شارك هذا الموضوع

الحلقة الرابعة: الحوار الساخن و الصريح عن تاريخ مأتم بن خميس

4. قارن بين الماضي و الحاضر في إحياء المناسبات ؟
و إذا عدنا أدراجنا للخلف لنرسم صورة عما كان عليه العزاء قديما في قرية السنابس ،  فسوف تبكي أعيننا بلا شعور ، إذا تراءت في مخيلتنا ذكريات أيام عاشوراء ، لما كانت الأرض ترجف بضرب الأقدام ، و تهتز الجدران بلطم الصدور و ترى الناس كلهم في حزن و بكاء ، حيث تذرف الدموع بمجرد سماع الردادي الفجيعة من الهوسات و العزازي المشهورة ، و التي كانت كلها مفعمة بالإحساس المؤثر عند كل الناس ، و كان كل معزي في لحظة دخوله للموكب تراه يخلع قميصه لكي يشارك الآخرين في العزاء الذي يفطر القلوب ، على عكس العزازي في عصرنا الحاضر التي ظهرت بشكل حبر على ورق.


و لكن مع هذا كله فقد تطور العزاء في عصرنا الحاضر تطورا كبيرا ، مما كانت له آثاره الايجابية الملحوظة في النهوض  بالموكب الحسيني على المستوى البحريني بصفة خاصة و على المستوى العالمي بصفة عامة ، فقد تطور العزاء في المجتمع البحريني على كافة الأصعدة في جميع جوانبه من ناحية الكم و النوع      و الشكل و المغزى و المحتوى و المضمون ، مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي لا تزال تتبع طريقتها التقليدية في إحياء المناسبات.


فبعدما كانت شيلة المشية تأتي على نمط واحد ، من لحن واحد و وزن واحد وقافية واحدة ، و بالتالي فلا تستغرق أكثر من خمس دقائق للانتهاء من المقطع الواحد في القصيدة ، مما كان يسمح بالتالي للموكب الحسيني أن يقف عدة وقفات محددة في مكان معين ، ثم يستأنف مسيرته بعد أداءه للهوسات دون وجود مشاكل أو عقبات ، حيث أصبحت الآن شيلة المشية على درجة بالغة من التعقيد ، فتنوعت الأوزان و تعددت القوافي و اختلفت الألحان في المقطع الواحد ، مما أدى بالتالي إلى خلق العراقيل أو وجود الصعوبات التي تحول دون الوقفات ، و ذلك بسبب الوقت المستغرق لإلقاء المقطع الواحد الذي أصبح طويلا نسبيا ، و هناك علاقة سببية أو ترابطية بين كل من الوقت و المسافة ، فكلما استغرق المقطع وقتا أطول كلما تطلب ذلك أن تكون هناك أرضية أو مسافة كافية بمسيرة الموكب العزائي بين كل وقفة و أخرى ، و هذا ما حدى بالمسئولين إلى إلغاء الوقفات نهائيا لأن المسافة بين كل وقفة و أخرى تعتبر صغيرة نسبيا ، و لا تكفي لإنهاء المقطع الواحد من القصيدة ، فبمجرد الوصول إلى المكان المحدد للوقفة فانك تلاحظ أن الرادود لا يزال يلقى الأبيات الأولى من المقطع ، و ينبغي هنا عدم الوقوف و الاستمرار بالسير ، و أيضا مما يزيد الطين بلّة هو ضيق الوقت الذي يُعَجِّل بالموكب لكي يصل الى المأتم قبل موعد الأذان ، و هذه المشكلة المستحدثة لم يكن لها وجود أصلا في السابق ، حيث كان العزاء يخرج من المأتم أساساً بوقت مبكر.   
 
و هذا التطور العزائي الذي حدث مؤخرا للمواكب الحسينية قد يجعل رؤساء المأتم  و المسئولين في أحد المنعطفات المصيرية ، كي يتخذوا قرارهم الحاسم أمام الأمر الواقع ، و ذلك من أجل مواكبة هذا التطور ، و عدم التخلف عن الركب الحديث ، حيث أصبحت المشية وحدها هي الغالبة على شكل العزاء العام ، و خاصة إذا علمنا بأن إلغاء الوقفات نهائيا يعني القضاء على الهوسات التي لا يمكننا الاستغناء عنها بتاتا ، و ذلك لأنها تعتبر جزءا من كياننا الذي نشأنا به ، كما أن الهوسات لا يمكنها الصمود أو الثبات إذا لم تكن هناك وقفات أثناء مسيرة الموكب العزائي ، و لذلك فإنها تفقد هويتها أو وجودها ، و للمضي قدماً قد وجد البعض من المسئولين أنه من الضروري أن يتم الاستغناء عن بعض الشكليات القديمة ، و ذلك من أجل مسايرة التطور الحديث ، فقرروا أن يضحّوا بالوقفات و الهوسات للتكيف مع الظروف المتغيرة التي تحتم عليهم هذا الأمر ، و لكنهم باتخاذهم مثل هذا القرار إنما كانوا يعبثون بتراثهم الأصيل الذي يعتبر أغلى ما عندهم ، ألا و هي الهوسات العرمرمية كما كان يطلق عليها لأهل السنابس بالذات ، لأن الأرض كانت تتزلزل من تحت أقدامهم ، فكان من الأجدر بهم عدم المساس أو التضحية بها. 


و من هذه المواقف التي سأقوم بسردها لكم لتكون دليلا على ذلك أنه عندما كان موكب عزاء السنابس في إحدى مشاركاته الكبرى بمدينة المنامة في يوم العاشر من محرم ، حيث يذكرني باحدى السنوات عندما كان الموكب يمر في طريقه بجانب المساكن و البيوت التي تعوّد الموكب أن يقف عندها للتهويس ، فيخرج أصحاب المنازل من الهول الذي يصيبهم عند التهويس ، فتشاهدهم يصرخون و يطلبون من المعزّين أن لا يستمروا بالضرب على صدورهم قرب منازلهم ، و عند سؤالهم عن سبب تصرفهم هذا و تسارعهم لأخذ الحيطة الطارئة ، كان جوابهم بأنه يخشون أن ينهار المنزل لاهتزاز الأرض التي كانت تحدثها الهواسة ، و لتوضيح هذه الصورة أكثر نبيّن لكم كلامهم العامي بالحرف الواحد : " من فضلكم رجاءا لا توقفون      و تطقّون إهني ، إحنا نخاف إيطيح البيت علينا من رجّة الأرض إذا دقّيتون و هوّستون ".        
 
و بالرغم من أن هذا التطور العزائي قد كانت له تأثيراته الملموسة بشكل ايجابي على المستوى البحريني عموما ، إلا أنه أيضا قد أصبحت له بعض التداعيات الخطيرة التي انعكست آثارها السلبية بصورة واضحة على أهل السنابس خصوصا حيث تجلت هذه السلبيات و تمثلت في هبوط مستوى الرواديد من قرية السنابس ، و فقدانهم للأهلية أو الريادة ( القيادة ) المتمرسة التي تدنى بسببها مستوى حضور الجمهور و تفاعله في موكب العزاء ، فظهرت هناك على الساحة الجديدة مجموعة من الرواديد المتألقين الذين انتزعوا اللقب من أهل السنابس الذين كان لهم شرف الاحتفاظ به لعقود طويلة ، هذا بالإضافة إلى سطوع نجوم جديدة في الأفق من المآتم التي حطمت الرقم القياسي في الحجم الهائل للحشود التي تحضر للمشاركة في العزاء الذي تقيمه هذه المآتم ، و ذلك لاعتمادها الكلي   و الدائم في إحياء المناسبات باستقدام هؤلاء الرواديد الكبار أو المشهورين على المستوى المحلي ، فأصبحت كمراكز الثقل المعتمد عليها بعدما كان مأتم بن خميس على التوالي هو صاحب أكبر رقم قياسي ، لكونه يعتبر أكبر قوة جذب للجمهور ،  و الأدهى من هذا هم الشعراء البارعين و المبدعين الذين تفوّقوا على غيرهم بتقديم قصائدهم بالأسلوب الباهر الذي اتسم بالعواطف الجياشة و الأنغام الفريدة   و الحماسة الثائرة و الخواطر الشجية ، فسلبوا من شعراء السنابس فخرهم المنشود ، بعدما كانوا هم الرواد الأوائل في هذا المجال.  


