شارك هذا الموضوع

قراءة في خطاب الرئيس أحمدي نجاد

بعد دعوته لإزالة إسرائيل من الوجود
قراءة في خطاب الرئيس أحمدي نجاد


بدلاً من الإشارة إلى القضية الأساسية المتمثلة بالعدوان الصهيوني على الفلسطينيين يشير الغرب إلى أسطورة مُختَلَقة عن مذبحة تعرض لها اليهود، لقد اختلقوا هذه الأسطورة ووضعوها في مكانة أعلى من الله والدين والأنبياء أنفسهم حيث أنه إذا شكّك أحدٌ في بلادهم بالله فإنهم لا يفعلون شيئاً، لكن إذا انتُقِدَت خُرافة مجزرة اليهود تبدأ أبواق الصهاينة والحكومات التي تعمل لحسابهم بالزعيق، فإذا كان ما تقولونه صحيحاً أيها الأوربيون بأنكم قتلتم وأحرقتم ستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية، فلماذا يكون على الفلسطينيين إذاً دفع ثمنها ؟ لماذا جئتم تحت ذريعة هذه المجزرة إلى قلب فلسطين والعالم الإسلامي ؟ لقد قُلت سابقاً وأقولها الآن ..


أعطوهم قطعة من أرضكم في أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا أو آلاسكا ليقيم اليهود دولتهم عليها، وكونوا على ثقة بأنكم إذا فعلتم ذلك فان الشعب الإيراني لن يحتج عليكم بعد الآن وسيدعم قراركم، وإنني أقول لمن يصفني بأنني عاجز عن مواكبة الحضارة العالمية المعاصرة : إن كانت حضارتكم عبارة عن عدوان على البلدان وتشريد للشعوب المظلومة وخنق أصوات الدعاة للعدل وتكريس الفقر في العالم من أجل تحقيق الرفاه لأنفسكم، فإننا نهتف بأعلى صوتنا بأننا نرفض حضارتكم الخاوية هذه " .


كان هذا جزءً من خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي ألقاه الأربعاء المنصرف في أهالي مدينة زاهدان (جنوب شرق) مركز محافظة سيستان وبلوشستان حيث تجتمع هناك حكومته الخميس المقبل .


وقد لا يكون الأمر مستغرباً لأي متابع للتوجهات اليمينية في إيران تجاه هذه التصريحات الجريئة إلى الحدّ الذي روّجت له وسائل الإعلام، فالرئيس أحمدي نجاد الذي فجّر أول قنبلة له خلال مؤتمر " العالم بدون صهيونية " الذي عُقِدَ في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الفائت والذي دعا فيه إلى إزالة إسرائيل؛ لم يكن ليقل جديداً في هذا الموضوع، فإيران الجمهورية والإسلامية اعتادت أن تنتهج أقصى درجات الراديكالية في الملف الفلسطيني، وما يختزله هذا الملف من تقابل وإذكاء لصراع بين عنواني الشرق والغرب أو الخير والشر، وهو بالتالي يُمثّل ركناً أساسياً في السياسة الخارجية لطهران، لأنه بوابة حيوية للوصول إلى قلب العالمين الإسلامي والعربي، إن على مستوى الأنظمة السياسية أو على مستوى الحركات والنخب أو حتى الجماهير، فإيران وخلال تعاطيها مع قضية الصراع العربي الصهيوني لم تكتف فقط بدعم حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامية وباقي المنظمات الفلسطينية المسلحة بل دخلت على خط المباشرة السياسية في الكثير من المرات، عبر اعتماد مبدأ الأولوية حسب الضرورة والأهمية وعلى أساس قاعدة التوسّع والتدرج، أبرزها المقترح الذي قدّمه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإمام الخامنئي بأن يتم إخراج كافة اليهود والمسيحيين والمسلمين الذين استوطنوا فلسطين بعد احتلاها ويُجرى استفتاء السكان الأصليين على طريقة الحكم الذي يرغبون فيه.


علاقة إيران بفلسطين
كانت علاقة الثورة الإسلامية وقبلها الإمام الخميني بالقضية الفلسطينية قديمة قِدَمَ القضية نفسها، فمنذ أن انطلق الإمام في حركته الدينية والسياسية منذ نهاية الخمسينيات وهو يتناول قضية فلسطين بخطاب يستبطن في داخله نهج سياسي وديني خاص، وفي العام 1968 بيّن الإمام موقفه الفقهي المُؤَصّل بالتالي " كنت قد ذكرت سابقاً أن إقامة دويلة إسرائيل الغاصبة خطر عظيم على الإسلام والدول الإسلامية والذي يُخشى منه أن يهمل المسلمون هذا الكيان ويضيعوا الفرصة من بين أيديهم وبعد ذلك لا يمكنهم فعل شيء، وبما أن الخطر على الإسلام موجود فيجب على الدول الإسلامية خصوصاً وسائر المسلمين عموماً أن يدفعوا جرثومة الفساد هذه بأي نحو كان وان لا يقصروا بمساعدة العاملين لهذا الغرض، ويجوز الصرف من الزكاة وسائر الصدقات لهذا الأمر " وفي العام 1971 أصدر الإمام رأياً فقهياً آخر " من الراجح بل الواجب، تخصيص قسم من الحقوق الشرعية من الزكاة وحق الإمام، بما فيه الكفاية، للمجاهدين في سبيل الله، المرابطين في خطوط الشرف والمجد للقضاء على الصهيونية الكافرة اللاإنسانية واستعادة المجد الإسلامي الجريح وتعزيز التاريخ الإسلامي المشرق، وعلى كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبذل كل جهوده في هذا السبيل " .


وطوال سنوات صراعه السياسي مع الشاه كان الإمام يربط بينه وبين (إسرائيل) وكأنهما متلازمان، وعندما كان في منفاه بتركيا أو النجف الأشرف أو نوفل لوشاتو دائماً ما كان يُردد بأن إسرائيل هي في حالة حرب مع الدول الإسلامية، فكان هذا التأصيل هو ذاته الذي حَكَمَ العلاقة بين النظام الثوري والقضية الفلسطينية لاحقاً، ثم إن حركة الإمام الخميني السياسية ارتبطت أكثر بالملف الفلسطيني عبر قدوم المتطوعين الإيرانيين للتدريب في المعسكرات التابعة للمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، حيث شكّل ذلك سلسلة علاقات تنظيمية وسياسية بعد المتحاربين فكان هناك مصطفى جمران ومحسن رضائي ورحيم صفوي، وبعد انتصار الثورة الإسلامية أُغلقت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية ومكاتبها في تبريز وأصفهان وتم ترحيل موظفيها وأولهم يوري لوبراني الذي كان قائماً بأعمال السفارة الإسرئيلية في طهران، ثم خُصّص مقر السفارة الإسرائيلية السابق ليكون مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسكناً لممثلها عند وصوله إلى طهران، ثم أصدر الإمام قراراً يقضي بوقف أي شحنات أو منتجات بترولية إلى إسرائيل وأعطى توجيهه لرئيس الوزراء المؤقت آنذاك المهندس مهدي بازركان بتخصيص مبلغ خمسين مليون دولار دعماً للمقاومة الفلسطينية، ورغم الجفاء الذي لحق العلاقة ما بين الإيرانيين ومنظمة التحرير الفلسطينية بسبب موقف الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية؛ إلاّ أن العلاقة استمرت مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، ثم تصاعدت حدة الخطاب الإيراني أكثر بعد مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، واتفاقات أوسلو 1993، ثم خفّت إلى حدٍّ ما بعد أحداث 11 سبتمبر وحادثة سفينة كارين إي في إبريل 2002 بسبب الضغوط المتصاعدة ضد طهران .


لماذا قال نجاد ذلك
واجهت تصريحات أحمدي نجاد انتقادات من قبل منتسبي الثاني من خرداد الإصلاحي، الذين اعتبروا تلك التصريحات بأنها ستخلق لإيران متاعب اقتصادية وسياسية مع دول العالم، إلاّ أن الرئيس أصرّ على تصريحاته خلال مسيرات حاشدة طافت العاصمة طهران بعدها بأيام، لذا فإن التساؤل الذي يُتداول هو : لماذا قال نجاد ذلك :


1. إن الرئيس محمود أحمدي نجاد المنتمي هوىً إلى النفَس اليميني المحافظ وتنظيمياً إلى رواد إعمار إيران الإسلامية يعتقد بأن الحكومات الأربع التي تلت مرحلة الحرب العراقية الإيرانية وقعت في تجاوزات كبيرة عبر الخلط ما بين الجانب الجمهوري للنظام وبين الآيدلوجيا المؤسِّسَة لها، ثم تفاقمت أكثر بقدوم الإصلاحيين في مايو 1997 ثم الإصلاحيين المتطرفين في يونيو  2001، الذين بدأوا في سحب إيران عن مواقع الأحداث الإقليمية تحت عناويين براجماتية وقومية، وكانت الأحزاب المحافظة حينها تقاتل بقوة لقطع الطريق أمام تلك المساعي، معتبرين أن إبعاد إيران عن ملفات إقليمية تحمل صبغة آيدلوجية سيوقعها في مآزق أخلاقي وأزمة ضمير ستفضي بلا شك إلى الإضرار بمصداقية إيران في العالم الإسلامي، ومن ثم انسحاب قطاعات شعبية واسعة من تحت ردائها وتكوين اصطفاف جديد ربما يكون هذه المرة تحت النفوذ السلفي المتطرف، وبالرجوع إلى النص الكامل لأهداف أقصى اليمين المحافظ أو التعميريين، سنرى بأنهم ينوون إلى إعادة تمركز الوجود الإيراني في الملفات الساخنة للعالمين العربي والإسلامي (فلسطين، أفغانستان، والعراق) وتحت عناوين تقليدية .


2. بالرجوع إلى توقيت تصريحات أحمدي نجاد الثلاثة ضد إسرائيل سنرى أنها تأتي متزامنة مع تطورات التصعيد الدولي ضد سوريا والدعوات المتعاظمة لنزع سلاح حزب الله، وبالتالي فإن هذه التصريحات قد خلقت جواً من الإرباك في التعاطي الدولي مع ملفات المنطقة سمح بانحسار الضوء ولو جزئياً عن سوريا وعن ملف المقاومة الإسلامية في لبنان، إضافة إلى ذلك فإن أحمدي نجاد قد أراد من تلك التصريحات استنهاض الجماهير العربية والمسلمة المحبطة وإعادة تفعيل ثقافة التحشيد الشعبي إلى الواقع بعد انزوائها إلى الظل مدة ثلاثة عقود، وهو ما يعني تحريك تلك الورقة لتشتيت أي جهود أمريكية في المنطقة، ولتكثير مشاريع المناهضة للسياسات الأمريكية الرامية إلى تشكيل شرق أوسط كبير يضم إسرائيل .


3. فجرت تصريحات أحمدي نجاد الحديث في أوربا من جديد حول حسم قضية اليهود التي لا زال الأوربيون يلتزمون تجاهها بعدة اعتبارات قانونية غير محسومة، وقد كَتَبَ هنريك إم برودر في صحيفة ذي فولت الألمانية مقالاً قال فيه بأن فكرة الرئيس الإيراني حول نقل إسرائيل إلى أوروبا هي فكرة صحيحة، لأنها ستحل المشكلة التي خلقتها بعد سنوات عديدة، مضيفاً بأن أزمة الشرق الأوسط الحالية هي جزء من الخسائر المتبقية من الأزمة المعادية لليهود التي خلقها الأوروبيون، وأن الفلسطينيين يدفعون اليوم ثمن جرائم الأوروبيين، وإذا كانت هناك عدالة تاريخية في هذا العالم فان إسرائيل يجب أن تقوم في ولاية شلزويك حول هول اشتاين أو بايرن الألمانيتين وليس في فلسطين، وأن هذه الفكرة من الناحية التاريخية ليست مهملة بالشكل الحالي الذي يتعامل معها ولم يكن واضحاً في الحركة الصهيونية خلال فترة طويلة أن حكومة إسرائيل في أي مكان ستقام، وبالتالي فإن تصريحات نجاد نفضت الغبار عن واحد من أهم الملفات التاريخية العالقة في أوربا وربما نسمع خلال الأيام القادمة تصريحات مماثلة من حركة ناطوري كارتا اليهودية المناوئة إسرائيل .


4. أدرك أحمدي نجاد أن حجم الضغوطات الأمريكية والأوربية على إيران قد وصل مداه وإن محاولة مواجهة هذه الضغوط عبر إحداث فجوة في الطوق باستخدام العامل الديني بلحاظ التحول الحاصل في طبيعة القوة وتوزيعها سيكون مفيداً، والتعميريون يدركون بأن القدرة النظامية كانت ذات يوم هي مصدر القوة الوحيد إلى ما بعد اتفاقيات وستفالي القائمة على القوة المحاسبة والمعاقبة، إلاّ أنه وبسبب تغيّر الخطاب في العالم نتيجة التفاعلات الإقليمية للصراعات، فقد اتجهت الدول للعمل عبر اللوبيات المتحالفة مع التناقضات والأضداد لأنها تخدم المعارك ذات ذخيرة تسمح باستمرارها لعدة أسابيع بل أشهر، مع الحرص على خلق الفرص وسن القواعد فيها لأن عامل النجاح في السياسة الخارجية يزداد مع تزايد نسبة الفعل والتفاعل فيها خصوصاً وأنها قائمة على أساس الأهداف والمصالح الطويلة الأمد، وقد رأى أحمدي نجاد بأن خطابه يجب أن يُضفي المعنى على الأفعال والأفكار الاجتماعية في الحياة السياسية لاستجلاب أكبر مقدار من المصداقية لأن الخطاب هو قاعدة تجد السياسة الخارجية فيه معناها باستخدام الوسائل الرباعية (الدبلوماسية، القوة النظامية، الثروات الاقتصادية والأدوات الثقافية الإعلامية) .


إن تصريحات أحمدي نجاد ومن منظار اللوبيات قد خلقت اصطفاف جديد في المنطقة دفع الفصائل الفلسطينية وأبرزها حماس لأن تُعلن تأييدها المطلق لتصريحات الرئيس مُعلنة تكثيف الحرب على إسرائيل في حال تعرضت طهران لأي هجوم من تل أبيب، وهو ما يعني تغير في معادلة الصراع بانجذاب أطراف نحو بعضها.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع