شارك هذا الموضوع

تطورات إيجابية في مسار العلاقات الإيرانية السعودية

لعبت عوامل كثيرة في كسر حالة الشك المتبادل الذي كان قائماً وقيِّماً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية طيلة السنوات التي سبقت العام 1996؛ فخروج العراق من منظومة التأثير الخليجي ومروراً بالتحالف التركي الصهيوني إلى قضايا الأوبك ثم الفجور الأمريكي المستمر ضد السعودية وإيران ودول المنطقة كلها أمور دفعت البلدين لأن يقفزا على صنم الشك المعبود من قِبَلِهِمَا ويبدأوا في تأسيس ثقة بينية متبادلة كان لها الأثر الكبير على خريطة المنطقة الخليجية والعربية والإقليمية .


لقد تخلّت إيران عن شعاراتها الثورية التي اتبعتها في إعلامها منذ بداية الثورة الإسلامية والتي ازدادت أكثر بعيد حادثة الحرم المكي في العام 1987 التي وقعت للحجاج الإيرانيين، إلى أن خفّت تلك الحِدَّة بوصول تيار المعتدلين برئاسة رفسنجاني في العام 1989  وانحسرت بوصول حكومة الرئيس محمد خاتمي التي اتبعت مبدأ إزالة التوتر في علاقاتها الخارجية، ثم في الجانب الآخر اقتنعت السعودية بأن أمنها وأمن منطقة الخليج برمته يعتمد بالأساس علــى " دولها ورجالها وأهلها " كما قال الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي في زيارته التاريخية لإيران .. كما أن السعودية بدأت تنظر لإيران بواقعية أكثر لما لها من قوة عسكرية ونفطية وسكانية وجغرافية ضخمة (طول الساحل الإيراني المطل على الخليج يبلغ 3200 كم)  يمكّنها من لعب دور مهم في المنطقة، يُضاف إلى ذلك أن المملكة العربية السعودية قدّرت المواقف الإيرانية المنددة للتهديدات العراقية المستمرة ضد الكويت وضدها أيضاً، كما قدرت وقوف إيران إلى جانب القضية الفلسطينية واللبنانية شعاراً وشعوراً، إلى أن أدرك البَلَدَان أنه لا يجب وبحجة التنافس الإقليمي إيجاد أرضية للصراع الآيدولوجي والاختلاف الجيوسياسي وهو ما صرّح به وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني في أغسطس الماضي .


إن المعاين عن كثب لطبيعة التقارب الإيراني السعودي يمكنه أن يسجل الأتي :


(1) أن قرار إيران بإقامة علاقات مع السعودية قد اتُخِذَ على أعلى المستويات وأنه غير مرتبط بصعود تيار معين (الإصلاحيون / المحافظون) للسلطة في إيران فالتقارير المُوثقة تشير إلى أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي هو الذي نفض الغبار عن ملف العلاقات المُجمّد منذ أمد (علماً بأن الدستور الإيراني يبيّن أن من وظائف المرشد الدستورية تعيين السياسات العامة للنظام والإشراف على حُسْن إجرائها) وهو ما أكّده الرئيس السابق للبرلمان ناطق نوري خلال زيارته للرياض في أكتوبر 1999 ؛ لذا فإن الإتجاه نحو إقامة علاقات مع السعودية هو أمر يسير نحو الحالة الإستراتيجية وليس التكتيكية، وبعيداً عن النزعة المزاجية لأي تيار وغير خاضع لتصورات حزبية أو استحقاقات انتخابية .


(2) أن الزيارات المتعددة والنوعية التي قام بها المسئولون السعوديون والإيرانيون (لطهران والرياض) تُبيِّن مدى الجدّية والمستقبلية في تحركهم الدبلوماسي النَّشِط، فزيارة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله ووزير الدفاع الأمير سلطان والخارجية سعود الفيصل والداخلية نايف بن عبد العزيز والنفط علي النعيمي والتجارة أسامة جعفر فقيه، ومن الجانب الإيراني الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني والرئيس محمد خاتمي والخارجية كمال خرازي والدفاع علي شمخاني والتجارة شريعتمداري ورئيسي البرلمان السابق والحالي نوري وكروبي والداخلية موسوي لاري لا تعكس أبداً قيام حالة عادية بين بلدين وإنما تعكس تحركاً دبلوماسياً من نوعِ آخر؛ يُضاف إلى كل ذلك التصريحات الإيجابية التي أدلى بها المسئولون السعوديون والإيرانيون (والتي أتت بحجم قوة الزيارات المتبادلة) قد وطدت ذلك التقارب أكثر، فقد سُئِلَ الأمير سلطان في اليوم الرابع والأخير لزيارته التاريخية لطهران " هل تعتبر القدرات التسليحية الإيرانية خصوصاً القدرات الصاروخية تهديداً للسعودية والدول العربية في الخليج ؟ فأجاب : هذا ما يقوله الأجانب أما نحن فنقول أن القوة الإيرانية هي قوة للمسلمين " وهذا التصريح يعتبر بمثابة الرسالة المفعمة بالدلالات لمن لا يريدون استقراراً للمنطقة .


