واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة العاشرمن شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ ، وتحت عنوان " خصائص المرأة المؤمنة " ، ابتدأ سماحته بحديث عن رسول الله (ص) " أتَى جبريلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ بَشِّرْ خديجةَ ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا صَخَبَ فيهِ ولا نَصَبَ " ، القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة تحدثا معًا حول نماذج خالدة و مُشرقة في التاريخ ، وأراد الله أن يخلّد تلك النماذج لتكون عبرة للمؤمنين ، فالقرآن الكريم خلّد زوجة فرعون ، والسنة خلّدت نماذج كثيرى أبرزها خديجة بنت خويلد صاحبة هذه الليلة التي لها منزلة عظيمة عند الله تعالى و احدى سيدات الجنة .
يحسب البعض أن القصب هو النبات الذي يكون مجوفًا من داخله ، بينما القصب الذي بشرت به خديجة هو اللؤلؤ المجوّف من داخله ، و قيل سبائك الجواهر مستطيلة الشكل ، أي أنه طوب من الجواهر ، ولا صخب فيه أي ما يزعج من الأصوات و لا نصب أي لا عناء ولا مشقة ، و الله يعدها بهذا القصر تعظيمًا لها لأنها جسدت أرقى أنواع الإيمان وهي المرأة الأولى إيمانًا ، نقف مع خديجة لنستلهم منها الدروس و العطاء ، ولنقتفي نحن رجالًا ونساءً أثرها ، أولًا أنها عرفت بالتسليم المطلق و الثبات الإيماني ، وليس من السهل أن يعتقد الإنسان بالغيب وبشيء لم يره ، و من دلائل وخصائص المؤمن أن يكون مؤمنًا بالغيب ، والتسليم العقائدي بما لا تُدرك و لا تحس من درجات الإيمان العالية .
أيضًا من خصائص خديجة عليها السلام قوة التسليم ، وأول عبادة أداها رسول الله (ص) مع خديجة و علي (ع) ، عن يحيى بن عفيف عن أمية قال كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بمكة قبل ان يظهر أمر النبي ص فجاء شاب فنظر إلى السماء حتى تخلقت الشمس ثم استقبل الكعبة فقام يصلى ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ثم رفع الشاب رأسه فرفعا ثم سجد الشاب فسجدا فقلت يا عباس أمر عظيم فقال العباس أمر عظيم أتدري من هذا الشاب: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي أتدري من هذا الغلام هذا علي بن أبي طالب ابن أخي أتدري من هذه المرأة هذه خديجة بنت خويلد ان ابن أخي هذا حدثني ان ربه رب السماوات والأرض امره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة .
العقيدة الراسخة هي أصل بناء الدين ، قال عليه السلام: " أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده " ، الخاصية الأخرى التي تمتعت بها أنها تعيش درجة عالية من التفدّي لرسول الله (ص) ، فأرخصت مهجتها ومالها و ولدها وكل شيء لعظمة الدين و قدسيته ، فبذلت روحها لرسول الله (ص) و كانت تتفداه ، كان المشركين يتكالبون على رسول الله فيرجمون دار خديجة بالأحجار ، فتقوم خديجة مسرعة وتقف أمام رسول الله (ص) كي لا يُصاب رسول الله (ص) بسوء ، وهذه مرحلة عالية من المعرفة . ولذا " وقف ورقة بن نوفل بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته قائلاً : يا معشر العرب ، إنّ خديجة وهبت لمحمّد صلّى الله عليه وآله نفسها ومالها وعبيدها وجميع ما تملكه بيمينها إجلالاً له وإعظاماً لمقامه ورغبة فيه " . فينبغي أن نتعلم من خديجة أن نفدي اسلامنا وديننا ونبينا وامام زماننا بكل ما نملك ولا يكون ذلك الا بالمعرفة الدينية الجازمة .
الخاصية الثالثة قوة شخصيتها و ارادتها ، حيث جسدت قوة في الإرادة و الموقف و القرار و الحنكة و التعقّل ، و الإنسان المؤمن لا يتبع الأهواء بل عليه أن يُعمل عقله الراجح ، و لا يكون امعةً ينعق مع كل ناعق ، الإنسان العاقل يتخذ المواقف ، و قد اصطفت خديجة مع رسول الله في قبال قريش . حيث تعاقدت مع النبي (ص) لمعرفتها بأمانته و صدقه ، وسلمته قافلة ليذهب بها الى الشام و أرسلت معه خادمها (ميسرة) ، و عندما رافق (ميسرة) رأى ما رأى من المعاجز فأخبر خديجة ببركات وخيرات النبي الأكرم (ص) ، أرسلت اليها لتخطبه لنفسها ، فتزوجها (ص) ، فتعلمنا السيدة خديجة رجاحة العقل ، و العقل يقود الإنسان الى الله و يقوده الى حجة الله و الة الكمالات العقلية و الأخلاقية و السجايا النبيلة . فبلغت خديجة مبلغًا عند الله عز وجل .
التعليقات (0)