كلمة السيد عباس الموسوي يوم القدس في طرابلس تاريخ 12-4-91
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلقه محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
في هذا الوقت المختصر، اتكلم ببضع كلمات، في الواقع ان يوم القدس هو يوم احياء الاسلام، كما عبر نفس الامام الخميني رضوان الله عليه، لكي نستوعب مضمون هذه الكلمة، سوف اتوجه بالحديث حول القدوة الحقيقية لهذه الامة، حول سيرة رسول الله (ص) ما هو فارق مرحلة ما قبل رسول الله، وما بعد مرحلة رسول الله، قبل محمد(ص) حيث كانت الجاهلية، كيف كان الانسان، وبعد ان بعث محمد(ص) كيف اصبح الانسان،اذا استطعنا ان نعرف الفارق بين الانسان الاول والانسان الثاني، انسان الجاهلية وانسان الاسلام، استطعنا ان نقطع كل المسافة، لنفهم كل الحقائق في الماضي والحاضر على حد سواء. الانسان في الجاهلية، مصيبته الكبرى، انه كان صاحب اهتمامات هابطة لا قيمة لها، ابعد افق لاهتماماته العشيرة، اوسع افق لانسان الجاهلية ان يصل الى موقع او الى مركز او ما شابه، وهذه المسالة تقرؤونها في سيرة الانسان من الفها الى يائها في ايام الجاهلية، حتى عندما اظهروا الغيرة على الحجر الاسود. النزاع الذي حصل بين العشائر، من يضع الحجر الاسود في مكانه. كان الهدف الاساس من يأخذ الوجه، على مستوى الجزيرة العربية. كل عشيرة كانت تطمع في الموقع، ولم تكن تطمع حقيقة في وضع الحجر الاسود. وهكذا لا تجد قضية اساسية في حياة الناس، كل القضايا التي تعتبر قضايا امة، او قضايا على مستوى الانسانية كأنسانية، كانت غائبة بالكامل، وفي المقابل كنت تجد كل الاهتمامات الرخيصة، هكذا مجتمع هكذا انسان كيف يستطيع ان يواجه امام القضايا الكبرى والاساسية. يذكر القرآن الكريم قصة، بسورة قرآنية كاملة ، يذكر لنا هزيمة هذا الانسان، يذكر لنا الانكسار الذي كان يعيشه هذا الانسان عندما كان يحتك بالقضايا الكبيرة ويجرب بالقضايا الكبيرة،" بسم الله الرحمن الرحيم، الم ترى كيف فعل ربك باصحاب الفيل" الى اخر السورة، اتصوركم جميعا تعرفون قصة الفيل، ابرهة الحبشي بنى بيتا في اليمن، ثم توجه لهدم قبلة المسلمين، لهدم الكعبة، يعني يريد ان يستأصل اهم مقدسات ابناء الجزيرة العربية، وفي المقابل يحول انظار كل هؤلاء الناس الى القبلة التي يحددها هو، واجهت الانسان العربي هذه القضية الكبيرة، قضية الدفاع عن الكعبة المشرفة، فما كان من هذا الانسان الا ان انهار انهيارا كاملا، يحكي التاريخ ان عشيرة واحدة في وسط الطريق واجهت ابرهة الحبشي فهزمت. بعد ان هزمت حتى رئيس القبيلة تحول الى ذليل بين يدي جيش ابرهة. قال لهم "انا اتقدم امامكم لادلكم على الكعبة التي تريدون هدمها" تحول الى عميل. ثم عندما وصل ابرهة الحبشي الى ابواب الكعبة، تحول عتاة قريش الى رؤوس الجبال ليتفرجوا كيف ستهدم كعبتهم. لو كانت المسألة مسألة عشائرية لاهتم بها هؤلاء، لو كانت المسالة مسالة جاه، لكانت موضع اهتمام كبير من قبل هؤلاء. اما والقضية قضية مقدسة فهي لا تعنيهم. جاء رسول الله(ص). مجيء رسول الله هو عبارة ان ارتفاع بهذا الانسان من دائرة الاهتمامات الهابطة الى دائرة الاهتمامات الكبرى، فبدأ الانسان حتى منذ ايامه الاولى التي انفتح فيها على الاسلام وهو في مكة. بدأ ينفتح على قضايا كبرى. الانسان المسلم وهو في مكة امره رسول الله(ص) ان يتوجه الى بيت المقدس بصلاته، ثم اخذ يرسخ قداسة البيت المقدس في نفوس المسلمين خطوة بخطوة، فكانت الخطوة الاولى التوجه بالصلاة، ثم العديد من الروايات والاحاديث بحق بيت المقدس وعظمة بيت المقدس، ثم الرحلة العظيمة لرسول الله "الاسراء والمعراج"، وسجل