أهمية وجود الإمام في زمن الغيبة:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب).
في بداية حديثنا عن فوائد الإمام (عليه السلام) في حال غيبته لابد أن نطرح هنا ملاحظة هامة وهي أنه إذا تكلمنا عن غيبة الإمام المهدي فذلك لا يعني أنه (عليه السلام) قابع في جوف الأرض أو سجين في سرداب ما كسرداب الغَيبة كما يظنه بعض الجُهال.
بل هو موجود بين الناس ويعيش معهم ويخالطهم وفي بعض الأخبار أنه يتزوج منهم أيضاً، غير أن الناس لا يعرفون أنه هو الإمام المهدي المنتظر.
فعن سدير قال سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: (إن في القائم سنة من يوسف (عليه السلام)... إلى أن قال: فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف).
فغيبة الإمام إذاً إنما تعني عدم معرفة الناس له (عليه السلام) لا غيابه عن ساحة الأحداث ومجريات الأمور، وهذا ما عبر عنه السيد محمد صادق الصدر (قدس) في كتابه تاريخ الغيبة الكبرى بخفاء العنوان.
وإذا ما استعرضنا الحديث السابق عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يشبه فيه الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته بالشمس المجللة بالسحاب يتبادر لنا هنا السؤال التالي.
- ما هي قيمة الشمس في الواقع، وما فائدتها لنا أو للناس والكون؟
يقول أصحاب الفلك أن الشمس هي مركز وأساس المجموعة الشمسية، وحولها تدور جميع الكواكب التسعة السيارة بما فيها الكرة الأرضية التي نعيش فيها أو عليها، وهي أيضاً التي تعطي الدفء للأرض مما يجعل الحياة عليها ممكنة الحدوث والاستمرار، هذا بالإضافة إلى النور الضروري للنباتات وباقي الكائنات الحية وعملية التوازن في الأرض وغير ذلك من فوائد الشمس التي لا تعد ولا تحصى.
فبالتالي بقاء الحياة على الكرة الأرضية بل وبقاء الكون المحيط بنا هو مرتبط ببقاء الشمس وديمومتها، وإذا ما حجبت الغيوم عنا شيء من ضوء الشمس لفترة معينه فهذا لا يبطل فوائد الشمس العديدة الموجبة لاستمرارية البقاء لهذا الكون المحيط بنا.
ومن هنا نفهم أن الوجود المقدس للإمام المهدي هو ضروري لهذا الكون وبقائه وصلاحه حتى وإن كان (عليه السلام) مستتراً عن الأنظار بالغيبة، ولا تشكل غيبته أي عائق عن الاستفادة من بركات هذا الفيض الإلهي المتمثل بوجوده.
نسأل الله تعالى أن نكون محل عنايته (عليه السلام) والمقربين منه ومن المنتفعين ببركة وجوده المقدس.
فوائد الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته:
1- قيام الحجة لله على الخلق في كل عصر وزمان:
قال تعالى: ) رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً.
من المعروف أنه لابد لله من حجة على الخلق وللزوم إتمام الحجة على الناس لم تخلوا الأرض يوماً من إمام يُهتدى به ويمثل جانب الحق من الصراع الدائر بين الحق والباطل، ولكي لا يقول أحد ما لو كان لنا قائد سماوي لأخذ بيدنا ولما انحرفنا عن الطريق المستقيم، فمن غير المعقول أن تبطل حجج الله في أي زمن من الأزمنة أو أن يكون الإمام غير معروف للناس وللمؤمنين منهم خاصة، وهذا ما أكد عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) بالقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) أو قوله (صلى الله عليه وآله): (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).
وهذا الأمر مستمر منذ أن أهبط آدم إلى الأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث يقوم حجج الله بالمحافظة على الشرائع السماوية وعدم تلوث الأفكار الأصلية أو تحريفها عن معناها وبمعنى آخر الحفاظ على أصالة الدين والفكر عن الخرافات و الأوهام وانحرافات المنحرفين.
