بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
جاء في خطاب للإمام الخميني رضوان الله عليه أنه قال: "إنني أعتبر يوم القدس يوم الإسلام ويوم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ويوم تعبئة الطاقات ليخرج المسلمون من العزلة المفروضة عليهم، ويقفوا بوجه الأجانب بكل قوة ومقدرة".
هذا المقطع من خطاب الإمام الخميني رضوان الله عليه يؤكد على "ضرورة حضور الإسلام في كل قضايا الأمة الثقافية والإجتماعية والسياسية".
ففي زحمة التحديات الصعبة التي تحاول أن تحاصر الإسلام والمسلمين في هذا العصر .
وفي زحمة الإرهاصات الشديدة التي أنتجت الكثير من الإرباكات في واقع الأمة .
وأمام غطرسة المشروع الاستكباري الراهن بكل صياغاته السياسية والثقافية والإقتصادية والأمنية والعسكرية .
وفي ظل خطابات المصادرة والإستلاب وتغييب الهوية والأصالة .
وعند هذه المنعطفات الخطيرة، حيث تزدحم "الرؤى والايديولوجيات" لإعادة "التشكّل الحضاري" لمسار الأجيال المعاصرة، وحيث تنشط "الاستقطابات الثقافية والسياسية" للاستفراد بكل مكونات المرحلة الراهنة .
وفي سياقات الهيمنة والسيطرة والاستفراد, وإنتاج البؤس والحرمان لكل الشعوب المستضعفة وصناعة الموت والدمار في كل مجتمعات الإنسان في هذا العصر المأزوم بكل تحدياته، وارهاصاته، وإشكالاته، واستلاباته، واستقطاباته وايديولوجياته، وصراعاته، وتناقضاته .
يجب أن يكون "لخطاب الإسلام" حضور ووجود وأن يكون لخطاب الإسلام فاعلية وحركية وأن يكون لخطاب الإسلام قدرةٌ وإنتاجيةٌ وأن يكون لخطاب الإسلام تشكلٌ وصياغاتٌ.
وإذا كنا نصرّ على هذا الحضور لخطاب الإسلام في كل مواقف الأمة، ومسؤولتنا أن نصر على هذا الحضور .
ففي ساحاتنا الثقافية والسياسية تتحرك مقولات وكلمات وأصوات ليس لها في هذه الأرض منبت، ولا تحمل أصالة الإنتماء، مشدودة الهوية إلى علمنة بائسة، وإلى ليبرالية مفلسة وإلى ديالكتيكية مدحورة فاشلة, مقولات وكلمات وأصوات متشنجة موتورة تطالب بتجميد الإسلام في كل مواقع الحياة, وترفض أن يكون للإسلام حضوره السياسي وخطابه السياسي، وترفض أن يكون للإسلام حضوره الثقافي وخطابه الثقافي وأن يكون للإسلام حضوره الاقتصادي وخطابه الاقتصادي وأن يكون للإسلام حضوره الاعلامي وخطابه الاعلامي, وهكذا كل حضورات الإسلام وكل خطاباته .
لماذا هذا الفزع من "صوت الإسلام"؟ ولماذا هذا الرعب من "خطاب الإسلام"؟ ولماذا هذا الإصرار على الرفض "لحضور الإسلام" السياسي، ولحضور الإسلام الثقافي ولحضور الإسلام الاقتصادي.
إنهم يقولون إن "خطاب الإسلام السياسي والثقافي" وخطاب الدين السياسي والثقافي ينتج "العنف والإرهاب", هكذا قال بوش، وإعلام بوش، وصحافة بوش فردد هذه المقولة الظالمة الجائرة "مثقفة هذا العصر" في عالمنا العربي والإسلامي ورددها إعلامنا المأسور للهيمنة الإمريكية ، ورددتها "صحافتنا" المهزومة .
ورددتها أقلام مبهورة ومأجورة، ورددها سياسيون مصبوغون بصبغة التغريب والعلمنة ورددتها حركات ومؤسسات وجمعيات شكّلت الإختراقات الثقافية والسياسية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وشكلت أدوات الإستلاب والمصادرة لوعي الأمة ولهويتها وأصالتها .
لا ننفي أن يكون لبعض الصياغات التي إعتمدت ايديولوجية الدين خطاباتها المتطرفة، والتي قد تنتج الرعب والعنف والإرهاب إلا أن هذه الصياغات ربما تكون مأسورة لرؤى دينية خاطئة ومغلوطة وربما تكون خاضعة لمؤثرات موضوعية فرضت عليها أن تنتج العنف والإرهاب .
لماذا لا نبحث عن تلك المؤثرات؟ أليس العنف الأكبر والإرهاب الأكبر الذي مارسته الإدارات الأمريكية ضد شعوب الأرض هو "المنتج الأول" لمكونات العنف والإرهاب في العالم؟ أليس عنف وإرهاب النظام الصهيوني في داخل الأرض المحتلة هو أحد مُشَكِّلات العنف والإرهاب في العالم .. ؟ أليس عنف وإرهاب الأنظمة الحاكمة في الكثير من بلدان العالم هو الذي خلق نهج العنف والإرهاب عند الشعوب؟
ثم لماذا هذا التزوير المتعمد في الخلط بين الإرهاب، وحق الشعوب المقهورة في الدفاع والمقاومة وتحرير الأرض وحماية المقدسات ..؟
أيها الأحبة ...
كم هي حاجة المرحلة بكل تحدياتها وإرهاباتها أن يكون للإسلام حضور، وأن يكون لخطاب الإسلام حضور إن يوم القدس العالمي تعبير حي لهذا الحضور ... وحتى نعطي لهذا الحضور مضمونه الأقوى والأصدق يجب أن يصاغ "خطاب القدس" وفق محدداته ومكوناته الإسلامية .
ما هي المحددات والمكونات لهذا الخطاب؟
أولاً:
إنه خطاب الثورة والمقاومة وليس خطاب المهادنة والمساومة، إنه خطاب يرفض كل ألوان "التطبيع".
لماذا هذا الخطاب؟ والعالم يرفع "شعار الوفاق والسلام" أليس في هذا ما يؤكد "إرهابية الخطاب الإسلامي" ؟,ليس إرهاباً الدفاع المقدس عن الأرض والحق ليس إرهاباً المقاومة المشروعة ضد الغزاة الغاصبين ليس إرهاباً الرفض لأنظمة القهر والتسلط .
نعم في قاموس "صناع الإرهاب الكبار" في العالم، في قاموس بوش والإدارة الإمريكية : حزب الله في لبنان حركة إرهابية، حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين حركتان إرهابيتان، الانتفاضة الصامدة في وجه الغطرسة الصهيونية، إنطلاقة إرهابية الرموز الإسلامية المواجهة للمشروع الأمريكي شخصيات إرهابية الصحوة الإسلامية الناشطة حالة إرهابية. الخطاب الإسلامي الأصيل خطاب إرهابي.
أيها الأحبة: خطاب القدس يجب أن يبقى "خطاب الثورة والجهاد" وهذا هو "خيار المرحلة".
ثانياً:
عقائدية الخطاب، إننا نصر أن يكون خطاب القدس خطاباً عقيدياً مبدئياً، لماذا لا يكون الخطاب علمانياً .. لكي تتمكن كل القوى من الإصطفاف في خندق واحد من أجل تحرير الأرض ؟, "العقائدية" هي خيار الإنسان المسلم وخيار الأمة المنتمية إلى الإسلام هي خيارها في كل المواقف والقضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية .
وهل السبب الأقوى في "انهزامات المسلمين" ونكساتهم إلا غياب "العقائدية"، إن انهزامات وانتكاسات أكثر من نصف قرن مرت بأمتنا العربية والإسلامية فيما هو الصراع مع العدو الصهيوني كانت بسبب غياب "العقائدية الإيمانية", وهل السبب الأقوى في استمرار الإحتلال الغاصب إلا غياب "العقائدية الإيمانية". من المفارقات أن يكون اليهودي الغاصب للأرض يقاتل وهو يحمل "شعار العقائدية التلموذية الزائفة" ، والمقاتل العربي في حروبه مع اليهود الغاصبين ما كان يحمل "شعار العقائدية القرآنية". بل كان في "مثقفة الأمة" من أتهم الفكر الديني بأنه السبب في "نكسة حزيران" هذا ما قاله جلال العظم في كتابه "نقد الفكر الديني" الصادر في تلك المرحلة، ولا زالت تلك المقولات الرافضة للدين تتحرك في الأوساط الثقافية والسياسية المصبوغة بصبغة العلمنة والتغريب ... ولا زالت هذه المقولات تتهم الإسلام والإسلاميين، وتتهم خطاب الإسلام والإسلاميين بأنه وراء هزائم الأمة ونكساتها .
لا يتسع حديث في لقاء جماهيري، ولا تتسع لغة الإحتفالات إلى نقد ومحاسبة هذه المقولات الوافدة معلبة ولكني أسوق بعض شواهد لا زالت حاضرة في الذاكرة المعاصرة للأمة، تبرهن على زيف تلك المقولات .
في حرب رمضان، رفع المقاتل العربي "شعار الله أكبر" فاستطاع أن يحطم خط بارليف، واستطاع أن يهزم العدو الاسرائيلي .
"شعار الله أكبر" هو الذي أسقط عرش الطاووس، وحكم الشاه في إيران، خامس قوة عسكرية في العالم .
"شعار الله أكبر" هو الذي أحدث معجزة العصر على أيدي مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان .
"شعار الله أكبر" هو الذي جعل الأرض تهتز تحت أقدام الصهاينة على أيدي أبطال الإنتفاضة في فلسطين .
ثالثاً:
خطاب القدس خطاب المليار مسلم وأكثر من المليار، هذا العمق الملياري يعطي لخطاب القدس شموخه وعنفوانه وصلابته وقدرته .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ... هل أن المليار مسلم يشكلون عمقاً حقيقياً لخطاب القدس؟
يؤسفني أن أقول المسلمون اليوم لا يمثلون رقماً صعباً في المعادلات السياسية الراهنة إنهم الرقم المهمل في كل الحسابات .. أنا لا أتجنى على الواقع العربي والإسلامي, إن قراءة عاجلة لهذا الواقع تؤكد هذه "الحقيقة الصعبة".
المفاصل التي تشكل هذا الواقع:
الأنظمة السياسية
الشعوب والجماهير
التشكلات الثقافية والاجتماعية والسياسية
القيادات الدينية والروحية
الأنظمة السياسية في أغلب البلدان الإسلامية مأسورة لهيمنة الإرادات الكبرى وعلى رأسها الإرادة الأمريكية، ولا شك أن هذه الإرادات ترفض أن يكون للإسلام وللمسلمين أيَّ حضور فاعل على مستوى السياسة أو الثقافة أو الاقتصاد.
وأما الشعوب الإسلامية فهي محاصرة بإرادات الأنظمة، وثقافات الأنظمة، وسياسات الأنظمة وكل هذه الإدارات والثقافات والسياسات تريد للشعوب أن تكون "مدجّنة" مسلوبة الوعي والهوية والأصالة .
وإذا أردنا أن نتحدث عن "التشكّلات" الثقافية والاجتماعية والسياسية في مجتمعات المسلمين، فهي - في غالبيتها- لا تحمل أصالة الانتماء إلى الإسلام، ولذلك كان لها الدور الكبير في ضياع هوية الأمة، وإستلاب أصالتها ومصادرة مضمونها الروحي ... وهي المنافذ التي تم من خلالها إختراق الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي لهذه الأمة.
والقيادات الدينية والروحية فقد توزعتها ثلاثة خيارات:
الممائلة لأنظمة الحكم والسياسة "الخنوع والاستسلام لخط السلطة في البلد أو ذاك".
الاعتزال والابتعاد والتخلي عن مسؤوليات المرحلة.
التصدي لمسؤوليات المرحلة بكل ما تفرضه هذه المسؤوليات من "خيارات صعبة جداً".
في ضوء هذه المعطيات نخلص إلى القول أن "خطاب القدس" لن يملك "عمقه الإسلامي الكبير" إلا إذا أعطى لهذا العمق حضوره الحقيقي من خلال "التأصيل الإيماني" لكل مكوّنات هذا الحضور, وهنا نستطيع أن نستوعب الدلالات الهامة لخطاب الإمام الخميني رضوان الله عليه حينما قال: "إنني أعتبر يوم القدس يوم الإسلام، ويوم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، يُوم تعبئة الطاقات ليخرج المسلمون من العزلة المفروضة عليهم، ويقفوا بوجه الأجانب بكل قوة ومقدرة" . انتهى كلام الإمام الخميني(رض).
التعليقات (0)