شارك هذا الموضوع

الحلقة الثالثة: الحوار الساخن و الصريح عن تاريخ مأتم بن خميس

 3- هل كان هناك ميزانية للمأتم ؟ و من كان يدعمها ؟
لا أظن أن المأتم كان في تلك الفترة يملك أراض أو بيوت للأجار يمكن أن تفيده بمدخول شهري بخلاف الفترة الحالية ، حيث كانت الميزانية سابقا يدعمها الحاج ( أبو علي ) ، كما كانت ميزانية المأتم أيضا تعتمد بشكل أساسي على النذورات و التبرعات التي تقدم للمأتم من مختلف مناطق البحرين ، و ذلك بسبب شهرة المأتم على نطاق واسع ، حيث كانت تقدم من قبل المؤمنين والصالحين     و الوجهاء المعروفين ، ففي بداية موسم عاشوراء من كل سنة يتم جمع مبالغ تطوعية من أهالي القرية لدعم المأتم و لتغطية أجر الخطباء و القرّاء ، و كانت هذه التبرعات يستلمها الحاج عباس بن الحاج عيسى بن خميس ، هذا بالإضافة إلى العينات المادية من اللحوم و أكياس السكر و الأرز و القهوة و الشاي التي يتم استلامها كمساعدة و مساهمة من قبل التجار .


4- من هم الخطباء و الرواديد الذين كان لهم صدى واسع في المأتم ؟
لقد كان هناك الكثير من الخطباء الذين قاموا بالقراءة على المنبر الحسيني داخل المأتم ، و من أشهرهم ملا حسن أبو منصور الديهي ، و ملا حسن سهوان ، والملا الحاج أحمد الملقب بـ ( بن رمل ) الحسائي ، و الشيخ الكبير الذي يكنى بـ  ( الشِّخُص ) ، و الشيخ عبدالوهاب الكاشي ، و الشيخ باقر المقدسي ، و الخطيب الشيخ صالح الدجيلي ، و الشيخ مسلم الجابري ، و السيد جاسم الكربلائي ، و من بعده أتى الشيخ فاضل المالكي الذي لم يدم أكثر من سنة واحدة .


و من أهم الرواديد الذين اشتهروا في العزاء داخل المأتم هم الحاج حسين بن خميس ( أبو علي ) ، و الملا حسن سهوان ، و أبو عباس ، و السيد عبدالله الفلة ، و الملا عبدالعزيز ، و حسن راشد و أخيه أحمد راشد .


أما الرواديد الذين اشتهروا بالمسيرة خارج المأتم ، فأولهم الحاج خضر صنقر العراقي المعروف بـ ( أبو عباس ) ، و الملا عبدالعزيز ، و علي جاسم الحرحوش ، و عيسى الاسكافي ، و جميل الأنجاوي ، و عبدعلي مرهون ومنصور البربري ، و الحاج عيسى بن عيد ، و الحاج أحمد بن خلف ، و الحاج علي بن ناصر الموت ، و علي أحمد كنتلا . 


أما عن الوقفات فلم تكن هناك غير الهوسات التي اشتهرت بتأليفها وتأديتها و إلقاءها على المعزين ، فما برحت حتى انتشر صداها على كل لسان في جميع مآتم البحرين ، و ما زالت تتردد حتى وقتنا الحاضر ، بسبب أصالتها وتأثيرها الشديد على النفوس ، و أيضا من الرواديد الذين برزوا بالهوسات هو عبدالنبي عباس الذي لا يزال يرددها داخل المآتم حاليا.وبالنسبة إلى موكب الزنجيل فقد اشتهر الرادود جميل العرادي.


5- هل كان للمأتم دور توعوي للناس ؟ و ما هو ؟
لقد كان للخطباء و القرّاء على المنبر الحسيني الدور الكبير لتوجيه الشباب المسلم و إرشادهم و تثقيفهم من الناحية الدينية و الدنيوية سواء المتعلقة بعباداتهم أو معاملاتهم اليومية ، هذا بالإضافة إلى وجود اللجنة الثقافية بالمأتم منذ ذلك الحين ، و التي حملت على عاتقها مهمة تعليم الناشئة الصلاة و تلاوة القرآن وتزويدهم بالوازع الديني و الأخلاقي وامتثال السلوك القدوة من سيرة النبي و أهل بيته الطاهرين ، و قد تكفل المأتم أيضا بتعليم الناس اللغة الإنجليزية و التي كان يقوم بتدريسها الحاج مهدي بن أحمد بن خميس ، حيث تخرج على يده الكثير و الكثير من أبناء هذه القرية الذين التحقوا بالأعمال و التوظيف في الدوائر الحكومية و غيرها ، كما كانت مختلف الشعائر و المواكب الحسينية التي تقام بالمأتم بصفة مستمرة هي بمثابة التوعية الإسلامية في تربية الأجيال و تنمية ولائهم للنبي  و أهل بيته عليهم أفضل الصلاة و السلام .


1- هل كان للمأتم أي دور سياسي ؟ نود إيضاح ذلك .
لقد كان لمأتم بن خميس الدور البارز من الناحية السياسية مقارنة بالمآتم الأخرى الموجودة بالبحرين ، فهو أول من كان يتصدى لمختلف القضايا الوطنية و الأحداث العالمية على الصعيد السياسي مثل قضية القدس و فلسطين و مقاومة الاستعمار ، و مؤازرته للمرجعيات و القيادة الشيعية ، مما جعل قرية السنابس بحق تعتبر حتى وقتنا الحاضر هي مركز الانطلاق و الصمود التي طالما حملت شعار الثورة الحسينية ،  و الدليل الواضح هو التجمع الكبير للجماهير التي تتوجه للقرية في المناسبات الكبرى طوال السنوات الماضية ، حيث كان موكب العزاء يمثل الدور الرئيسي للإعلام سواء كان ذلك الإعلام عن مظلومية الإمام الحسين الشهيد أو مظلومية الشعب ، مما كان له أكبر الأثر لبلورة الأفكار الشعبية لرفض الواقع المرير و تقوية إرادتهم و حث عزيمتهم و صقلها للحركات التحررية .   


2- ما هي أهم فعاليات الموكب الحسيني في السنابس ؟
أهم فعاليات الموكب الحسيني في السنابس هي إحياء العزاء في يوم التاسع و العاشر من المحرم عصرا ، و كذلك يوم الأربعين ، حيث تستقطب قرية السنابس الجماهير الغفيرة التي تأتي إليها من مختلف المناطق في البحرين ، فقد جرت العادة عند الناس في هذه المناسبة الكبيرة أن يقوموا بالمشاركة و إحياء شعائر ذكرى عاشوراء في قرية السنابس ، حيث تخرج مختلف المسيرات من المأتم في تمام الساعة الثالثة عصرا من يوم العاشر و الأربعين ، و التي تمثلت بموكب التطبير و الزنجيل و الشبيهات و الأسرى و الخيول و الجمال و الأعلام و المواكب الحسينية العديدة التي يتقدمها موكب عزاء مأتم بن خميس ، و هي كما نراها في وقتنا الحاضر لم تتغير كثيرا ، و لكنها في السابق كانت تتسم بطابع الهيبة و التعظيم و القوة و التأثير التي فقدت في زماننا هذا.


هذا بالإضافة إلى إحياء ذكرى وفاة الرسول ( ص ) و الإمام علي ( ع ) التي اتسمت بالإقبال الشديد و المشاركة الفعالة من قبل المعزين باعتبارهما من الوفيات الكبرى ، و  تلحقهما الوفيات الصغرى للأئمة المعصومين .


و تجدر الإشارة هنا إلى ذكر فعالية عزاء بني أسد التي اتسمت بطابعها الخاص في تلك الفترة ، لأنها لم تكن تقام إلا بمأتم بن خميس في قرية السنابس على مستوى البحرين ، و قد اندثرت في عصرنا الحاضر هذه الفعالية العظيمة التي كان أهل السنابس يقومون بإحيائها في ليلة الثالث عشر من محرم ، و تعتبر هذه الفعالية بحق من أهم الفعاليات التي امتاز بها مأتم بن خميس في قرية السنابس ، بحيث أنك إذا اعترضت سبيل أي من القادمين الذين كانوا يأتون من خارج السنابس لمشاهدة تمثيلية بني أسد التي تعارف على إقامتها في ( ساحة بيت الشيوخ ) ، ــ و كان موقعها سابقا بين السنابس و السنابس الشرقية المعروفة بمني ، و قد اختفت في الوقت الحالي لقيام مجموعة من الفلل السكنية في هذه المنطقة ، كما كان العزاء في يوم عاشر محرم عندما يمر على هذه الساحة في طريقه ، فانه يقوم بالدوران على الساحة ثم يكمل مسيرته ــ ،  فانك إذا سألت هؤلاء القادمون عن مكان توجههم ، فانه لن يكون من العجب إذا سمعت جوابهم الذي يخرج ليعبر عن لسان حالهم ، فتراهم يقولون : ( أننا ذاهبون إلى كربلاء ) ، و نحن ماذا يمكننا أن نتصور من المعنى المستفاد من تعبيرهم هذا ؟ و هو إن دل على شي ، فإنهم يقصدون بأن ذهابهم إلى السنابس يتراءى لهم في نظرهم كأنهم ذاهبون إلى كربلاء ، حيث يشاهدون حرق الخيم ، و فرار الأطفال و النساء ، و دفن الأجساد .


 فقد كانت تمثيلية بني أسد تعطي الغريب و القريب صورة حية لما جرى فعلا من أحداث في كربلاء ، فيعلو البكاء و النحيب ، و يخيِّم الحزن على جميع الحضور ، لدرجة أن المشاهد ليتصور نفسه كأنه حقيقةً في واقعة كربلاء .


كما كان العزاء في ليلة الثالث عشر له نمط خاص أو تشكيلية مغايرة للعزاء الذي تعارف عليه في مختلف الوفيات ، حيث كان العزاء يخرج من مأتم بن خميس  بترتيب ثلاث حلقات ، كل واحدة من الحلقات تسير خلف الأخرى ، و تجاوب على الحلقة التي تتقدمها بأبيات من الشعر ، أي بمعنى أن كل حلقة ترد على الثانية      و هم متوجهين إلى الساحة التي تقام فيها التمثيلية .


و كانت القصيدة الخاصة بهذه الليلة في كل سنة تؤلف و تنظم و تلحن من قبلي ، و لما كانت القصيدة الخاصة بهذه المناسبة تحتاج إلى ثلاثة من الشيالة ، فقد كنت أقوم باستدعاء اثنين من الشيالة للمشاركة معي في ترديد القصيدة و إلقائها في الموكب الحسيني ، لذلك كانت التحضيرات داخل المأتم لاثنين من الشيالة المتدربين على إلقاءها تتم تحت إشرافي حيث أكون ثالثهما ، فقد كنت أقوم بتقسيم القصيدة إلى ثلاثة مقاطع ، حيث يتم توزيعها فيما بيننا بالتساوي لكل حلقة من الحلقات الثلاث .


و على سبيل المثال إليكم إحدى هذه القصائد التي قمت بتأليفها لإلقائها في ليلة الثالث عشر من محرم :
كانت الحلقة الأولى التي كنت أتصدرها تردد معي المقطع الأول من القصيدة   وهو :


موكب سنابس يا نسل حيدر
لك اعتنى يا حسين بدموع همّالة
ثم ترد الحلقة الثانية بالمقطع الثاني من القصيدة من قبل الشيال الثاني ، و هو :
عزّوا النبيِّ المصطفى او حيدر
صدر الشهيد احسين داسته الخيّالة
ثم ترد الحلقة الثالثة بالمقطع الثالث من القصيدة من قبل الشيال الثالث ، و هو :
حزّوا وريده أو خيَّته تنظر
و ارتج ركن الدين من حنّة أطفاله
و هكذا دواليك .....


3- ما هي الفعاليات الكبرى ؟ و ما هو مستوى الحضور و التفاعل فيها ؟
كانت الفعاليات الكبرى بالنسبة لمأتم بن خميس قد تمثلت في استعداداته    و مبادراته للمشاركة بالموكب الحسيني خارج حدود قرية السنابس بعدما كان مقتصرا في داخلها ، وكان الهدف من ذلك هو الإيمان بالوحدة ، و التضامن مع الآخرين لخدمة المواكب الحسينية ، و العمل من أجل توسيع نطاق العزاء و دعم انتشاره لأقصى الحدود ، حيث كانت لدى مأتم بن خميس في الفترة الماضية إمكانيات كبيرة تفوق قدرات المآتم الأخرى ، و تبلورت بوجود مكبّرات الصوت والشيّالة المخضرمين ، والقصائد الحماسية ، والمعزّين الجادّين ، و هذه الروح المعنوية لرجال المأتم المؤمنين هي التي ساعدتهم على أخذ زمام الأمور لتوحيد الصفوف  و جمع كلمة الأخوان ، و لم الشمل و ضم الناس واتحادهم تحت موكب واحد و لواء واحد و شعار واحد ، لذلك كان لهم الدور الكبير و الرائد في إحياء العزاء بمختلف المناطق بالبحرين ، حيث كان موكب بن خميس بأوج قوته ، فدائماً ما تراه متصدرا في طليعة المواكب ، لكونه يتمتع بالهيبة و الرهبة في مقدمته،  والتي صمدت طالما كان الحاج حسين بن خميس ( أبو علي ) هو القائد الذي يوحّد الكل تحت لواء الحسين .


