جولة في نهج البلاغة
ضمن برنامج جمعية التوعية الإسلامية لشهر رمضان المبارك لعام 1426هـ استضافة حسينية الحاج أحمد بن خميس العلامة المربي الفاضل الشيخ حبيب الكاظمي لإلقاء محاضرة بعنوان (جولة في نهج البلاغة)، حيث بدأ الحديث بهذه المقدمة:
ظلامة علي في حياته تاريخية معروفة، عندما سئل أحد المؤلفين المسيحيين حول تأليفه كتابا عن علي (ع) وقيل له أنت تمدح عليا وتقتدي به مثلا، لماذا لا تسلم؟ وأنت الذي توصف علي بهذه الأوصاف، فما كان منه إلا أن قال كلمة ملفتة - ونحن لا نقبل منه هذا التوجيه - ولكن يقول دفاعي عن علي دفاعا عن إنسان مظلوم، وطبيعة الإنسان أن يتأذى لظلامة مظلوم، وعلي ظلم وأنا أريد أن أدافع عنه، وليس من منطلق ديني وعقائدي أو أحب أن أكون مسلما مواليا، بل من باب الإحساس الوخز الباطني أن إنسان كهذا ظلم في التاريخ ولم يعرف قدره، أردت بذلك أن أدافع عن ظلامة علي.
الزمن لا يرجع إلى الوراء، ما وقع قد وقع. الكلام عن ظلامة علي (ع) في حياتنا اليوم الظلامة معاشة، وهذا أمر قابل للارتفاع لأن الإنسان إلى أن تقبض روحه بإمكانه أن يتدارك، وكلكم يعرف ما قام به العبد الصالح الحر حيث انتقل من أسفل سافلين إلى أعلى عليين.
ظلامة علي (ع) في أتباعه وفي شيعته، هذه الظلامة لها صور منها، إدعاء الموالاة إدعاء من دون مطابقة لفعله لما أراده عليه السلام، لعل البعض أراد أن يدخل في هذا المنهج وفي المدرسة ولكن عندما يرى بعض سلبيات بعض أتباع هذه المدرسة، وإذا به ينصرف يقول إذا كان هؤلاء هم الممثلون لهذا الخط فدعنا عن أصله، وهذه جريمة كبرى أن ينفر الإنسان الآخرين عن منهج أهل البيت (ع) ويكون مصداقا لذيل الرواية لا لصدرها (كونوا زينا لنا ولا تكونوا علينا شينا)، حقيقة من موجبات الأسف لذلك. لماذا تذهب لمعركة النهروان لتقاتل مع علي (ع) إن كنت صادقا في هذه الأمنية لتسمع منه خطبة أو كلمة افتح النهج واستمع لكلمات علي في الحرب، في خطب الجمعة، في وصف المتقين، ما عليك إلا أن تذهب إلى مكتبتك وتستخرج نهج البلاغة وتأخذه بيدك لتعيش في رحاب علي (ع).
إذا هذه الليالي والأيام فكرت في العنوان الذي يجمع المحاضرات المتناثرة، كما قال الأخ العزيز (المقدم) هنا وهناك فرأيت أنه من أفضل الضيافة الرمضانية أن نعيش على مائدة علي (ع) أينما ذهبنا هذه الليالي، ونعلن من الآن أن عنوان ما سنلقيه في البلد الكريم لهذه الليالي المباركة في الواقع (جولة في نهج البلاغة). الغرض من ذلك أولا رفع الظلامة إجمالا في شهر علي، وشهر رمضان من أقرب الشهور إلى ذكر علي (ع) ليالي القدر فيها مقترنة بإسمه الشريف، وشهر اقتران بركة الصيام ببركة ذلك الدم الطاهر الذي أريق في محراب الشهادة.
في هذه الليالي في محاضراتنا المختلفة اخترت لكم الفقرات الحكمية في آخر النهج، الكلمات التي أطلقها علي (ع) في سفره، في حضره، في مختلف المناسبات هي كلمات قصيرة والناس هذه الأيام لا يتحملون الطوال من الخطب، وإلا كان في البال خطبة علي (ع) في وصف المتقين، ومن الممكن أن نأتي بإذن الله سفرة مستقلة في دورة تربوية بعنوان (خطبة المتقين)، معالم التقوى، ومعالم المتقين في كلمات علي (ع)، أعتقد أنها مادة دسمة لدورة أو لأسبوع أو لعشرة أيام، إن شاء الله في وقت آخر.
ولكن في هذه الليالي نحي أن نعيش على مائدة علي (ع) واتفاقا أول حكمة من حكمه، حكمة تناسب أوضاعنا الاجتماعية. علي (ع) بعض كلماته تصب في عالم التربية والأخلاق وبعض كلماته تصب في عالم التربية الاجتماعية والتعامل مع الغير. طبعا هذه الحكم جمعها الشريف الرضي كسب الخلود من خلال هذا السفر القيم، طبعا هذه بعض كلمات علي (ع)، أولا علي في حياته المباركة في الواقع ما ترك بقعة إلا وصبغها بلون كلامه الشريف، وبعض الأوقات أعيش حالة العتاب الباطني للشريف الرضي إن كان هو سمى هذا الكتاب بنهج البلاغة والحقيقة أنه نهج للسعادة، نهج للرقي، ليس للبلاغة فحسب، ولعله رضوان الله عليه في ظروف أراد أن يروج لهذا الكتاب من خلال المنطلق البلاغي ضمانا لنشر هذا الكتاب، أعتقد هذه خلفيته رضوان الله عليه.
الحكمة الأولى المنقولة، وأرجو أن تتأملوا في هذه الحكم، أعلق عليها تعليقا منقطا لا أسرد الكلام سردا، أقول ما أستفيده أنا من هذه الكلمة النقاط التالية وأنت لك أن تفكر اتفاقا في نفس الصفحة أو التي يليها، يقول علي (ع) (الفكر مرآة صافية) الذي لا مرآة له لا يرى نفسه، الذي لا مرآة له لا تنعكس لديه الصور، علي (ع) يمدح الفكر سيأتي في شرح هذه الكلمة في مواطن أخرى إن شاء الله.
ولكن الكلمة الأولى هذه الليلة، يقول صلوات الله عليه (كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب)، حقيقة هذه الكلمة على قصرها تعطي في الواقع تجربة علي (ع) مع الفتن، وهو منذ نعومة أظفاره ويعيش الفتن المختلفة، في صدر الإسلام فتنته مع المشركين لأن فتنة النبي (ص) هي فتنته، المؤامرة على النبي (ص) في ليلة المبيت دفعها علي (ع) بذلك المبيت الخالد، ذلك المبيت الذي استحق عليه علي (ع) وسام (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)، هذه أولى ابتلاء علي بالفتنة. في المدينة فتنته مع اليهود، في حروب مع المنافقين في المدينة وغير ذلك من الآلام التي كانت تعتصر قلب عليا (ع) والزهراء (ع) وكذلك بعد وفاة النبي (ص) وما أدراك ما جرى على علي (ع) تلك الفتن التي يقول عنها (فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى)، بعض الموالين عندما يمر على هذه الكلمة تدمع عينه، بل يبكي لحالة علي (ع) لكلمة صبرت، لا يعني أنه صبر يوما أو بعض يوم، كل حياة علي (ع) القذى في عينه والشجى في حلقه، بل قبل أن يتوفى أخوه المصطفى (ص) وهذه محنة علي (ع).
وأنا أعتقد أن ما يعطى لعلي (ع) من لواء الشفاعة في عرصات القيامة من صبره في هذه الأمة وليس بتصريح غريب عندما أقول لكم (ما أوذي نبي مثلما أوذيت) وأقولها قياسا صحيحا مدللا بالتاريخ والنصوص (ما أوذي وصي مثلما أوذي علي (ع))، وكلمته الآنفة فصبرت نعم الدليل على هذه الحالة. أرجع وأقول إلى أن استشهد في محراب العبادة وهو يعيش الفتن تلو الفتن، الفتن التي تنهد لها الجبال، إذ يجد قوما من هذه الأمة وعلى جباههم كآثار ركب المعز من كثرة السجود، علي (ع) يضطر أن يسحب سيفه ليريق هذه الدماء. علي مظهر الرأفة، علي يتألم لنزع خلخال من رجل ذمية، فكيف نفسه تطاوعه بأن يلج بسيفه في دماء المتظاهرين بالإسلام الخوارج، وما أدراك بأن فتنة الخوارج حقيقة قصمت ظهر علي (ع) لأن الشعار كان شعارا مغريا وليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه، هؤلاء المساكين خرجوا بدعاوي في الواقع مغرية جذابة ولكن انتهى أمرهم إلى أن يكون سيف ممثلهم ابن ملجم في هذا الشهر الكريم هو ذلك السيف المرشح ليريق دم أشرف وصي في تاريخ البشرية.
نهج البلاغة الصورة الأخرى من ظلامة علي (ع) أعتقد أن هناك الكثيرين ممن يذكرون عليا كشفيعا لهم في يوم المحشر، البعض من الممكن ذرف دموعا على علي (ع) في شهر استشهاده هذا الشهر المبارك، لعل البعض أنشد فيه شعرا أو قرأ فيه شعرا ولكن لعل طوال حياته لم يفتح كتاب علي في العمر ولو مرة واحدة.
نهج البلاغة هذا التراث الذي بين أيدينا، يتمنى البعض بقول يا ليت أرجع إلى زمان أمير المؤمنين (ع) مستعد أحارب معه في صفين وفي النهروان وفي غيره من الحروب، ولكن في المقابل أستمع لخطبة من خطبه، البعض هكذا يتمنى. أقول: هذا التمني جيد ولكن هذه الأمنية متحققة.
علي(ع) خبير في الفتن، بل نشأ في الفتن بمعنى أنه رآها وعاشها واكتوى بنارها وأخيرا قتل بسيفها. علي عليه السلام مع هذه الخبرة الطويلة في تاريخ الفتن إن صح أن يعبر شأن علي(ع) أكبر من هذه التعابير، ولكن من باب تقريب الفكرة يمكن أن نعتبر علي (ع)، خبير بالفتن، وكيف الخلاص منها، فيقول (كن في الفتنة كابن اللبون)، ابن اللبون عبارة عن جمل ذو سنتين، هذا الجمل لا يقوم بخدمة لا ظهر فيركب، ليست له قوة حمل الإنسان من بلدة إلى بلد، وليس له ضرع فيحلب، إنما الإنسان يستبقي عنده ابن اللبون ليكبر يوما من الأيام ويصبح ظهرا أو يصبح ذا ضرع يحلب منه.
أولا إخواني الفتن على ثلاثة أقسام وأعتقد أن زمان الغيبة زمان الفتن، خير وقت للحديث عن الفتنة هو هذا الوقت،
1- الفتنة العقائدية.
2- الفتنة الحكمية.
3- الفتنة الموضوعية.
سنشرحها شرحا مختصرا، للخروج بفائدة من هذا اللقاء:
1- الفتنة العقائدية: أن يعيش الإنسان حالة من الترجرج والزئبقية في فهم العقيدة الصحيحة، ما هو الحق في مجال التوحيد، في مجال العدل، في مجال الإمامة، في مجال المعاد، في مجال فهم جزئيات الشريعة. اليوم وقع كتاب حقيقة لفت نظري وشغلني كتاب (شبهات المشككين حول الإسلام)، كتبه مجموعة من المحققين، جمعوا الشبهات التي وردت على القرآن الكريم، هنالك قسم من علماء النصارى المتخصصين في العلوم الإسلامية أو المستشرقين هؤلاء أخذوا يبحثون عن الآيات التي ظاهرها التناقض، مثلا عيسى المسيح رفعه الله إليه، الرفع معناه أنه لم يمت أنه حي، كلمة التوفي بالنسبة للمسيح كيف رب العالمين توفاه أي أماته وفي آية يقول رفعه، كيف نجمع بين الوفاة وبين موضوع الرفع، وما شابه ذلك. هذا كتاب مفصل وجهد مشكور في هذا المجال وإجابات محكمة دقيقة جيدة.
الإنسان في هذا العصر، عصرنا من الآن إلى سنوات، إلى قرون في الواقع عصر التشكيك العقائدي، لأنه أعتقد أن زمن الحروب المباشرة قد لا يكون هذا الزمن زمن الحروب الكبرى لأن الحروب الكبرى يصل رمادها إلى عيون الجميع، الأفضل الاستعاضة عن ذلك الغزو الثقافي والغزو الفكري، وهنالك دلال في الوسط، الدلال الذي يجعل الشبهة تنتقل إلى القلب، الوسائل المضللة، الوسائل التي توجب الانحراف الفكري، الشهوة تدخل القلب فتصبح دلالا لورود الشبهة إلى العقل.
الإنسان إذا تميع، إذا فقد قوامه الباطني، إذا توجه الانحرافات السلوكية المختلفة، كأنه هنالك جهاز مشكك في المخ ينشط، أقل شبهة تنغرس فيه الإنسان يعيش دوامة فكرية معينة، والقرآن الكريم في الواقع أشر إشارة جميلة ولطيفة، لسنا في مقام التفسير ولكن الله العالم، لعل هذه الآية شاهد على ما أقول، الآية التي تقرأ في المجالس الحسينية (ثم عاقبة الذين أساؤ السوأى أن كذبوا بآيات الله)، أساؤ السوأى في مقام العمل، الإنسان أساء السوأى والتعبير تعبيرا عم أي كل صور الانحراف تندرج تحتها، انظروا هو أساء السوأى ولكن العاقبة موقف عقائدي، التكذيب بآيات الله والاستهزاء بها، فعند قراءة تاريخ بعض المنحرفين عقائديا، حتى في زمان الأئمة عليهم السلام، نلاحظ أن هؤلاء مبتلون في السر بالمعاصي الكبيرة، المعاصي الأخلاقية والشهوية أرضية خصبة للانحرافات الفكرية العقائدية، فإذا في الفتنة العقائدية أعتقد أن عليا لا يريد هذا المعنى، كن في الفتنة العقائدية كابن اللبون، الإنسان ليس له شغل بالعقائد، يبتعد عن الأبحاث العقائدية، ليس هذا بصحيح لكن في الفتنة العقائدية صاحب رأي. أنت إنسان تسافر على بلدان مختلفة تسأل عنك أنت من أي دين، من أي مذهب، من أي مدرسة من مدارس المسلمين، لا بد أن تثبت ما أنت عليه، لا يكفي أن تفتخر ببطولات الأئمة عليهم السلام، وتقول إمامي هو فاتح خيبر، عليك أن تأتي ببراهين وأدلة، هذه الأيام انظروا على صفحات الانترنت في المنتديات على غرف المحادثة، حقيقة هنالك هجمة شرسة وهنالك شبهات حول الإسلام، حول القرآن الكريم، حول نبوة النبي، حول عصمة النبي، من أعداء الإسلام، بالواقع الأعداء الكبار هؤلاء يطرحون شبهاتهم في مواقعهم، الإنسان عليه أن يكون متسلحا بسلاح العقيدة الحقة.
أعتقد لو أن أحدنا أمضي سنة من حياته في ساعات الفراغ لتثبيت عقيدته، وهذه الأيام بحمد الله المواقع العقائدية والكتب العقائدية ما أبقت لأحد حجة في هذا المجال. إذا في الفتنة العقائدية لا بد أن ندخل ونخوض ونتسلح بسلاح العقيدة الحقة، ولكن بشرطها وشروطها، الإنسان الذي في الواقع لم يتقن أوليات الشريعة لم يتقن التقليد، العبادات يريد أن ينتقل من ألف باء الدين إلى أدق الأبحاث العقائدية التفصيلية، والبعض لا يمتلك القدرة الذهنية، إنسان في مستوى متوسط لا يمتلك القدرة على التحليل يأخذ الشبهة فتستقر في ذهنه ثم يقرأ الجواب فلا يعرف معنى الجواب، فيأخذ بالشبهة ولا يأخذ بالرد، في الواقع يزيد في الطين بله. إذا لا بد أن نخوض الأبحاث العقائدية في الوقت المناسب، وعلى أيدي أناس مهرة ومن كتب منقحة في هذا المجال حفظ الله بعض علمائنا الأبرار في حوزاتنا العلمية هذه الأيام ألفوا موسوعات عقائدية منقحة في أصول الدين، عليكم بالمعروف في هذا المجال وعليكم بالمعروفين في هذا المجال من المؤلفين، لا تذهب يمينا ولا شملا ولا تقرأ الكتب العقائدية التي هي من مصادر غير موثقة لأنها قد تزيدك شكا وانحرافا في هذا المجال.
2- الفتنة الحكمية: أن لا يعلم الإنسان تكليفه في الحلال والحرام، هذه الفتنة أمرها سهل، الإنسان المقلد أراح نفسه من هذه الفتنة، هذا عليه نزاع هل هو حلال أم حرام، يبحث من بين العدول من المجتهدين فيقلد الأعلم منهم، فإذا ثبت يوم القيامة أنه في الواقع ارتكب الحرام الواقعي الذي أفتى له المجتهد له ظاهرا يقول يا ربي ما شأني، خذ بيد هذا العالم فعاقبه، أن له القابلية في الفتوى وأفتى مأجور على فتواه حتى إن كان مخطأ، وهذا المقلد يأخذ طريقه إلى الجنة لأنه لا حساب عليه، سمعتم تعبير الحجية فتوى المجتهد كما يكتب في أول رسالته العملية يقول (العمل بهذه الرسالة مجز ومبرئ للذمة) بعض العلماء عندما يكتب هذه العبارة في أول الرسالة العملية، يعلم الله ماذا ينتابه من الشعور عندما يقول تلك العبارة، يعني يقول يوم القيامة أيها المقلدون أنا أجيب عنكم، لا عليكم أنتم اعملوا بالرسالة وهذه رقبتي بيني وبين الله، واقعا حق للبعض من علمائنا أن يفروا من الفتيا كفراره من الأسد.
3- الفتنة الموضوعية: أعتقد والله العالم بأن كلام علي (ع) في الفتنة الثالثة وهو الختام، الفتنة الموضوعية، في الواقع تشخيص الموضوعات الخارجية، الإنسان عليه أن يعادي أعداء الله، هل هذا الإنسان عدو لله أم ليس بعدو، لا أدري هذا الكلام الذي يقول منكر أو معروف، لا أدري هذه الجهة الفلانية التي تدعو الناس إلى نفسها حزبا مؤسسة أي جهة كانت، هؤلاء مخلصون في كلامهم أم أنهم يطرحون الشباك للصيد، كل في الوجود يطلب صيدا، إنما الاختلاف في الشبكات، هل هم من هذا القبيل، هل هذا الإنسان من مصاديق الرواية التي تقول (إن البعض من الناس يستأكل بالدين) بعض الناس يستأكل بشركات تجارية بالمحلات، وبعض الناس يأكل باسم الدين، هل هذا القبيل أم لا، هنا المصيبة في تشخيص هذه المصاديق.
حقيقة، القضية محيرة جدا، الإنسان ماذا يعمل في مفترق الطرق، في الواقع هناك عدة حلول منها:
1- تحكيم الموازين (اعرف الحق تعرف أهله)، لا تقس الحق بالرجال وقس الرجال بالحق، هنالك موازيين لتمييز المخلص من غير المخلص، هنالك موازيين لمعرفة المعروف من المنكر، اعمل بهذه الموازين، تعرف أهله وهذا أولا.
2- الفطنة، المؤمن كيس فطن، المؤمن موجود ذا ذكاء اجتماعي قوي جدا، لأن ذكاء المؤمن ليس ذكاء جامعي، ليس ذكاء مأخوذ من رسالة الماجستير أو الدكتوراه، ذكاء المؤمن ذكاء قسم منه تجارب حياة، وقسم منه أبحاث أكاديمية لا ننقص منها، ولكن قسم منه اتصال بعالم الغيب، (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ينظر بعين الله)، نعم المؤمن يمتلك هذه النورانية في باطنه، لأنه طالما دعا في جوف الليل في مناجاة خاشعة والدموع على وجنتيه، في صلاة الليل (اللهم اجعل لي من لدنك نورا أمشي به في الناس)، طالما قال لربه (اللهم أرنا الأشياء كما هي، لا تجعل عليها غشاوة)، لا تجعل الشيطان يلبس الباطل بثوب الحق، إذا المؤمن بفراسته في الواقع يعيش هذا النور الباطني.
3- وأخيرا، أقول لو أنك لم تعرف الحق، الأمور مشتبهة، قف حيث يقول عليا عليه السلام (كن في الفتنة كابن اللبون) تأملوا في كلمة الضرع في الجمل وحتى في الأم المسكينة، الأم في شهر رمضان، تعرفون بعض الأمهات يتوقفن عن الصيام عند الإرضاع لن هذا الحليب خلاصة دمها، الدم يتحول إلى لبن، عصارة الوجود، وهكذا الأمر في الحيوان المسكين، يحول الدم إلى حليب سائغ يشربه بني آدم.
يقول الإمام علي عليه السلام لماذا تعطي دمك للآخرين، لماذا تعطي حليبك للآخرين، إذا الطرف لا يستحق ذلك، لماذا تجعل الضرع مفتوح هكذا، يأتي كل من هب ودب ويمتص من حليبك، العمر من الحليب، البعض من يذهب إلى الجلسات الباطلة يجالس البطالين هذا من أسباب قسوة القلب، دعاء أبي حمزة الثمالي ليس للبكاء فقط وإنما للتدبر (أو رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني).
أعزائي، عندما تذهب لزيارة أحد، عندما تصادق أحد أو جهة أو تيارا أو حتى عالما، أنظر هذه الأوقات التي تصرفها في محضرهم أو في محضره أو تلك الجهة في اجتماعات مطولة، لمن تعطي هذا الوقت هذا عمرك، ضعه في الموضع المناسب، لا ترتبط بكل أحد (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، البصيرة في التعامل مع الآخرين من موجبات النجاة من الفتنة، أما لو اتضح لك الحق أعطي وجودك للدين وأهله، الذين تفانوا في خط علي (ع) وفي خط الحسين (ع) وفي خط العلماء الأبرار، طوال التاريخ بعض هذه الولاءات كلفت الكثير ولكن رب العالمين يرضى بذلك، رحم الله الميرزا الشيرازي الكبير عندما حرم التبغ عن المؤمنين لأجل مقاطعة الشركات الاستعمارية في وقته، يقال امرأة السلطان في إيران، عندما طلب السلطان كعادته التبغ، قيل له لا الميرزا الشيرازي حرم التبغ، لا نعطيك التبغ اليوم، السلطان يطلب التبغ من زوجته وهي مؤتمرة بأمر مرجعها في ذلك العصر، نعم إذا كان الأمر بهذا الوضع، فأكرم وأنعم لأن نعطي النفس والنفيس في سبيل رفع الفتنة واجتثاث جذورها.
التعليقات (0)