واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثامن من شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ ، وتحت عنوان " الإسلام وصياغة السلوك " ، ابتدأ سماحته بآيات كريمة من سورة التين " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)" ، المتأمّل في آيات القرآن الكريم يجد كمًّا كثيرًا عن بديع خلق الإنسان ، وفي هذه السورة ، يقدّم المولى أقسامًا متعددة ليبيّن دقة الصنع الإلهي الذي تجلّى في هذا الإنسان ، و القسم بمخلوقات الله من خصائص الله فقط .
يُنظر الى الإنسان بلحاظين ، تارة الى ذاته و دقة صنع الله فيه وهو ما ليس للإنسان خيار فيه ، وتارة لسلوكه و أفعاله ، ان الله تعالى و أوليائه تدخلوا تدخلًا مباشرًا ليوصلوا الإنسان الى الكمال ، هناك قواعد لتقويم سلوك الإنسان قولًا و فعلُا ، أول تلك القواعد العلم و المعرفة ، فلا يخطو الإنسان خطوة الا بعلم ، عن أمير المؤمنين (ع) " يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة " ، لابد أن يدرس الإنسان مع المتخصصين في جميع الأبعاد وفي كل حركة و أن يستند الى العلم و المعرفة ، قال علي (ع): " العامل على غير بصيرة كالسائرعلى غير طريق، فلا تزيده سرعة السير إلا بعدا " ، و من هنا أكد الشارع الشريف على المعرفة ، عن أبي عبد الله (ع) يقول: " لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل " .
لا يوجد انسان في الكون الا وله رؤية كونية ، لا تستقيم الرؤية الكونية الإلهية بالرؤية المعنوية دون الحسية و لا الحسية دون المعنوية ، وعلى هذا الأساس ، سلوك و حركة الإنسان ينبغي أن يستندان الى نوع خاص من المعارف ، على مستوى الرؤية العقدية يحتاج الى المعرفة اليقينية القطعية ، أما على المستوى العبادي مع الله فيُكتفى بالمعرفة الظنّية. لا يمكن أن ينطلق الإنسان في البعد الفقهي من دون معرفة ، فيقول الفقهاء عمل المؤمن من دون تقليد بحكم الباطل . يأمر الشارع بضرورة المعرفة ، لأن العمل من دونها له أعقاب وخيمة ، وقد تدخّل الشارع كي تكون المعرفة رصينة ، في كتب الفقه مثلًا من الذنوب الكبيرة حفظ كتب الضلال الا من يكون قادرًا على التصدّي لها أو الرد عليها ، حيث أن المطلوب أن تُشكل معرفة رصينة فلا تدخل لوثة فكرية تتبعها شكوك وشبهات .
التعليقات (0)