بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمَّد
نكاح الصغيرة بل والرضيعة أمر جائز بنظر فقهاء الشيعة وقد استندوا في ذلك على الكثير مما ورد من روايات عن الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته (ع).
إلا أن الجواز بنظرهم منوط بأمرين:
الأول: إذن الولي والذي هو الأب والجد من جهة الأب.
الثاني: أن يكون تزويجها مناسباً لمصلحتها، بمعنى أنه لا يجوز لولي الصغيرة الإذن في تزويجها ما لم يكن ذلك مناسباً لمصلحتها.
والحكم بجواز نكاح الصغيرة لا يختص به فقهاء الشيعة بل أن فقهاء السنة يفتون أيضاً بجواز نكاح الصغيرة بل والرضيعة أيضاً .
ومن شاء فليراجع مصادرهم الفقهية ومجاميعهم الروائية فإنه سيجد ذلك جليّاً، فلا معنى لتهريج بعض من لاحظَّ له من العلم على الشيعة بعد أن كان الحكم بالجواز ليس من مختصاتهم.
ونحن هنا سننقل بعض ما ورد في كتبهم لتوثيق ما ادعيناه:
1- ورد في كتاب روضة الطالبين لمحي الدين النووي ج4 ص379.
"يجوز وقف ما يراد لعينٍ تستفاد منه كالأشجار للثمار ...... كما يجوز نكاح الرضيعة"
2- ورد في كتاب المبسوط للسرخسي ج4 ص212
"نكاح الصغير والصغيرة (قال) وبلغنا عن رسول الله (ص) أنه تزوَّج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين .. ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير و الصغيرة بتزويج الآباء.."
3- ورد في كتاب المبسوط للسرخسي ج4 ص 212
قال: "فإن قدامة بن مظعون تزوَّج بنت الزبير رضي عنه يوم وُلدت، وقال إن متُّ فهي خير ورثتي وان عشت فهي بنت الزبير رضي الله عنه وزوَّج ابن عمر بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير، وزوَّج عروة بن الزبير بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران وزوَّجت امرأةُ ابن مسعود بنتاً لها صغيرة ابناً للمسيَّب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله"
4- نقل السرخسي في كتاب المبسوط ص214 ج4 أن "رسول الله (ص) زوَّج بنت عمه حمزة رضي الله عنه من عمر بن أبي سلمة وهي صغيرة" قال: "والآثار في الجواز مشهورة عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضوان الله عليهم".
هذا وقد نقل ابن رشد القرطبي في كتاب بداية المجتهد ج2 ص28 الاتفاق بين علماء السنة على جواز نكاح الصغيرة واستدلَّ على ذلك بما ثبت "(أن رسول الله (ص) تزوج عائشة" وهي بنت ستٍ أو سبع...)
وهذا الحديث رواه البخاري (9/190) في كتاب النكاح باب إنكاح الرجل ولده الصغار ج5133 ورواه مسلم (2/1039) في باب تزويج الأب البكر الصغيرة ج(70،72/1422).
5- ورد في كتاب المغني لعبد الله بن قدامة ج9 ص210.
"لو تزوج كبيرة وصغيرة ولم يدخل بالكبيرة حتى أرضعت الصغيرة في الحولين حرمت عليه الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة"
فالنص صريح في المفروغية عن جواز نكاح الرضيعة والبحث إنما هو فيما لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الأخرى الرضيعة.
وهذا الفرع مذكور في أكثر كتب الفقه عند السنة. منها حاشية رد المحتار لابن عابدين ج3 ص214.
ومنها روضة الطالبين لمحي الدين النووي ج6 ص434. وقريب من ذلك ما ورد في كتاب المجموع لمحي الدين النووي ج16 ص316.
هذا بعض ما ورد في كتب علماء السنة فيما يتصل بنكاح الصغيرة، ولأنه لا يسعنا استيعاب ما أوردوه في ذلك نظراً لضيق الوقت وخشية الإطالة فإننا ندعو كل من أراد المزيد أن يراجع كتبهم الفقهية المطولة في باب النكاح.أرضع
وبذلك ننتهي إلى أن المسلمين سنة وشيعة لا يختلفون في جواز نكاح الصغيرة حتى ولو كانت رضيعة وعليه لا يصح لأبناء السنة التهريج على الشيعة والانتقاص منهم بعد أن كان الحكم بالجواز اجماعياً بين المسلمين وبعد أن ثبت أن الرسول الكريم (ص) والصحابة لا يرون بأساً في ذلك"
منشأ الاستيحاش من الحكم:
استكمالاً للبحث نرى أن من المناسب الوقوف على مناشيء الاستيحاش من الحكم بجواز نكاح الصغيرة.
المنشأ الأول: هو توهم ان جواز نكاح الصغيرة يساوق جواز وطئها. وهذا التوهم خاطيء، إذ أن علماء الشيعة مجمعون تبعاً للأدلة على عدم جواز وطأ الصغيرة حتى تبلغ تسع سنين هذا لو كانت تقوى على المعاشرة في هذا السن وإلا فيحرم إيذاؤها بالمعاشرة وتترتب على ذلك عقوبة مقرَّرة على الزوج لو ترتبت على معاشرتها بعد البلوغ جنابةً، هذا بالإضافة إلى العقوبة الإلهية يوم القيامة.
المنشأ الثاني: أن تزويج الصغيرة منافٍ لمصلحتها غالباً، وذلك لأن تزويجها سيمنعها من الاستمتاع بطفولتها وهو واحد من حقوقها.
والجواب عن ذلك: هو إننا قد ذكرنا في أول البحث أن جواز تزويج الصغيرة مشروط بمناسبة ذلك لمصلحتها، ومعنى ذلك أن الزواج إذا لم يكن مناسباً للمصلحة فهو غير جائز.
والشرط المذكور لو سلمنا بندرة وقوعه إلا أن ذلك لا يمنع من اتفاق وقوعه والأحكام الشرعية مجعولة على الموضوعات المفروضة، فمتى اتفق تحقق الموضوع ترتب عليه الحكم ومتى لم يتفق وقوع الموضوع ولو كان ذلك للأبد فإن الحكم المذكور سيظل منتفياً.
على أن المصلحة من تزويج الصغيرة قد تتفق ولو في حالات نادرة كما لو افتُرض أن الولي كان عاجزاً عن تدبير شئون الصغيرة ولم يجد من أحدٍ يرعاها وهو يخشى أن يموت فتضيع ابنته وفي ذات الوقت وجد رجلاً في مقتبل العمر صالحاً سويَّاً قادراً على رعايتها وهو يرغب في الزواج منها مع إحراز أنه لن يعاشرها ما لم تبلغ السن المناسب لذلك، فحينئذٍ أي محذور عقلائي يمنع من تزويجها منه.
وأما أن ذلك سيمنعها من الاستمتاع بطفولتها فغير تام لافتراض أنها صغيرة لا يلزمها شرعاً الوفاء بالحقوق الزوجية، فالزواج لن يمنعها من العبث واللعب مع الصغيرات من أترابها وليس للزوج الحق في منعها من ذلك كما أنه لن يمنعها نظراً لافتراض أنه صالح سوِّي.
على أنه يمكن للولي أن يشترط على من يريد التزوُّج منها أن يبالغ في توفير أسباب الاستمتاع بالطفولة لها وحينئذٍ يكون على الرجل لو قبل بالشرط الالتزام بمقتضاه.
المنشأ الثالث: أن في تزويج الصغيرة تضييع لحق البنت في تقرير مصيرها بعد البلوغ حيث أنها ستجد نفسها في عهدة رجلٍ قد لا يكون مقبولاً عندها.
والجواب عن ذلك أنَّه لو اتفق عدم قبولها بالرجل الذي اختاره وليُّها لها.
فإن ثمة وسائل تتمكن بواسطتها من التخلُّص من عقد النكاح، فلها أن تطالب زوجها بتطليقها ولها أن تُخالعه، فإذا افترضنا أن زوجها كان صالحاً سوَّياً فإنه لن يجبرها على البقاء عنده والمفترض أنه لم يعاشرها قبل البلوغ.
على أنه لو اتفق أنه امتنع من ذلك فلها الحق شرعاً أن ترفع أمرها للقضاء ليفصل في قضيَّتها.
المنشأ الرابع: ان في تزويجها مصادرة لحقها في اختيار شريكها، لأنَّها في زمن صباها لم تكن تُحسن تحديد مصلحتها.
والجواب عن ذلك انه قد قلنا أن تزويجها في زمن الصبى لا يفرض عليها أي مسئولية كما أنه لا يُلغي خياراتها بعد البلوغ كما اتضح ذلك مما تقدم.
المنشأ الخامس: انه لانتعقل تسليط الولي على توريط بنته بزواج قد لا يكون موفَّقاً في مستقبل الأيام ومجرَّد إعفائها من مسئولية الزواج في زمن الصبى لا يبرِّر ذلك.
والجواب عن ذلك أن المفترض هو أن وليَّها هو أبوها أو جدها من جهة الأب وهما من أحرص الناس وأكثرهما شفقة على ابنتهما فلن يدخرا جهداً في اختيار ما يُصلحها.
على أن الولي ليس مطلق اليد في ذلك بل يلزمه رعاية مصلحتها دون مصلحته، وتزويجها ليس القاءً لها في مسبعة، فأيُّ محذورٍ في أن يختار لها صبياً أو رجلاً صالحا عاقلاً ويكون لها بعد ذلك تمام الحقوق الزوجية من صداق مسكن ونفقة وميراث ولا تكون مُلزَمة بأيِّ حقٍ من الحقوق الزوجية ثم يكون لها بعد ذلك ان تفكَّ عقد النكاح بوسائل مقررة في الشريعة.
المنشأ السادس: ان الفقهاء يفتون بجواز الاستمتاع بالصغيرة بما دون الوطء، بمعنى انه يجوز للزوج تقبيل الصغيرة ولمسها بشهوة كما يجوز تفخيذها، وكلُّ ذلك مستبشع في حق الصغيرة.
والجواب عن ذلك أن الاستمتاع بالصغيرة خصوصاً لو كانت رضيعة أمر لا يكاد يتفق وقوعه، ذلك لأن الأسوياء من الناس لا يستثيرهم من الصغيرة شيء، فإذا افترضا حرص الولي على تزويج ابنته من رجل صالح سوي فإنه سيكون في مأمن من وقوع ذلك.
فالحكم بالجواز أمر افتراضي محض، على أن للولي أن يحتاط لذلك فيشترط على من يريد التزوُّج من ابنته الصغيرة عدم الاستمتاع بها في زمن الصبي.
ثم إن الاستبشاع المذكور ليس له مبرر واقعي فليس في تقبيل الزوج لزوجته الصغيرة أو حتى تفخيدها ما يبَّرر الاستبشاع، إذ إن ذلك لن يُنتج إيذاءها لو خشي من أنه سيُنتج الإيذاء الجسدي أو حتى النفسي فإنه سيصبح حراماً بالاجماع.
فالاستبشاع إنما نشأ عن أن مثل هذا الفعل ليس مألوفاً، وطبع الإنسان هو الاستيحاش من كل ما هو غير مألوف عنده، ولذلك تجد المجتمعات يختلف تقييمها للأشياء، فتجد أن بعض الأطعمة يستقذر أكلَها بعضُ المجتمعات في حين أنها مستساغة في مجتمعات أخرى، وتجد أن بعض السلوكيات مُستقبحة عند بعض إلا أنها مُستحسنة في مجتمع آخر، فذبح الحيوان وتناول لحمه أمر مستبشع عند بعض المجتمعات في حين أن مجتمعاتٍ أخرى مُستساغٌ ومألوف.
وذلك يعبِّر عن الاستبشاع والاستحسان خاضعان في أحيانٍ كثيرة لعوامل لا صلة لها بالواقع وإنما هي ناشئة عن التربية والثقافة والعادات؛ولذلك تجد أن المجتمع الواحد يتباين تقييمه للأشياء بتقادم الزمن، ذلك لأن ثقافته قد طرأ عليها شيء من التغيير.
وعلى أيِّ حال فالإسلام وان أباح الاستمتاع بالزوجة الصغيرة إلا أنه لا ينفي مرجوحية هذا الفعل ذلك، لأنه لما لم تصل المرجوحية لمرتبة المفسدة التامة فإنه لا يصح الحكم بالحرمة، على أن ذلك هو الحكم الأولي للاستمتاع بالصغيرة، بمعنى أن الاستمتاع بالصغيرة جائز في حدِّ نفسه إذا لم يتعنون بعناوين أخرى طارئة أما لو طرأت عليه عناوين تُوجب وقوع المفسدة الشديدة من الاستمتاع فإنه سيصبح بذلك محرماً شأنه شأن الكثير من الأفعال تكون مباحة في حدِّ ذاتها إلا أنها تكون محرمة بالعنوان الثانوي.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
14 ذو القعدة 1426هـ
التعليقات (0)