القرآن الكريم هذه القصة العظيمة، قصة الاسراء والمعراج، حتى يرسخ في قلوب المسلمين وفي ضمير المسلمين ان بيت المقدس اساس، بيت المقدس هو الهم الاساس، ثم فيما بعد(ص) اخذ يركز القضايا في نفوس المسلمين قضية وراء قضية. يعزز موقع الكعبة في نفوسهم، يعزز قضية الاسلام، يعزز قضية القرآن، يعزز قضية النبوية، يعزز حرمة الانسان المسلم اينما كان، وهكذا. حتى عبر المسلمون بمسافة زمنية قصيرة، عبروا من مرحلة الجاهلية الى مرحلة الاسلام. والعبور ما بين هاتين المرحلتين، هو عبور على مستوى الاهتمامات، من المستويات البسيطة والجزئية، الى المستويات الكبرى، فاصبح المسلم الذي هو حول الكعبة المشرفة على مستوى اهتماماته والقضايا التي يحملها تماما بنفس المستوى الذي عليه مسلم اخر في المدينة المنورة وكذلك في الطائف وهكذا، فبنيت امة على اهتمامات واحدة وعلى قضايا واحدة. فاصبحت الامة من جهة تهتم بالاهتمامات الكبيرة، ومن جهة اخرى موحدة على هذه الاهتمامات وهذه القضايا الواحدة. وهذا وحده الذي يفسر لنا كيف انتشر الاسلام سريعا في العالم. كيف بنيت دولة الاسلام الكبرى على كواهل المسلمين. في عصرنا الحاضر على مستوى الكم، العدد، هو مليار مسلم، لكن هؤلاء المليار مسلم ليس عندهم قضية، طبعا اتكلم عن مرحلة ما قبل الاسلام في عصرنا الحاضر، لا قضية لهم على الاطلاق، دول متعددة متناحرة، احزاب متعددة متناحرة، وكل يدعوا لنفسه، الدولة الفلانية تريد زعامتها وتنافس بقية الدول على زعامة الامة، على زعامة العالم العربي, او زعامة ولو محيط صغير، وكذلك هي الاحزاب المتناحرة، عندما تفتش عن قضية يتنافس عليها هؤلاء لا تجد، الا اذا وجدت بين ايديهم قضية يتجرون بها، كما كان يتاجر كلهم بقضية فلسطين مثلا، لكن تجارة، دكان. في واقع بهذا المستوى، القضية الكبرى غائبة والقضية الصغيرة حاضرة، الامة لا تستطيع ان تنهض. من هنا العظمة للدعوة التي دعا اليها امام الامة وقائدها، الامام الخميني رضوان الله عليه ، عندما قال قبل ان يعلن عن يوم القدس، قال (والتعبير الذي انقله هو نص فتوائي، يعني نص تكليفي حتى يعرف الانسان ما هو تكليفه) " يجب على المسلمين ازالة اسرائيل من الوجود" ثم اخذ يرفع رضوان الله عليه الشعارات الكبرى بالنسبة الى القدس، ثم دعا الامة بيوم مشخص اطلق عليه اسم يوم القدس، وهو هذا اليوم الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك. ماذا يريد الامام من هذا اليوم، وماذا يريد الامام من وراء اثارة هذه القضية، قضية القدس تحديدا. هنا اقول لكم بوضوح، الامام رضوان الله عليه كقائد للامة، كان هدفه كاساس ان يصنع حسا اسلاميا عاما. هذا الحس بدونه الانسان المسلم لا يستطيع ان يدافع عن مقدساته، سأذكر في هذا الخطاب، قضيتين اساسيتين اثارهما الامام رضوان الله عليه. القضية الاولى فتواه بسلمان رشدي الفتوة الشهيرة والمسالة الثانية التي نحتفل بذكرها، يوم القدس. في موضوع سلمان رشدي، هل سلمان رشدي هو اول من تطاول على رسول الله، اقرأ في كتب المستشرقين، اقرأ في كتب العديد من الغربيين الملاحدة، تقرأ سبابا وشتائم على رسول الله (ص). السب لرسول والطعن بشخصية رسول الله وزوجات رسول واصحاب رسول الله مسألة قديمة. لكن عندما كان المليار مسلم موتى، لا حس لديهم في الدفاع عن رسول الله ، كانت لا تستثيرهم كل هذه الشتائم وكل هذه اللعنات. فاراد الامام ان يوقف الامة ولو لمرة واحدة، للدفاع عن رسولها (ص) فاعلن فتواه، وطالب الامة بالتحرك، ورأيتم كيف تحركت الامة من اقصى العالم الاسلامي الى اقصاه. حتى في عواصم امريكا واوروبا، تحركت المظاهرة والمسيرات والاحتجاجات دفاعا عن رسول الله. يعني لاول مرة في تاريخنا المعاصر يتوحد المسلمون على امتداد العالم الاسلامي، في الدفاع عن رسول الله محمد (ص)، كذلك القضية الثانية، قضية القدس، ارجعوا بالذاكرة الى الوراء، سترون ان القدس هتكت مرارا، سترون ان المسلمون كان يشاهدون وهم مليار مسلم، كانوا يشاهدون هتك حرمة المسجد الاقصى مرة بعد اخرى، تتذكرون جميعا سنة 1969 حرق المسجد الاقصى على يد اليهود، والمليار مسلم شاهدوا هذا المشهد من خلال التلفزيون، لكن لم يقوموا، لم يتحركوا لانهم كانوا اموات. اراد الامام رضوان الله عليه ان يقول للامة، عليك ان تقومي بواجب الدفاع عن بيت المقدس وان تقومي قياما واحدا كأمة، ولذلك الامام عندما اعلن يوم القدس ايضا قال عبارة ثانية، قال: "الذين لا يشاركون في مراسيم القدس هم مخالفون للاسلام". يقصد الامام من وراء هذه الكلمة ان يا مسلمي العالم احتشدوا بالنسبة ولو بيوم واحد. تصوروا مليار مسلم في يوم واحد نزلوا الى الشوارع، مليار مسلم صاروا بالشوارع ويطالبون بتحرير القدس في هذا اليوم، هذا المشهد الكبير والمزهل، كيف ستقابله دوائر الاستكبار العالمي، كيف سينظر اليه الامريكي والاسرائيلي والغربي، عندما فقط يتظاهر المسلمون في الشوارع ولو ليوم واحد في استعراض قوة. المطالبة بقضيتهم الكبرى. طبيعي ساعتئذ الاستكبار العالمي يقول نزلوا الى الشوارع فقط بمظاهرة فكانت هذه الهزة الكبرى، فكيف اذا حملوا السلاح لتحرير القدس، اين سيكون موقع اسرائيل آنذاك. الامام رضوان الله عليه اراد ان يحرك حس الدفاع عن حرمات الاسلام ومقدسات الاسلام في نفوس ابناء هذه الامة. حتى تتحرك الامة باتجاه قضاياها الاساسية. تدافع عن نبيها، تدافع عن قدسها الشريف، تدافع عن كعبتها المشرفة، تدافع عن كتاب الله. عندما ترتفع الامة الى هذا المستوى تصبح امة حقيقية، من جهة تثيرها القضايا الكبيرة ومن جهة توحدها هذه القضايا الكبرى، نفس النموذج الذي حصل في زمن رسول الله يمكن ان يتكرر في عصرنا الحاضر. واقول لكم وانا اختم كلمتي ان الامام رضوان الله عليه عندما اعلن هذا اليوم، وعندما حرك في ضمائر المسلمين قضية القدس، لم يحركها اعلاميا، وانما حركها على ارض الواقع ميدانيا، اذكره رضوان الله عليه عندما امتثلنا بين يديه سنة 1982، عند الاجتياح الاسرائيلي، كنا بين يديه، قلنا له ما هو تكليفنا وامريكا والمتعددة الجنسيات واسرائيل على ارضنا، قال لنا عبارة مختصرة: مرحلتكم كربلائية، يعني مطلوب منكم الشهادة، انطلقوا من نقطة الصفر، انطلقوا من المساجد، لا تتوقعوا قطف الثمار في حياتكم، اتركوا الاجيال هي تقطف الثمار، عرفنا تكليفنا كمقاومة وجئنا الى لبنان، وبزغ فجر المقاومة الاسلامية قويا عزيزا، واذا بأمريكا والمتعددة الجنسيات واسرائيل تهزم لاول مرة في تاريخها. هكذا تأسست المقاومة الاسلامية بين يدي الامام الخميني رضوان الله عليه، ثم كان على اثر هذه المقاومة العظيمة، الاثر الاكبر والاكمل الانتفاضة المباركة في فلسطين، التي يعترف الجميع انها ابنة المقاومة الاسلامية في لبنان. المقاومة الاسلامية في لبنان والانتفاضة الاسلامية في فلسطين هما فعلان للامام الخميني رضوان الله عليه. لذلك يوم القدس هو يوم الاهتمام بالقضايا الكبرى. ولذلك حركة امريكا في المنطقة يجب ان تواجه بكل قوة حتى نحافظ على قضايانا الكبرى، وعلى منجزاتنا على طريق هذه القضايا سيما المقاومة الاسلامية والانتفاضة المباركة في فلسطين.
اسال الله ان يسامحنا ويرحمنا ويغفر ما تقدم وما تأخر من ذنوبنا.
اللهم اتمم علينا نعمتك بالنصر كما اتممتها على نبيك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)