و بالنسبة للفعاليات الكبرى في يوم التاسع من المحرّم ، فقد كانت لمأتم بن خميس مشاركته الفعالة في إحياء العزاء في قرية كرباباد من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الثانية عشر ظهرا ، و أنني لأذكر بأننا بعد انتهاء العزاء في كرباباد و تناول الغذاء ، كنا نرجع من قرية كرباباد إلى قرية  السنابس مشيا على الأقدام على ساحل البحر ( قبل عمليات ردم السواحل و الدفن ) ، و لطول المسافة و شدة حرارة الشمس ، كنت أردد أحد الهتافات على الشباب أثناء الطريق ، و ذلك لبعث الحماسة و الراحة  في نفوس المعزين ، و لتخفيف العناء عليهم كان هتافي هو :


الظلم و الجــور    إحنا حاربنـاه
مأتم بن خميس    إحنا ناصرناه


  و بالنسبة لعاشوراء ، فقد كانت لمأتم بن خميس أيضا مشاركاته البارزة في مدينة المنامة بمأتم القصاب في ليلة العاشر من محرم ، و بعد انتهاء العزاء عند الساعة الثالثة صباحا يقوم المعزين بالاستراحة في مأتم القصاب ، و يبيتون حتى صباح يوم العاشر ، حيث يقومون باستئناف العزاء مرة أخرى باليوم العاشر في المنامة ، حيث يكون الناس من سنة و شيعة في انتظار خروج ( حلقة أهل السنابس ) لمشاهدة و سماع الهوسات الرنّانة التي لا مثيل لها ،  ثم يرجعون عصرا لقرية السنابس لإحياء ذكرى عاشوراء .


و من أهم الهوسات التي ألقيتها في المنامة يوم العاشر و كان لها صدى واسع في البحرين ، لدرجة أنه تم إذاعتها في الراديو في الإذاعة الإيرانية ، فكان هذا ما قاله المذيع الإيراني ، حيث كان يقول :


" استمعوا إلى الشاعر البحريني " ، هذا قوله :


ثــورتك يـا حسيـن                    للعالـــم هــدايــة
ثـــورة لــجل الدين                   لا مطمع أو غاية
و الهـدف يا حسين                   مفهـــوم البـدايـة
لمّــــة لا تفــــريـق                   وحــــدة للنهـايــة
ثور يابن العسكـري                  و انشــــر الـرايـة


و قد كان لأهل السنابس كل الفضل للتطور الذي وصل إليه عزاء الديه في اليوم الحادي عشر من محرم في عصرنا الحاضر ، و تبدأ قصة عزاء اليوم الحادي عشر في الديه بأهل السنابس الذين كان يصيبهم نوع من التذمر أو الشكوى بعد انتهاء يوم عاشوراء، و تعتريهم حالة من الشوق لإحياء و تجديد مراسم عاشوراء، و ذلك بسبب حبّهم للعزاء ، و تعلّقهم الشديد بالإمام الحسين ( ع ) ، فكان يصعب عليهم أن ينقضي يوم عاشوراء بغروب الشمس ، فيشعرون بألم الفراق الذين يولّد لديهم الاحساس بالفراق عن الموكب الذي عشقوه ، و للحول دون وقوع ذلك و لتفادي هذا الافتقاد الذي يمتحنهم تم التنسيق بينهم و بين أهالي قرية الديه باعتبارها من أقرب القرى للسنابس، حيث كانت تربط بينهما صلة الجوار ، و كانتا تعتبران كقرية واحدة منذ ذلك الحين ، فكان مأتم بن خميس صباح يوم الحادي عشر يقوم بتحويل جميع الموارد البشرية و العينات المادية التي يمتلكها من السنابس إلى الديه ، و تنقل الأدوات و الآلات والمعدات اللازمة التي يعتمد عليها الموكب المتكامل و توضع قرب مأتم الديه الكبير، حيث تجهز الأكفان و الحبال و الطبول لموكب التطبير ، و الصناقل ذات السكاكين أو بدونها و السماعات لموكب الزنجيل و غيرها من الخيول و الجمال و الأسرى و الأعلام، حيث يخرج عصرا الموكب الموحد الذي يجمع بين أهالي السنابس و أهالي الديه ، و ظل  هذا المنوال مستمرا بين أهالي السنابس و أهالي الديه لسنوات طويلة ، ثم أتت المواكب الأخرى تدريجيا الواحدة تلو الأخرى من جميع قرى البحرين لإحياء اليوم الحادي عشر في قرية الديه حتى وصل عدد المواكب المشاركة ما بين 20   و 25 حلقة كحد أقصى، و كانت متفاوتة بين سنة و أخرى .


ثم أخذت هذه الفكرة في التداول بين الناس ، و لاقت بعض التشجيع و القبول ، مما جعل وجهاء القرى الأخرى يسعون لتبنى مثل هذه الفكرة و رعايتها حتى أصبحت بعض القرى مثل عالي التي كانت سابقة في هذا الميدان ، فحملت على عاتقها مسئولية استضافتها للمواكب الحسينية في اليوم الثاني عشر من محرم ،  و كان في طليعة هذه المواكب المشاركة هو موكب مأتم بن خميس .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع