واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السادس من شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ ، وتحت عنوان " شبابنا و الإنهزام الروحي " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة فصلت " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) " ، تؤكد الآيات القرأنية و النصوص الواردة عن المعصومين (ع) أن هذه الدنيا هو مضمار صراع يعيش فيه الإنسان ، و الناس على نحوين إما منتصر أو مهزوم ، و هنا تكم الخطورة في هذا الواقع . الإنسان اليوم يعيش تحديات و يحتاج الى طاقة روحانية عميقة تعينه على تحقيق الإنتصارات أمام أنوع التحديّات ، فالبعض ينهزم أمام محطات كثيرة ، كصلاة الصبح و النهي عن المنكر و تربية الأبناء ، فيتلكأ أو يسوّف في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، نحن -في زمن الإبتلاء- نحتاج أن نُجسّد النصر الروحي في مختلف المواطن ، ويجب أن يكون الإنسان قويًا ، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يسعى جاهدًا ليتجاوز الإنهزامات الروحية .
هناك أسباب وعوامل تصقل إرادة الإنسان أمام المحطات الروحية ، من بينها ضرورة الإعتقاد بالتوحيد الأفعالي ، والتوحيد في الدين على أربعة أنواع : التوحيد الذاتي ، و التوحيد العبادي ، و التوحيد الصفاتي ، و التوحيد الأفعالي ، و تجب أن تكون حالة الإرتباط بالله على مستوى التوحيد الأفعالي بدرجة اليقين ، أي لا فاعل ولا مؤثر الا الله ، و كل تلك العلل في هذا الكون علل مُعِدّة وليست عِلّة تامة ، المصدر الأول من مصادر القوة المعنوية و الروحية هو الإعتقاد الجازم بالله ووجوده و التوحيد الأفعالي ، أيضًا من الأسباب الإعتقاد بحضور الله المُطلق ، من سورة البقرة " وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) " ، ولكن البعض يواجه العمى القلبي ، عن الحسين (ع) " عَمِيَتْ عَيـِنٌ لا تًرَاكَ عليّها رقِيِباً " ، فلولا العمى لما تهاوى و ما انزلقت قدم الإنسان نحو المعصية ، أيضًا الإرتباط الجازم بكمال الله تعالى ، و الذات الإلهية لها صفات وكل صفات الإنسان ناقصة ولكن صفات الله فهي في غاية الكمال ، لو تجلّن هذه الصفات بدرجة يقينية عالية سوف نستصغر كل شيء . عن النبي (ص) " إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة " ، (أحصاها) أي جعلها مرآة عاكسة في وجوده .
الأمر الآخر من أسباب القوة الروحية ضرورة الإعتقاد بالعالم الخالد ، الله أوجد نشأة دنيوية زائلة و نشأة أخروية خالدة ، و المسكين من الناس من يحسب كل شيء في هذه الدنيا وهذا العالم الزائل ، يتلذذون بالدنيا قبل زوالها ، يحسب أن كماله كل في الدنيا . استوقف الحسن (عليه السلام) وقال: يا ابن رسول الله: أنصفني، فقال (عليه السلام): في أي شئ؟ فقال: جدك يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وأنت مؤمن وأنا كافر فما أرى الدنيا إلا جنة تتنعم بها، وتستلذ بها، وما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها، وأتلفني فقرها.فلما سمع الحسن عليه السلام كلامه أشرق عليه نور التأييد، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه، وأوضح لليهودي خطأ ظنه وخطل زعمه، وقال: يا شيخ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة مما لا عين رأت، ولا ذن سمعت، لعلمت أني قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم، ونكال العذاب المقيم، لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الآن في جنة واسعة، ونعمة جامعة." أيضًا الحفاظ على المحطّات الروحية ، فالإنسان يتعرّض للحظات قوة وضعف ، المساجد و بيوت الله و المآتم و صلاة الجماعة وقراءة القرآن و مجالسة العلماء و الواعظين لها آثارها العميقة على الوقوف منتصبًا أمام التحدّيات .
التعليقات (0)