خلال حملته الانتخابية كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يرد على أسئلة الصحفيين الخاصة بلباس المرأة الإيرانية، بأن مشكلة إيران ليس في طريقة ما تلبسه النساء من ثياب، وكانت تلك رسالة تطمينية ذكية منه إلى أكثر من 35 مليون إيراني هم دون سن العشرين بدأت حياة سوادهم الأعظم تنتظم وفق أساليب اجتماعية وشخصية بعيدة عن صورة الالتزام الديني الذي عاشته الثورة في عقدها الأول وأجزاء من عقدها الثاني .
وبالرجوع إلى التاريخ النسوي الحديث في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية؛ سوف يُلحظ الدور الكبير الذي قامت به المرأة خلال مراحل هامّة ومفصلية من عمر هذا الانقلاب السياسي الكبير، منذ أن كان الإمام الخميني منفياً في النجف الأشرف وفرنسا حيث كان مكتبه السياسي يضم عدداً من النساء يقمن بعمليات ترجمة واتصال بالقواعد الجماهيرية في المدن والقرى، وخلال مرحلة الكفاح الثوري كانت النساء تنشط بقوة في اللجان الثورية الرديفة للتشكيلات الحزبية المسلحة، وبعد انتصار الثورة ثبّت من قاموا بصياغة الدستور الإيراني في البند الثامن من المادة الثالثة والمادة العشرين كثيراً من الحقوق المتعلقة بالنواحي السياسية والاجتماعية للمرأة، استطاعت من خلاله الدخول إلى البرلمان في دوراته الأولى والثانية والثالثة بأربع نائبات وفي الدورة الرابعة إلى تسع نائبات وفي الدورة الخامسة إلى أربعة عشرة نائبة وفي المجلس السادس إلى تسع نائبات، بالإضافة إلى عضوية مجلس الخبراء الذي يُعتبر أحد أهم المراكز الدستورية في النظام السياسي الإيراني وإن كان بشكل محدود، وفي ترجمة إجرائية للنصوص الدستورية فقد نصّـت الخطة الخمسية الثالثة في مادتها الثمانية الخمسون بعد المئة على فكرة تأهيل المرأة للأربع سنوات القادمة (2005 لغاية 2009) وإدراج قضايا المرأة في سبعة عشر مادة من مواد الخطة المذكورة، كما أن المادة 111 نصّت على إعادة النظر في القوانين والأنظمة الخاصة بالمرأة كالقانون المدني، وفي مرحلة ثانية توفير ودعم التسهيلات الخاصة بسكن المرأة التي تُعيل الأسرة، وضمان الوصول إلى الفرص التعليمية المتساوية والتطوير الكمّي والنوعي للتعليم العام، وإلزام الأجهزة التنفيذية لتخصيص اعتماد خاص بتعيين وتنفيذ دورات تعليمية، وتخصيص اعتماد منفرد لتنمية وتطوير المشاركة الاجتماعية والثقافية للمرأة مع تحديد مبالغ مماثلة بشكل سنوي على مستوى الأجهزة الوطنية والمحافظات .
في العام 1991 أصدر الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني خلال حكومة الإعمار الأولى مرسوماً رئاسياً يقضي بإنشاء مكتب لشؤون المرأة في ديوان رئاسة الجمهورية، وعندما فاز السيد محمد خاتمي في الثالث والعشرين من مايو 1997 قام بتغيير مُسمّى المكتب ليُصبح مركزاً لشؤون مشاركة المرأة إلى أن أضاف إليه الرئيس التعميري محمود أحمدي نجاد مضمون الأسرة كمحور جديد .
وقد أدى ذلك الاهتمام المتراكم إلى ظهور مفاعيل حقيقية للوجود النسوي في الدولة والمجتمع على حد سواء، فأنشأ المجلس الثقافي والاجتماعي للمرأة وهو أحد أذرع المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وكذلك اللجنة الخاصة بالمرأة والشباب في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي، وتعاظم الكتلة النسوية في البرلمان، والمجموعات النسائية والشبابية العاملة في المجالس العليا للتخطيط وتنمية المحافظات في كافة أرجاء البلاد، ومكاتب شؤون المرأة والدوائر العامة المعنية بالأجهزة التنفيذية المختلفة وإدارة الدفاع عن حقوق المرأة والطفل في مركز الدراسات الاستراتيجية للسلطة القضائية (المعاونية القانونية والتنموية) وكافة المكاتب والدوائر العامة الموجودة في الوزارات، وقد تمّ تشكيل لجان خاصة بشؤون المرأة بلغت 54 مركزاً لاتخاذ القرارات الخاصة بالمرأة على مستوى كافة إيران، كما تمّت زيادة عدد مؤسسات المرأة بنسبة 253 بالمائة خلال الفترة من 1997 ولغاية العام 2002، ثم تطور الأمر لاحقاً عندما أصبح مُمكناً للنساء أن يتقلّدن منصب رئيس السلطة القضائية بشرط أن تتوفر فيهن شروط اختيار القضاة حسب اللائحة 1362 وفي منصب مستشارات ديوان العدالة الإدارية والمحاكم المدنية، والعمل في تدوين قانون المحاكم ورعاية صغار المحامين تبعاً للقانون الصادر في العام 1995 والذي أقره المجلس النيابي الخامس الذي كان يُهيمن عليه المحافظون .
وبعد مُضي سنتين على تصديق وتنفيذ المادة 158 من قانون الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الثقافية والاجتماعية في البلاد تم تخصيص مادة تحت اسم (برنامج تنمية وتطوير المشاركات الاجتماعية والثقافية للمرأة) ووضعها ضمن الميزانية الأصلية للدولة، وقد بلغت الاعتمادات الخاصة بشؤون المرأة 36 بالمائة، في حين تمّ اعتماد مادة مستقلة في الميزانية للمرأة التي لا عائل لها بمبلغ 107 دولار شهرياً، وفي مجال التعليم زادت معدلات حضور المرأة بنسبة 74,66 بالمائة حتى نهاية العام 2002، كما زاد عدد الطالبات بنسبة 63 بالمائة من إجمالي عدد الطلاب في إيران .
بعد فوز الرئيس أحمدي نجاد فإن الأنظار بدأت تتركّز أكثر على ما يختمر داخل أروقة التيار المحافظ من مشاريع وخطط تهدف إلى إيقاف سلسلة التراجعات التطبيقية لحدود الحجاب والزي الإسلامي، فالمحافظين كانوا يُعيبون على الإصلاحيين تهاونهم المبتذل في مجال تطبيق الأحكام الإسلامية، متهمينهم بأنهم المسؤوليين عما آلت إليه أوضاع إيران الاجتماعية من تراجع في مستوى التدين والالتزام بأحكام الدين، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يقوم المحافظون باتباع آليات جديدة لمباينة ما كان قائماً من معادلة، لكن الحدثين المُهمّين اللذان صدراً عن مراكز مهمّة في التيار المحافظ جعلا من ذلك التخمين لأن ينحسر إلى حد ما، وهو تصريح الرئيس أحمدي نجاد من أنه سيسمح للنساء بالدخول إلى مقاعد الملاعب الرياضية، ثم تصريح مسؤول لجنة الثقافة البرلمانية المحافظ عماد الدين افروغ عندما قال بأنه «لا يوجد تعريف محدد للحجاب» وذلك تعقيباً منه على مطابات نسائية بضرورة أن يقوم البرلمان بمراجعة العديد من القوانين المتعلقة بالزي الإسلامي، حيث شكّل ذلك إشارات من نوع خاص من أن الحكومة وإن قامت بتسيير دوريات مراقبة لتطبيق حدود الحجاب، فإنها لن تنزلق إلى أكثر من ذلك، لأن الإنجازات التي حققتها المرأة في ظل النظام الإسلامي هي مكاسب ليس فقط لإيران وإنما أصبحت تتماثل في أماكن أخرى كنموذج جيد للتطبيق، وبالتالي فإن استعاضتها بتشريعات معينة تتعلق بفرض الحجاب والزي المحدد وفق رؤية صارمة قد لا يبدو مفيداً .
التعليقات (0)