كان انتصار الثورة الإسلامية (الإيرانية) في الحادي عشر من شهر فبراير من عام 1979م قد شكَّل فتحاً إيجابياً لمرحلة جديدة من التعاون الهندي الإيراني بعد سنوات من حالة العداء البيني عندما كان شاه إيران يدعم باكستان في صراعها المفتوح مع الهند حول منطقة جامو وكشمير .
وقد كان لزيارة رئيس الوزراء الهندي الأسبق ناراسيما راو لإيران في العام 1993م كأول زيارة لرئيس وزراء هندي منذ العام 1979م ثم زيارة الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق في العام 1995م أول نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين كما جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي الحالي إيتال بيهاري فاجباي الأخيرة لطهران لتعيد التأكيد من جديد على استراتيجية العلاقات بينهما، وكان جدول الزيارة لرئيس الوزراء الهندي مُفعم بالدلالات، فقد تباحث على انفراد مع كل من الرئيس خاتمي ووزير الخارجية ووزير النفط ورئيس غرفة التجارة، كما استقبله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي الذي أكد على أن إيران والهند يجب أن يُعززا روابطهما التاريخية الفريدة ويُقيما علاقات وثيقة على أساس الأواصر الثقافية والعلاقات الودية المشتركة بين شعبي البلدين وعلى ضوء المتطلبات الإقليمية والدولية " وزاد على ذلك بإشارة مهمّة لطبيعة التحالفات عندما قال " أن تنمية العلاقات بين دول الشرق في ظل الظروف العالمية الراهنة بأنه أمر ضروري ومنطقي، وأن التعاون بين بين دول كإيران والهند وروسيا والصين بإمكانه أن يترك آثاره على القضايا العالمية " كما تجب الإشارة إلى أن الدلالة الأخرى في الزيارة هي تركيبة الوفد الهندي الزائر فقد ضمَّ الوفد كل من وزيري الخارجية والدفاع ومستشار رئيس الوزراء للشؤون التجارية والصناعة وسكرتير رئيس الوزراء ومستشار الأمن القومي وبعض رجال الأعمال وأصحاب الصناعات في الهند .
وكذا كانت زيارة الرئيس خاتمي للهند بنفس الأهمية خصوصاً بعد صدور إعلان دلهي الذي أكد على التعاون الهندي الإيراني في جميع المجالات .
وكانت الهند صاحبت الرقعة الجغرافية الضخمة (3.3 مليون كم2) وثاني أكبر تعداد للسكان في العالم بعد الصين (1.1 مليون إنسان) وثالث أكبر اقتصاد في أسيا تطمح من التقرب صوب إيران إلى :
(1) الوصول إلى مصادر الطاقة المُتفجرة في منطقتي الخليج وبحر الخزر لتأمين احتياجاتها الاستراتيجية من البترول الخام والمنتجات البترولية خصوصاً وأن الهند تستورد أكثر من 70 % من احتياجات مصافيها التي يمكنها معالجة 3.2 مليون برميل يومياً ويأتي ثلثي تلك الواردات من منطقة الشرق الأوسط .
(2) تُجاور الهند جيرانها بحدود جغرافية تصل إلى 7000 كم2 ومن جيرانها تُوجد هناك دول إسلامية الأمر الذي يدفعها للاهتمام للحصول على غور إسلامي للنفوذ إلى تلك الدول، وكذا لتسهيل الوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى والتي لها أيضاً حصص اقتصادية في بحر قزوين، وكان الاختيار الهندي لإيران لتحقيق ذلك موفقاً كما أن الهنود أدكوا بأن الطرف الذي قد ينفع في أزمتهم الأزلية مع باكستان هو إيران، فالأخيرة وباكستان دولتان مسلمتان ولهما مصالح مشتركة وتداخل إثني وعرقي كبير فالشيعة الباكستانيون يمثلون أكثر من 20 % من السكان أي ما يُعادل 28.3 مليون نسمة، كما أن في باكستان أكثر من 12 مليون من البلوشستان وهم من أصول إيرانية ويُشكلون 8.5 % من تعداد السكان في باكستان لذا فإن الهند تُعَّول على إيران في لعب دور مهم في الصراع بينها وبين باكستان الداخلة في مخططات القوى العظمى الأمر الذي يُؤثر على توازن القوى في جنوب آسيا .
(3) تحظى إيران بعلاقات جيدة مع الصين العدو اللدود للهند، لذا فإن التقرب من إيران قد يخدم أي صراع هندي صيني في المستقبل .
كما يمكن إجمال الأهداف الإيرانية من الانفتاح على الهند في الآتي :
(1) أن إيران بدأت في بناء علاقات جيدة مع الكثير من دول جنوب شرق آسيا لحماية ظهرها وشمالها عسكرياً واقتصادياً، فلقد وطدت علاقاتها من الصين والهند وروسيا والنمور الآسيوية، إلاّ أن الانفتاح الإيراني على الهند كان أكثر تميزاً من غيره لاعتبارات سياسية عديدة أولها رفض الهند للتواجد الأمريكي في منطقة الخليج بسبب تخوف الهند من أن ذلك التواجد قد يُقلِّص حرية حركتها، وأن أي صراع قد ينشب في غرب آسيا وتشترك فيه قوى دولية عدة قد ينعكس سلباً على المصالح الهندية وهو ما يتوافق مع سياستها الخارجية ومخاوفها الأمنية .
(2) رأت إيران في الهند مصدراً مهمّاَ للإستعانة بها في التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا المعلومات الكمبيوترية الرائجة لدى الهنود، وكانت الهند قد ساعدت إيران على إعادة برمجة الغواصات الروسية الثلاث (التي قامت إيران بشرائها من روسيا) على نظام السير في المياه الدافئة، وكان الاهتمام الإيراني بالتكنولوجيا نابع من رغبتها الجامحة في تحقيق نمو اقتصادي والاعتماد على الذات وفى أكتوبر 2001 وجه الرئيس الإيراني في أثناء افتتاحه معرض طهران التجارى الدولى الذى اشتركت فيه 1070 شركة من 63 دولة وجه نداء من أجل نقل التكنولوجيا متعهدا بعمل حكومته على ازالة كل العقبات السياسية وموجها انتقادا في الوقت نفسه للشركات الدولية لعدم مشاركتها في نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية واصفا ذلك بأنه تمييز في العلوم والتكنولوجيا اللذين يجب أن يوزعا بعدالة على الجميع، وكانت الولايات المتحدة تضغط وبشدة وبصورة دائمة على الكثير من دول العالم لإيقاف تعاونها التكنولوجي مع إيران ففي المجال النووي استمرت الولايات المتحدة في التضييق على الجهود الإيرانية ومنعها من استكمال مفاعل بوشهر الذى بدأت ألمانيا في العمل على إنشائه منذ عام 1975 حيث حاصرت الجهود الإيرانية التي شملت التوجه إلى الأرجنتين للحصول على قدرات تصنيع الوقود النووي وأجهضت محاولات الحصول على مفاعلات أبحاث من الأرجنتين والصين, وفى مجال الليزر أحبطت اتصالاتها مع سويسرا وألمانيا, بل إن الولايات المتحدة نجحت في إقناع أوكرانيا والتشيك بعدم مد روسيا بالمكونات اللازمة لمفاعل بوشهر في إيران وهو ما أضاف تعقيدات إلى الاتفاق الروسى الإيرانى لبناء المفاعل.
ومع هذا فإن الجهود الأمريكية لم تكن ناجحة تماما في هذا المجال فهي لم تستطع إقناع عدد من الدول مثل النمسا بإيقاف تعاونها التكنولوجي مع إيران حيث وقعت الدولتان عام 1998 مذكرات تفاهم للتعاون في مجال التكنولوجيا المتطورة والصناعات الكيماوية والبحرية، لذا فإن الإيرانيين وجدوا في الهند مصدراً مهماً لتحقيق طمواحاتها التكنولوجية وكان ذلك كله خاضع لمصالح مشتركة شبة حتمية بين البلدين .
(3) يُضاف إلى كل ذلك فإن العداء الذي تُمثلة الأصولية المتشددة والمتثملة في الأحزاب السلفية هي عدو مشترك للبلدين فالهند تقاتلهم عسكرياً في منطقة جامو وكشمير وإيران تقاتلهم آيدولوجيا وفي مراحل معينة عسكرياً أيضاً، وهو السبب نفسه الذي جعل البلدان يلتقيا في أجندة القضية الأفغانية بصورة ملفتة بعدما رحبت حركة طالبان عندما كانت تحكم أفغانستان بمنظمة مجاهدي خلق المسلحة التي تقاتل الحكم الإسلامي في إيران، ورحبت أيضاً بحزب المجاهدين الباكستاني المناوئ للهند في ولاية جامو وكشمير، وبذلك جيرت الهند وإيران ذلك لصالح شرعنة مساعداتها اللوجستية والسياسية السخيَّة لقوات تحالف الشمال المناهض لحكم طالبان، وانضمت روسيا إليهم أيضاً ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية في بعض المراحل، وكان البلدان طيلة فترة حكم طالبان (1996 – 2001) لا يعترفان إلاّ بحكومة برهان الدين رباني .
(4) رأت إيران في الهند داعماً حقيقياً للقضية الفلسطينية (رغم اعترافها بدولة إسرائيل في العام 1950م وإقامتها علاقات دبلوماسية ثنائية) سواء من قِبَل الدولة من مؤسسات المجتمع المدني، فالهند تحتفظ بممثل لها لدى السلطة الفلسطينية وتمتنع سفارتها هناك عن الاحتفال بعيد استقلال الهند وذلك تعاطفاً مع أوضاع الشعب الفلسطيني كما تحتفظ الهند فوق أراضيها بمركز تبرعات ضخم لصالح القضية الفلسطينية، وتاريخ الهند تجاه القضية الفلسطينية غير مُشوب بالخيانة أو الانحياز منذ أيام المؤتمر الوطني الهندي بزعامة جواهر لال نهرو حيث كان التوجه الهندي تجاه القضية الفلسطينية خلال حقبة ما بعد الاستقلال قد تأثر بالاعتبارات الأخلاقية والاعتبارات العملية، وكان نهرو ينظر إلي القضية الفلسطينية كجزء من قضية الاستعمار الكبيرة، كما دعمت الهند الموقف العربي الرافض لخطة الكيان الصهيوني الداعية لتقسيم فلسطين بخطة الأغلبية وقد صرح أحد البرلمانيين الهنود مؤخراً بأن الهند دائماً تهتم بقضية فلسطين بشكل إيجابي وهي لم تتخل عنها وما زالت تحارب من أجلها، يُضاف إلى ذلك فإن علاقتها مع الكيان الصهيوني يُعطي إيران مساحة للتعاطي مع الملف الفلسطيني بأكثر من خيار دولي، خصوصاً وُضِعَ ذلك في معادلة العلاقات الصينية الهندية الإيرانية .
(5) ترى إيران في الهند بلداً نَشِط في السياسة الدولية ويتطلع لأن يُصبح قطباً آسيويا يُنظر إلية كرقم صعب في معادلة الأقطاب، وبالتالي فإن الاعتماد عليه في التوازنات الإقليمية له ما يُبرره، خصوصاً في ظل تنافر إيراني أمريكي صاعد، كما ذلك التقارب يأتي في ظل قناعة إيرانية راسخة بأن التوجه شرقاً (في القارة الآسيوية) هو أمر استراتيجي لإيران فمعدلات النمو الاقتصادي المتصاعدة في الصين في منطقة جنوب شرق القارة وبالتحديد النمور الآسيوية تُعطي مؤشرات جيدة لأي شراكة اقتصادية مستقبلية ووفق خطط بعيدة الأمد، كما القارة القديمة تمتلك ما لايمتلكه الآخرون من مساحة هائلة تصلح لأن تكون مرتعاً تجارياً محورياً لإيران وهي بالإضافة إلى كل ذلك تعتبر منبعاً وافراً للعمالة الرخيصة
التعليقات (0)