و قد كان الأولى أو الأحرى بأهل السنابس أن لا يجازفوا بتراثهم العريق على حساب محاولاتهم الجادة لمجاراة هذا التطور الحادث في المشية ، فعلى الأقل كان يجب عليهم أن يحافظوا على الوقفات و الهواسات التي أوشكت على الاحتضار علما بأن عدد الوقفات سابقا لمأتم بن خميس كان 25 وقفة مع الهواسة ، و قد تقلص تدريجيا هذا العدد في الوقت الحالي ، لدرجة أن موكب العزاء قد أصبح بدون أي وقفة أو هواسة منذ خروجه من المأتم و لحين انتهائه ، و لذلك فان الحاجة ماسّة الآن ، و هي تلح علينا إلحاحا كبيرا بوجوب الاقتصار على خمس وقفات على الأقل ، و هذا من أجل أن يحتفظ أهل السنابس بتراثهم لئلا يندثر ، و خاصة بعدما تبين لهم بأن مساعيهم مع النمط الحديث من تطور العزاء لم تعد مجدية لاستعادة مجدهم الضائع ، أي أنها أصبحت دون جدوى ، لعدم إتيانها بالعائدة المرجوة ، فلم تكن هناك أي نتيجة تذكر بالرغم من بذلهم للجهود الجبارة و سعيهم الحثيث للحفاظ على سمعتهم الرفيعة كمركز لانطلاق الإشعاع الحضاري و تنوير الشعب ، كما كان هذا عهدهم سابقا باستقبال الوافدين للقرية الذين كانوا لا يفترون ما داموا ينهلون من معين هذه القرية الذي لا ينضب ، أي في الوقت الذي كانت فيه الهواسات هي خير شاهد على ذلك ، فقد كان الناس ينهلون و  يستقون من معينها العذب ، بحيث كانوا يحضرون زرافات زرافات في كل مناسبة من الوفيات للاستماع إليها و تسجيلها ، طالما كانت هي تشرئب دائما و أبدا في أعماق  نفوس المستمعين إليها من عامة الناس.
 
فلا ينبغي أن يغيب عن ذهننا بأن الهواسة كانت في يومِ ما أساسا هي السبب الرئيسي وراء الشهرة التي اكتسبها أهل السنابس ، فإليها يرجع كل الفضل لتمتعهم بهذا التراث الذي منحهم الهيبة و القوة و الأصالة ، و يمكننا هنا بناء على ما سبق أن نضع في اعتبارنا بأننا عندما تخلينا عن تراثنا بعد استغناءنا عن الهواسات ، فنحن بذلك قد أضعنا مجدنا و فخرنا ، بل و فقدنا تراثنا الأصيل أو العريق ، فمشكلتنا الحقيقية ليست هي المتعلقة بعزوف الناس حاليا عن الحضور و التفاعل مع المواكب أو المآتم كما يقول البعض ، و من الخطأ أيضا أن نعتقد بأن هناك علاقة قوية لانخفاض مستوى الحضور و نربطها بتدني مستوى الرواديد من داخل القرية ، فهذه المبررات السطحية التي كثيرا ما نتعلل بها دون أن نراعي أو يخطر على بالنا بأنه لا يمكن لمثل هذه المبررات الهزيلة أن تفسر حالة الضعف التي وصل لها موكبنا في الآونة الأخيرة ، إذن فالحاجة غير مهمة لنا لكي نوهم غيرنا بقدر ما يجب علينا أن نقوم بإقناع أنفسنا بان ابتعادنا عن الهوسات هو الذي أدى إلى هذا الانحطاط الذي ما زلنا نشهده و نعاني منه.


1- ما هي أهم الشخصيات التي كان لها دور في إحياء المناسبات؟
لقد كان جميع الشباب من أهل القرية في الماضي صغارا و كبارا يخدمون بإخلاص داخل المأتم ، و يتفانون في عملهم من أجل خدمة الشعائر الحسينية و تعظيمها ، فتراهم يؤدون دورهم المنوط بهم بعيدا عن المفاخرة و العجب و الرياء ، حيث ترى الكل يتحمّل مسئوليته التي هي في صلب مجال عمله الذي تطوع فيه من تلقاء نفسه ، فكانوا يقومون بأداء واجبهم على أكمل وجه ، من أجل الحصول على الثواب و المغفرة من الخالق وحده جل و علا ، و لم يكن همهم حب الظهور و الغرور أو التعالي على الآخرين.


و منهم من التحق بجوار ربه ، و منهم من بقي على قيد الحياة ، و هذه أسماء البعض من أهم الشخصيات التي خدمت في المأتم  كما يلي :


جعفر بن خميس – مهدي بن خميس – عباس عيسى بن خميس وكل أولاد أبو علي  - مهدي مرهون – محمد علي مرهون – أحمد عيسى مرهون - وكل طائفة آل مرهون - أستاذ إبراهيم حبيب – حسن ملا أحمد – الحاج حسن جرمان - السيد عبدالله الفلة – الحاج مكي جمعة – الحاج حبيب يعقوب - هلال العصافرة – حسن العصافرة – حسن عبدالله محمد  - عبدالله راشد خليل – السيد عبدالعزيز العلوي – عبدالله جاسم -  الحاج علي الهباش – الحاج إبراهيم الهباش – الحاج أحمد أبو إدهيش - سلمان الشيخ – عبدالله ولد حمد – الحاج علي بن عيد - الحاج عبدالنبي السجاد – أحمد عبدالنبي السجاد – محسن عبدالنبي السجاد - السيد مرزوق السيد علوي – عيسى الأزرق – علي فخر - ميرزا العرادي – إبراهيم الحرحوش – الحاج منصور أبو ناصر - الحاج حبيب محمد صنقور – الحاج عيسى العصار– عباس عبدالله مرهون  - عيد عيسى مرهون – علي عيسى مرهون – علي أحمد شعيب مرهون - الحاج عبدالله بن علي القفاص – سلمان بن علي القفاص – محسن عبدالله القفاص - الحاج مهدي بن أحمد القفاص – عبدالواحد مهدي القفاص – أحمد أحمد القفاص - السيد علي السيد حسين العلوي – الحاج أحمد صخر – الحاج حسن البحارنة - الحاج علي بن رضي – الحاج عبدالواحد مشيمع – الحاج أحمد عبدالله أولاد صالح  - الحاج أحمد بن سلمان – الحاج ملا أحمد القباط – جمعة محمد جمعة
الحاج أحمد عبدالله – الحاج منصور عبدالله – الحاج عيد عبدالله - الحاج أحمد كريم – الحاج يوسف أحمد كريم – الحاج علي أحمد كريم - الحاج حسن أحمد كريم – خليفة مدن – عبدالكريم مدن -  الحاج سعيد الحاج محمد – أحمد محسن – الحاج عبدالحسين حميدان - الحاج عبدالحسين ملا جعفر – الحاج عبدعلي ملا جعفر – الحاج عباس المحرقي - الحاج عبدالعزيز علي آل قمبر – الحاج حسن الكداد – الحاج أحمد بن سلمان - السيد حسن – الحاج محسن أبو نصر – مهدي بن مختار - ((وهذا ما أتذكرهم في هذه اللحظة))


 قصائد و هواسات :-
1- كيف كانت الهواسات سابقا ؟
لقد كانت الشيلات و العزازي قبل ستين سنة – أي في أربعينيات القرن الماضي – تتكون من عدة حلقات ، و تخرج هذه الحلقات من المأتم تباعا الواحدة تلو الأخرى كما أن كل حلقة تعتبر متساوية للأخرى من حيث العدد ، فلا يزيد عدد أفراد الحلقة الواحدة عن 15 فردا في أغلب الأحيان .


و كان سبب إطلاق مسمى ( الحلقة ) لكل مجموعة من المعزين هو لأن صفوف المعزين كانت على شكل دائري ، حيث أن كل فرد داخل الحلقة يربط إزاره بإزار الآخر ، و يدورون مثل الحلقة الدائرية ، و كثيرا ما يتردد إلى أسماع الناس كلام العامة الذي يأتي على شكل تساؤل أحدهم ، فتجدهم دائما ما يسألون بعضهم   بعضا : " كم ( حلقة ) طلعت اليوم " ، أو من قبيل : " باقي كم ( حلقة ) ما وصلت للحين " .


و قد تم تخصيص شيال واحد لكل حلقة من هذه الحلقات ، حيث يقف الشيال خارج الحلقة ، و يردد عليهم بعض الكلمات البسيطة ، حيث كانت الشيلة قصيرة جدا ، و لا تزيد عن كلمتين ، فعلى سبيل المثال : 


يقول الشيّال : " أويلاه " ، و يرد عليه أفراد الحلقة بقولهم : " يا سيدي " .
و شيال آخر يقول : " يا سيدي " ، و يكون الجواب : " يا مظلوم " .
و شيال ثالث يقول : " هذا الوداع " ، و يكون الرد : " يا حسين " .


و هكذا كانت الشيلة في شكلها البدائي في البحرين بالعموم ، و طبعا أن الهوسات لم يكن لها وجود في هذه الفترة من الزمن .


ثم تطوّرت العزازي تدريجيا في الخمسينيات من القرن الماضي بظهور الهوسات الجديدة ، التي أعطت العزاء طابع جديد ، و فريد من نوعه ، كما أصبح الشيال يحمل الميكروفون و السماعة اليدوية ( البوري ) ، و يدخل وسط الحلقة التي كبر حجمها بعد ذلك ، كما تغير شكل الحلقة في هذه الآونة من الشكل الدائري إلى الشكل الطويل و المستطيل ، حيث كان الأشخاص الكبار و مفتولي العضلات يقفون في المقدمة قرب الشيال ، ثم تتدرج الحلقة من الرجال من ذوي كمال الأجسام حتى تصل في نهايتها إلى الصغار أو اليافعين .


كما كان المرحوم الحاج حسين بن خميس في تلك الفترة لا يسمح لأي شخص أن يدخل إلى داخل المأتم دون أن يخلع قميصه في أي مناسبة من الوفيات ، حيث أن العزاء كان يعتمد أساسا على الرجال أصحاب القوة ، فالموكب لا يمكنه أن يخرج من المأتم قبل أن يتم تمرين هؤلاء الرجال على الهوسات الجديدة أكثر من مرة داخل المأتم ، و ذلك حتى يجيدوا أداءها و تقديمها أمام المتفرجين على أحسن صورة ، ثم يخرج المعزين إلى الشارع العام بعد عملية التسخين هذه و العرق يتساقط من جبينهم سواء كان ذلك في فصل الصيف أو فصل الشتاء .


و كان موكب عزاء مأتم بن خميس كعادته القديمة يخرج من المأتم بعدة حلقات ، و كل حلقة كان لها شيّال من أجل التهويس ، و كان الذي يرأس هؤلاء الشيّالة جميعا هو المرحوم الحاج ( أبو علي ) ، و كان دائما ما يجعلني الشيّال المخصص للحلقة الأولى التي تكون في مقدمة هذه الحلقات التي تخرج من المأتم .


و نحن غالبا ما كنا نؤلف حلقة صغيرة في مؤخرة هذه الحلقات لتضم الشباب من الجيل الناشيء في الموكب العزائي ، و ذلك لتدريبهم و تعليمهم على أداء الهوسات و تهيئتهم و إعدادهم للانخراط مع الآخرين مستقبلا في إحياء الشعائر الحسينية ، و في هذه الحلقة بدأ الرادود جعفر سهوان يخطو أول خطواته في مشواره العزائي حيث كان هو الشيّال لهؤلاء الشباب الناشئين الذين يشاركون في عزاء مأتم بن خميس .     


و كان موكب بن خميس سابقا أثناء مسيرته منذ خروجه من المأتم حتى لحظة وصوله للمأتم يقف في طريقه حوالي 25 وقفة تقريبا ، و في كل وقفة من هذه الوقفات يتم أداء التهويسات ، ثم يستأنف الموكب المسير ، و في أثناء المشية كان الرادود يردد مثل هذه الهوسات التي تم تقديمها في الوقفة التي مضت ، ثم تستبدل هذه الهوسة بهوسة أخرى في الوقفة التالية إذا رغب الشيّال في ذلك ،     و لكن في معظم الأحيان كانت الهوسة الجديدة التي ألقيها على المعزين لأول مرة لا تستبدل أبدا من لحظة الخروج من المأتم حتى حين الانتهاء من العزاء ، و ذلك بسبب التفاعل  و الاندماج الشديد من قبل المعزين لسماع هذه الهوسات الجديدة   و حفظها عن ظهر قلب .


كما كان موكب بن خميس في الماضي يمر في طريقه أمام ثلاثة مآتم للنساء فيدخلها ، حيث كانت من عادته حسب الأعراف و التقاليد المجتمعية المسموح بها في تلك الفترة أن يدخل الموكب إلى داخل هذه المآتم ، و بعد الانتهاء من أداء التهويس يخرج الموكب مرة أخرى من الباب الآخر لمواصلة طريقه إلى المأتم ، فقد كان عزاء بن خميس يدخل هذه المآتم و التي كان لها بابان – باب للمدخل و باب للمخرج – و نذكرها على التوالي :


1- مأتم النساء الذي يقع بجانب مقبرة السنابس .
2- مأتم النساء الوسطي .
3- مأتم النساء الملاصق لمأتم بن خميس من الخلف .


و قبل الانتهاء من العزاء عندما يصل الموكب للمأتم ، تدخل الحلقة الأولى إلى المأتم ، ثم تدخل الحلقة التي وراءها الواحدة تلو الأخرى ، و هم يرددون جميعا : " هذا الوداع يا حسين ، هذا الوداع يا حسين " ، ثم يختتمون العزاء بقولهم المشهور : " ألف رحمة على الحجّي " ، و يعنون بذلك الحاج أحمد بن خميس مؤسس المأتم.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع