شارك هذا الموضوع

أنوار شهر الله

فضائل شهر الله
أيّها الإخوة: إنّما يَعرف فضيلةَ شهر رمضان المبارك مَن عاش أسمى حالاته الروحيّة فيه، وهو رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد عرّفه للناس وشوّقهم إليه حين خطب في آخر جمعةٍ من شعبان، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثمّ قال:


• « أيّها الناس، إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان. فرَضَ الله صيامه، وجعل قيامَ ليلةٍ فيه بتطوّعِ صلاةٍ كمَن تطوّع بصلاة سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور.
وهو شهرُ الصبر، وإنّ الصبر ثوابُه الجنّة.. وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيدُ اللهُ فيه رزقَ المؤمن. ومَن فطّر فيه مؤمناً كان له عند الله بذلك عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضى.
وهو شهرٌ أوّلُه رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة والعِتق من النار.


• وفي سنةٍ من السنين، وقد بقي من شعبان ثلاثة أيّام.. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لبلال الحبشيّ: نادِ في الناس. فجُمع الناس، ثمّ صعد المنبر وحمد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله:


« أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد حَضَركم، وهو سيّد الشهور، فيه ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، يُغلَق فيه أبواب النار، ويُفتَح فيه أبواب الجِنان. فمَن أدركه فلم يُغفَرْ له فأبعَدَه الله، ومَن أدرك والدَيهِ فلم يُغفَرْ له فأبعَدَه الله، ومَن ذُكِرتُ عنده فلم يُصلِّ علَيّ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله.


اللَّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد


• وفي عامٍ آخر خَطبَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله في آخر يوم من شهر شعبان، فقال:
« أيّها الناس، قد أضلّكم شهرٌ عظيم، شهرٌ مبارك، شهرٌ فيه ليلة.. العملُ فيها خيرٌ من ألف شهر. هو شهرٌ: أوّلُه رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخرُه عِتقٌ من النار.
• عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال:


« أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب.


فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزَّوجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيّهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.


أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره أقسم بعزَّته أن لا يعذِّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لربّ العالمين.


أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله! وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال عليه السّلام: اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء.


أيُّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام، ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه، وكفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رَحِمَه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رَحِمَه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوَّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار، ومن أدَّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، ومن أكثر فيه من الصّلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور.


أيُّها الناس! إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم.


قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فقمت فقلت: يا رسول الله! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزَّوجلَّ. ثمَّ بكى فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك ؟ فقال: يا عليُّ أبكي لما يستحلُّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك، وقد انبعث أشقى الأوَّلين شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضّب منها لحيتك.


قال أمير المؤمنين عليه السّلام: فقلت: يا رسول الله! وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال صلى الله عليه وآله: في سلامة من دينك. ثمَّ قال: يا عليُّ! من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني، لأنّك منّي كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إنَّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك واصطفاني وإيّاك، واختارني للنبوَّة، واختارك للإمامة، ومن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي.


يا عليُّ! أنت وصيّي، وأبو ولدي، وزج ابنتي، وخليفتي على اُمتي في حياتي وبعد موتي؛ أمرك أمري، ونهيك نهيي، اُقسم بالّذي بعثني بالنبوَّة، وجعلني خير البريّة، إنّك لحجّة الله على خلقه، وأمينه على سرّه، وخليفته على عباده.


• ويحضر شهر رمضان مرّةً فيقول النبيّ صلّى الله عليه وآله للمسلمين: « سبحانَ الله! ماذا تستقبلون ؟! وماذا يستقبلكم ؟! ـ قالها ثلاث مرّات.
• ويبشّر صلّى الله عليه وآله المؤمنين، وهو البشير الأمين، فيقول: « إنّ أبواب السماء تُفتح في أوّل ليلةٍ من شهر رمضان، ولا تُغلق إلى آخر ليلةٍ منه.
• ويحذّر صلّى الله عليه وآله من عاقبة الخسران، وهو النذير من عذاب النيران، وسخط الرحمن، فيقول:
ـ إنّ الشقيّ مَن حُرِم غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم.
ـ إنّ الشقيّ حقَّ الشقيّ مَن خرج عنه هذا الشهرُ ولم يُغفرَ ذنوبُه!
ـ فمَن لم يُغفَر له في رمضان، ففي أيّ شهرٍ يُغفَرُ له ؟!


• ويصعد منبرَه الشريف مرّة فيُسمَع صلّى الله عليه وآله يقول: آمين. بعد ذلك يبيّن قائلاً: أيّها الناس، إنّ جَبرئيل استقبلني فقال: يا محمّد! مَن أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفَرْ له فيه فمات، فأبعدَهَ الله، قل: آمين. فقلت: آمين.


