شارك هذا الموضوع

ليلة القدر . . ليلة الجائزة الكبرى

إن المؤمنين ينتظرون عاما كاملا، ليستقبلوا هذه الليالي المباركة التي تعد محطة نقلة نوعية لمسيرة العبد في الحياة .. ومن هنا استعمل القرآن الكريم التعبير بـ ( وما أدراك ) والتي تستعمل عادة لبيان حقيقة القيامة وما يجرى فيها من أهوال، ومن هنا يعلم أن حقيقة ليلة القدر من الغيب الذي لا يحيط البشر بكنهه! ..


ولكن الملاحظ - مع الأسف - إن الفرصة فيها تمر مر السحاب، وهذه طبيعة بني آدم الملازمة للخسران كما يذكره القران الكريم .. والشيطان له همته في أن يصرف العبد عن المسيرة الصحيحة والتوبة الصادقة في مثل هذه الليالي المصيرية، والتي من الممكن أن تبدل ديوان العبد من الشقاء إلى السعادة .. ومن هنا نود أن نعرض لكم هذه التوصيات العاجلة بهذه المناسبة:


1 إن البعض يعتقد بان عنوان (خير من ألف شهر) خاص بالأجر والحال انه من الممكن أن يحقق العبد القرب الذي يريد أن يحققه تجاه الرب المتعال خلال ثلاث وثمانين سنة من المجاهدة، وذلك بالالتجاء إلى ربه في تلك الليلة التجاء العبد الغريق، فيحقق من درجات القرب الروحي - لا الأجر المادي حتى الأخروي منه - ما لا ينال في سنوات كثيرة، ومن الممكن أن نقول بان الله تعالى جعل تلك الليلة خيرا من ألف شهر، وهذا لا ينافى أن تكون هذه الليلة للبعض أرقى من آلاف الشهور، لأن الآية لم تحدد السقف الأعلى للفضل !.


2 ليلة القدر مرتبطة بحركة الإنسان طوال العام فلا يتوقع أن يستفيد الغافلون طوال العام الكثير من المكاسب الإستراتيجية في هذه الليلة، فان شأنها شأن الصلاة الخاشعة، فالذي لم يحسن فن التعامل مع ربه خارج الصلاة، لا يمكنه أن يكون مقبلا في خصوص صلاته مبتورة عن حركته في ساحة الحياة !.. والذي كان بعيدا عن ربه طوال العام، كيف يحدث حركة جوهرية في ليلة واحدة ؟!.


3 من الضروري أن نتهيأ لمثل هذه الليلة الحاسمة قبل دخول الوقت : تقليلا من الطعام في أول الليل، وإراحة للبدن قبلها في النهار، وتقليلا للمعاشرات المستلزمة للدخول في الحرام أو ما لا يعنى العبد، ومراقبة للسلوك في نهار ليلة القدر، وعدم التورط في آية معصية ولو صغيرة في خصوص هذه الليالي والأيام، وذلك ليمكن إحياء تلك الليلة المباركة كما يريدها الله تعالى بجد ونشاط .. ومن المعلوم أن النبي (ص) كان يشد المئزر في مثل هذه الليالي ليتفرغ لأغلى المكاسب والمواهب في عالم الوجود! .. ومن المناسب للمؤمن أن يكون في حل من الارتباط الوظيفي أو الدراسي - مع الإمكان- تشبها بنبي الأمة (ص) .


4 من الضروري أن نهتم بجانب الكيف إلى جانب الإحياء الكمي في تلك الليلة، فإن ركعتين مقتصدتين خير من قيام الليل كله، والقلب ساه كما يفهم من بعض الروايات .. فالمهم أن يمتلك العبد تلك الساعة الذهبية في هذه الليلة والتي يرق فيها قلبه ويجرى دمعه ليقال له: دونك دونك فقد قصد قصدك !!


5 من اللازم الجمع بين الإحياء في جمع من المؤمنين - فان طبيعة الاجتماع مع الإخوة لها تأثيرها في فتح أبواب الرحمة وتشديد الاستجابة كما يفهم من الروايات الواردة - وبين المناجاة في الخلوات حيث إنها ابعد من الرياء، وفيها تعويد للعبد أن يتعلم طريقة الحديث العاطفي البليغ مع مولاه، حيث شاء من ساعة ليل أو نهار.


6 من أجل الأعمال وأرقاها في هذه الليلة هو الدعاء لفرج المولى الغريب (ع) الذي بفرجه تنكشف الغمة عن قاطبة سكان الأرض، ولا بد من المبالغة في ذلك كما وكيفا .. وهنيئا لمن رد إمام زمانه له الجميل وذلك من خلال دعوته التي لا ترد، إذ شتان بين دعوة أفضل خلق الله تعالى في زمانه، وبين أكثرهم بعدا منه !!


7 من أفضل علامات القبول لمجمل أعمال شهر رمضان وخصوص ليلة القدر، هو الإحساس بالتحول الجوهري من الأعماق لا تركا للحرام فحسب ، وإنما كرها واستقذارا للمنكر ـ فان من وصل إلى هذه الدرجة من الإحساس بقذارة المعصية ـ فانه سوف لن يهم بالحرام فضلا عن الاقتراب من حدودها.


8 لا بد من التحليق التصاعدي في ليالي القدر، ولعل الحكمة في سبق ليلة القدر الكبرى بليلتين - وهى ليلة الجهنى التي أشار إليها المصطفى (ص) - هو خلق مثل هذا الاستعداد النفسي في نفوس العباد.. وعليه فمن تكاسل في الليلتين السابقتين قد لا يوفق لتحقيق الجو الفاعل والمغير لمسار العبد في حركة الحياة في تلك الليلة المصيرية من السنة.


9 من المهم أن يستذكر العبد حقيقة أن المقدرات تكتب في ليلة القدر، ويا ليت الأمر كان منحصرا بما يعود إلى الدنيا: مرضا وفقرا وموتا وما شابه ذلك، بل إن الأمر يتعدى ذلك ليشمل السعادة الأبدية ورضا المولى عنه والذي يترشح منه كل بركة في هذا الوجود.. ومن هنا كان على العبد أن يعيش حالة الوجل والخجل - وخاصة قبيل الفجر حيث ينتهي السلام الإلهي - وخاصة في فجر الليلة الثالثة والعشرين، حيث يحس العبد بانتهاء تلك الهالة القدسية التي كان يلف الشهر الكريم من أوله.


10 على العبد أن يبحث دائما في سيره المعنوي عن ملكوت الأمور ومنها الطاعات ، فهل فكرنا في ملكوت ليلة القدر؟!..إذ انه لا نعلم ليلة تشهد ازدحاما لمواكب الملائكة والروح كتلك الليلة المباركة .. ومن الممكن أن يصل العبد إلى مثل هذا الملكوت المحجوب عن عامة الخلق، وذلك يتقدم الطلب الأكيد من مولاه مع الصدق في إثبات العبودية له، ليريه شيئا مما أرى خليله إبراهيم (ع) من ملكوت السماوات والأرض .. فإن الناس لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فكيف بباطن الآخرة ؟!


ولنحقق أخيرا شعار: خير رمضان مر علينا، وخير ليلة قدر مرت علينا.. فان المغبون من تساوى شهراه، كما أن المغبون من تساوى يوماه وأخيرا نقول : اللهم هب لنا في ليلة القدر خير ما وهبت لأحد من عبادك الصالحين ، فانك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع