لأول مرة الحوار الساخن و الصريح عن تاريخ مأتم بن خميس وذكريات من قرية السنابس
للرادود والشاعر صالح القفاص
إعداد الأسئلة : حسين عبدالعزيز ، حبيب حيدر ، حسين مرهون
إملاء الأجوبة : بقلم الأستاذ سليم القفاص
- البطاقة الشخصية :-
1- الاسم : صالح أحمد صالح القفاص .
2- العمر : 73 سنة .
3- النشأة : نشأت في قرية السنابس منذ صغري ، وكان مكان إقامتي في منزل الوالدين بوسط السنابس، ثم انتقلت بعد الزواج للعيش في منزلي الحالي بنفس القرية في الفريق المعروف بـ ( الجمّة )، وقد كانت لي الكثير من الخدمات والأعمال أو الإنجازات على المستوى المحلي في قرية السنابس ، ومن أهم هذه الإسهامات الكبيرة هي المساهمة في تأسيس نادي السنابس الثقافي والرياضي، حيث كان مقره الأول في دولاب العريض قبل أن ينتقل إلى مقره الحالي.
4- السكن : في منزل بالسنابس في فريق الجمة.
5- العمل : أنا متقاعد في الوقت الحالي، وقد التحقت للعمل في شركة نفط البحرين ( بابكو ) في عام 1944 ، وذلك بعد تخرّجي من الصف الرابع الابتدائي بمدرسة الخميس القديمة، و كان معاشي استلمه كل أسبوعين بمبلغ قدره ألف و ثمانمائة فلس فقط، و كانت خدمتي لمدة 43 سنة حتى تقاعدت من الشركة في عام 1987م.
- ذكريات من السنابس :
1- ما هي الحالة الاجتماعية التي كان يعيشها أهل القرية في الفترة الماضية ؟
كان مجتمع السنابس مجتمع أخوي ومتلاحم ومتعاون وعلى درجة عالية من الانسجام والتجانس حيث تربطه رابطة الدين والعقيدة و المذهب الواحد، و لديهم كلمة واحدة ويد واحدة متحدة ، وليس هناك مجال للتفريق بين أفراده.
وفيما يتعلق بالمدرسة الابتدائية كان الأطفال يذهبون مشيا على الأقدام من قرية السنابس حتى مدرسة الخميس ببلاد القديم ، ويتعلم التلميذ حتى الصف الرابع، ثم يصبح حرا ويختار أما أن يواصل دراسته أو يلتحق بأي عمل .
أما بالنسبة إلى شراء الحاجات البيتية فلم يكن هناك دكاكين بالقرية ، فكانوا يذهبون لشراء حوائجهم أسبوعيا من السوق التي يطلق عليها سوق الخميس ، و هذا ما يدل عليها اسمها ، لأنها كانت تفتح كل يوم خميس من كل أسبوع .
وأما عن مناسبة الأعراس فإنهم كانوا يذهبون بالمعرس ظهرا إلى عين أبو زيدان الواقع في الخميس، لتنويره وتسبيحه، ومن بعد ذلك يزفونه عصرا بالطبول إلى داخل القرية مشيا على الأقدام، وفي الليل يأتي الناس لتناول العشاء ومن ثم يزف المعرس إلى بيت العروس بالطبالة، وقد كان لي الدور البارز في إحياء أكثر المناسبات الخاصة بأفراح العرس التي تقام للمعرس في القرية، فقد كان أهل المعرس يدعونني بصفتي مطرب شعبي لإقامة الاحتفال بدلا من إحضار الطبالة التي كانت تكلف غاليا.
وعندما يأتي شهر رمضان المبارك ترى الناس في بهجة وسرور وفرح عظيم، وتفتح البيوت في الليل على مصراعيها لقراءة القرآن، حيث يسمع القرآن من كل بيت، وترى على كل بيت شموعا مضيئة لعدم وصول الكهرباء بعد وعندما تأتي ليلة النصف من رمضان يتنقل الناس صغارا وكبارا صبيانا وبناتا من بيت إلى بيت حيث تقسم الحلاوة و الأكلات الشعبية داخل البيوت، ثم تأتي ليلة القدر التي كان أهل القرية يحيونها في المساجد وفي مأتم بن خميس ، وكانوا يحتفلون بيوم العيد وأداء صلاة العيد كما في وقتنا الحاضر، و يزور الناس أهاليهم وأصدقاءهم ويفرح الأطفال بالعيدية.
2- ما هي الأعمال التي كان الناس يزاولونها و يعتمدونها كمصدر دخل رئيسي ؟
كانوا يعتمدون ويزاولون مهنة صيد الأسماك في البحر، حيث كانت القرية سابقا تقع على شاطيء البحر من شرقها لغربها، هذا بالإضافة إلى اعتمادهم على الزراعة وفلاحة الأرض، حيث كانوا يعتمدون على النخيل كمصدر لجني الرطب والتمر، كما قاموا ببناء بيوتهم التي يسكنون فيها من عروش النخيل، بينما كان أكثر أهلها يزاولون حرفة النجارة والقلافة ( أي صناعة السفن ). ولكن بعد اكتشاف النفط في البحرين عام 1932 وقيام الدولة بإنشاء مصنع لمعامل التكرير اتجه معظم الناس للعمل في شركة بابكو، في الوقت الذي اتجه فيه الآخرون للعمل في وزارات الدولة.
3- ما هو الوضع السياسي الذي كان يسود في السنابس ؟ و ماذا كان تأثيره على المناطق الأخرى ؟
بما أن قرية السنابس في الفترة الماضية كانت رائدة العزاء لجميع قرى البحرين بسبب تمتعها بالهيبة والبطولة والقوة، حيث أنها كانت قرية محصنة ويصعب على الغريب أن يدخلها ليلا بعد الساعة الثامنة مساء، وذلك لوجود البحر في حدودها الشمالية، ومن ناحية الجنوب قد تم حفر خنادق لكي يحتمي فيها النواطير المسلحين، حيث تصبح حدود القرية محظورة حتى أذان الصبح.
ويرجع السبب لمثل هذه الحراسة المشددة على القرية ليلا لوجود عصابات النهب والسطو على البيوت والتي لم تسلم منها أي قرية في البحرين، ولكن هذه العصابات تم القضاء عليها عندما حاولت اقتحام قرية السنابس ولم تستطع، وفي اليوم التالي لهذه الحادثة حضر المستشار البريطاني ( بلجريف ) بنفسه إلى قرية السنابس حيث استفسر من أهلها عن سبب إراقتهم للدماء، و لكنه فوجيء بجوابهم الدفاعي المقنع : " هل نحن الذين ذهبنا إليهم للإغارة عليهم؟ أم هم الذين أتوا إلى داخل ديرتنا ليغيروا علينا؟ فكان هذا جزاؤهم، وهو لهم درسا لن ينسوه، وعبرة لمن لا يعتبر".
وهذا إن دل على شي فإنما يدل على الشجاعة والقوة والبأس لرجالها الأوليين الذين جمعتهم الوحدة فيما بينهم، وكمثال على ذلك كانت لديهم كلمة سر لا يعرفها أحدا من غير ساكني القرية، وكان الهدف من كلمة السر هو التمييز بين العدو والصديق، فكان العمال من القرية الذين يأتون من شركة بابكو في منتصف الليل (وكنت من ضمنهم) عندما يمشون على الأقدام من طشان، فإذا وصلوا عند مدخل القرية فانه ينادى عليهم من قبل أحد النواطير بكلمة (شنت) ومعناها من أنت؟ فإذا كان جوابه (حيدر) فانه يسلم ويسمح له بالدخول، أما إذا قال (صديق) فانه لا مفر له و يتعرض إلى طلقات الرصاص حالا للقبض عليه و إرساله لمأتم بن خميس.
كما كانت قرية السنابس معروفة أو بالأحرى كانت مشهورة بالحاج أحمد بن خميس مؤسس مأتم بن خميس الذي أصبح له دور كبير وبارز في لم شمل المجتمع البحريني، وذلك من خلال تبنيه لقضايا المجتمع البحريني وطرحها على الرأي العام، إلى أن تكونت هيئة الاتحاد الوطني التي لم تجد مقرا أو مكانا مناسبا لها غير اللجوء إلى مأتم بن خميس لإدارة أعمالها وتحقيق أهدافها، وأني لأذكر اليوم الأول الذي حضر فيه أعضاء الهيئة الوطنية بسياراتهم لأول مرة إلى قرية السنابس، حيث استقبلهم أهل السنابس بصفين من الرجال المدججين بالسلاح عند مدخل السنابس، فكانت السيارات تسير وسط هؤلاء الرجال الشجعان الذين ثبتوا في صفين ممتدين حتى بوابة مأتم بن خميس، فكانوا يحيطون حول السيارات وهي تمر أمامهم حتى وصلت للمأتم بشكل مهيب.
هذا اللقاء على حلقات ، انتظروا بقية الحلقات في الأيام المقبلة.
التعليقات (0)