واصلت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية لسماحة السيد عدنان الكراني و ذلك في ليلة السابع من موسم محرمّ لعام 1447 هـ ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم بصوت القارئ الدكتور علي ابراهيم ، وبعدها زيارة الإمام الحسين بصوت الرادود حسن المعلمة ، و تحت عنوان " الإخلاص في العمل " ، استهل سماحته بالآية الكريمة: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، مؤكدًا أن الكثير من الناس يقيمون الأعمال بناءً على ظاهرها وبهرجتها، مما يجعل التقييم سطحيًا ولا يعكس جوهر العمل وإتقانه. أشار إلى أن هذا التقييم الظاهري قد يمتد للأسف إلى الأعمال التي يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فيُقال: "لله در فلان عمّر مسجدًا" أو "فلان زوّج أعزب"، ويكون تقييم الفرد بناءً على هذه المظاهر ، هناك تساؤل مهم: هل يقيم الله عز وجل أعمال الناس بنفس المعايير التي يقيمون بها أعمال بعضهم البعض؟ الأمر يختلف تمامًا، ونستشهد بقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾. فالمعيار عند الله هو العمل الصالح الحسن، وليس مجرد الإيمان القلبي المجرد. ورفض المبررات التي يسوقها البعض لعدم التزامهم الديني بقول "الإيمان في القلب" .
ثم انتقل سماحته إلى سورة العصر، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. بيّن أن هذه السورة العظيمة، رغم قصرها بثلاث آيات، إلا أنها لخصت مفاهيم وأهداف القرآن الكريم، وقدمت منهجًا كاملاً لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. الأصول الأربعة للنجاة: الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر ، شرح السيد الكراني أن السورة تبدأ بقسم، ثم تتحدث عن خسران جميع البشر إلا مجموعة واحدة اتخذت منهجًا يقوم على أربعة أصول: الإيمان: "إلا الذين آمنوا". العمل الصالح: "وعملوا الصالحات". التواصي بالحق: "وتواصوا بالحق". التواصي بالصبر: "وتواصوا بالصبر". وبيّن أن هذه الأصول الأربعة هي المنهج العقائدي والعملي للفرد والمجتمع في الإسلام، ومن تمسك بها نال الفوز والنجاة من الخسران. النبي (ص) يؤكد على أهمية العمل
استدل سماحته بما نقله ابن أبي الحديد المعتزلي عن النبي (ص) قوله: "أيها الناس، إنه ليس بيني وبين أحد نسب يشفع له بتخطي الأمور الحقة والعادلة، ولا أمر يؤتيه به خيرًا أو يصرف عنه شرًا إلا العمل". وتابع: "لا يدعِيَنّ مدّع ولا يتمنّينّ متمنّ، والذي بعثني بالحق لا ينجي إلا عمل مع رحمة". هذا يؤكد أن النجاة بين يدي الله تعالى تتحقق بالعمل الصالح المخلص المقترن برحمة الله.
الإخلاص في العمل هو جوهر المسألة، و الإخلاص هو خلوص النية أو الدافع نحو العمل من كل شيء عدا الله سبحانه وتعالى. فالأعمال لا تُقبل إلا بقدر الإخلاص فيها، حديث الإمام الصادق (ع): "اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد عدوًا إلى الله، ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ". لتقريب الفكرة، ضرب سماحته أمثلة حية على بركة النية المخلصة، مثل مشروع التعليم الديني الذي بدأه الأستاذ الإسكافي (رحمه الله)، والذي لا يزال أثره باقيًا ومخلدًا ببركة تلك النية الصادقة. كما ذكر قصة إعادة بناء حسينية الحاج أحمد بن خميس في فترة وجيزة لا تتجاوز ثلاثة أشهر عام 1971 أو 1972، حيث عمل الناس بأيادٍ متكاتفة ليل نهار. ونقل شهادات عن رجال كالحائكي من المحرق، الذي كان ينقش على الجدران ودموعه تذرف، إشارة إلى إخلاصه في خدمة أهل البيت، مما جعل عمله خالدًا لا ينساه الزمان .حديث النبي (ص): "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". وهذا يؤكد أن قيمة العمل مرتبطة بالنية الكامنة وراءه.
في ختام محاضرته، أشار سماحة السيد الكراني إلى حديث قدسي: "أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصًا". وبيّن أن ثمرة إخلاص الإنسان في عمله ونيته لله هو أن يرزقه الله البصيرة في دينه، فلا تختلف عليه الطرق ولا تؤثر عليه أمواج الفتن، ويعرف طريقه الصحيح ويمضي فيه قدمًا. واستشهد بقول أمير المؤمنين (ع): "عند تحقق الإخلاص تستنير البصائر". واختتم بوصف الإمام الصادق (ع) للعباس (ع) بـ"نافذ البصيرة، صلب الإيمان، له منزلة عند الله يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"، مما يدل على أن إيمانه بإمامة الحسين (ع) وسيره خلفه كان نابعًا من تلك البصيرة التي تحققت بالإخلاص في العمل. وهذا هو منهج أبي الفضل العباس الذي أعلن: "والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدًا عن ديني، وعن إمام صادق اليقين".
الكراني ليلة السابع من شهر محرم الحرام 1447 هـ /2025م



































التعليقات (0)