واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ ، وتحت عنوان " جهاد التبيين ، الأسباب و النتائج " ، ابتدأ سماحته بآيات مباركة من سورة " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " ، يقدم القرآن الكريم من خلال سورة العصر معادلة تكوينية محسومة ، و الإنسان يتأرجح في واقع وجوده بين موقفين ، إما في موقف الخسارة او موقف الربح ، ما لم يتمسّك بالأدوات التي تُخرجه من موقعية الخسران فسيبقى فيها ، هناك خطوات في سبيل ذلك ، إيمان و استقامة بالعمل و تواصٍ بالحق وتواصٍ بالصبر ، أي أن يوصي المؤمن أخاه المؤمن عندما تنزلق قدماه ، فالمؤمن لا ينبغي أن يكون موقفه سلبيًا تجاه أخيه المؤمن .

حديثنا الليلة حول التواصي بالحق ، و جهاد التبيين مصداق مهم لمصاديق التواصي بالحق ، و هو ليس بدعًا من القول وانما دعت المرجعية في زماننا لذلك و أول من دعى هو النبي (ص) ، أوصى بإيصال الحق و المعارف و التصدي لمختلف أنواع الفساد ، يجب أن نفهم مصاديق التبيين ، فالناس يتفاوتون في طاقتهم و قدراتهم فهو جهاد بلا سلاح وسيف ، وانما بمواقف وأقوال ينبغي للمؤمن أن يتعلّمها ، أول تلك المصاديق التي يجب على المؤمن أن ينهض بها هو ترشيد سلوك الأبناء و ترشيدهم ، الأب و الأم مطالبان بذلك ، من سورة التحريم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) " ، ومن سورة طه " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132) " ، فأنت مطالب بالأمر بالصلاة و أهميتها وشرح خطورة ترك الصلاة ، و ضرورة الإستقامة على جادة الصلاح ، و المجتمع يتحمّل مسؤولية كبيرة في جهاد التبيين وليس فقط الوالدين ، يقول الإمام الصادق (ع): " أيما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدب على معصية، فإن الله عز وجل أول ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم " . فصناعة الأبناء تحتاج الى جهد عظيم ، و كل يجتهد بقدرته .

المصداق الثاني هو الوقوف في وجه الحاكم الظالم و بيان ظلمه و فساده ، أي أن توقظ الظالم من غفلة ظلمه ، لا يجوز ممارسة الظلم للجماهير و تفوت بذلك ، فلا يوجد مجرم يفرّ من جريمته ، فهناك صراط و حساب دنيوي أو أخروي ، ولأن ذلك فيه نحو من الخطر اعتبره النبي أعظم أنواع الجهاد ، و القرآن ذكر لنا مثالين مشورة بلقيس و مشورة فرعون ، المواقف الصلبة في وجه الحاكم هو حق الحاكم في عنق المحكوم ، كي تبين له وترشده و ان أبى و قد يجر ذلك الضرر على بعض المؤمنين لذى سمي بالجهاد . المصداق الثالث هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، من سورة آل عمران " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) " ، والتاريخ تحدّث عن نموذجًا رائدًا في التاريخ وهو أبو ذر الغفاري حيث انه كان يحمل وسام الصدق من رسول الله (ص) ، وقد تصدّى لجهاد التبيين ، المصداق الأخير هو التصدّي للبدع و الأكاذيب ، فقد تكون البدع من داخل المجتمع الإسلامي و قد تكون من خارجه ، و قد تكون فقهية و أحيانًا سلوكية ، و قد تكون بدع عقائدية خطيرة كالسفارة و غيرها من الانحرافات ، العلماء أول من يتحمّل مسؤولية جهاد التبيين و لكن ذلك لا يُسقطه عن باقي المجتمع . فعنه (ص) : " إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان " ، و من مصاديق جهاد التبيين أيضًا تعليم المعارف الإلهية ونشر علوم أهل البيت .