كما أن الطريقة التي تم بها استقبال الأمير سلطان وغيره من المسئولين السعوديين في طهران (وفي الجانب السعودي أيضاً) وما صاحبها من تغطية إعلامية داخلية وخارجية واسعة هي إشارات ملفِته في البرتوكولات الدبلوماسية، واجتماعه بالمرشد الأعلى (والذي لا يجتمع عادة إلاّ بالملوك والرؤساء) لأكثر من 55 دقيقة على غير ما كان مقرراً له وهو 30 دقيقة فقط له دلالاته أيضاً .


(3) بدأ التقارب السعودي الإيراني بمشاريع إقتصادية مهمّة بدون وسيط (كما كان في السابق حيث كان الوسيط هو المنطقة الحرة في جبل علي بإمارة دبي)، ففي بداية ذلك التقارب وبالتحديد في العام 1999 وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 150 مليون دولار وبلغ عدد المشاريع المشتركة 12 مشروعاً استثمارياً وبلغ إجمالي رأس المال المستثمر 280 مليون دولار (77 % للجانب السعـــودي / 12 % للجانب الإيراني والباقي لشركاء آخرين) كما نظمت إيران في الفترة من عام 1998 – 2000 ثلاثة معارض تجارية في الرياض وجِدَّة شاركت فيه أكثر من 400 شركة إيرانية إلى أن قامت إيران بافتتاح معرض دائم لها في الرياض يعنى بالمنتجات الإيرانية، وقد صرح وزير الصناعة الإيراني " أن مجالات تبادل القوى العاملة مع السعودية مفتوحة فالقوى السعودية المحلية بحاجة إلى الاستعانة ببعض القوى العاملة المتخصصة في المجالات المختلفة سواء الطب أو الهندسة أو العلوم والقوى الحرفية الماهرة " .


وكان وزير التجارة السعودي قد زار إيران على رأس وفد إقتصادي كبير ضمّ 60 من رجال الأعمال، حيث تمّ تشكيل لجنة تجارية مشتركة في ديسمبر 1998، وكان التجار السعوديون يطمحون أكثر لاستيراد السجاد الإيراني (المعروف بجودته والذي يأتي في المرتبة الثانية بعد النفط بالنسبة للدخل القومي الإيراني) و الأغنام الإيراينة .


كما أن أكثر من 300 شركة إيرانية بات لها وكلاء في المملكة وتمّ تدشين بنك استثماري مشترك بين إيران والسعودية والإمارات من أجل تنشيط العمل المصرفي . هذا بالإضافة إلى مشاريع تجارية وسياحية كثيرة أبرزها مشروع التسهيلات الإيرانية للمستثمرين السعوديين في جزيرة كشك الإيرانية الساحلية .


(4) يشكل موضوع النفط بالنسبة لدول الخليج أهمية كبرى نظراً لتأثيره المباشر والقوي على اقتصادياتها، وقد عانت دول الخليج مجتمعة (العربية وغير العربية) من تدهور في أسعار النفط بدءاً من العام 1997 – 1998 حين نزل سعر البرميل من النفط الخام إلى أقل من 10 دولارات (6 دولار) علماً بأن أسعار النفط لم تعرف هدوءاً منذ العام 1990 حتى العام 1999، لذا فإن بروز التقارب الإيراني السعودي كان بمثابة العصا السحرية التي خلقت توازناً ما في سوق النفط باعتبارهما من أكبر منتجي النفط في الأوبك ، وفي خطوة جريئة قامت السعودية وإيران بالإتفاق في مارس 1999 على سقف ثابت للإنتاج النفطي والذي بسببه توقفت إيران عن إنتاج الزائد عن حصتها المقررة في الأوبك ودخلت الدولتان في حلف مع فنزويلا والمكسيك بشأن تخفيض الإنتاج بلغ 1.700 مليون برميل، رغم أن الأسعار توقفت عند سعر الثلاثين دولاراً نظراً لضغوط المستهلكين القوية . 


وأمام تلك المعطيات المُشجعة لأسس التقارب السعودي الإيراني تبرز ثمة مشكلات قد تكون عائقاً أمام نموها واطرادها نحو فضاءات أوسع يمكن إجمالها في الآتي :


الأول : النزاع الإيراني الإماراتي حول جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، خصوصاً وأن دولة الإمارات العربية المتحدة بدأت تشعر في بداية التقارب السعودي الإيراني بأنه سيكون على حسابها خصوصاً مع قناعتها بأن :


·        إيران هي من يُصعّد الأمر في حل القضية ويرفض إحالتها إلى محكمة العدل الدولية.


