واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الخامس من شهر رمضان المبارك لعام 1444 هـ ، وتحت عنوان " أنواع الوسواس العقائدي وعلاجه " ، ابتدأ سماحته بحديث عن النبي (ص) " إن الله تبارك وتعالى عفا لامتي عن وساوس الصدر " الانسان في مستوى الحياة يمر على مراحل ، اما عالمًا فيكون ادراكه بدرجة من اليقين و المعرفة ما يعادل 100% ، أو ان يكون ضالًا وهي الرتبة الثانية في الإدراكية و هي ما تعادل في الحسابات الرياضياتية 75% ، و تبقى نسبة 25% وهمًا ، ونسبة الوهم أقل من نسبة الظن ، وتارة هي حالة الشك ، أي أنها ما تعادل 50% في قبال 50% .
في عالم الفقه ، المكّلف مطالب في العادة أن يعمل بعلمه لا بالظنون و الاحتمالات ، نعم بعض الأحكام أمضى الشارع فيها العمل بالظن كعدد الركعات ، و الشك في العبادة يلازم الكثير من الناس وحديثنا اليوم حول حالة قد تكون برتب متفواتة وهي حالة الشك ، بحثنا حول الشك الوسواسي ، ولا بأس أن نفتتح موضوعنا بمقدمة ، الوسواس أو الوسواس القهري من الأمراض النفسية التي يبتلى بها الإنسان ، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية أن ما معدّل %1.1 الى %1.8 يعانون حالة من حالات الإضطراب فيبتلى بالوسواس ثم القلق ثم الإكتئاب في الأعم الأغلب . فينبغي أن نلتفت الى ذلك ، هذا الوسواس قد يكون في مواضيع متعددة منها ما يكون فقيُا وتارة يكون عقائديا وتارة يكون سلوكيُا .
فقهيًا في إعادة الوضوء و الغسل و لا يطهر في نظر نفسه ، يعيد الصلاة مرات و مرات ، ومعه لا تستقيم العبادة ، اذا كان الموضوع فقهي سمي بالوسواس الفقهي ، و في السلوكيات مثل النظافة و قفل الباب أي أن هناك فكرة ملحة على الإنسان قهرية تجعله يمارس فعلُا لا يحبه ، ونحن نتحدث عن الوسواس العقائدي ، فمنهم من يسبّ الله عز وجل و منهم من يطعن في عدالة الأنبياء و المعصومين و منهم من يجرّم الله في فعله ، وهذا لا ينطق بلسانه ولا يكتب بيده و انما هي خواطر داخلية ترن في ذاته و يُرهقه هذا النوع من الوسواس .
نحتاج أن نبين حقيقة ان الوسواس والذي يمر بثلاث مراتب ، الأول : الوسواس الطبيعي والثاني : وسواس كثير الشك والثالث : الوسواس القهري . النوع الأول : الأصل في أن الإنسان يُبتلى به ، لأن الإنسان يكون قادرًا أن يتخلص منه وأن يصرفه و أن يشتغل بسواه ولا يعطل حياته ،الوسواس هو الكلام الخفي وهي من النفس أو من الشيطان أو بهمس هامس . كل الناس معرّضون لوسوسة النفس و الشيطان ، وقد أعطانا الله قدرة على التخلص من ذلك . وهي عبارة عن ترادف أفكار لا نريدها ونكون قادرين على ايقافها أو ابدالها .
المرحلة الثانية : وهي تحول الوسواسي الى ما يطلق عليه في الفقه بكثير الشك ، وكثير الشك أوجد لها العلماء معايير ضابطة لمعرفة كثير الشك ، ، القول الأول ان معيار كثير الشك هو العرف ، المعيار الثاني ، ان لا تمضي عليه ثلاث صلوات الا ويشك في واحدة منها ، والأثر المترتب أن يعامل نفسه أنه جاء بالفعل ، لا شك لكثير الشك ، ويبني الانسان على اتيانه بالفعل . الأمور العبادية مرجعيتها لله فاذا كلّفك الله تُطيع ، والنفس لا تعيش الوسواس في النوافل بل في الفرائض حيث يعبث فيها الشيطان ، وكثير الشك ليس وسواسًا قهريًا مرضيًا ، والروايات توجهه وهو ليس مسلوب الإرادة . لما سئل عن كثرة شك الرجل في عدد الركعات حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه -: يعيد، قلنا له: فإنه يكثر عليه ذلك كلما عاد شك؟ قال: يمضي في شكه.ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث يعتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال زرارة: ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم
المرحلة الثالثة : الوسواس القهري فهو في المرتبة العليا ، وكل المراتب السابقة اختيارية تستطيع أن تبدلها ، أما هذه فهي توارد أفكار على بعضها البعض ولا تقوى على دفعها ، فتحتاج الى علاج معرفي وسلوكي و أحيانُا الى الدواء ، و المُبتلى بالوسواس القهري وهي غياب الإرادة الشخصية ولا تملك القُدرة أمامها ، فهو يكُكرر الفعل مرات و مرات ، وأحيانًا تكون في الأمور الدنيوية و أحيانُا تكون في أعلى القيم عندنا في الذات الإلهية والمعصومين و في ذات الله . فحديث نفسه و الحديث النفساني يسبّ الله عز وجل في صلاته . النداءات الداخلية لا يُحاسب عليها الإنسان و هذا الخطاب الداخل لا يسائل عنه الإنسان لأنه خارج عن دائرة الإرادة و الإختيار ، البعض يطعن في المعصومين و في القضايا العقائدية وهذه تذيب صاحبها وتتعبه و ترهقه ، واذا ابلتلي الإنسان لابد أن يراجع أهل الإختصاص ، والبعض يهرب من ذلك ويرجع للعالم - وان كان حسنًا - لكن قد لا يكفي ، لكن للأسف بسبب الصورة السوداوية الموجودة في المجتمع لا يذهب للمختص ، فيحتاج هذا المريض لدعم من الخارج .
من معالجات الشارع الاسلامي : " عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم، فقال: قل: لا إله إلا الله قال جميل: فكلما وقع في قلبي شئ قلت: لا إله إلا الله فيذهب عني. " ، و أيضًا " جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله هلكت، فقال له (ع): أتاك الخبيث فقال لك:من خلقك؟ فقلت: الله، فقال لك: الله من خلقه؟ فقال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال رسول الله (ص): ذاك والله محض الايمان " وهذه رسالة تعزيز لا تخويف و الله عز وجل قال في سورة البقرة " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ " .
التعليقات (0)