وهذا المفهوم أكدت عليه الكثير من الروايات والأحاديث التي نستعرض هنا بعضها والتي تنص على أنه لابد أن يكون هناك في كل زمان حجة لله على خلقه.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف المغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهورا أو خائفاً مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يُهتدى به إلى الله وهو حجة الله على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده).
وعن سليمان الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب).
بل وتحدثت بعض الروايات أنه من لم يكن له إمام يهتدي به فأعماله الصالحة محل إشكال، إذ ربما وقعت بشكل غير صحيح أو ربما فيها ما هو مخالف للشريعة كما نفهم من الرواية التالية.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كل من دان لله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا).
فوجود الإمام إذاً سبباً لقبول الأعمال ومعرفة الإمام هي الأساس في السير على الطريق الصحيح والصراط المستقيم و الإمام هو باب الله الذي منه يُأتى كما جاء في دعاء الندبة الذي يقرأ في أيام الجمع والأعياد.
وفي هذا الزمن يمثل الإمام المهدي (عليه السلام) جانب الحق من الصراع وهو بقية حجج الله على خلقه وآخر الأئمة والمعصومين سلام الله عليهم أجمعين، ولذلك تنقل لنا الروايات أن أول ما ينطق به الإمام المهدي بعد خروجه بين الركن والمقام وبعد أن يسند ظهره إلى الكعبة المشرفة هو قول الله تعالى ) بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ثم يقول: (أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم).
2- وجود الإمام لطف من الله بالعباد وأمان لأهل الأرض:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون).
وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله) قال: (النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض).
من رحمة الله الواسعة وتلطفه بالعباد والخلق جعل لهم أبواباً للرحمة فلا يعذبهم بما جنت أيديهم ولا يعجل عليهم بالعقوبة على ما اقترفوا من آثام وارتكبوا من أوزار وخطايا، ومن تلك الأبواب والألطاف نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) فلقد بعثه رحمة للعالمين، وقال عنه: ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.
فلقد كان رسول الله أماناً لهذه للأمة من عذاب الاستئصال، فكرامةً له (صلى الله عليه وآله) لم يحدث لهذه الأمة ما حدث للأمم السابقة من عذاب وعقوبة الإهلاك مثل قوم صالح وهود ولوط وغيرهم، وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أهل بيته (عليهم السلام) أماناً لهذه الأمة من العذاب ولطف يحوط بأهل الأرض جميعاً، وسبب للفيض الإلهي وسبب لتنزل البركة والرحمة والخيرات من الله عز وجل.
فعن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) لأي شيء يحتاج إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام؟ فقال (عليه السلام): (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام... بهم يرزق الله عباده وبهم تعمر بلاده وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً قال: (لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ولا تخلوا الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله).
3 ـ دعاء الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين وتسديده للعـلماء:
جاء في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) الأولى للشيخ المفيد: (...أنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء – أي الشدائد – أو اصطلمكم الأعداء).
وعنه (عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد أيضاً وهو يتكلم (عليه السلام) عن حفظ الله للمؤمنين فيقول: (... لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب).
إذاً من أعظم الفوائد التي نستفيدها من الإمام (عليه السلام) في حال غيبته هو شمولنا ببركة دعائه المقدس للمؤمنين، فهو الإمام المستجاب الدعوة وهو المضطر الذي يجاب إذا دعا ) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، ولولا شمولنا ببركة دعائه (عليه السلام) لنا بظهر الغيب لصب علينا البلاء صبا.
كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بمهمة أخرى ربما أكثر أهمية من الدعاء وهي إصلاح المؤمنين وهدايتهم حتى وإن كانوا لا يعرفون شخصيته الحقيقية.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الأرض لا تخلوا إلا وفيها إمام كي ما إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم).
وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: (ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعوا الناس إلى سبيل الله).
كما يقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بتسديد العديد من العلماء الأجلاء ومساعدتهم في الحفاظ على الدين والشريعة واستخراج الأحكام الشرعية الضرورية للحياة ويصوب أخطائهم الاجتهادية في كثير من الأحيان.
