في يوم الأربعاء الماضي إنطلقت المسيرة الجماهيرية التي شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين، رجالاً و نساءً، شيوخاً و أطفالاً، من عامة الناس و العلماء و الأكاديميين و غيرهم، و قد شكلت المشاركة الضخمة للجماهير و العلماء صورة رائعة من صور وحدة الكلمة و الموقف في الدفاع عن الدين و أحكامه و مقدساته.
شكر الله تعالى سعي الجميع في هذا الدفاع الحاشد عن الدين، و أجزل المثوبة و عظم الثواب و الأجر للجميع إن شاء الله تعالى.
و هنا تجدر الإشارة الى النقاط التالية:
النقطة الأولى: تلبية نداء الدين في المسيرة
لقد لبي الناس في هذه المسيرة نداء الدين الذي يطالب كل مسلم و مسلمة بالدفاع عنه و عن أحكامه و ثوابته عندما تتعرض للأخطار المحتملة، الخطر الذي يهدد أحكامه – في الوقت الحاضر – من ناحية قانون الأحكام الاسرية، الذي حتى اذا كان موافقاً في نصه الفعلي لأحكام الشرع لكنه لا يؤمن من موافقته له مستقبلاً، إذا تم إقراره بآلية تعطي الحق لنفس الآلية بإستحداث التغيير الى ما يخالف الشرع. و هذا يؤكد ان الناس متى ما شعروا بكون دينهم و مقدساتهم الدينية في معرض الخطر، فإنهم لن يتهاونوا – إن شاء الله تعالى – في الدفاع عنها.
النطقة الثانية: المطالبة بالضمانات الدستورية عمل بالتكليف الشرعي
إن إصرار العلماء قاطبة منذ أمد بعيد على ضرورة وجود الضمانات الدستورية المطمئنة بعدم تعرض القانون مستقبلاً للتحريف عن مساره الشرعي ينطلق من العمل بالتكليف الشرعي الذي يطالب به كل مسلم و مسلمة، من النهوض للدفاع عن أحكام الدين عند الشعور بالخطر عليها.
و من هنا جاءت المسيرة بهذه المشاركة الضخمة من الجميع لتؤكد على هذا المبدأ الثابت.
النقطة الثالثة: لا يتهاون الناس في الدفاع عن دينهم
إن امر الدين و أحكامه ليس كمسائل الشأن السياسي و غيره، فإذا تهاون البعض في غير شان الدين فلن يتهاون فيما يتعلق بشأن الدين، و غيرة الدفاع عن الدين التي عجنت بفطرة الإنسان المسلم و المسلمة لا تسمح لهما بالتهاون في الدفاع عن مقدساته.
النقطة الرابعة: المسيرة و رأي الأغلبية
إن هذه المسيرة أوضحت راي الاغلبية في مشروع قانون الأحكام الأسرية المطروح فعلاً بلا ضمانات دستورية، مما شكل إستفتاءً شعبياً على القانون المذكور الفاقد للمضان، فإذا كنتم تؤمنون بالديمقراطية حقاً فهذا راي الأغلبية، و من هنا فالإصرار على القانون بلا ضمانات دليل على أحد أمرين:
1- عدم الإيمان بالديمقراطية، و عدم الإلتزام بها عملاً، مما يكشف عن وجود مشكلة أساسية في التعاطي مع الناس و إحترام آرائهم، مما يحتاج الى حل شامل للموضوع.
2- إعتبار الناس اللذين شاركوا في المسيرة قصر غير راشدين عقلياً، يكون حكمهم بمنزلة من هو دون السن القانوني، لا قيمة لراية و لا تشخيصه، و وفقاً لهذا التشخيص فإن الأغلبية في المملكة غير راشدين، يحتاجون الى من يسوقهم.
فإذا كان الإصرار على القانون الفاقد للضمان منطقاً من السبب الثاني و الإعتقاد بان الأغلبية في البلد قاصرة تحتاج الى من يسوقها فحينئذ نقول:
أولاً: إذا جاءت ههذ الأغلبية في يوم من الأيام و أيدت موقفاً من المواقف كتأييدها لمشروع (ميثاق العمل الوطني) فهل يؤخذ برايها حينئذ، و هل يعتبرون راشدين حينئذ ام لا؟
فإذا كان يؤخذ برايها في ذلك، و إذا كان يؤخذ برأيها في الميثاق فلماذا لا يؤخذ برأيها في غير ذلك، و لماذا لا يؤخذ برأيها في مشروع هذا القانون بلا ضمامن، و إذا كانوا راشدين غير قاصرين في الميثاق فلماذا لا يكونوا راشدين هنا ايضاً؟!
ثانياً: و لماذا لا يكونون راشدين، هل لأنهم إتبعوا رأي علماء الدين في ذلك و تأثروا بتشخيصهم؟ هل هذا ما يجعلهم غير راشدين، لأنهم ليس لهم تشخيص ذاتي في الموضوع؟
حينئد نقول: قضية الإتباع و التأثر و إن كانت حاصلة في جملة من المشاركين و ليس في جميعهم، لكن كل الأحزاب السياسية في العالم التي تعمل من أجل الوصول الى السطلة و تنافس الأحزاب الاخرى إنما تصل الى السطلة بدعم من قواعدها الشعبية، و هذه القواعد الشعبية – كما يعرف الجميع – إنما تتاثر بـ رؤى و نظريات قادة هذه الأحزاب، و تؤمن بـ قناعاتها متأثرة بها، من دون ان يكون لها تشخيص ذاتي في البرامج التي يطرحها قادة الأحزاب، فتدعم قادة الأحزاب إنطلاقاً من عنصر الثقة في خبرة و إخلاص القادة، و ليس إنطلاقاً من التشخيص الذاتي، فهل هذا أضر بـ كون العملية السياسية الحزبية – في جميع الدول الديمقراطية – هل أضر بـ كون هذه العملية عملية ديمقراطية مرعية فيها اصول العمل الديمقراطي؟
ثالثاُ: و متى و كيف يصح ان نعتبير إتباع غير الخبير لتشخيص الخبراء دليلاً على عدم رشد التابع؟ مع أن كل حياة العقلاء في العالم في جميع الشؤون الإجتماعية و السياسية و التجارية و غيرها جار على هذا النظام من الإتباع، و حتى القادة السياسيين – هم بأنفسهم – يتبعون مستشاريهم في ما لا خبرة لهم فيه.
بل إن إتباع من لا خبرة له - للشخص الخبير- لا يتنافي مع رشد التابع، بل يمثل عين الرشد و قمة العقل و المعرفة.
و هل يصح الأخذ بـ رأي عالم الدين في الحلال و الحرام و معرفة أحكام الشرع، و لا يصح الأخذ بـ رأيه و تشخيصه فيما يهدد أحكام الشرع، و هل الأول يعد رشداً و الثاني قصوراً؟!
النقطة الخامسة: المسيرة و الصحافة و الإعلام
أين كانت الصحافة و الإعلام من تغطية المسيرة، لم نجد تغطية صادقة للمسيرة إلاّ من بعض الجرائد و ذلك ايضاً دون المستوى الواجب، أين الإذاعة و التلفزيون؟ أليس هؤلاء اللذين خرجوا في المسيرة في يوم الأربعاء ابناء الشعب، كيف يصح ان ندعي الحرية و الديمقراطية و إحترام رأي الشعب، و لا يحق لهذه الغالبية ان تظهر في الإذاعة و لا التلفزيون و لو لدقائق؟!
أين الجرائد التي تكتب عن الديمقراطية و الشفافية و لم تغط لهذه المسيرة حتى بنسبة – ربما – خمسة بالمائة؟
إن مشكلة قسم من الجرائد و الصحف أنها متوزعة بين جرائد للسطلة و جرائد للنفخ و التطبيل لما تشتهيه، هل هناك جريدة غير منحازة بعمنى الكلمة، و إذا كانت فماهي؟
و إذا لم تكن فهذا يعني اننا لا نمتلك صحافة حرة عادلة شفافة، و ذلك من أعظم المصائب، لان معنى ذلك تحول الجرائد الى مراكز إعلامية للترويج لما يريدون، و ليست هي جرائد لنقل الآراء و التوجهات بلا تمييز و إجحاف!
نعم قد يطعمون صفحاتهم بكلام و آراء الآخرين مبتوراً خوفاً من الفضيحة الكلية، و إنكشاف الوجه الباطن لهم أمام الرأي العام، ولكن الله بصير بالعباد.
عبادالله: ( ان الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى، و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي، يعظكم لعلكم تذكرون). النحل / 90.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفواً أحد).
ثم أفضل الصلاة و السلام على عبد الله و رسوله و امينه و صفيه و حبيبه محمد، و على أمير المؤمنين، و وصي رسول رب العالمين، علي بن أبي طالب، و على الصديقة الطاهرة الشهيدة، سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء.
اللهم و صل على سبطي الرحمة و إمامي الهدى، سيدي شباب أهل الجنة، الحسن و الحسين، و صل على أئمة المسلمين، علي بن الحسين السجاد، و محمد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و على الحجة بن الحسن القائم المهدي.
اللهم عجل له الفرج، و سهل له المخرج، و اجعلنا من انصاره و أعوانه، و من المستشهدين بين يديه.
اللهم واجعل صلاتنا به مقبولة، و ذنوبنا به مغفورة، و دعائنا به مستجابا، و اجعل اللهم ارزاقنا به مبسوطة، و همومنا به مكفية، و حوائجنا به مقضية، اللهم اشف مرضى المؤمنين و المؤمنات، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، تابع اللهم بيننا و بينهم بالخيرات، انك مجيب الدعوات.
عبادالله: ( ان الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى، و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي، يعظكم لعلكم تذكرون). النحل / 90.
(إن الله و ملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما). الأحزاب / 56.
الشيخ حسين النجاتي
11 نوفمبر 2005م
خطبة الجمعة الثانية
التعليقات (0)