واصلت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية و ذلك في ليلة الثالث من موسم محرمّ لعام 1445 هـ ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم و زيارة الإمام الحسين (ع) بصوت القارئ علي حسين أحمد ، و تحت عنوان " لقاء الله عز وجل " استهلّ سماحة السيد عدنان الكرّاني مجلسه بالآية المباركة من سورة الإنشقاق " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)" ، نقف مع العنوان الأول للآية وهو مفهوم " كادح " و " ملاقيه " ، ورد استعمال كادح في القرآن الكريم مرة واحدة فقط و ذلك في هذه الآية ، و معنى الكدح السير و السعي و الحركة المصحوبة بالتعب و العناء ، إضافة الى أن هذه المفردة اتصلت بإلى ، و كلمة " ملاقيه " يعرفها اللغويون انها اسم فاعل و تعني المواجهة و المقابلة ، و يستعمل الفعل الثلاثي المجرّد (لقي) في كون المواجهة و المصادرة من طرف واحد فقط ، فائدة هذا الأمر أن الآية تدل على أن المقابلة صادرة من الانسان نحو الله عز وجل .
مسألة اللقاء يجب ان تحرك داخل الإنسان ، و كلمة مثل الكدح التي وردت مرة واحدة تأخذ جهدا في التدبر فيها و التعلم منها ، فتحرّك ذلك الشعور الداخلي لطاعة الله عز وجل حتى يلاقي ربه ، من سورة الزخرف " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)" ، و من سورة البقرة " وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) " ، فالكدح اشارة الى نوع من الحركة و السعي . هناك أربعة أنواع من الحركة ، النوع الاول هو الحركة المكانية ، أي هجرة حركية ، و النوع الثاني هو حركة وضعية ، و هو التغير في أجزاء الشيء بالنسبة لبعضها البعض مثل حركة الشمس حول نفسها ، و الأرض حول نفسها ، و النوع الثالث هو الحركة الكيفية ، مثل انتقال الثمرة من شيء لشيء آخر أو من لون لآخر ، الحركة الرابعة هو الحركة الكمية و هو التغير التدريجي في مقدار الشيء وحجمه ، مثل خلق الإنسان وتدرجه في الأطوار .
غاية حركة الموجودات من وجهة نظر القرآن الكريم وردت في آيات متعددة ، الإنسان هو من يحدد طريقة رجوعه لله عز وجل ، من سورة البقرة " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) " ، ومن سورة الشورى " صرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) " ، ومن سورة النجم " وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42) " ، وهذه الحركة لن تكون فقط للانسان بل للخلق كافة ، من سورة هود " وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) " ، و هذه الآيات دلت على ان كل المخلوقات ستلاقي الله عز وجل ، لكن في آيات أخرى نجد ان العاصين لن يلاقوا الله عز وجل مثل الآية من سورة المطففين " كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)" ، وليس هناك أي تناقض بين الآيات ، فهناك فرق بين الملاقاة و عدم الرؤية ، فعدم الرؤية تعني عدم الإستفادة من هذا اللقاء ، بسبب المعاصي و الذنوب و الطغيان لن يشعرون بذلك النعيم من خلال لقاء الله عز وجل ، من سورة البقرة : " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) " ، و لكي يستفيد الإنسان من ذلك اللقاء يجب عليه أن لا يشرك بربه و يعمل الصالحات ويطيع الله عز و جل و يضع نفسه في المكان الذي يريده ، من سورة الكهف " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)".
التعليقات (0)