ومثال ذلك ما روي عن المقدس الأردبيلي (قدس) في القصة المعروفة التي نقلها العلامة المجلسي في البحار نقلاً عن أحد طلابه وهو السيد الفاضل أمير علام حيث قال: (كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري على مشرفها السلام, وقد ذهب كثير من الليل فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفته أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي - قدس الله روحه - فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقاً فانفتح له عند وصوله إليه، ودخل الروضة فسمعته يتكلم كأنه يناجي أحداً, ثم خرج وأغلق الباب، فمشيت خلفه حتى خرج من الغري، وتوجه نحو الكوفة، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده, ومكث طويلاً, ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة, فأخذني سعال لم أقدر على دفعه, فالتفت إلي, فعرفني, وقال: أنت أمير علام؟ قلت: نعم, قال ما تصنع هاهنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن, وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية. فقال: أخبرك على أن لا تخبر به أحداً مادمت حياً, فلما توثق ذلك مني قال: كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت على فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين (عليه السلام) واسأله عن ذلك فلما وصلت إلى الباب فُتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة وسل القائم صلوات الله عليه فإنه إمام زمانك فأتيت عند المحراب وسألته عنها فأُجبت وها أنا أرجع إلى بيتي).
ومثال ذلك أيضاً القصة التي تروى عن الشيخ المفيد (قدس) حيث يُذكر: (أن أحد القرويين سأله ذات يوم عن امرأة حامل ماتت فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظن الشيخ المفيد أن الولد ميت في بطنها، فقال: لا حاجة لفصله عن أمه بل يجوز أن يدفن معها وهو في بطنها، فلما حملت إلى قبرها أتى إلى النسوة شخص وقال إن الشيخ يأمر أن يشق بطن الحامل ويخرج الجنين إذا كان حياً منها ويخاط الشق ولا يحل أن يدفن معها، فعملت النسوة بما أوحى إليهن ذلك الشخص، ثم أخبر ذلك القروي بعد مدة الشيخ المفيد بما وقع فقال له: أنه لم يرسل أحداً ولا شك أن ذلك الشخص هو صاحب الزمان (عليه السلام)، وأُسقط الشيخ المفيد في يده بأنه أخطأ في الفتوى، فترك الفتيا والتزم بيته لا يغادره حتى جاءه الأمر (أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعلينا التسديد) فما كان من الشيخ إلا أن عاود الجلوس على منبر الفتيا).
ومن تسديدات الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً للشيخ المفيد إرساله لرسالتين إليه فيهما الكثير من الإرشادات والتوجيه له وللمؤمنين وما ينبغي لهم عمله والقيام به في تلك الفترة الزمنية حيث وصلته الأولى في أواخر شهر صفر سنة 410 هـ، بينما وصلته الثانية يوم الخميس 23 ذي الحجة سنة 412 هـ، وقد ورد نص الرسالتين بالكامل في كتاب (الاحتجاج) لأبي منصور أحمد الطبرسي (قدس) من علماء القرن السادس الهجري.
ومن ذلك أيضاً قصة إجازة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ الأنصاري بالاجتهاد والاعلمية حيث قال له: أنت المجتهد ثلاثاً، وقد نقلها السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان في اللقاء الثاني والخمسين.
وكذلك ما نقله السيد الأبطحي أيضاً في نفس الكتاب وفي اللقاء الخامس والستين لأحد مراجع التقليد المعاصرين مع الإمام المهدي (عليه السلام) حيث أوصاه بثمان وصايا عظيمة ومن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في الكتاب المذكور.
كما سُئل آية الله الشيخ زين العابدين النجفي (قدس) عن حكم الطبول التي تضرب في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) وعن ضرب السيوف والتشابيه أهي جائزة أم حرام؟ فأجاب: (إني كنت متوقفاً في هذه المسألة ومتردداً فيها، فلا أدري هل أفتي بالجواز أم أفتي بالحرمة، فذهبت إلى مسجد السهلة ووصلت بخدمة سيدي ومولاي الحجة ابن الحسن (عليه السلام) وعرضت المسألة عليه وسألته عنها فأفتاني بالجواز، وأنا أفتي كما أفتى سيدي ومولاي بالجواز).
وهناك أيضاً العديد من اللقاءات التي تنقل بين الإمام (عليه السلام) والعلماء الأجلاء وتسديده لهم وإعانته لهم على كثير من القضايا، من أمثال لقائه مع العلامة الحلي وإعانته له في استنساخ الكتاب، ومكاشفته للعلامة المجلسي وغيرها من القصص التي ذكرت في العديد من الكتب من أمثال كتاب (لقاءات مع صاحب الزمان) للسيد حسن الأبطحي وكتاب (جنة المأوى) للحاج الميرزا حسين النوري وكتاب (رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام) للشيخ علي الجهرمي.
ويقول الشيخ علي كريمي الجهرمي في هذا المجال: (إن مراجع التقليد الأتقياء والعلماء العظام الزاهدين كانوا على الدوام موضعاً للعناية الخاصة من قبل إمام العصر - أرواحنا فداه - سواء كانت هذه العناية والرعاية على شكل لقاء أو إظهار للتقدير أو تقديم الشكر أو الدعاء بالخير أو الإرشاد والتوجيه أو تصحيح الاشتباهات والأخطاء إلى غير ذلك).
4ـ متابعة الإمام المهدي (عليه السلام) لأعمال الأمة واتصاله بهم في موسم الحج:
قال تعالى: ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.
من الواضح من الآية المباركة التي ذكرناها قبل قليل أن أعمال العباد تعرض في الحياة الدنيا على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ومن الطبيعي ألا تعرض الأعمال على جميع المؤمنين لاستحالة ذلك، كما أن هناك من أعمال العباد ما يتم في السر بحيث يخفى عن أعين الناس والناظرين فلا يمكن تفسير كلمة ) المؤمنون( في الآية السابقة إلا بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).
ومما يدلنا على أن هذا العرض يتم في الحياة الدنيا لا في الآخرة هو المقطع الأخير من الآية المباركة أي ) وستردون إلى عالم...( وهذا المعنى نجده أيضاً في آية سابقه من سورة التوبة حيث يقول سبحانه ) وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تُردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، فهناك بعد الموت يتم العرض مرة أخرى للأعمال وينبئ الله العباد بجميع أعمالهم.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (تعرض أعمال العباد يوم الخميس على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة).
وعنه (عليه السلام) أيضاً في تفسير قوله تعالى: ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً، قال: (نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله) في كل قرن شاهد علينا).
إذاً نستنتج مما مضى أن أعمالنا تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة المعصومين وعلى صاحب الزمان - أرواحنا فداه - ليكونوا شهداء علينا مع جوارحنا ومع الملائكة المكرمين، ولذلك جاء في بعض الروايات التحذير أنه أما تستحون من نبيكم حينما يشاهد أعمالكم السيئة فيسوئه ذلك، وكذلك الأمر إذا ما عرضت الأعمال على إمام العصر (عليه السلام)، ولعل لذلك أكبر الأثر في أن يصلح الإنسان من نفسه ويرتدع عن ظلم الناس ويستزيد من الأعمال الصالحة ليرضي بذلك إمامه المفترض الطاعة عنه.
فعن رميلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا رميلة ليس مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه ولا يدعو إلا أمنا بدعائه ولا يسكت إلا دعونا له، فقلت له: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض؟ فقال (عليه السلام): يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها).
بل أن هناك من الروايات والأحاديث التي تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى يُطلع النبي والإمام المعصوم حتى على ما في ضمير الإنسان سواء كان خيراً أو شر، وهذا الأمر ربما يخفى على الملكين الموكلين بكتابة أعمال الإنسان وأقواله ليكون بذلك النبي أو المعصوم شاهداً عند الله على هذا الإنسان وما أضمره في داخله من حقد أو ضغينة أو سوء ظن أو خلافه.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا، إنا كلنا واحد...).
ولقد جاء في فضل ليلة القدر أن الآجال والأرزاق والبلايا تكتب في تلك الليلة وتعرض على الإمام المعصوم مع إبقاء المشيئة والبداء لله عز وجل.
فعن أبي عبد لله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين فيها يُفرق كل أمر حكيم، قال (عليه السلام): (يعني في ليلة القدر كل أمر حكيم، أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيها البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير).
وأما فائدة عرض الأعمال على الإمام المهدي (عليه السلام) فتتلخص في النقاط التالية:
- معرفة إمكانية الظهور إذا ما تهيأت الأسباب والأرضية المناسبة لخروجه.
- معرفة أنصاره وأعوانه الذين يمكنه الاعتماد عليهم واختيار الأفضل منهم.
- متابعة أحوال الأمة والإطلاع على أخبارها وإصلاح الفساد الحاصل فيها.
- الشهادة على أعمال الخلائق عند الله عز وجل والاستغفار للمؤمنين منهم.
كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يحضر موسم الحج في كل عام ويلتقي بالمؤمنين هناك ويتواصل مع الأمة في تلك الديار المقدسة وربما أكثر الحجاج يلتقون به ويحادثونه وهم لا يعرفون أنه هو إمامهم المنتظر.
فعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه).
وعن محمد بن عثمان العمري - السفير الثاني - قال: (والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه).
بل ويقوم الإمام المهدي (عليه السلام) في بعض الأحيان في موسم الحج بتعليم المؤمنين معالم دينهم وبعض الأمور الهامة التي تخصهم.
فمن ذلك ما رواه علي بن إبراهيم الآودي أنه في عام 293هـ، وبعد طوافه حول الكعبة المشرفة جلس في حلقة من المؤمنين عن يمين الكعبة، فبينما هم جلوس إذ خرج عليه الإمام (عليه السلام) وعليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلما رأوه قاموا جميعاً هيبة له فسلم عليهم وجلس متوسطاً بينهم، ثم التفت يميناً وشمالاً ثم قال (عليه السلام): (أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟ كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء وبه تقوم الأرض...)، إلى آخر الرواية وهي طويلة بعض الشيء فاكتفينا منها بهذا القدر، وهناك أيضاً العديد من الروايات المشابهة لهذه الرواية.
5ـ مساعـدة الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين في الشدة والمحن:
قال تعالى عن نبيه (صلى الله عليه وآله): ) و ما أرسلناك إلا رحمة للعـالمين.
لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده عوناً للأمة على الدوام، كما كانوا مفرجين للهموم والأحزان ومخلصين للناس من المحن والمصاعب والكرب التي تنتابهم، وعلى هذا المنوال أيضاً سار الإمام المهدي (عليه السلام) فهناك الكثير من القصص والأخبار الموثوق بها والتي تتحدث عن تخليصه عليه السلام للمؤمنين من المصاعب والمحن وشفائه للمرضى بإذن الله عز وجل، ولقد نقل لنا السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان العديد من تلك القصص التي فرج فيها الإمام المهدي (عليه السلام) عن المؤمنين كربهم وأعانهم على البلاء الذي ألم بهم.
وأنا أنقل لكم هنا قصتين فقط عن مساعدته (عليه السلام) للمؤمنين وذلك على سبيل المثال لا الحصر وقد ذكرهما الميرزا حسين النوري الطبرسي في كتابه (النجم الثاقب في أحوال الحجة الغائب).
حيث ينقل (أن أحد الأشخاص ذهب إلى الحج مع جماعة قليلة عن طريق الأحساء وعند الرجوع كان يقضي بعض الطريق راكباً وبعضه ماشياً، فاتفق في بعض المنازل أن طال سيره ولم يجد مركوباً، فلما نزلوا للراحة والنوم نام ذلك الرجل وطال به المنام من شدة التعب حتى ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه، فلما لذعته حرارة الشمس استيقظ فلم ير أحداً حوله، فسار راجلاً وكان على يقين من الهلاك فاستغاث بالإمام المهدي (عليه السلام)، فرأى في ذلك الحال رجلاً على هيئة أهل البادية راكباً جملاً، وقال له: يا فلان افترقت عن القافلة؟ فقال: نعم، فقال: هل تحب أن أوصلك برفاقك؟ قال: فقلت نعم والله، هذا مطلوبي وليس هناك شيء سواه، فاقترب مني وأناخ راحلته، وجعلني رديفاً له وسار، فلم نسر إلا قليلاً حتى وصلنا إلى القافلة، فلما اقتربنا منها قال: هؤلاء رفقاؤك، ووضعني وذهب).
وينقل الميرزا في القصة الأخرى (أن جماعة من أهل البحرين عزموا على ضيافة جماعة من المؤمنين بشكل متسلسل في كل مره عند واحد منهم، وساروا في الضيافة حتى وصلت النوبة على أحدهم، ولم يكن لديه شيء ليضيفهم به، فركبه من ذلك حزن وغم شديد، فخرج في بعض الليالي من أحزانه إلى الصحراء، فرأى شخصاً حتى ما إذا وصل إليه قال له: اذهب إلى التاجر الفلاني - وسماه - وقل له: يقول لك محمد بن الحسن: ادفع لي الاثني عشر إشرافيا التي كنت نذرتها لنا، ثم اقبض المال منه واصرفه في ضيافتك.
فذهب ذلك الرجل إلى التاجر وبلغه الرسالة، فقال له التاجر: أقال لك محمد بن الحسن بنفسه، فقال البحراني: نعم، فقال التاجر: وهل عرفته؟ قال: لا، فقال له: ذاك صاحب الزمان (عليه السلام)، وكنت نذرت هذا المال له، ثم أنه أكرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء).
ومن القصص المعتبرة أيضاً في هذا المجال قصة السيد الرشتي التي ذكرها الشيخ عباس القمي (طاب ثراه) في كتابه (مفاتيح الجنان) نقلاً عن الميرزا حسين النوري أيضاً.
كما أن هناك بعض التوسلات الاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام) قد وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك عند حلول المحن والشدائد والبلايا.
6- إدارة الإمام المهدي (عليه السلام) للبشرية والأمة الإسلامية من الخفاء:
المقصود من الخفاء هنا أنه (عليه السلام) يقوم ببعض أعماله بصفة أنه شخص عادي من المجتمع، فحيث أن الإمام المهدي (عليه السلام) موجود بين الناس ويلتقي بهم ويساعدهم ويصلح شئونهم وهم لا يعرفونه، فهو إذاً لا يعيش مكتوف الأيدي بل يقوم بمهامه الموكلة إليه في زمن الغيبة ويدير الأمة في صراعها ضد قوى الشر.
ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) في كتابه (تاريخ الغيبة الكبرى) بعض من مهام الإمام المهدي (عليه السلام) في حال الغيبة وهي كالتالي :
- القيام بواجب الدعوة الإسلامية وهداية الناس للإسلام والعقيدة الصحيحة .
- الدفاع عن الإسلام وعن قواعده الشعبية ومواليه ضد الأعداء.
- الحفاظ على المجتمع المسلم ضد الانحراف ومحاربة الفساد والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر المستطاع.
- إغاثة الملهوف وإعانة المضطر والمشاركة الفعالة في الأعمال الخيرية أو أية اطروحات فكرية تصب في صالح المجتمعات الإيمانية.
- قيادة الأمة الإسلامية جمعاء وإدارة البشرية وولاية الكون أيضاً (وهذا ما يسمى بالولاية التكوينية).
حيث أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية عامة على الناس والكون أيضاً كما كان ذلك للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من قبل، فنحن نرى أن الحديد كان ليناً بيد نبي الله داوود (عليه السلام) والجبال والطير كانت تسبح معه كما قال تعالى: ) وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين، والريح كانت تجري للنبي سليمان (عليه السلام) بأمره غدوها شهر ورواحها شهر كما قال تعالى: ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وانشقاق القمر للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وشهادة الحجر الأسود للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بالإمامة، وغير ذلك من الأمور.
كما أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية مطلقة على هذه الأمة، فكما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) الولاية المطلقة على المسلمين وكذلك كان ذلك للإمام علي والأئمة من بعده (عليهم السلام) وذلك في قوله تعالى: ) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فكذلك تكون الولاية مطلقة للإمام المهدي (عليه السلام).
فمن المعروف أن هذه الآية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) وذلك حينما تصدق بالخاتم وهو راكع في الصلاة، ونلاحظ هنا أن هذه الآية جاءت بصيغة الجمع مع أن الإمام علي (عليه السلام) كان شخص واحد فقط...!.
حيث يقول بعض المفسرين إنما جاءت الآية بصيغة الجمع لوجود باقي الأئمة الإثني عشر في صلب الإمام علي (عليه السلام) فكانت لهم الولاية جميعا.
وبالتالي فهذه الولاية المطلقة أو العامة للإمام المهدي (عليه السلام) لا تسقط بغيبته كما يتوهم البعض، ويقول الشهيد مرتضى المطهري (رض) في كتابه (الإمامة) بهذا الشأن أن للإمامة مراتب ثلاثة وهي :
1- الإمامة بمعنى المرجعية الدينية.
2- الإمامة بمعنى قيادة المجتمع (الرئاسة أو السلطة).
3- الإمامة بمعنى الولاية العامة (ولهذه مراتب أيضاً).
وأدنى مرتبة من مراتب الولاية العامة هذه - وهو ما يعتقده غالبية الشيعة الإمامية - أن الإمام (عليه السلام) هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله السلطة المطلقة عليهم كما كان ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول الله تعالى في كتابه ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
ومن بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كان ذلك للإمام علي والأئمة الهداة من ولده (عليهم السلام)، حيث قال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) للمسلمين يوم غدير خم وهو آخذ بيد علي (عليه السلام): (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه).
7- إبراز طاقة العلماء وتعويد الأمة على الصبر والاعتماد على الذات:
لقد كانت الأمة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده تأخذ أحكامها الشرعية وتعاليمها الإسلامية مباشرة من المعصوم ولم تكن هناك حركة علمية أو اجتهادية كبيرة بالشكل الذي حصل في عصور الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام)، حيث أصبح على العلماء أن يُعملوا الفكر ويجتهدوا ويعتمدوا على أنفسهم في استخراج واستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، مما أثرى الحياة الفكرية والعلمية في الأمة وأبرز الطاقات الكامنة فيها.
فإذا لاحظنا على سبيل المثال فترة الغيبة الصغرى وما بعدها بقليل نجد أنها تعج بكثير من العلماء العظام الذين برزوا في تلك الفترة من أمثال الشيخ الكليني والشيخ المفيد والشيخ الصدوق والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم.
وفي العصر الحديث نلاحظ كيف تطور الفكر الإسلامي بشكل كبير، وخصوصاً في المجال الفقهي حيث برزت لنا العديد من المسائل الحديثة في فقه الفضاء وأحكام الاستنساخ والمعاملات البنكية وغير ذلك من المعاملات والقضايا المستحدثة.
ومما يحضرني هنا في هذا المجال هو الموسوعة الفقهية الكبرى لآية الله العظمى المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي (قدس) والتي تربو على مائة وخمسين مجلدا في شتى أبواب الفقه والمعاملات والأحكام الشرعية.
كما كان لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً أكبر الأثر في تعويد المؤمنين على الصبر وحثهم على عمل الخير والصالحات لأجل التمهيد لظهوره (عليه السلام)، ولذلك جاء مدحهم من قبل الرسول والأئمة (عليهم السلام) في كثير من الروايات التي تحدثت عن المؤمنين في عصر الغيبة وصبرهم على البلاء ومحنة فقدهم للإمام (عليه السلام).
فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يذكر فيه القائم (عليه السلام)، حيث قال: (طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ) هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب.
وعن الحسين بن علي (عليه السلام) بشأن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قال: (...له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون فيؤذون ويقال لهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً).
التعليقات (0)