شارك هذا الموضوع

لماذا لا يستمر التعاون النووي بين روسيا وإيران

نشرت الولايات المتحدة مؤخراً (وبواسطة وكالة المخابرات المركزية) صوراً قيل أنها التُقِطَت بواسطة الأقمار الصناعية وادعت فيها بأنها مواقع لمنشآة نووية تُجرى فيها  تجارب مختبرية وعلمية سرية محظورة في منطقتي نطنز وأراك (وسط غربي إيران) ويأتي هذا التصريح استتباعاً لغيره من التصريحات المُشابهة التي أدلى بها مسئولون كثُر في الإدارة الأمريكية الغرض منها ممارسة ضغوط على طهران لكي تتخلها عن بعض مواقفها تجاه ملفات ساخنة في منطقة الشرق الأوسط أهمها الموقف من عملية السلام ووقف الدعم اللوجستي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وحزب الله في لبنان (والذي حلّت عليه التهمة الأمريكية الجوّالة وهي الإرهاب) وكذا فك التحالف الإستراتيجي مع سوريا، كما تريد الولايات المتحدة الضغط كذلك على روسيا لثنيها عن مواصلة تعاونها الدفاعي والتقني مع إيران.


لقد أدركت روسيا بأن انتهاء الحرب الباردة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لم يستطع أن يُزيل حالة العداء السحيق المتأصّل والمستحكم في قوالب أيدلوجية وسياسية وتنافسية بينهما، وأن سياسة أمريكا تجاهها لم تكن يوماً يُراد لها تأصيل الثقة البينية أو إقامة تعاون مشترك؛ فالنوايا الأمريكية بدءاً من بناء المنظومة الدفاعية الضخمة المضادة للصواريخ والمستقرة فوق سهول وبراري ولاية ألاسكا في الشمال (والموجهة في اتجاه الشرق بالتحالف مع اليابان) إلى محاولة توسيع حلف الناتو شرقاً، وتلكأ الولايات المتحدة عن تنفيذ قرارات الاتفاقيات الاستراتيجية (ستار 1 /ستار 2) الموقعة بينها وبين روسيا وبالخصوص تسديد مبلغ 20 مليار دولار والتي تمّ الإتفاق على تقديمها لموسكو لغرض التخلص من الرؤوس النووية الروسية المُثبتة على قمم الصواريخ العابرة للقارات صوب أوربا، كلها أمور لا يُستَحصَل منها أن روسيا أصبحت بالنسبة للأمريكيين شيئاً غير " إمبراطورية الشر" كما سمّاها ريجان، لذا فإن الروس ومن واقع خبرة سياسية عتيدة بدأوا بشكل عملي في تجسير علاقاتهم الخارجية (على أسس براغماتية بحتة) مع قوى سياسية واقتصادية دولية وإقليمية أخرى وبالذات مع دول الجوار، وكانت تصريحات الجنرال إيفاشوف (أحد كبار رجالات وزارة الدفاع الروسية) تكشف أصول اتجاهات السياسة الخارجية الجديدة عندما قال " أن مصالح الأمن القومي الروسي لا تعتمد على العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما تعتمد على علاقة روسيا بجيرانها " لذا فقد جاء انفتاح روسيا على إيران ترجمة عملية لنظرية ذلك الجنرال الروسي، تلك العلاقات التي تجمعها قواسم جيوبوليتيكة عديدة على رأسها المصالح المشتركة في بحر قزوين ومنطقة القوقاز الغنية والحد من التأثير التركي في جمهوريات آسيا الوسطى وخصوصاً تشجيعها للأقليات التركية في تلك المناطق على الإنفصال، بالإضافة إلى المردود المادي الهائل التي قد تدره مبيعات الأسلحة والتكنولوجيا النووية المتطورة لإيران، فقد بلغ مجموع العقود المُعدة بين روسيا وإيران في مجال الدفاع فقط 7 مليارات دولار تتضمن بيع أنواع حديثة من الدبابات والغواصات والمقاتلات ومنظومات الدفاع المضادة للأهداف الجوية بعيدة المدى إضافة إلى تحديث ما بحوزتها من أسلحة سوفيتية .


بداية التعاون الروسي الإيراني :


كانت بداية التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة النووية قد بدأ فعلياً في العام 1992 حين وقع البلدان اتفاقيتين، الأولى تهم التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والثانية تتعلق ببناء محطة نووية في إيران لتوليد الطاقة الكهربائية .


وفي العام 1994 وبالتحديد كانون الثاني وقعت إيران عقداً مع روسيا بقيمة 800 مليون دولار لبناء مفاعل بوشهر النووي (جنوب إيران)  بطاقة تبلغ 1000 ميغاوات بعد أن تنصلت شركة سيمنس الألمانية عن إكماله بضغط من الولايات المتحدة، وقد نُقِل هذا المفاعل من مصنع إيغورسكاي زافودي  (وبإشراف مؤسسة اتوم ستروي ايكسبورت المكلفة بتنفيذ المشروع) بسان بطرسبرغ عبر البحر إلى إيران وبصحبته أكثر من ستمائة تقني على أن يلتحق بهذا العدد في نهاية العام 2002 ألف وأربعمائة تقني آخر ،


وبعد زيارة وزير الطاقة الروسي السابق يفغيني أداموف إلى طهران تمّ التوقيع على اتفاقية للتسريع في عملية بناء مفاعل بوشهر على أن يدخل الخدمة في ديسمبر 2003 ويتم الحصول على الدفعة الأولى من طاقته الإنتاجية بحلول أواسط العام 2004 ، كما أن زيارة وزير الطاقة الروسي ثبَّتت دراسات حول بناء محطات جديدة في أماكن متفرقة من إيران أهمها في منطقة الأهواز (غرب) بقيمة 780 مليون دولار، وكانت إيران قد وقَّعت اتفاقاً تكميلياً آخر مع روسيا نهاية العام 2001 بقيمة 1.200 مليار دولار ليكون مجموع المفاعلات التي ستساهم في بنائها موسكو خمس محطات نووية على أن يتم الانتهاء من تشييدهم بحلول العام 2012 م بشرط أن تقوم إيران بإعادة الوقود المُستَنفد إلى روسيا مقابل حصولها على الوقود الذري النّشِط، وكان رئيس لجنة الطاقة الذرية الإيرانية البروفيسور رضا آغا زادة قد أعلن قبل فترة بأن بلاده عاقدة العزم لبناء 6 محطات لتوليد الطاقة النووية خلال العشرين سنة القادمة تصل قوتها إلى 6000 ميغاوات .


وكان ذلك السعي الإيراني الحثيث لامتلاك التكنولوجيا النووية قد جعل الولايات المتحدة تقف (وبتحريض إسرائيلي مباشر كما صرح بذلك نائب وزير الخارجية الروسي فياتشيسلاف تروبنيكوف) بكامل ثقلها لإيقاف وإفشال ذلك الطموح، وكثّفت من ضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية على روسيا لحثها على إيقاف تسهيل نقل التكنولوجيا إلى إيران، وأصدرت عدة تقارير استخباراتيه حذرت فيها من أن استمرار ذلك التعاون سيمكن إيران من الحصول على صواريخ عابرة للقارات بحلول العام 2015 ، إلاّ أن روسيا دافعت عن ذلك التعاون على لسان الرئيس بوتين خلال اجتماعه بالرئيس الأمريكي في 24 مايو 2002 " أن روسيا تقدم الدعم الفني لإيران في المجالات السلمية فقط " كما أكد في مورد آخر وفي رد على الاتهامات الأمريكية " أن روسيا قلقة من تطوير تايوان للصواريخ بعيدة المدى " وهي إشارة للتعاون الأمريكي التايواني في المجال العسكري، كما علّق وزير الطاقة الروسي الكسندر روميانتسيف لوكالة اتيارتاس قبل أسبوع تعقيباً على الصور المنشورة من قِبَل واشنطن بشأن موقعي نطنز وأراك " لا يمكننا استنتاج نتائج من صور منشورة " وأنه " لا مبرر للقلق الذي أبدته الولايات المتحدة بعد نشر صور التقطتها أقمار صناعية " علماً بأن الموقعين اللذان ظهرا في الصور المنشورة ستقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارتهما قريباً وهما عبارة عن مختبراً للبحوث (في نطنز) وآخر مصنعاً (في أراك) يعمل بالمياه الثقيلة .


وقد أكدت روسيا مراراً بأن الطلبيات الدقيقة في مبيعات الأسلحة الروسية تُمَرّر قبل إقرارها على مكتب الرئيس ومجلس الأمن ووزارة الدفاع ليتم التدقيق فيها بعناية فائقة .


من جانبها فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم اكتشاف أي مخالفة في التعاون الروسي الإيراني، وأنها تعتزم القيام بسبعين زيارة لمحطة بوشهر في العام 2003 م .


وقد كان الكيان الصهيوني على الدوام يحذر من سعي إيران للحصول على التكنولوجيا المتطورة، ولا يُخفي نيته لتدمير أي منشأة إيرانية تقوم بأنشطة علمية ومختبرية عبر القيام بغارة جوية كما فعل من قبل مع العراق عندما قامت طائرات حربية إسرائيلية بتدمير مفاعلي تموز (1) وتموز (2) على بُعد 20 كم من العاصمة بغداد في العام 1981 م ، لذا فإن التهديد الذي تتعرض له إيران من قبل أمريكا والكيان الصهيوني هو حقيقي من حيث دوافعه ويُبقي إيران في حالة استنفار دائم لحماية منشآتها النووية التي تحظى باهتمام واسع من أعلى القيادات السياسية في النظام خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها الرئيس محمد خاتمي لمصنع  إيغورسكاي زافودي  بسان بطرسبرغ العام الماضي للإضطلاع على سير العمل في هيكل مفاعل بوشهر (قبل أن يتم حمله لاحقاً إلى إيران عن طريق البحر) والتي أكدت الاهتمام الإيراني الواضح بضرورة امتلاك التكنولوجيا النووية لما له من أهمية استراتيجية علمية واقتصادية وتنموية، (وأيضاً) ما دام وحده ذلك الطريق الذي يجعل الآخرين من رجالات الكابوي (المهووسين بجنون العظمة) يعرفون أندادهم بحق .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع