«الوسط» تفتح ملف ضحايا الانتهاكات في حقبة أمن الدولة
هاني خميس مرمى الرصاصة الأولى في انتفاضة التسعينات
بعيداً عن معادلات السياسة، وبعيداً عن كل المصالح والاتهامات المتبادلة في ملف الشهداء وضحايا التعذيب الذي فتح على بساط البحث، فإن لهذه القضية وجهاً إنسانياً لا يقبل التشكيك.
إنه حديث عن ضحايا كانوا ولايزالون يعانون، وكثير منهم لم يرتكبوا جرماً سوى المطالبة بحياة كريمة في ظل احترام الإنسان بصفته بشراً له كرامة وحقوق لا يفرط فيها.
لنبتعد عن السياسة قليلاً، وسنرى أن هناك واقعاً مأسوياً بكل ما للكلمة من معنى تعيشه عائلات بحرينية كريمة، بعضها فقدت حبيباً، وأخرى عانى أبناؤها من وطأة تعذيب في السجون والمعتقلات لفترات طويلة، وثالثة شرد أفرادها في أقطار الأرض.
«الوسط» تعرض ضمن مسلسلها المتواصل شهادات حية من عائلة بحرينية كان لها مع عهد أمن الدولة ذكريات مريرة لم تمح من ذاكرتها حتى الآن، وهي لا تزال تعاني بسبب القبضة الأمنية المحكمة التي كتبت لها رواية حزينة اختطت بحلم مواطنين كان جرمهم أن حلموا بوطن يحيا فيه الأمل.
نحن اليوم أمام حكاية شاب اخترقت الرصاصة جسده لتنهي حلم عائلة، كانت تحلم بأن ترى شمعة شبابه حاملا شهادته الجامعية لكن أجهزة أمن الدولة أبت إلا أن تسكت قلبه النابض بالحياة، لتستبدل الشهادة الجامعية بدم غسل به الشهيد ذنوبه ولتكون شهادته شهادةً على مرحلة سوداء وحقبة مظلمة. دعونا نمر اليوم على حكاية الشهيد الشاب هاني عباس عيسى خميس (25 عاما).
الشهيد في سطور
الشهيد هاني عباس عيسى خميس من منطقة السنابس وهو من مواليد الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول ،1969 عمره عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى كان يبلغ (25 عاما) إذ استشهد في السابع عشر من ديسمبر العام .1994 كان في السنة الثانية من دراسته الجامعية، تخصص هندسة معمارية. وبحسب شقيقه فإنه «كان مولعا بالبرمجة اذ كان يعمل فيها قبل دخوله الجامعة، وكان يقوم بإعداد البرامج لبعض المؤسسات الصغيرة»، له من الإخوة ثلاثة وهو رابعهم و أصغرهم سنا، كما أن له من الأخوات ست.
كان هاني بحسب أخيه دائم الابتسامة، نشيطا، اذ كان دائما ما يبادر إلى إصلاح أي عطل في المنزل، كما كان مرتبطا بمشروع تعليم الصلاة بالمسجد، وقام بتحويل مناهج المشروع من النظام التقليدي إلى النظام التقني بالحاسوب، مشيرا إلى أنه «كان دائما ما يعمل في الضيافة خلال المناسبات الدينية في المآتم».
لم يدرك أحد أنه رصاص حي
في السابع عشر من ديسمبر العام 1994 كان هناك برنامج لخروج الكثير من المسيرات الاحتجاجية المطالبة بإلغاء قانون أمن الدولة وعودة العمل بدستور العام ،1973 وكانت منطقة السنابس ضمن المناطق التي ستسير مسيرة احتجاجية.
شارك هاني في تلك المسيرة التي انطلقت من داخل منطقة السنابس باتجاه الشارع العام، ويشير صهر الشهيد إلى أن «المسيرة انطلقت في الساعة الثالثة والنصف ظهراً تقريباً متجهة نحو الشارع إلا أن قوات الأمن التي كانت موجودة بالقرب من المنطقة بكثافة كبيرة عمدت إلى تطويق المنطقة ومحاولة تفريق التظاهرة»، موضحاً أن «هذه القوات استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص الانشطاري بالإضافة إلى الرصاص الحي، كما استعانت تلك القوات بطائرة مروحية، وفي هذه الأثناء أصيب هاني برصاصة حية من صنف الرصاص الانشطاري».
و أضاف صهره «ومما لا شك فيه أن الرصاصة التي أصابته لم تكن منطلقة من بندقيات قوات الأمن الموجودة على الأرض، لأن تلك الإصابة كانت من الأعلى إلى الأسفل إذ انها أصابته في الصدر وخرجت من أسفل الظهر مخترقة الطحال والقفص الصدري وهذا ما يؤكد أن الرصاصة أطلقها قناص في الطائرة المروحية»، مشيراً إلى أن «بعض الشباب قاموا بنقل الشهيد إلى منزلهم لأنه كان قريبا من المنطقة التي أصيب فيها، وكونها المرة الأولى التي يصاب فيها أحدهم بالرصاص الحي (يشار إلى أن هذه المرة هي الأولى التي تستخدم فيها قوى الأمن الرصاص الحي)، فإن أحدا ممن نقلوا هاني لم يكونوا على علم بمدى إصابته اذ عملوا على تضميده ومحاولة إجراء الإسعافات الأولية له».
معاناة نقله إلى المستشفى
هنا تدخل شقيق الشهيد قائلا «بعد نقله إلى المنزل عدت أنا من العمل وقد رأيت إصابته فظننت أنها بسيطة لأن نزيف الدم كان قليلا، بعدها غادرت المنزل وحين عودتي لفت نظري الأنين الذي كان يصدره الشهيد من الألم (...) عند ذلك قمت بالاتصال بأحد الأطباء الذي بادر بالمجيء متحملا عناء ذلك على رغم التوتر الأمني في المنطقة آنذاك»، مضيفاً «وعند كشف الطبيب عليه قام بالاتصال بالإسعاف لنقله على وجه السرعة إلى طوارئ السلمانية إلا أنهم أخبروه بوجود قرار يمنع عليهم نقل مثل هذه الحالات».
ويردف الشقيق «عند ذلك قمت برفقة أحد أشقائي بنقله إلى مجمع السلمانية الطبي ولقينا صعوبة بالغة في عملية نقله كون قوات الأمن كانت تطوق المنطقة، إلا اننا نجحنا في الخروج والوصول إلى طوارئ السلمانية، وعند وصولنا قام أحد رجال الشرطة الموجودين في القسم بالتحقيق معنا بينما كان الأطباء منشغلين بمعالجة الشهيد، وفي هذه الأثناء قام رجل الشرطة بإجراء الكثير من الاتصالات بالضباط في محاولة منه لتحريضهم على اعتقالنا إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل بعد أن نهره أحد الضباط بشدة وذلك لأن جميع الضباط كانت إجابتهم لا تعتقلهم ولن نبعث بدورية لتسلمهم»، مشيراً إلى أن «أطباء الطوارئ الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذه كان جميعهم يسأل مستغربا هل هذه رصاصة حية، كما استعان الأطباء بعدد من الاستشاريين ولكنهم أدركوا أن جميع محاولاتهم لن تجدي وذلك لتأخر نقله ولأن الرصاصة أصلا أحدثت نزيفا داخليا مخترقة عددا من الأجهزة المهمة في جسم الشهيد (...) وبعد نقله إلى المستشفى بنحو ساعة ونصف الساعة انتقل هاني خميس إلى جوار ربه وكان ذلك في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم السابع عشر من ديسمبر العام 1994».
المصالحة الوطنية مطلب العائلة
يتلخص موقف عائلة الشهيد هاني خميس في الكشف عن هوية من تسبب في استشهاد ابنها، ومحاسبتهم وذلك عبر مصالحة وطنية شاملة.
التعليقات (3)
أبو علي
تاريخ: 2006-05-19 - الوقت: 16:57:51رحمك الله يا أيها الشهيد ، وقد فزت في الدنيا قبل الآخرة ، لم ننساك يا شهيدنا الغالي، فأنت في قلوبنا حيٌ، وهيهات ننسى تلك اللحظات التي قضيناها معا في المأتم.
بنت المحرقي
تاريخ: 2006-05-20 - الوقت: 13:07:56الله يرحمه ويرحم شيعة علي كافه ويصبر اهله وامه خصوصا الله يساعدها
حسن
تاريخ: 2006-05-20 - الوقت: 20:14:33رحمك الله يا أبا علي وأدخلك فسيح جناته يا شهيد الثورة فإنك ستبقى في قلوبنا