·        رفض إيران لأن تكون من أجندة مباحثاتها مع الجانب السعودي مناقشة موضوع الخلاف على الجزر .


وأن استمرار السعودية (من وجهة النظر الإماراتية) في تسوية علاقاتها مع إيران وإغفال تلك الهواجس لا يخدم العلاقات الأخوية، هذا مع العلم أن الإمارات مستمرة في علاقاتها الحسنة مع إيران بمستوى جيد بل أفضل من بعض الدول الخليجية الأخرى فالتبادل التجاري بين البلدين يصل إلى 1.730 مليار دولار في العام، والتمثيل الدبلوماسي بينهما لا يزال رفيع المستوى لذا فإن القلق الإماراتي ليس نابعاً من تخوف تجاري وخلافه، بل نابع من خشيتها أن يكون موضوع الجزر المتنازع عليها قد يتراجع في سُلّم الأولويات الملحّة لبرامج مجلس التعاون الخليجي التنفيذية، وبالتالي يكون موضوع العلاقات السعودية الإيرانية على حسابه .


وكانت السعودية على الدوام تؤكد بأن علاقاتها مع إيران ليست ضد أحد ولا على حساب أحد بل هي تأتي ضمن متطلبات المرحلة وحاجة المنطقة والعالم العربي والإسلامي لمثل تلك العلاقات، كما أن السعودية شاركت بوزير خارجيتها في اللجنة الثلاثية التي تمخضت عن قمة مجلس التعاون لمتابعة موضوع الخلاف الإيراني الإماراتي .


الثاني : وهو القلق الأمريكي من ذلك التقارب، حيث أن إيران قد صُنِّفت أمريكياً بأنها من الدول الراعية للإرهاب وأنها جزء لا يتجزأ من محور الشر الذي يضم إلى جانب إيران العراق وكوريا الشمالية، وبالتالي فإن ذلك التقارب سيكون في غير محل رضا الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً وأن الأمريكان بدأوا يشعرون بفشل سياستهم ضد إيران والعراق والتي عُرِفت سابقاً بسياسة الاحتواء المزدوج وأن الإيرانيين بدأوا يشقوا طريقهم نحو الصين والهند واليابان والنمور الآسيوية شرقاً  ونحو روسيا والجمهوريات الآسيوية شمالاً وإلى الاتحاد الأوربي غرباً وتجاوزوا معه سياسة الحوار النقدي إلى مجالات أوسع، ولذا فإن انفتاح إيران نحو الخليج وبالذات السعودية هو اختراق مهم لحالة الحصار التي تمارسها الولايات المتحدة ضد معانديها في المنطقة، وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية تسعى جهدها لإيقاف ذلك التقارب وبدأته فعلاً قبل ثلاث سنوات بإثارة قضية انفجار الخُبَر الذي وقع في 26 يونيو 1996  وأودا بحياة 19 أمريكياً واتهمت الإدارة الأمريكية فيه مسئولين إيرانيين بأنهم كانوا وراء تدبيره، وأرسلوا فريقاً من الـ إف بي آي في أوائل شهر مايو 1998 إلى لبنان للتحقيق في تورط إيران بواسطة حزب الله لبنان وأصدروا لائحة اتهام بحق 13 شخصاً من الرعايا السعوديين بينهم لبناني قالت بأنهم مدبري إنفجار الخُبّر وهم مرتبطون بالمخابرات الإيرانية، إلاّ أن وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز نفى ذلك بشدة وقال ليس هناك ما يدل على أن الإيرانيين متورطين فيه .


البائِن من كل ذلك أن التقارب السعودي الإيراني يواجه صعوبات حقيقية في مسيرته الحالية وهو ما يتطلب مقاومة الكثير من الضغوط التي قد تمارسها واشنطن لتفتيت أي تقارب إيراني سعودي أو إيراني عربي أو حتى إيراني إسلامي، خصوصاً وأن السعودية بدأت تواجه الكثير من الضغوط الأمريكية الصادرة من بعض مراكز اللوبي الصهيوني في الغرب، مرة بأنها مطالبة قانونياً بأن تدفع تعويضات لذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر تصل إلى 3 تريليون دولار ومرة بأنها لا تتجاوب كثيراً مع الحرب العالمية المعلنة ضد الإرهاب، بل زادوا باتهام أفراد من الأسرة المالكة بأنهم متورطون أو متواطئون في تمويل غير مباشر لمنظمات وجماعات إسلامية مُصنّفة بأنها إرهابية كما حدث للأميرة هيفاء الفيصل عقيلة الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز السفير السعودي في واشنطن .


وأمام كل تلك الضغوط ضد دول المنطقة تظهر الحاجة لتعاضد وتقارب خليجي وإقليمي يوازي في قوته ذلك الفجور الأمريكي وفظاظته .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع