أحيت حسينية الحاج أحمد بن خميس هذه الليلة ، ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ والتي تصادف ذكرى ولادة الإمام الحسن الزكي (ع) ، وقد ابتدأ الإحياء القارئ علي سلمان بآيات مباركة من القرآن الكريم ، بعد ذلك قرأ المولد القارئان علي سلمان و عيسى سلمان ، و بعدها اختتم سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس بعنوان " دروس من حياة كريم أهل البيت(ع) " ، حيث استهلّ سماحته حديثه بالآيات المباركة من سورة الرحمن " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) " ، القرآن الكريم تحدّث في الكثير من آياته حول الرجاء ، ونجد كمًّا لا يستهان به من الآيات التي كانت تدعو الى الخوف من الله عز وجل مثل الآية التي ابتدأنا به ، الله يدعو عباده الى الخوف ، وأن يتسموا بالخوف . الخوف على نحوين ، خوف سلبي و خوف إيجابي ، الخوف من المخلوق سلبيٌّ و الخوف من الخالِق ايجابي ،و لهذا يُقال للخائف من الله كمالٌ ، بينما الخوف من المخلوق نقصٌ يُعاب عليه الإنسان و يوصف بالجُبن ، الخوف من الله توعّد عليه المولى على مستوى الأجر بجنتين ، لأن الخوف من الله يولّد طاقة العمل ، والخوف من الله إيجابي دائمًا حيث يراقب الإنسان ما يصدر منه من قول أو فعل .
حياة الإمام الزكي (ع) مليئةٌ بالعطاء و نريد الليلة أن نتحدّث حول صفة واحدة من صفاته انطلاقًا من الآية وهي الخوف ، إذ أنّ صفة الخوف متجلّية بشكل واضح في حياة الإمام الحسن الزكي (ع) ، هناك آثار سلوكية عديدة للخوف من الله تعالى ، لأن الخوف مدعاة لسلوك الإنسان نحو الكمال و نقطة انطلاق نحو مراتب القرب من الله ، الأثر الأول : الخشوع العبادي ، و هي حالة الخوف من الله عز وجل والتي انعكست كسلوكٍ على مستوى عبادة الإمام (ع) ، وما أحوجنا اليوم أن نُنقّي صلواتنا من داء الجفاف الروحي ، وهو ما يحرمنا من تذوّق حلاوة الصلاة و لذّة المناجاة و لا نستشعر برد العفو ، وتكون طقوسنا العبادية مجرّد أفعالٍ وأقوالٍ لتفريغ الذمّة ، و الخوف من الله عزّ وجل هو وقود الخشوع ، والخشوع مفتاح الولاء ، من سورة المؤمنون " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) " ، ما أحوجنا أن نعيش أجواء صلوات الإمام الحسن الزكي ، وزين العابدين صاحب السجدة الطويلة يتغنّى بعبادة عمّه (ع) ، " إن الحسن بن علي (ع) كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل " .
الأثر الثاني هو أن الإمام يُراقب حضور الله عز وجل ، الإنسان الخائف مرتبط بالله لأن الله هو مصدر أمنه ، نفرّ منه اليه ، من مناجاة التائبين عن الإمام السجاد (ع) " إِلَهِي هَلْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْآبِقُ إِلَّا إِلَى مَوْلَاهُ " ، ومن الأمور التي نخالف فيها المذاهب الأخرى ، عنه (ع): " كان الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) يصلي، فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لم نهيت الرجل؟ قال: يا بن رسول الله حظر فيما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك! إن الله عز وجل أقرب إلي من أن يحظر فيما بيني وبينه أحد ". الأثر الثالث : التحبّب لله بالذكر ، يجب على الإنسان أن يتحبب لله عز وجل ، والله يُخاطب نبيه (ص) " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) " ، الخوف من الله يبعث حالة التحبّب اليه ، في عالم المادّيات يفرّ الإنسان مما يخشى منه ، لكن الخوف من الله عز وجل يقتضي أن تلوذ اليه ونتحبّب اليه ، ومن فرّ الى سواه دلّ ذلك على جهله و قلة عقله . عنه (ع) رأيت الحسن بن علي عليهما السلام يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس وسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ستره الله عز وجل من النار ستره الله عز وجل من النار ستره الله عز وجل من النار .
الأثر الرابع هو التذلل لله عز وجل بالطاعات ، لا يحب الله عز وجل (أنا) الغطرسة والتجبّر و التكبّر كما فعل ابليس و فرعون وتضع صاحبه ، أما (أنا) التذلل يرفعها الله ويحبها ، من دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجاد (ع) " أنا الفقير الذي أغنيته، وأنا الضعيف الذي قويته، وأنا الذليل الذي أعززته، وأنا السقيم الذي شفيته وأنا السائل الذي أعطيته، وأنا المذنب الذي سترته، وأنا الخاطئ الذي أقلته وأنا القليل الذي كثرته " ، هذه (الأنا) الرافعة لأنها (أنا) التواضع و التذلل ، وكلما زاد خوف العبد من الله قرّبه من الله ، و التذلّل على نحوين ، لفظي و عملي ، ولقد كان الإمام الحسن الزكي يتذلل الى الله ويتواضع اليه ، قال الصادق (ع: " إن الحسن بن علي (ع) حج خمسة وعشرين حجة ماشيا " ، والخوف من الله انعكس عليه (ع) . الأثر الخامس : كان يخاف من الله خوفًا شديدًا ، وكان يغشى عليه إذا قرئت " إذا زلزلت الأرض زلزالها " . الأثر الأخير الخوف من المعاصي و الشعور برقابة الله ، فمن يخافون الله يكونون جبناء أمام المعصية . لا يوجد شيء أفضل من الخوف من الله و الذي يشكل حالة إيجابية نحن بحاجة اليها و الإمام الزكي مدرسة عظيمة في ذلك ، ولم نذكر الليلة في ذكرى مولده المبارك والذي كان ينتظره رسول الله (ص) سوى صفة واحدة وهي الخوف .
التعليقات (0)