نقل المرحوم آية الله الآخوند ملاّ علي الهمداني عن أستاذه آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله) وهو مؤسس حوزة قم المقدسة المتوفى سنة 1355 للهجرة:
لما كنتُ في كربلاء أدرِّس العلوم الدينية كتابة اللمعة (في الفقه) شاهدتُ بين الطلبة شاباً رأيته لأول مرة ولم أكن أعرفه. فكّرتُ في نفسي أن حضوره في الدرس قد لا ينفعه، إذ لعله لم يدرس المقدمات والآداب العربية التي تمكّنه من دراسة هذا الكتاب. ثم فطنتُ يوماً لغيابه عن الدرس، وبعد خمسة عشر يوماً حضر مرة ثانية.
سألته: أين كنتَ هذه المدّة، ولماذا لم تحضر الدرس؟
ففاجئني بقوله: ما فائدة سؤالك هذا؟!
قلتُ: إن من تعاليم الإسلام إذا غاب صديق أياماً، نسأل عن حاله.
قال: هذا السؤال يصحّ إن كنت مريضاً أو مبتلياً بمشكلة ما فتسأل الغير عنّي! وإذا حضرتُ انتفى مبرِّر السؤال.
قلتُ: الآن اعتبر سؤالي من هذا الباب، فإما تأتيني ضيفاً أو آتيك ضيفاً!
فقال الشاب (المجهول الهوية): أنا آتيك إلى بيتك ضيفاً، ولكن بشرط أن تقدم لي ما هو الموجود ولا تتكلّف. فقبلت الشرط. وخرجتُ بعد الدرس متجهاً نحو البيت، لأعدّ طعاماً لهذا الضيف سألتُ زوجتي: هل عندنا طعام اليوم؟
قالت: ليس عندنا شيئاً.
وحيث لم يكن لديّ مال، وكانت عندي أمانة لأحد أصدقائي بمقدار (25) قِراناً، وكان قد أجازني التصرف فيها عند الاضطرار. أخذتُ شيئاً منها واشتريتُ خبزاً مع كباب، وقسمته إلى قسمين، قسم لي ولضيفي والآخر لعائلتي. وبيتي في كربلاء عبارة عن غرفة واحدة استأجرتها، وهي مفصولة بستار.
فعند الظهر سمعتُ الضيف ينادي: يا الله، (علامة لوصوله لدى الباب). فدخل وأحضرتُ المائدة وفيها الكباب والخبز، ولكنه لم يمد يده إلى ذلك، بل أخذ يأكل من بقايا خبز كان على المائدة عندنا من قبل وقليل من اللبن (الرائب) كنا عثرنا عليه في البيت من مخلفات يوم سابق.
قلتُ له: تفضّل كُل من هذا الخبز والكباب الساخن.
قال: لا آكل من هذا، لأنك وافقتَ على شرطي بأن لا تكلّف نفسك وتتزاحم.
قلتُ: لم يكن إعداد هذا الطعام تكلفاً وزحمة.
قال: كيف لم تتكلف، والحال أنك أخذتَ من الأمانة المودعة عندك واشتريتَ بها هذا الخبز والكباب! من أين تعلم أنك تعيش حتى تؤدي أمانة صديقك؟!
فأصبحتُ بكلامه وكأني سقطتُ من السماء إلى الأرض! أصبحتُ متحيرا ومدهوشاً كيف عرف ذلك؟!
يقول المرحوم الشيخ الآخوند ملا علي الهمداني - ناقل هذه القصة - : قلتُ لأستاذي الشيخ الحائري مفسِّراً هذه القصة:
أيها الشيخ، بما أن صاحب الزمان (عليه السلام) كان يريد إعطاء راية (المرجعية) بيدك، فقد أرسل إليك واحداً من تلامذته وأصحابه ليقول لك: كن مراقباً لحالك!
التعليقات (0)