(1) يؤسفني أن أقول أنّ أموراً جرت خلال الأعوام القليلة الماضية وأعتقد أنّ أيادي تقف وراءها، أموراً جرت أثارت الشبهات لدى كلّ من رآها، منذ القدم كان متعارفاً أن يربط الناس أيام العزاء أجسادهم بالأقفال ثمّ تحدَّث العلماء عن ذلك فزالت تلك العادة، واليوم ظهرت هذه العادة مجدّداً، ما هذا العمل الخاطئ الذي يقوم به البعض، والتطبير من جملة هذه الأمور، ويعتبر عملاً غير مشروع .
أعلم أن البعض سيقول لم يكن من المناسب أن يتحدّث فلان عن التطبير، وما دخله في الأمر، كان حرياً أن يدعهم يضربون الرؤوس بالقامات (السيوف)، كلاّ لا يصحّ ذلك، إنّه عمل خاطئ، البعض يمسكون بالقامات ويضربون بها رؤوسهم ليغرقوا بدمائهم، علام ذلك ؟ وهل يعتبر ذلك عزاء ؟ اللطم على الرؤوس هو العزاء، وعفوياً يلطم الذي نزلت به مصيبة، رأسه وصدره، هذا هو العزاء، العزاء الطبيعي، ولكن هل سمعتم أن أحداً راح يضرب رأسه بالسيف لفقده عزيزاً من أعزّائه ؟ هل يعتبر ذلك عزاءاً ؟ كلاّ، إنّه وهم، ولا يمتّ ذلك إلى الدين بصلة، وما من شك بأنّ الله لا يرضى بذلك . ربّما السلف من علمائنا لم يكن يستطيع أن يصرِّح بذلك، ولكنّنا اليوم نعيش حاكمية الإسلام وظهوره، فينبغي أن لا نقوم بعمل يجعل من المجتمع الإسلامي المحب لأهل البيت عليهم السلام والذي يفتخر باسم ولي العصر أرواحنا فداه وباسم الحسين بن علي (عليه السلام) وباسم أمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينبغي أن نجعله في نظر باقي مسلمي العالم وغير المسلمين يبدو وكأنّه مجتمع خرافي وغير منطقي . كلّما فكّرت في الأمر رأيت إنّني لا يمكنني السكوت عن هذا العمل الذي هو بالتأكيد عمل غير مشروع وبدعة، فليكفّوا عن هذا العمل، فإنّني غير راض عنه، إنّني غير راض من كلّ قلبي عن كل شخص يريد التظاهر بالتطبير.
لقد سطع المتحدّثون الشيعة كالشمس كلّ في عصر وزمان، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأنّ منطقهم ضعيف؛ ففي زمن أئمتنا برز رجال أمثال مؤمن الطاق وهشام بن الحكم وغيرهما، وبعد زمن الأئمة برز أمثال الشيخ المفيد وغيره، كما برز فيما بعد الكثير من المتحدّثين أمثال العلاّمة الحلّي وغيره، إنّنا أهل منطق واستدلال، انظروا إلى قوة كتب الاستدلال التي تتناول البحوث المتعلقة بالشيعة، ككتب المرحوم شرف الدين في زماننا، وكتاب الغدير للمرحوم العلاّمة الأميني في زماننا، أينما وجّهت وجهك ثمة استدلالات محكمة، هذا هو التشيّع، لماذا يروّجون لأعمال ليس فقط تفتقر للاستدلال بل إنّها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يتهدّد عالم الدين ومعارفه، وينبغي على حماة الدين والعقيدة الالتفات له .
كما ذكرت هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام ويقولون في أنفسهم كان يجدر بفلان أن لا يتحدّث في هذا الأمر، لا ! أنا من يجب أن يتحدَّث به، فمسؤوليتي أكبر من مسؤوليات الآخرين، طبعاً يجب على السادة العلماء أن يتحدّثوا بهذا الأمر أيضاً . نأمل أن يوفِّقكم الباري عزّ وجلّ لتبيان ما يرضاه بكلّ قدرة وشجاعة وجد ومثابرة لتكونوا على قدر المسؤولية بإذن الله تعالى .
(2) أريد أن أوضح هنا لجميع الحريصين والمهتمين بنشر الإسلام، أن النقطة المضادّة لهذا الانتصار هي ما يعرضه البعض من خرافات باسم الإسلام، والعداء الأكبر الذي يواجهه الإسلام في هذا المجال هو أن يشيع البعض الخرافات باسم الإسلام، وباسم دين اللّه، وباسم محبة أهل البيت، فتؤدي بمن يطلع عليها إلى رفض الإسلام، وفي هذا ضرر كبير على الدين . عرضت قبل سنتين أو ثلاث رأياً في موضوع التطبير، وفي الآونة الأخيرة ذكر لي أحد الأشخاص أمراً غريباً ومثيراً للدهشة وهذا الشخص له معرفة بشؤون الاتحاد السوفيتي السابق وبالأقاليم التي يقطنها الشيعة (جمهورية أذربيجان) ذكر أن الشيوعيين حينما كان زمام الأمور بأيديهم في منطقة أذربيجان أزالوا جميع مظاهر الإسلام هناك؛ فأحالوا المساجد إلى مخازن، والحسينيات والأماكن الدينية الأخرى حولوها إلى استخدامات أخرى، ولم يبقوا أثراً للإسلام والتشيّع، وسمحوا بشيء واحد فقط وهو التطبير! وكانت أوامر الزعماء الشيوعيين إلى المسؤولين تقضي بمنع المسلمين من أداء الصلاة، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن، وإقامة شعائر العزاء، ومنعهم من ممارسة أي نشاط ديني، مع السماح لهم بالتطبير !
ويعود سبب ذلك إلى أن التطبير كان وسيلة دعائية بأيديهم يستخدمونها ضد الإسلام وضد التشيّع، ومعنى هذا أن العدو يستثمر أمثال هذه الممارسات أحياناً ضد الدين. والخرافات حيثما كانت تشوّه الصورة الناصعة للدين . على العلماء، والمبلغين، والمفكرين، والحريصين على نشر الإسلام، ومحبي الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) أن يلتفتوا إلى أن الإسلام والقرآن يتميز بقوة المنطق والبرهان، وأنّ مذهب أهل البيت مذهب الاستدلال ورصانة المنطق. ولو حذف منه البرهان المنطقي وحل محله (لا سمح اللّه) شيء آخر بعيد عن البرهان المنطقي ويتسم بصبغة خرافية، فسيكون له فعل مضاد تماماً لفعل البرهان المنطقي. إذن فالأداة الأساسية لسيادة الإسلام وغلبته على الأديان والشعوب والبلدان هو عبارة عن البرهان المنطقي، إضافة إلى العدالة الاجتماعية .
(3) إنّ فقهاءنا يبذلون دقّة متناهية بشأن المسألة الفقهية حتى وإن كانت في غاية البساطة، فيدققون في وثاقة راويها، ويناقشونها ويمحصونها وينقحونها كي يثبتوا إمكان التعويل عليها أو رفضها، وإذا تمّ التعويل عليها نستنبط منها حكماً فقهياً جزئياً في باب الطهارة أو غيره من الأبواب الفقهية العبادية، فإذا كنا نبذل كل هذه الدقّة في هذه الأبواب، فكيف يَسوُغ لنا في باب المعارف والعقائد الفكرية والعاطفية أن نثق بكل حديث أو رواية أو كلمة نواجهها؟ إنّ هذا لا يمكن قبوله، فمن الضروري أن نتقن ما نريد نقله أو قوله أو بيانه للناس كمادة علمية وعقائدية، فلابد من العمل على ذلك وليس هذا بالأمر الهيّن، بل هو في غاية التعقيد، ولا يتأتّى من خلال عقد اجتماع أو تشكيل لجنة أو مؤسسة، وإنما هو بحاجة إلى همّة وإرادة جادّة من قِبَل النُخب من العلماء والفضلاء، بأن يصرّوا على ذلك ويتمسكوا به ويتابعوه، ولا يخافوا في ذلك لومة لائم .
لقد ذكرنا قبل سنوات أموراً حول التطبير الذي هو من الأمور الواضح بطلانها والبَيّن غَيّها وأيَدَنا فيها كبار العلماء واقتنع بها كثير من الناس، ومع ذلك سمعنا مَنْ أثار ضجّة واتهمنا بمخالفة الإمام الحسين (عليه السلام) (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، هل يعني أنْ نأتي بفعل لاشك في أنه مَحَل إشكال من الناحية الشرعية، وَبيّن الحرمة بالعنوان الثانوي ؟ علينا بيان هذهِ الأمور، حتى ينجذب جيل شبابنا إلى الإسلام أكثر فأكثر، فها أنتم تشاهدون ميل الشباب إلى الإسلام .
التعليقات (1)
معترض
تاريخ: 2007-02-01 - الوقت: 04:03:53لم يمنعوا في الأتحاد السوفيتي التطبير لأنهم لم يستطيعوا وكانوا خائفيا وكبار كبار المراجع أباحوا التطبير