• وينبّه صلّى الله عليه وآله إلى فضيلة شهر رمضان مشيراً إلى مالا يُدرك من مقامه وشرفه، فيقول: لو يعلم العبد ما في رمضان، لَودَّ أن يكون رمضانُ السنةَ.
• ويأتي أهل بيت الرسالة والوحي عليهم أفضل الصلاة والسّلام، فيعيشون شهر رمضان بحالات سامية؛ لأنّهم يعرفون فضله وكرامتَه، وشرفه وعظمته.. فإذا دخل حَمِد الإمامُ زين العابدين عليه السّلام فقال: الحمد لله الذي حَبانا بدِينه، واختصّنا بمِلّته، وسبّلَنا في سُبل إحسانه، لنسلكها بمَنّه إلى رضوانه، حمداً يتقبّلُه مِنّا، ويرضى به عنّا.


والحمد لله الذي جعل من تلك السُّبُل شهرَه شهرَ رمضان، شهرَ الصيام، وشهرَ الإسلام، وشهر الطَّهور وشهر التمحيص، وشهر القيام.
وإذا أوشك شهر رمضان على الرحيل أخذ الإمام السجّادُ عليُّ بن الحسين عليه السّلام يودّعه عارفاً فضلَه، ومحزوناً على فراقه، فقال يخاطبه:
السّلام عليك يا شهرَ اللهِ الأكبر، ويا عيدَ أوليائه.
السّلام عليك يا أكرمَ مصحوبٍ من الأوقات، ويا خيرَ شهرٍ في الأيّام والساعات.
السّلام عليك مِن شهرٍ قَرُبَت فيه الآمال، ونُشِرت فيه الأعمال.
السّلام عليك مِن قرينٍ جلّ قَدْرُه موجودا، وأفجَعَ فَقْدُه مفقودا، ومَرْجُوٍّ آلَمَ فِراقُه.
السّلام عليك مِن أليفٍ آنَس مُقْبِلاً فَسَرّ، وأوحَشَ مُنقَضياً فَمَضّ.
السّلام عليك مِن مُجاورٍ رقّت فيه القلوب، وقَلّت فيه الذنوب...
السّلام عليك مِن شهرٍ لا تُنافِسُه الأيّام.
السّلام عليك مِن شهرٍ هو مِن كلِّ أمرٍ سلام.
السّلام عليك مِن مطلوبٍ قبلَ وقته، ومَحزونٍ عليه قبل فَوتهِ.
السّلام عليك.. كم مِن سوءٍ صُرِف بك عنّا، وكم مِن خيرٍ أُفيض به علينا!


وتسمو أيّام شهر رمضان ولياليه على أيّام السنة ولياليها العامّة، ويكون لساعاته وأوقاته منازلُ خاصّة وكرامات إلهيّة وعنايات رحمانيّة تدعو أصحاب الحظوظ وأهل البصائر إلى اغتنامها. أمّا الجمعة ـ وهي عروس الأيّام ـ فلها هي الأُخرى خصوصيّتها في هذا الشهر الكريم، حيث قال الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: إنّ لِجُمع شهر رمضان لَفضلاً على جميع سائر الشهور، كفضل رسول الله على سائر الرسُّل، وكفضل شهر رمضان على سائر الشهور.


فضائل الصوم
في الصوم تكاملٌ للنفس، إذ يخلق حالات من الصبر والإرادة والمقاومة الداخلية أمام المغريات، ويكسر جُماحَ الشهوات حتّى يمكن السيطرة عليها وتوجيهها بشكلٍ شرعيّ مهذّب. وإلى ذلك، يزيل الصيام حالة البَطَر والجَشَع، ونَزوةَ الشرّ وطُغيان النفس، وينمّى مكانَ ذلك الرحمةَ والشفقةَ والسخاء والخشوع لله تعالى.


وإذا كان الإكثار من تناول الطعام يولّد خمولاً في الفكر، وثقلاً في البدن إلى حدّ الكسل، وتشوّشاً في القلب.. ففي الصيام يصفو الفكر والقلب، وتهدأ النفس، فإذا ألِفَ المرءُ الصومَ استغنى قليلاً عن الحاجة الملحّة، وابتعد عن التُّخمة وعن الهمّ المتفاقم نحو الأكل والشرب.


والصوم ـ مع أنّه تكليف شرعيّ ـ نجده تشريفاً من الله عزّوجلّ إلى عباده، وهذا يوجب الشكر؛ إذ أصبحوا موضعَ خطاب الله تعالى وندائه، ومحلَّ تكليفه ودعوته:
 يا أيُّها الذينَ آمَنوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتبَ على الذينَ مِن قبلِكُم لَعلّكُم تتّقون.


وأيّ شرف عظيم للإنسان أن تتوجّه إليه العناية الربّانيّة فتدعوه إلى ضيافته الخاصّة، ووفادته المكرّمة! وأيّة كرامة له ـ إذا كان مؤمناً ـ أن يُخَصّ بالنداء الشريف كي ينهض بتكليف أُعِدّ بعده الخير والسعادة والإكرام! قال الإمام جعفر الصادق عليه السّلام يوماً: إنّ شهر رمضان لم يَفرضِ اللهُ صيامَه على أحد من الأُمم قبلَنا. فقال له أحد الحاضرين: فقول الله عزّوجلّ  ...


كما كُتب على الذين مِن قبلِكم  ؟! فقال عليه السّلام: إنّما فَرضَ اللهُ صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأُمم، ففضّل اللهُ به هذه الأمّة، وجعل صيامه فرضاً على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلى أُمّته.
ومِن هنا يخاطب الإمام السجّاد سلام الله عليه ربَّه جلّ وعلا بلسان الشكر والثناء، فيقول:


« اللهمّ وأنت جعلتَ مِن صَفايا تلك الوظائف، وخصائصِ تلك الفروض.. شهرَ رمضان الذي اختصَصتَه من سائر الشهور، وتخيّرتَه مِن جميع الأزمنة والدُّهور، وآثَرْتَه على كلِّ أوقات السنةِ بما أنزلتَ فيه من القرآن والنور، وضاعَفتَ فيه من الإيمان، وفَرَضتَ فيه من الصيام، ورَغّبتَ فيه من القيام، وأجلَلتَ فيه من ليلة القَدْر التي هي خيرٌ من ألف شهر.
ثمّ آثَرْتَنا به على سائر الأمم، واصطفَيْتَنا بفضلِه دون أهلِ المِلل، فصُمْنا بأمرِكَ نهارَه، وقُمنا بعَونِكَ ليلَه؛ مُتعرِّضين بصيامه وقيامه لِما عَرّضْتَنا له من رحمتك، وتَسَّبْبنا إليه من مَثُوبتك.
• ويبلغ الصيام من الشرف مَحلاًّ أنّ الله تعالى يخصُّه لنفسه، فيقول جلّ وعلا في حديث قدسيّ مبارك: الصوم لي، وأنا أجزي به.


وفي رواية أُخرى، قال تبارك وتعالى: كلُّ عملِ ابن آدمَ هو له، غيرَ الصيام، هو لي وأنا أجزي به. والصيام جُنّة العبدِ المؤمن يوم القيامة، كما يَقي أحدَكُم سلاحُه في الدنيا... والصائم يفرح بفرحتَين: حين يُفطِر فيَطعم ويَشرب، وحين يلقاني فأُدخِلُه الجنّة.


وهذا يدعو الصائم إلى التعرّف على أدب الصيام أوّلاً، ثمّ العمل بهذا الأدب تجاه بارئه جلّ وعلا ثانياً.


أدب الصائم
قبل أن يحلّ الشهر المبارك، شهر الله الحبيب، شهر رمضان الخير والبركة.. ينبغي تقديمُ التوبة والإقلاع عن المحرّمات، والإكثار من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والاجتهاد في العبادة وكثرة الصدقة وأفعال البِرّ والإحسان إلى المحتاجين والمحرومين.


ويَجمُل بالصائم أن يخلّص ذمّتَه من سائر الحقوق، فينزع الحقد على المؤمنين من قلبه، ويكفّ عن المعاصي، ويترك التنازع والتحاسد، ويتجنّب الإيذاء، ويلزم الصمت عن اللغو والمراء والجدال الباطل فضلاً عن الغِيبة وغيرها من آفات اللسان. ويَحسُن به أن يوجّه جوارحه إلى الطاعات، ويهيّئ قلبه للعبادة، مستحضراً التوجّه والإخلاص، ومنصرفاً عن كلّ ما يشغله عن ذلك من الخصومات وملاهي الدنيا.
فإذا صام المرء الواعي علم أنّه لابدّ له أن يَقرِن انقطاعَه عن الطعام والشراب والمُفطرات، بانقطاعه عن القبائح والدنايا والخطيئات.. وإلاّ لم يَصُم كما أُريد له، ولم يبلغ حكمة الصيام وغايته المُثلى، ولا وُفّق لمقتضيات الصوم الحقيقيّ.


• كان الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا دخل شهر رمضان دعا:
« اللهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآله، وألِهمْنا معرفةَ فضله وإجلالَ حُرمته، والتحفّظَ ممّا حظَرْتَ فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالِها فيه بما يُرضيك.. حتّى لا نُصغيَ بأسماعنا إلى لَغْو، ولا نُسرِعَ بأبصارنا إلى لَهْو، وحتّى لا نبسطَ أيديَنا إلى محظور، ولا نخطوَ بأقدامنا إلى محجور.


• وقد أوصى الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السّلام، فقال:
« إذا أصبحتَ صائماً فلْيصُمْ سمعُك وبصرك من الحرام، وجارحتُك وجميعُ أعضائك من القبيح. ودع عنك الهذيَ وأذى الخادم، وليكُنْ عليك وَقارُ الصيام، والزَمْ ما استطعت من الصمت والسكوت إلاّ عن ذِكر الله. ولا تجعل يومَ صومِك كيوم فِطرك .


ومن أدب الصائم: صرف النفس عن التلهّي، والتوجّه إلى اللذائذ الروحيّة شوقاً إلى نوال مرضاة الله جلّ وعزّ، بقلبٍ مُقبل على بارئه الرحيم، ولسان ذاكر، ونفس جانحة إلى التزكية، ويد معطاء للخير، وفكر يَقظٍ من مداخل الرياء وشوائب العُجب.


ومن أدب الصائم أيضاً أن يتهيّأ لاستقبال شهر الله المبارك، ويستعدّ للقائه وهو شاكرٌ لله تعالى أن مَدّ في عمره حتّى أدرك أيّام الطاعة في شهر رمضان، وكان من ضيوف الرحمن.


ومن التهيّؤ ـ أيّها الأصدقاء ـ أن يترقّب الحبيبَ القادم، فيستهلّ مُقلِّباً طَرْفَه في آفاق السماء.. حتّى إذا رأى هلال شهر رمضان انتعش قلبه، وتوجّه إلى القِبلة الشريفة رافعاً يديه إلى ربّه عزّوجلّ، مخاطباً الهلال:


ربّي وربُّكَ اللهُ ربُّ العالمين. ثمّ مخاطباً الحقّ المتعال: اللهمّ أهِلَّه علينا بالأمنِ والإيمان، والسلامةِ والإسلام، والمسارعةِ إلى ما تُحبّ وترضى. اللهمّ بارِكْ لنا في شهرنا هذا، وارزُقنا خيرَه وعونه، واصرِف عنّا ضُرَّه وشرّه وبلاءه وفتنتَه.


مهمّات الصيام
من مهمّات الصائم في هذا الشهر العظيم ـ أيّها الإخوة ـ معرفة حقّ شهر رمضان، وأنّه مَنزِلٌ أكرَمَ اللهُ فيه السائرين إليه جلّ وعلا بالدعوة إلى ضيافته. وهذا الشهر المبارك هو دار ضيافة الله تعالى.


وجميلٌ حقّاً أن يعرف الصائم معنى الصوم، ومناسبته، ومعنى ضيافة الله سبحانه لعباده، وأن يسعى بعد المعرفة في تحصيل الإخلاص وطلب وجه الله تعالى ورضاه.


وإذا كان صوم العوامّ بترك الطعام والشراب وما قرّره الفقهاء من الواجبات تركه والمحرّمات، فإنّ صوم الخواصّ يكون بترك ذلك كلِّه مع حفظ الجوارح من المخالفات ومن معاصي الجوارح.. فيما يكون صوم خواصّ الخواصّ هو ترك كلّ ما هو شاغل عن الله عزّ شأنه.


وإذا كان المرء منصرفاً بعد جوعه إلى إشباع معدته، فإنّ الصائم يرى من مهمّاته إفطارَ الصائمين وإكرامهم واستضافتهم على مائدة الأُخوّة والمحبّة في الله تعالى.


وإذا كان الإنسان مشغولاً في الأشهر السالفة بمحاسبة شريكه في العمل، فإنّه في هذا الشهر يرى من مهمّاته أن يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه، ويلاحظ رأس ماله في شهر رمضان.. وهو عمره وإيمانه، وأنوار هذا الشهر الشريف وأنواره ـ هل أُفيض فيه عليه البركات والفضائل والخيرات ؟ وكيف غدَتْ أخلاقه ومعارفه، وإلى أيّ شيء صار قلبه وجَنَحت نفسه ؟ وهل صلحت حاله وكفّ عن المحرّمات، ومالت روحه إلى الطاعات ؟ وما هي حالته حين ودّع شهر رمضان ؟ أَكما يودّع عزيزاً حبيباً سيفارقه إلى عام قادم.. وقد لا يدركه إذا فاجأه الأجل ؟!

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع