به أربعين صباحاً كان من أنصار القائم العبارة التالية ( اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي ) (69).
ولقد أوردت هذا الدعاء الشريف في خاتمة هذا الكتابلمن أراد الدعاء به نفعنا الله وإياكم بمحمد وأهل بيته وجعلنا الله وإياكم من أنصار القائم .
6 - أن يجري في هذه الأمة ما جرى في الأمم السابقة:
قال رسول الله : ( يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) (70).
فمن الثابت أن بعض الأنبياء والحجج السابقين غابوا عن أممهم لفترات معينة لمصلحة ما كغياب موسى (ع) عن بني إسرائيل حينما خرج إلى مدين خائف يترقب كما أخبرنا الله تعالى في قوله: ) فخرج منها خائف يترقب قال الرب نجني من القوم الظالمين ( (71) ولبث في مدين سنين عديدة ثم عاد لهم، وغاب عنهم أيضاً مرة أخرى أربعين يوما وذلك حينما ذهب للطور لمناجاة ربه وقد واعده الله سبحانه وتعالى ثلاثين ليلة فأخبر موسى قومه أنه يغيب عنهم هذه المدة، ثم أكملها سبحانه بعشرة أخرى لأجل ابتلاء بني إسرائيل وقد كان في علم الله سبحانه أنه يغيب عنهم أربعين يوما كما قال تعالى: ) وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( (72) فما كان من قومه إلا أن فُتنوا وعبدوا العجل لما تأخر عنهم النبي موسى (ع).
وكذلك غاب نبي الله إبراهيم (ع) من قبل عن قومه، وغاب أيضاً يونس بن متى عن قومه حينما ذهب للبحر مغاضباً وأبتلعه الحوت ثم عاد لقومه وقد آمنوا بأجمعهم والعديد العديد أيضاً من الأنبياء حدثت لهم الغيبة مثل غيبة نبينا محمد في الغار عندما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة.
ونحن هنا لا ندعي أن الإمام المهدي (ع) هو نبي من أنبياء الله والعياذ بالله، غير أننا نقول كما أن الغيبة حدثت لحجج الله في الأمم السابقة لأجل ابتلائهم واستشعارهم أهمية الأنبياء بعد فقدهم وللأسباب الأخرى التي من أجلها حدثت الغيبة من قبل لأنبياء الله فلابد أن تحدث في هذه الأمة ولنفس الأسباب ولتستشعر الأمة أيضاً أهمية الإمام بعد فقده.
فعن ابن عباس عن رسول الله قال ليهودي قدم عليه يقال له نعثـل: ( أتعرف الأسباط ؟ قال: نعم، إنهم كانوا أثني عشر أولهم لاوي بن برخياوهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثم عاد، فأظهر الله له به شريعته بعد اندراسها وقاتل قرسطيا الملك حتى قتله، فقال : كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى ويأتي
على أمتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، فحينئذٍ يأذن الله تعالى له بالخروج فيظهر الله الإسلام به ويجدده ) (73).
وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: (إن سنن الأنبياء عليهم السلام بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) (74).
وعن سدير عن أبي عبد الله (ع) قال: ( إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له ولم ذلك يا بن رسول الله ؟ قال : إن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عز وجل: ) لتركبن طبقاً عن طبق ( (75) أي سننا على سنن من كان قبلكم ) (76).
ولعل هناك أيضاً في الأحاديث السابقة دلالة على استجماع هذه الأمة لتجارب الأمم السابقة، فمجموع العلل والأسباب التي دعت الأنبياء من قبل للغياب عن أممهم ستجري في هذه الأمة لتتحقق أهداف الرسالات السماوية جميعا.
7 – وصول انحراف الظالمين و الفساد في الأرض إلى أقصى درجاته:
قال تعالى: ) حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ( (77)
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: ( والله لا يكون ما تأملون حتى يهلك عليه المبطلون ويضمحل الجاهلون ويأمن المتقون وقليل ما يكون حتى لا يكون لأحدكم موضع قدمه وحتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها فبينما أنتم كذلك إذا جاء نصر الله والفتح وهو قول ربي عز وجل في كتابه ) حتى إذا استيئس الرسل ( ) (78).
كنا قد ذكرنا من ضمن أسباب وغايات الغيبة الكبرى للإمام (ع) أن تصل الأمة لدرجة كبيرة من الاستعداد للتضحية في سبيل الغرض المنشود وهو تطبيق حكم الله في جميع المعمورة، وهذا الأمر لا يتأتى للأمة إلا بعد مواجهتها للكثير من المصاعب والمفاسد والظلم الاجتماعي بحيث تصل البشرية لمرحلة اليأس التام وهذا ما عُبر عنه في الروايات بامتلاء الأرض ظلماً وجوراً.
ولسوف تأتي الأيام بمصائب ومحن لا قبل للبشرية به الدرجة أن يفضل الشخص الموت على الحياة من شدة ما يرى من انعدام الأمن وعظم البلاء وانتشار الفساد فلقد جاء عن رسول الله r قوله: ( والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء ) (79).
وعن أبي جعفر الباقر (ع ) قال: ( لا يقوم القائم عليه السلام إلا على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير في حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً، فيا طوبىلمن أدركه وكان من أنصاره ) (81).
وإذا نظرنا إلى الروايات التي تتحدث عن البلاء في آخر الزمان واطلعنا عليها نجد هذا البلاء يتمثل في عدة وجوه: ـ
تعاظم الظلم والجور والاضطهاد بين أبناء البشر وتعاظم الاستكبار العالمي وكثرة الحروب في جميع البلدان وتسلط الكفار والظلام على بلاد المسلمين:
فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال: ( لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يُعرف عندها، حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحد يقول الله، ثم يبعث الله عز وجل رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً ) (81).
وعنه أيضاً قال: ( يصيب هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيُبعث إليه رجلاً من عترتي فيُملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) (82).
وعن أبي عبد الله (ع) قال ( لا يكون هذا الأمر حتى يهلك تسعة أعشار الناس ) (83) أي بالحروب والقتل والقتال كما دلت على ذلك روايات أخرى.
الانحلال العام والانحراف الخلقي وانتشار الفساد والمعاصي العظام:
وهذا والله ما حصل في الزمان الحاضر من انتشار المفاسد وترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا ودخلته المفاسد عبر الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وشاشات الإنترنت والتلفزيون وغيرها، هذا بالإضافة إلى طغيان الحياة المادية وتكالب الناس على الدنيا والحرام وانتشار الغيبة والربا….. وامتلاء بطونهم من الحرام.
فعن أمير المؤمنين (ع ) قال ضمن خطبة طويلة: ( فإن علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة وأضاعوا الأمانات واستحلوا الكذب وأكلوا الربا وأخذوا الرشا وشيدوا البنيان وباعوا الدين بالدنيا واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء وقطعوا الأرحام ……وحليت المصاحف وزخرفت المساجد….. واتخذت القيان والمعازف.….. وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء ) (84).
وفي تلك الخطبة والله العديد من الأمور التي نراها هذه الأيام من المفاسد والبلايا العظام نسأل الله أن ينجينا منها برحمته، فمن شاء الزيادة فليراجعها من مصادرها فهي غنية بالفائدة.
وعنه أيضاً قال: ( لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان وتضييع حقوق الرحمان والتغني بالقرآن بالتطريب والألحان ) (85).
وعن أبي عبد الله (ع) قال ضمن حديث طويل أيضاً: ( ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ) (86).
وهذا والله ما نراه هذه الأيام من عزف هواتف الجوالات والنقالات لجميع أنواع الموسيقى في الحرمين وعامة المساجد فلا أحد يعترض على ذلك أو يستنكره والله المستعان وإلى الله المشتكى، وأيضاً ظهر في السنوات الأخيرة بعض المطربين ممن تغنى ببعض الآيات القرآنية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصول العالم إلى الطريق المسدود في حل جميع العقبات والمشاكل:
ونعني بذلك المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية وغيرها من المشاكل التي لا نهاية لها.
فنحن نشهد هذه الأيام ومع التقدم العلمي في اكتشاف الأدوية والعلاج تفشي العديد من الأمراض المستعصية مثل الإيدز والسارز وأنفلونزا الطيور وغيرها من الأمراض أجارنا الله منها، وفي المجال الاجتماعي نلاحظ تفاقم مشاكل المجتمعات بظهور العديد من الجماعات المنحرفة أمثال عبدة الشيطان وعصابات السرقة والمخدرات غيرها من الجماعات الهدامة.
وفي المجال السياسي برزت لنا في السنوات الأخيرة العديد من الجماعات الإرهابية التي لا يمكن السيطرة عليها في جميع أنحاء العالم بالإضافة لمشاكل الحروب بين الدول التي لانهاية لها، وفي المجال البيئي هناك مشاكل التلوث البيئي وقضايا المناخ وارتفاع سخونة الأرض ومشكلة طبقة الأوزون وغيرها وغيرها، وأما في المجال الاقتصادي فحدث ولا حرج فمشاكل العالم الاقتصادية لا تعد ولا تحصى، وإلى غير ذلك من المشاكل التي تعترض مسيرة الإنسانية المعذبة.
ولقد أشارت العديد من الروايات عن النبي وأهل بيته لهذا الوضع البائس لآخر الزمان وتحدثت عنه بإسهاب لنكون منه على حذر.
ومن أمثال تلك الروايات ما جاء عن رسول الله أنه قال: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون ) (87).
وعن أمير المؤمنين (ع) في ذكر الكوفة قال: ( كأني بك ياكوفة تمدين مد الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل وتركبين بالزلازل ) (88).
وعن محمد بن مسلم في تأويل قوله تعالى: ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( (89) قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إن لقيام القائم علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال (ع): قول الله عز وجل ) ولنبلونكم( يعني المؤمنين قبل خروج القائم ) بشيء من الخوف..…. ( إلى أن قال ) وبشر الصابرين ( عند ذلك بتعجيل خروج القائم ) (90).
وبعد كل هذا العناء والبلاء ستصل البشرية لقناعة أنه لا يوجد حل لمشاكلها الكبيرة وأزماتها المتفاقمة إلا بالإسلام المحمدي الخالص على يد المهدي المنتظر ليخلصها من جميع هذه المشاكل ويستنقذها من هذا الوضع المتردي البائس، ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا.
8 – قرب المهدي من زمن النبي والأئمة (ع) ومعاصرته لجميع الحضارات:
حينما يراد تغيير مجتمع ما وإصلاحه فلابد من أن يكون الشخص المصلح أو القائد لعملية الإصلاح أفضل شخص في ذلك المجتمع ولديه من النقاء والكمال بحيث لا يؤثر فيه فساد ذلك المجتمع المنحرف.
وإذا علمنا بأن الإمام المهدي (ع) هو مذخور لإصلاح العالم كله بل والكون أجمع، فلابد أن يتميز بمواصفات عظيمة لا يملكها أي شخص آخر عاش في الوضع المنحرف وتأثر به وبسلبياته ومفاسده، ولذلك يتبين لنا خطأ النظرية التي تقول بأن المهدي هو شخص يولد في آخر الزمان من قبل أشخاص عاديين وفي وضع عادي وربما يكون هو نفسه فاسداً ثم يصلحه الله في ليلة …..!
إذ أن الشخص الذي يولد وكل ما حوله مفاسد ومحرمات وتربى على قيم ومفاهيم خاطئة كما هو الوضع في هذا الزمان لا يمكن أن يصلح نفسه ويصلح العالم كله بين ليلة وضحاها، بل يتوجب أن يكون هذا المصلح العظيم قد تربى في أحضان الرسالة وفي عصور النور حيث كان وجود الأئمة عليهم السلام وقريباً من عهد النبي حيث الصفاء المطلق والينبوع الأصيل، فالإمام المهدي ( ع ) وحسب المعتقد الشيعي لم يفصله عن النبي سوى أحد عشر أب فقط فهو لم يتربى مثلا على الفضائيات في الزمان الحاضر ولم ينبهر بالعصر الحالي ومفاسده ومفاهيمه الغربية أو الشرقية أو غيرها كما هو الحال لأكثر الناس في الوقت الراهن، ثم أنه أحد المعصومين الأربعة عشر تلك المجموعة الفريدة التي لا يمكن أن نعوض عنها بغيرها بأحد من البشر إذ لا يقاس بآل محمد أحد من الناس.
هذا ومن ناحية أخرى يجب أن يكون لهذا المُخلص العظيم رصيد كبير من التضحيات في سبيل الله ويكون قد خاض العديد من المصاعب والمحن والتجارب التي يتكامل بها ويسمو عن باقي البشر، لا أقل في نظر العالم والناس فيكون موضع ثقة وقبول لديهم بما لديه من تجارب على مر العصور والأزمان مما يؤهله لقيادة العالم بأكمله.
كما أن لمعاصرة الإمام المهدي ( ع ) للعديد من الحضارات والدول قديماً وحديثاً ربما أثراً كبيراً في إنجاح التغيير المنشود واستلامه لقيادة العالم، حيث أنه رأى بعينه وعايش كيف تولد هذه الدول ضعيفة ثم تقوى وتكبر ثم تضعف من جديد حيث تنتهي وتأتي دول أخرى غيرها فيعرف نقاط الضعف في كل دولة وأسباب سقوطها ويعايش ذلك يوماً بعد يوم ولحظةً بعد لحظة وليس كغيره من الناس الذين يقرئون ذلك في كتب التاريخ حيث ربما زورت الكثير من الأحداث والقضايا أو غاب الكثير منها عن الكتاب والمؤلفين.
كما أنه عليه السلام بما عنده من ثقة برب العالمين ورصيد هائل من التجارب يصبح لديه إسقاط دول الجور والظلم شيئاً سهلاً وبسيطاً بعكس الأشخاص الذين يولدون في زمان تكون فيه دول الاستكبار أقوى ما تكون فيستعظمون إطاحة هذه القوى المتكبرة بما لديها من جيوش وأساطيل لا قبل لهم بها.
ويقول السيد محمد باقر الصدر ( قدس) بهذا الخصوص: ( إن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أُعد للقضاء عليها ولتحويلها حضارياً إلى عالم جديد،…… ولما كانت رسالة اليوم الموعود تُغير عالم مليء بالظلم وبالجور تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشئوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق، …… أضف إلى ذلك أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود، لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها وكل ملابساتها التاريخية ) (91).
ولعل البعض يعترض بالقول إن الإمام المهدي (ع) هو إنسان معصوم ولديه المدد من قبل الله ولا يحتاج إلى تجارب لحصوله على التكامل أو للزيادة في العلم والاطلاع، غير أن هناك العديد من الآيات والأحاديث التيتدل على أن أفضل الخلق وهو النبي محمد قابل للزيادة في تحصيل العلم وكذلك باقي الأنبياء والمعصومين، حيث يقول سبحانه وتعالى لنبيه: ) وقل ربي زدني علما ( (92).
وكذلك ما كان من شأن النبي موسى (ع ) والخضر حيث كان الخضر معلماً لموسى عليهما السلام كما قص علينا الله سبحانه وتعالى في قوله: ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ( (93).
وعن سليمان الديلمي قال سألت أبا عبد الله (ع) فقلت له:( سمعتك وأنت تقول غير مره لولا أنا نزداد لانفدنا، فقال : أما الحلال والحرام فقد أنزل الله على نبيه (ص) بكماله وما يزداد الإمام في حلال ولا حرام، قلت له: فما هذه الزيادة ؟ فقال : في سائر الأشياءسوى الحلال والحرام ) (94).
ونحن وإن كنا نعتقد أن الإمام المهدي (ع) لا يحتاج إلى أحد من الناس العاديين في تلقي العلم ويتلقى الزيادة في العلم من الله وعن طريقه، فما المانع أن الله تعالى أراد للإمام المهدي (ع) تلقي الزيادة هذه منه بطول العمر والتكامل عبر الزمن بحصوله على العديد من التجارب والعبر من خلالالعصور المتعاقبة والأزمان المختلفة بالإضافة لما لديه من مواريث الأنبياء والأئمة والإلهام الرباني وغير ذلك من طرق تحصيل العلم التي جاءت بها النصوص عن أهل البيت عليهم السلام.
فلقد ورد في التوقيع من الإمام المهدي (ع) لعلي بن محمد السمري: ( علمنا على ثلاثة أوجه: ماض وغابر وحادث، أما الماضي فمفسر وأما الغابر فموقوف وأما الحادث فقذف في القلوب أو نقر في الأسماع وهو أفضل علمنا،ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله ) (95).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال عن علم الإمام: ( يورث كتباً ويزاد في الليل والنهار - وفي رواية أخرى: ويزاد في كل يوم وليلة - ولا يكله الله إلى نفسه ) ( 96).
وعن أبي بصير أيضاً عن أبي عبد الله (ع) قال ضمن حديث طويل: ( إن عندنا علم ما كان، وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلتفداك هذا والله العلم، قال : إنه لعلم وليس بذلك، قال:قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة ) (97).
9 – استقلالية قرارات الإمام المهدي (ع) وحرية تحركاته:
عن أمير المؤمنين (ع) قال: ( إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه ) (98).
وجاء في التوقيع من صاحب الزمان (ع) في علة الغيبة: ( إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ) (99).
وعن الحسن بن علي بن فضال عن الرضا (ع) قال: ( كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولمذاك يا بن رسول الله ؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم ؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف ) (100).
لعل المراد بهذه الأحاديث أن الإمام المهدي (ع) حينيخرج يكون غير ملزم بالتقية كما كان عليه حال الأئمة من قبل حيث كانوا يعيشونتحت حكم الجبابرة وأنه عليه السلام ينهج أسلوب القتل والقتال ومحاربة الأعداء فخروجه (ع) يكون بالسيف كما دلت على ذلك العديد من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ليبيد دول الظلم والجور عن بكرة أبيها.
ولقد التزم الأئمة السابقين للمهدي بمبدأ التقيةحيث كانت الظروف التي يعيشونها تحتم عليهم ذلك فالصادق (ع) يقول: ( إن التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له ) (101)، وقال أيضاً: ( تسعة أعشار الدين في التقية ) (102).
وعن الرضا (ع) قال: ( لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له يا بن رسول الله إلىمتى ؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا ) (103).
ولعل ذلك من أجل مصلحة الأمة والحفاظ على شيعتهم ومواليهم كما كان من صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية بن أبي سفيان ومبايعته له، فلما اعترض عليه بعض أصحابه قال لهم: ( أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويُغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يُطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير ) (104).
ويقول السيد محمد كاظم القزويني بهذا الخصوص: ( إن معنى البيعة هنا هو العيش ـ أي الأئمة - مقهورين تحت سلطة وحكومة أولئك الطغاة )( 105).
وهناك أيضاً مفهوم آخر لهذه الروايات والأحاديث وهو أن الإمام المهدي (ع) يأتي في نهاية المطاف وينهي جميع الحكومات الجائرة فلا يخشى أن يأتي بعده أحد من الطغاة فينتقم من المؤمنين، وهذا المفهوم نستشفهمن الرواية التالية عن الحسن بن هارون حيث قال: ( كنت عند أبي عبد الله فسأله المعلى بن خنيس أيسير القائم إذا قام بخلاف سيرة علي عليه السلام ؟ فقال: نعم، وذلك أن علياً سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيُظهر عليهم من بعده، وأن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يُظهر عليهم من بعده أبدا ) (106).
وعن زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) وذلك حينما سأله أيسير القائم بسيرة محمد صلى الله عليه واله ؟ فقال: ( هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: جعلت فداك لم ؟ قال: إن رسول الله (ص) سار في أمته باللين كان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه ) (107).
إعطاء الأمل بالخلاص في كل عصر وإنجاح عملية التغيير بإخفاء وقت
الظهور ( عنصر المفاجأة ):
لقد جاء النهي في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام عن التوقيت لظهور صاحب الزمان بشكل مؤكد، بل واعتبرته بعض الروايات أنه سر من أسرار الله سبحانه وتعالى لا يعلم بوقت ظهوره سواه عز وجل.
فعن الرضا (ع) قال: ( لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال عليه السلام: مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هوثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ) (108).
وعن المفضل بن عمر قال: ( سألت سيدي الصادق (ع) هل للمأمول المنتظر المهدي (ع) من وقت موقت يعلمه الناس ؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهورهبوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي ولم ذلك ؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال اللهتعالى ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض ( (109) …… إلى أن قال : إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى انهظهر على سره ) (110).
وعن الفضيل بن يسار قال: ( سألت أبا جعفر (ع) هل لهذا الأمر وقت ؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون ) (111).
وعن أبي عبد الله (ع) قال: ( يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون ) (112).
وإذا عرفنا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال معرفة وقت خروج الإمام المهدي وحتى للخُلص من الشيعة والموالين، يتبادر لنا هنا هذا السؤال وهو لماذا تم إخفاء وقت الظهور ؟ ولماذا هذا التشديد في النهي عن التوقيت ؟
والجواب عن ذلك يتلخص في أمرين وهما: -
أ - الأمر الأول: مفاجأةالأعداء وهو ما يسمى بإستراتيجية الصدمة والرعب فحيث أن الأعداء لا يعلمونوقت خروجه فهم غير مهيأين وغير مستعدين لقتاله، وعلى العكس من ذلك لو علموا وقت الظهور إذاً لجهزوا من المخططات الشيء الكثير للقضاء عليه وإفشال حركته من بداية انطلاقته المباركة، فنستنتج من ذلك أهمية إخفاء الوقت في إنجاح ثورته المباركة وقيامه بها بالشكل المطلوب، وهذا ما يقوم به عادةً القادة في الحروب حيث يخفون وقت الهجوم وساعة الصفر حتى عن أقرب المقربين حفاظاً على السرية المطلوبة لإنجاح مخططاتهم.
كما أن تغييب وقت الظهور للإمام المهدي يمثل عنصر إخافة للظالمين في كل عصر وزمان مما يحد من ظلمهم بعضالشيء، وذلك خوفاً من انتقام الإمام منهم إذا ما خرج في ذلك العصر والزمان.
ب - الأمر الثاني: هو أن إخفاء وقت الخروج للإمام يجعل المؤمنين يستعدون لخروجه ويجهزون أنفسهم لقدومه في كل وقت وفي جميع الأزمنة ويهيئوا أنفسهم لذلك ويبادروا لإصلاح أنفسهم قدر المستطاع بالابتعاد عن المعاصي وفعل الخيرات ويجعلهم في حالة تصحيح دائمة لمسيرتهم، كما أن إخفاء وقت الخروج للإمام يعطيهم الأمل بالخلاص في كل عصر فلا يتملكهم الإحباطواليأس مهما تعاظم أمر الظلم والجور وكبرت شوكة الظالمين مما يحفزهم أيضاًلمجاهدة الأعداء والعمل على التمهيد لظهوره عليه السلام.
ولذلك جاء في رسالة الإمام المهدي (ع) التي أرسلها للشيخ المفيد: ( فليعمل كل امرؤ منكم بما يقربه من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة ) (113).
11 – ظهور الأشخاص و الجماعات الممهدين للمهدي عليه السلام:
عن رسول الله قال: ( يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي ) (114).
لقد تحدثت الكثير من الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته عليهم السلام عن مجيء أناس قبل خروج الإمام المهدي (ع) يوطئون له سلطانه ويعملون على تمهيد الأرض ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً لقدومه عليه السلام.
ولقد خصت هذه الروايات بالذكر أهل المشرق تحديداً، وبالأخص بلاد فارس أو خرا سان كما في الحديث التالي.
عن رسول الله قال: ( إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خرا سان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي ) (115).
وهذه الرايات السود بالطبع ليس المقصود بها راياتبني العباس الذين حكموا في الماضي الغابر وكانت بداية خروجهم من المشرق أيضا، كما يدل على ذلك الحديث التالي.
عن رسول الله قال: ( يخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يكون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيانوأصحابه من قبل المشرق يؤدون الطاعة للمهدي ) (116).
وقد ذكرت بعض الأحاديث أسماء أشخاص معينين أو صفاتهم كالقول أنه مولى لبني تميم أو أنه رجل كوسج - أي قليل اللحية - أو ربعة أسمر أو ما شابه ذلك من الأوصاف يكونون من الممهدين للمهدي (ع) كما في الحديث التالي.
عن رسول الله : ( يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث على مقدمته رجل يقال له منصور، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله، وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته ) (117).
وكما أن الأرض تهيأت لقدوم النبي محمد حيث كان هناك العديد من الممالك العربية القائمة وقتئذ، كدولة الغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة ومملكة كندة في وسط الجزيرة وتبَّع في اليمن، وحينما أراد الله سبحانه أن يبعث نبيه بالرسالة الخاتمة أزال هذه الدول والممالك جميعا، لتخلوا الساحة للنور المحمدي القادم للوجود وتتهيأ الظروف لقيام الدولة الإسلامية الوليدة ولتكون محط أنظار العالم أجمع.
وكان آخر هذه الممالك هي مملكتي الغساسنة بالشام وكانت تتبع الروم والمناذرة بالعراق وكانت تتبع الفرس، فشاء الله العلي القدير أن تنشب حرب بين الروم والفرس وكان ذلك في بداية البعثة النبوية حيث أنتصر فيها الفرس ليُقضى على مملكة الغساسنة وبعد ذلك بسنوات تعاد الكرة من جديدلينتصر الروم فيقضى على ملك المناذرة كما نبأ سبحانه وتعالى في سورة الروم: ) غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ( (118).
هذا بالإضافة لحادثة أصحاب الفيل وغيرها من الأحداث التي وقعت وقتئذٍ وسلطت الأضواء على مكة المكرمة وولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فكذلك لابد من أن تتهيأ الأرض لقدوم صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف بطريقة ما أو بأخرى، وحسب أرادته سبحانه وتعالى.
ونحن نلاحظ هذه الأيام كيف أن الأجواء تتهيأ لقدومالإمام المهدي خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ورفعهم شعار التمهيد للمهدي ونصرته، فبعد قيام الحكومة الإسلامية هناك بدأت الصحوة الإسلامية في جميع الأقطار الإسلامية ولدى جميع شرائحالأمة وبدأ كثير من أبناء الأمة في التشيع لأهل البيت عليهم السلام هذا بالإضافة لدخول الكثير من الناس في الإسلام من جميع دول العالم.
وفي هذه الأيام أيضاً نرى كيف أن مذهب التشيع بدأ في العلو والارتفاع خصوصاً بعد النصر الذي حققته المقاومة الإسلامية في جنوبلبنان ضد العدو الصهيوني حتى أصبح مذهب أهل البيت عليهم السلام حديث الفضائيات وشاشات التلفزيون والإنترنت وغيرها ولا تكاد تخلوا قناة من تلك القنوات من برنامج عن الشيعة أو حديث أو مقابلة مع عالم من علمائنا الأجلاء حفظهم الله تعالى.
12 – وقوع العلامات المحتومة وانتظار الأذن من الله في الظهور:
عن رسول الله قال عن خروج القائم : ( له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه اللهعز وجل فناداه العلم اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وهما آيتان وعلامتان، وله سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه أُقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزوجل فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله ) (119).
وعنه أيضاً قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله عز وجل ) (120).
وعن علي بن إبراهيم بن مهزيار عن الإمام المهدي (ع) قال في ضمن ما قاله له وذلك عندما قابله في إحدى الوديان بالقرب من مكة المكرمة: ( والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج ) (121).
نفهم من الروايات السابقة أن الإمام المهدي (ع) مُلزم بانتظار الإذن من الله في الخروج، وأن ذلك لا يحدث إلا حينما يتهيأ المناخ المناسب لإنجاح عملية التغيير المنشودة وفي الوقت الذي يراه الله الأصلح لخروجه عليه السلام.
كما أن هذا المناخ المثالي للظهور لا يتم إلا بعد عدة أحداث عالمية معينة تهيئ الأجواء للتغيير المنشود، وبعد سلسلة من القضايا لابد من حدوثها قبل ظهوره، وهي التي تشكل الأرضية المناسبة للظهور.
وعادة ما يطلق على هذه الأحداث بإرهاصات أو علاماتالظهور كالصيحة السماوية ومعركة قرقيسيا وخروج السفياني وخسف البيداء وغيرها من الأحداث التي تمهد الأرض لقدومه .
ولقد شبهت الروايات حصول هذه الأحداث والعلامات بنظام الخرز يتبع بعضها بعضا، وأكدت الروايات على أن بعض هذه الأحداث حتمي الوقوع ولابد منه ومثال ذلك الحديث التالي الذي يحدد العلامات الحتمية التي تحدث في سنة الظهور.
عن الإمام الصادق (ع) قال: ( قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني والسفياني والصيحة وقتل النفس الزكية والخسف بالبيداء ) (122).
وعنه أيضاً قال: ( إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء تسمع الفتاة في خدرها ويسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية ) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ( (123) ) (124).
ومن أراد الإطلاع على المزيد من هذه العلامات فليراجع كتاب الفجر المقدس للسيد مجتبى السادة فلقد رتب الكاتب المذكور تلك الأحداث بشكل تسلسلي جميل ابتداءً من رجب في سنة الظهور وحتى خروج القائم في العاشر من محرم الحرام.
وفي الختام أقول أن هذه هي بعض أسباب الغيبة الكبرى كما أتصورها بإدراكي المحدود، ولعل هناك أسباب أخرى لا نعلمها وقد لا تنكشف لنا إلا بعد الظهور المبارك لصاحب الزمان وانتهاء الغيبة كما أشار لذلك الإمام الصادق (ع) في حديثه لعبد الله بن الفضل الهاشمي الذي ذكرناه في مقدمة الكتاب.
الهوامش:
_______________________________________________________________
1- الاحتجاج ج 2 ص 324، كلمة الإمام المهدي (ع) ص 151.
2- تاريخ الغيبة الكبرى ص 395.
3- بحث حول المهدي ص 10.
4- كتاب الغيبة – الشيخ الطوسي ص 12.
5- بحر الأنوار ج 52 ص 336، الخرائج والجرائح ج 2 ص 840، مختصر بصائر الدرجات ص 117.
6- بحار الأنوار ج 52 ص 391، درر الأخبار ص 404، منتخب الأثر ص 483.
7- كمال الدين ص 672، غيبة النعماني ص 310، بحار الأنوار ج 19 ص305.
8- مختصر بصائر الدرجات ص 181، بحار الأنوار ج 53 ص 6.
9- غيبة النعماني ص 319، مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 545.
10- كمال الدين ص 674 ح 29، بحار الأنوار ج 52 ص 328 ح 46، إثبات الهداة ج 3 ص 494.
11- سورة البقرة ( 210).
12- تفسير العياشي مجلد 1 ص 103، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 45.
13- بحار الأنوار ج 53 ص 83 ح 86، مختصر بصائر الدرجات ص 200.
14- دلائل الإمامة ص 241، الإرشاد ص 363، غيبة الطوسي ص 484، إعلام الورى ج 2 ص 293.
15- الإمام المهدي (ع) أمل الشعوب ص 72، 75.
16- كلمة الإمام المهدي (ع) ص 40.
17- مدينة المعاجز ج 6 ص 27، مختصر بصائر الدرجات ص 11، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص 190.
18- غيبة النعماني ص 214، كمال الدين وتمامالنعمة ج 2 ص 671، الخصال ص 649.
19- سورة البقرة ( 148 ).
20- بحار الأنوار ج 52 ص 286 ح 21، كمال الدين ص 672، غيبة النعماني ص 313.
21- غيبة النعماني ص 315، إثبات الهداة ج3 ص 547.
22- بحار الأنوار ج 52 ص 336 ح 73، مختصر بصائر الدرجات ص 117، درر الأخبار ص 404 ح 15.
23- بحار الأنوار ج 47 ص 124 ح 176، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 363.
24- الكافي ج 7 ص 414 ح 1، معاني الأخبار ص 279، وسائل الشيعة ج 18 ص 169.
25- بحار الأنوار ج 52 ص 339، الكافي ج 1 ص 398 ح 2،وسائل الشيعة ج 27 ص 231 ح 5.
26- الإرشاد ج 2 ص 386، إعلام الورى بأعلام الهدى ج 2 ص 293، كشف الغمة ج 3 ص 266.
27- بحار الأنوار ج 52 ص 375 ح 174، مستدرك سفينةالبحار ج 3 ص 278.
28- غيبة النعماني ص 239 ح 32، إثبات الهداة ج 3 ص 541.
29- بحار الأنوار ج 52 ص 374 ح 169، الكافي ج 4 ص 427 ح 1.
30- سورة التوبة ( 34 ).
31- الكافي ج 4 ص 61 ح 4، تهذيب الأحكام ج 4 ص 144،تفسير العياشي ج 2 ص 87.
32- بحار الأنوار ج 52 ص 308 ح 82، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص 190.
33- سورة المائدة ( 24 ).
34- تاريخ الغيبة الكبرى ص 118.
35- سورة آل عمران ( 83 ).
36- إعلام الورى ص 432، غيبة الطوسي ص 282، الإرشاد ج 2 ص 385.
37- غيبة النعماني ص 274 ح 53، بحار الأنوار ج 52 ص 244 ح 119.
38- البحار ج 52 ص 208، غيبة الطوسي ص 463، الخرائج والجرائح ج 3 ص1154.
39- أمالي الصدوق ص 396ح 3، منتخب الأثر ص 169 ح 84.
40- سورة آل عمران ( 179 ).
41- كمال الدين ص 134، قصص الأنبياء للجزائري ص 91، بحار الأنوار ج 11 ص 327.
42- إعلام الورى ج 2 ص 227، فرائد السمطين ج 2 ص 334 ح 589.
43- غيبةالنعماني ص 208 ح 14، بحار الأنوار ج 52 ص 113 ح 29.
44- الإرشاد ج 2 ص 375، غيبة الطوسي ص 204، الخرائج والجرائح ج 2 ص 1170.
45- الكافي ج 1 ص 370 ح 3، من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 501.
46- الإرشاد ص 368، بحار الأنوار ج 52 ص 219.
47- إعلام الورى ج 2 ص 284، الإرشاد للمفيد ج 2 ص 378.
48- تاريخ الغيبة الكبرى ص 20.
49- غيبة النعماني ص 169، الكافي ج1 ص 335، كمال الدين ص 346.
50- كمال الدين ص 323 ح 8، إثبات الهداة ج 3 ص 467، المحجة ص 200.
51- غيبة الطوسي ص 334 ح 279، إعلام الورى ج 2 ص 237.
52- غيبة النعماني ص 203، بحار الأنوار ج 65 ص 164.
53- إلزام الناصب ج 2 ص 200، مجمع النورين ص 331.
54- بحار الأنوار ج 52 ص 308، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص190.
55- عقد الدرر ص 122، الفتوح ج 2 ص 78، بيان الشافعي ص 491، ينابيع المودة ص 449.
56- سورة البقرة ( 148 ).
57- غيبة النعماني ص 241، بحار الأنوار ج 51 ص 58 ح 52.
58- غيبة الطوسي ص 459، إثبات الهداة ج 3 ص 515، الخرائج والجرائح ج 3 ص 1166.
59- سورة النحل ( 38 ).
60- الكافي ج 8 ص 50 ح 14، المحجة ص 116، تفسير العياشي ج 2 ص 259 ح 26.
61- سورة الممتحنة ( 13 ).
62- بحار الأنوار ج 53 ص 60، مستدرك سفينة البحار ج 7 ص 90، ميزان الحكمة ج 2 ص 1036.
63- سورة الفتح ( 25 ).
64 علل الشرائع ج 1 ص 147 ح 3، كمال الدين ص 641، بحار الأنوار ج 29 ص 436.
65- بحار الأنوار ج 52ص 275 ح 167.
66- دلائل الإمامة ص 464، إثبات الهداة ج 3 ص 573.
67 مختصر بصائر الدرجات ص 48، الإيقاظ من الهجعة ص 368 ح 124.
68- دلائل الإمامة ص 247، إعلام الورى ص 433، تفسير العياشي ج 2 ص 32 ح 90.
69- إلزام الناصب ج 2 ص 85، مصباح الكفعمي ص 550، البلد الأمين ص 82.
70- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 200، حلية الأبرارج 2 ص 301، بحار الأنوار ج 53 ص 59.
71- سورة القصص ( 21 ).
72- سورة الأعراف ( 142 ).
73- فرائد السمطين ج 2 ص 132 ح 431، ينابيع المودة ج 3 ص 282.
74- كمال الدين ج 2 ص 345، بحار الأنوار ج 51 ص 146 ح 14، الصراط المستقيم ج 2 ص 227.
75- سورة الانشقاق ( 19 ).
76- علل الشرائع ج 1 ص 245 ح 7، كمال الدين ص 480 ح 6، المحجة ص 246.
77- سورة يوسف ( 110 ).
78- دلائل الإمامة ص 471، ينابيع المودة ص 424، المحجة ص 107.
79- صحيح مسلم ج 8ص 183، تهذيب الكمال ج 33 ص 35.
80- غيبة النعماني ص 235، مختصر بصائر الدرجات 212، إعلام الورى ص 428.
81- كشف الغمة ج 3 ص 273، أمالي الطوسي ج 2 ص 126، العمدة ص 424.
82- مصنف عبد الرزاق ج 11 ص 327، ينابيع المودة ص 431، بشارة المصطفى ص 250.
83- غيبة النعماني ص 274 ح 54، حلية الأبرار ج 2 ص 682.
84- كمال الدين ج 2 ص 525، مختصر بصائر الدرجات ص 30، منتخب الأثر ص 427.
85- دلائل الإمامة ص 253، منتخب الأثر ص 248 ح 6، العدد القوية ص 75 ح 126.
86- الكافي ج 8 ص 37 ح 7، بشارة الإسلام ص 125، إثبات الهداة ج 3 ص 86 ح 31.
87- بشارة الاسلام ص 53، غيبة النعماني ص 277 ح 61، الإرشاد ص 359، غيبة الطوسي ص 267.
88- مستدرك سفينة البحار ج 9 ص 199.
89- سورة البقرة ( 155).
90 كمال الدين ص 649 ح 3، كشف الغمة ج 3 ص 260.
91- بحث حول المهدي ص 42 – 47.
92- سورة طه ( 114 ).
93- سورة الكهف ( 66 ).
94- الأختصاص ص 313،ينابيع المعاجز ص 162، بصائر الدرجات ص 413.
95- مدينة المعاجز ج 8 ص 105، دلائل الإمامة ص 286.
96- بصائر الدرجات ص 485، بحار الأنوار ج 26 ص 95 ح (29 – 30 ).
97- الكافي ج 1 ص 240، ينابيع المعاجز ص 130، مكاتيب الرسول ج 2ص 32.
98- منتخب الأثر ص 255، إعلام الورى ص 400، إثبات الهداة ج 3 ص 463.
99- غيبة الطوسي ص 177، إعلام الورى ص 423، الاحتجاج ج 2 ص 469.
100- كمال الدين ص 480، علل الشرائع ج 1 ص 245، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 247.
101- وسائل الشيعة ج 16 ص 210، بصائر الدرجات ص 101، الكافي ج 2 ص 172.
102- الكافي ج 2 ص 217، الخصال ص 22، بحار الأنوار ج 63 ص 486 ح 14.
103- كمال الدين ج 1 ص 371، كفاية الأثر ص 274، كشف الغمة ج 3 ص 331.
104- كمال الدين ج1 ص 316،منتخب الأثر ص 206، إعلام الورى ص 400.
105- الإمام المهدي (ع) من المهد إلى الظهورص 68.
106- بشارة الإسلام ص 263، إثبات الهداة ج 3 ص 449، التهذيب ج 6 ص 154.
107- غيبة النعماني ص 231 ح 14، حلية الأبرار ج 2 ص 628، منتخب الأثر ص 302 ح 2.
108- كمال الدين ج2 ص 372، عيون أخبار الرضا ج 2ص 265 ح 35، فرائد السمطين ج 2 ص 337.
109- سورة الأعراف ( 187 ).
110- ينابيع المودة ج 3 ص 251، الإختصاص ص 216، مختصر بصائر الدرجات ص 179.
111- بحار الأنوار ج 52 ص 103 ح 5، الكافي ج 1 ص 368 ح 5، تفسير نور الثقلين ج 1 ص 80.
112- غيبة الطوسي ص 262، الإمامة والتبصرة ص 95، الكافي ج 1 ص 368 ح 2.
113- الإحتجاج ج 2 ص 323،خاتمة المستدرك ج 3 ص 226، معادن الحكمة ج 2 ص 303.
114- عقد الدرر ص 192، فرائد السمطين ج 2 ص 333، ينابيع المودة ص 435، منتخب الأثر ص 304.
115- مسند أحمد ج 5 ص 277، كشف الغمة ج 3 ص 262، حلية الأبرار ج 2 ص 704.
116- الفتن لأبن حماد ج 4 ص 85، عقد الدرر ص 193، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 396.
117- ينابيع المودة ص 259، إثبات الهداة ج 3 ص 620، حلية الأبرار ج 2 ص 695، العمدة ص 434.
118- سورة الروم ( 2- 4 ).
119- كمال الدين ص 268، إعلام الورى بأعلام الهدى ج 2 ص 190، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 65.
120- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 60، كفاية الأثر ص 106، إثبات الهداة ج 3 ص 523.
121- غيبة الطوسي ص 266، دلائل الإمامة ص 296، مختصر بصائر الدرجات ص 176.
122- كمال الدين ص 650 ح 7، بحار الأنوار ج 52 ص 240ح 34.
123- سورة الشعراء ( 4).
124- غيبة الطوسي ص 177، إثبات الهداة ج 3 ص 502، منتخب الأثر ص 450.
التعليقات (0)