تقع مسؤولية تأمين الاحتياجات المادية للأسرة على عاتق الآباء الذين أُوكلت إليهم مهمة السعي والعمل لتحقيق المتطلبات المعيشية وتوفير المستلزمات الضرورية التي تحتاجها الأسرة من أجل الاستقرار والإستمرار.
وبالإضافة إلى هذه المسؤولية التي يتكفل بها الآباء تجاه أسرهم، والتي تأخذ الحيز الأكبر من أوقاتهم التي يقضونها خارج المنزل بحكم التزامهم اليومي بالعمل، فإن هناك مسؤوليات أخرى تتوجب على هؤلاء الآباء تنبع من حاجة الأسرة إلى تواجد الأب الفاعل فيها ومتابعته الدقيقة ورعايته الشاملة لجميع أمورها من خلال تخصيص أوقاته المتوفرة للتفرغ لها.
مسؤولية شرعية على عاتق الآباء
من الطبيعي أن يشعر جميع الآباء بضرورة حضورهم الدائم بين أفراد أسرتهم، وقضاء أوقات فراغهم في أجوائها، والتعبير عن اهتمامهم الكبير بكافة شؤونها، والمحافظة على الروابط المتينة التي تُسهّل عليهم القيام بعملية التربية انطلاقاً من اعتبارها إحدى المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بل واجباً شرعياً يفترض تأديته على أكمل وجه كما يقول الشيخ مصطفى قصير معبِّراً عن أهمية هذا الموضوع في رأي الإسلام:
تربية الأبناء وتوجيههم بشكل صحيح مسؤولية تقع على عاتق الأبوين بالدرجة الأولى، وهي مسؤولية شرعية لا يجوز الاستقالة منها، وإذا أمكن الاعتماد على المدرسة الصالحة لهذه المهمة في بعض الأحيان، إلا أن المدرسة لا يمكنها لوحدها أن تحقّق كامل الهدف دون تظافر جهود الأبوين. هذا الأمر يفرض على الأب، بالخصوص، التخطيط السليم والإهتمام الكافي وتخصيص جزءٍ من وقته ومن برامج حياته اليومية للعناية بالجانب السلوكي والروحي والتربوي لأبنائه، فالتربية لا تتحقق من خلال لائحة وصايا وجملة من الأوامر والنواهي، التي يتم إصدارها على نسق المراسيم العسكرية أو الرئاسية أو الحكومية، وإنما هي فعل مستمر وتوجيه دائم، وفنٌّ في الممارسة والتأثير لا يتأتّى إلا من خلال المعاشرة والمتابعة والمصادقة ومخاطبة القلب والمشاعر، فضلاً عن العقل والإدراك، مما يعني أن تخصيص الوقت الكافي أمر لا بد منه، بالإضافة إلى اختيار الأسلوب والطريقة والخطاب، بما يتناسب مع الحالة، ومراعاة الخصوصيات التي يتميز بها كل طفل عمن سواه.
مثال القدوة الحسنة
كيف ينظر الآباء إلى أهمية مشاركة الأسرة في أوقاتهم بعد العمل خلال النهار؟
يعتبر السيد موسى فحص (مدّرس ثانوي) أن وجود الأب مع أسرته بطريقة رعائية له أهمية كبيرة لأن الأسرة تتطلب منه العناية النفسية لجميع أفرادها وخصوصاً الأولاد لكي تتكون شخصيتهم بنوع من الاستقلالية حتى يواجهوا الحياة وأعباءها في المستقبل بإمكاناتهم الذاتية التي يعاونهم اليوم على تركيزها لإدارة شؤونهم الخاصة حيث يجد الأولاد في الأب الشخص: المؤهل للإجابة على تساؤلاتهم ومشاركتهم همومهم ومشكلاتهم ويجدون فيه المصدر للنصح الصادق والمشورة التي يحتاجون إليها من خلال تجربته الكبيرة.
السيد حسين قبيسي (مدير إداري) يشدّد على اعتبار الأب مثال القدوة لأسرته فهو المربّي والمعلم والموجّه. كذلك السيد وسام الحاج الذي يعمل في مؤسسة صحية فيرى أنَّ على الأب المشاركة في تنظيم وضع العائلة ومتابعة أحوال الأولاد الاجتماعية والتربوية والمدرسية ومراقبة سلوكهم الذي يعكس صورة الأبوين عند المجتمع.
أما السيد محمد إبراهيم (عمل ثقافي) فيؤكد أن أهمية تخصيص الأب أوقاتاً يقضيها مع أسرته لا تنبع من حاجة الأسرة للأب فقط بل من الحاجة المتبادلة بين الأب وأسرته وذلك لأن الأب أيضاً هو بحاجة إلى الأسرة في وقت الراحة والسكون.
تزعزع العلاقة الأبوية
يؤدي غياب الأب عن الأسرة وعدم متابعته لأوضاعها إلى آثار سلبية أهمها تزعزع العلاقة الأبوية المتينة التي ينطلق الأب من خلالها للتوجيه والعناية والإرشاد. ومنها أيضاً حسب السيد حسين قبيسي عدم إمكانية الرقابة والرعاية الدائمة إضافة إلى تحمُّل الأم مسؤولية أكبر إلى جانب مسؤولياتها الأخرى بدل توزيع الأدوار بين الأبوين.يقضي السيد حسين ما يقارب العشر ساعات يومياً في العمل وهو يشعر بالتقصير تجاه أسرته لكنه يحاول دائماً التعويض عنها في أيام العطل والأعياد مع أنه يعتبر ذلك غير كافٍ أبداً.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الأستاذ موسى فحص الذي يقضي أيضاً حوالي العشر ساعات في المدرسة وجزءاً كبيراً من أوقات فراغه بعد عودته إلى المنزل في متابعات خاصة بالمدرسة كتحضير الدروس والبرامج والخطط وغيرها أما الجزء الباقي فيقضيه مع العائلة حيث يركّز على الجلوس معهم يومياً للسؤال عن دراستهم، وتوضيح بعض المفاهيم العلمية والحياتية ومناقشة شؤونهم المستقبلية أو حتى بعض الآراء والمواضيع الفكرية. لكن بالرغم من ذلك فهو يشعر بأن أولاده: يحبّون طرح مشكلاتهم مع والدتهم أكثر ويظن أن هذا الأمر متعلق بقلة الوقت الذي أقضيه معهم.
مشاركة الأسرة في كل شيء
على العكس من ذلك، يعطي السيدان وسام الحاج ومحمد إبراهيم الوقت الكافي لتواجدهما مع الأسرة وذلك حسب طبيعة العمل الذي يرتبطان به والذي لا يتطلب إلاَّ وقتاً محدداً خلال اليوم ولذلك فإن لديهما الكثير من الأشياء التي يشاركان فيها الأسرة حيث يؤكّد السيد وسام الحاج على اقتناعه بأهمية الاجتماع العائلي لتناول طعام الغذاء والذي يؤدي إلى وجود جو كبير من الإلفة والانسجام بالإضافة إلى مشاركتهم في جميع الأمور والمحافظة على علاقة ودية كبيرة معهم والقيام بكل ما يمكن لجعلهم يشعرون بإهتمامه ورعايته لهم كالذهاب إلى المدرسة في كثير من الأحيان للإستفسار عن أحوالهم ونشاطهم وتطورهم ووضعهم السلوكي العام وكذلك اصطحابهم في نزهات ورحلات بشكل ثابت والترفيه عنهم ومرافقتهم إلى مدينة الملاهي والألعاب حيث أقضي معهم وقتاً ممتعاً وجميلاً.
يستغل السيد محمد إبراهيم أيضاً كل الوقت خارج العمل للأسرة وذلك بمتابعة دروسهم وواجباتهم المدرسية بشكل يومي واصطحابهم في الزيارات العائلية وقضاء أوقات لا بأس بها في اللعب معهم وهناك أمر تعودوا عليه دائماً يُدخل السرور إلى قلوبهم وهو مشاركتهم في الاحتفال بميلاد الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام من خلال القيام بأعمال الزينة وشراء الحلويات واحياء المناسبات.
نصائح وملاحظات
ويبقى أن يشير هؤلاء الآباء إلى بعض الملاحظات التي تتضمن نصائح وإرشادات تنطلق من تجربتهم الخاصة أو من رؤيتهم لتجارب الآخرين حيث يشدّد السيد محمد إبراهيم على أهمية: أن يدرك الأب أنَّ الأسرة هي أمانة في عنقه وهو المسؤول عن الاشراف على تربيتها حتى لا تقع في الانحراف. ويؤكد السيد وسام الحاج على المتطلبات العاطفية التي تحتاجها الأسرة ويلاحظ أن بعض الآباء يعتبرون عملهم هو كل حياتهم فينغمسون فيه إلى درجة يُهملون معها الأسرة وينسون متطلباتها وواجبهم تجاهها وهذا يؤدي إلى شرخ كبير داخل الأسرة.
أما السيد حسين فيلفت النظر إلى مسألة مهمة يجب أن يدركها الآباء وهي: وجود الأولاد في مدارس إسلامية يساعد الأهل كثيراً في عملية التربية ويحل جزءاً كبيراً من مشكلة غياب الأب عن الأسرة لأن هذه المدارس تهتم بالجانب التربوي والأخلاقي والديني إلى حد كبير بالإضافة إلى اهتمامها بالترفيه عن الأولاد من خلال إشراكهم في نشاطات مختلفة واصطحابهم إلى مسرحيات ورحلات عديدة.
وفي رأي السيد موسى فحص أن كل أب يستطيع أن يقوّي علاقته بأسرته حتى ولو لم يكن لديه الوقت الكافي لها من خلال: عدم السيطرة المطبقة على الأولاد وإشراكهم في مناقشة شؤون المنزل والإستماع إلى آرائهم وإشعارهم بثقته، وأن يحافظ على توازنه في التعاطي معهم من حيث انفعالاته وألفاظه وطريقة مواجهته للمشاكل، وعليه مداراة مشاعرهم الخاصة وأن يكون لطيفاً في اعتراضه على الأمور.
التعليقات (2)
أم حسين
تاريخ: 2006-04-05 - الوقت: 17:20:05شكرا للعاملين في هذا الموقع على جهودكم الكبيرة في سبيل تثقيف الناس وتوعية المجتمع بأمور دينهم ودنياهم، ونحن ما أحوجنا لمواضيع كهذه المواضيع التي تربي النفس وتعلمنا دين الله القويم إن الأسرة تحتاج للأب على الدوام ، فحين ينقطع الأب على أسرته فقد كسر العمود الفقري للأسرة الذي هو ضل حميم للأسرة بالكامل
موضوع رائع