واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ ، وتحت عنوان " البدع حقيقتها و أنواعها " ، ابتدأ سماحته بالحديث الشريف عن النبي (ص) " إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله " ، النبي المصطفى ومن خلال تتبّع النصوص و الروايات الواردة على لسانه ، نجد انّ النبي (ص) صدر عنه الكثير من الروايات و النصوص التي تتحدّث عن الغيب ، وقد حذر النبي (ص) من ظهور البدع و أيقظ عقول الناس الى ضرورة الإلتجاء للقرآن و التمسّك بالسنّة و عدم اتباع البدع ، حيث تُشكّل تلك البدع خطورة على المستوى العقدي و الشرعي وعلى مستوى هوية الإنسان المؤمن ، فقد عمل النبي في حياته على تقويم البعد العقدي و شكّل منظومة عقائدية مُتقنة ، وقاتل النبي (ص) على التنزيل و قاتل علي(ع) على التأويل ، ويتوجّه التكليف لكلّ من يمتلك العلم أن ينهض بوصية النبي (ص) ، وان لم يفعل فعليه لعنة الله .
علماء اللغة عرّفوا المقصود من البدع ، مثلًا الخليل بن أحمد الفراهيدي عرّف البدعة قائلًا : البدعة من البدع ، و البدع هو احداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر و لا معرفة . من أسماء الله البديع و الإبتداع أن يوجد شيئًا ليس له نظير ، والراغب الأصفهاني قال : هو انشاء صفة بلا احتذاء ولا اقتداء . فكل علماء اللغة يفرّقون بين الخلق و الإبداع ، فكل ابداع خلق ولكن ليس كل خلق ابداع ، فتكرار الخلق ليس ابداعًا ، لكنّ خلق الأول اذ ليس له نظير من قبل هو الإبداع ، و الله عز وجل هو البديع ، و الإبداع عنوان عام ، ينطبق على الابداع المعنوي و المادي ، الحسّي و المجرّد ، ابداع الخلق وابداع الخالق . أما البدعة و الإبتداع في الإصطلاح عند أهل العلم و المتخصصين في الشرع ، يقول الشرف المرتضى : البدعة في الفقه هي الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير اسناد الى الدين ، من سورة المائدة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ " . السيد الطريحي يقول أن البدعة هي الحدث في الدين ، وما ليس له أصل في كتاب ولا سُنّة . الشيخ يوسف البحراني قال : البدع في العبادات انما هي المحرّمات منها وليس مطلق الإبتداع . السيد محسن الأمين العاملي قال : ادخال ما ليس في الدين فيه .
ظهور البدع له أسباب عديدة ، السبب الأول : المبالغة في التعبّد ، أي وجود نشاط وتوقّد عبادي بالإضافة الى الجهل يُنتج ابتداع ، روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: " قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك، هذا يضل الناس عن علمه بتهتكه، وهذا يدعوهم إلى جهله بتنسكه." السبب الثاني : اتباع الهوى فلكلّ رغبات ، و السير وفق الهوى من أخطر ما حذّر منه الدين ، فيبتكر و يبتدع و يضع في الدين ما ليس فيه . السبب الثالث : التسليم و الانقياد لغير المعصوم (ع) ، لاشك أن الإنسان يكون في معرض الخطأ ، و لكنّ المعصوم لديه علم الله الواقعي ، و المعصوم طبقًا لعقيدتنا لا يخطأ ، خلافًا لأهل العامة الذين يعتقدون بعصمة الأنبياء في التشريع فقط ويستدلّون على ذلك في قضية تأبير النخل مثلًا . الإعتماد على أدوات ليست مُقررة و صحيحة في استنباط الحكم الشرعي ، يلزم فيها الإدخال في الدين ما ليس فيه .
الدين يتركّب من شقين ، الشق النظري الباطني العقدي و الشق السلوكي العملي الفقهي ، الإبتداع الذي ابتليت به الامة يكون على المستويين معًا ، البدع العقائدية وهي أصل هوية الإنسان و له مساس بأقدس المُقدّسات وهو الله عز وجل له خطورة كبيرة ، فكل مساس للأمور الاعتقادية كالإمامة من سفارة وغيرها فهي صور من الإبتداع العقائدي وهي من أخطر أنواع البدع . و التاريخ تحدّث عن ذلك مثل ظهور مسألة الجبر في زمن الدولة الأموية ، أي أن العبد لا إرادة عنده وهذه تولّد نتائج خطيرة ، ومسألة التفويض في رفع سلطة الله عن كل شيء وليس لله سلطان على مملكته ، وكلاهما بدع خطيرة ، و هناك بدع كثيرة خطيرة كذلك مثل بدعة التجسيم و بدعة النبوة و البابية و السفارة . الشق الثاني هو على مستوى الفقه ويكثر ذلك في المجتمعات و يحسبون ما ليس في الدين هو فيه اما بقصد أو بغير قصد ، مثل أحكام الجنازة و دخول الزوج صالات الأفراح ، وبعض البدع التي هي موجودة في أعرافنا وليست موجودة في الدين .
التعليقات (0)