شارك هذا الموضوع

الشيخ ابراهيم الصفا ليلة الثاني من شهر رمضان لعام 1444هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 1444 هـ ، وتحت عنوان " شهر الله بين التخلية و التجلية " ، ابتدأ سماحته بالآيات المباركة من سورة البقرة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) " . هناك في القرآن آيات تطلق عليها بآيات الأحكام وهي التي يستنبط منها الأحكام ، عند التأمل فيها يجد المؤمن بأن الكثير من تلك الآيات تشير الى غايات و علل التشريع ، و من تلك الآيات آية الصوم . بغية أن يكون الصوم جسرًا موصلًا لليقين و التقوى .المتأمل في خطابات أهل المعرفة و أولياء الله يجد أنهم يؤكدون أن الطريق لبلوغ المؤمن مقام اليقين لا يمكن الا بثلاث خطوات ، الخطوة الأولى هي التخلية ، و الخطوة الثانية هي التحلية ، و الخطوة الثالثة هي التجلية ، و كل خطوة متقدمة تعتبر علة للخطوة المتأخرة ، فلا يمكن الوصول الى التجلية من دون تحلية

الخطوة الاولى هي التخلية وهي أن يعمل المؤمن الآثم الى هذه النفس المكبلة بقيود الذنوب فيحلّها ، و يعمد الى قلبه المقفل فيرفع الأقفال و الأغلال عن قلبه ، و يرفع غطاء الغفلة ، وأول تلك الخطوات تحرير القلب المقيّد ، فالتخلية من مصاديقها أن تعمد الى المظالم التي في ذمتك سواء لزوجتك أو جارك ، مادية كانت أو معنوية . الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر ، التخلية ترادف التزكية في كتاب الله ومفتاحها هو التوبة . نحن نتأرجح بين الفلاح و الخيبة و القرار في أيدينا ، و لهذا علينا أن نتحرر وما أحوجنا الى افاقة هذا القلب كما حصل للفضيل بن عياض عندما سمع قوله " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " .عن أمير المؤمنين (ع) في خطبة النبي (ص) في فضل شهر رمضان فقال (ع) : فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟فقال يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى.

الخطوة الثانية التحلية ، كما أنّ الأرض لا تكون صالحة للزراعة ما دامت سبخة ،و بعد الحرث ووضع الأسمدة و إزالة الحشائش الضارة ، تكون أرضًا صالحة للغرس ، فالتحلية هي عبارة عن تلبّس المؤمن بطاعة الله بعد أن يفرّغ قلبه من الخطايا و الذنوب تبدأ مرحلة العمل و الجد ، الطريق لله عز وجل انما يكون عبر الطاعات ، إن الله تعالى يقول "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون أنا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته " التحلية أن يكون لك برنامجًا عباديًا على مستوى الصلاة وصلة الرحم والصدقة و عمل البر و أن تعمد لجوارحك وتجنّدها لطاعته ، بالتخلية ترفع الحجب وبالتحلية تجعل جوارحك تقرأ العلم الذي يحبه الله و تعمل في العبادات ونصرة دين الله .من خطبته (ص) في استقبال الشهر الفضيل " ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور " . عف البطن و الفرج ، لا على نحو التخصيص وانما هذه المصاديق فقط للمثال ونقصد بها سائر الجوارح و قد ذركت هذه لطغيانها .

الخطوة الثالثة هي التجلية وهي انكشاف الحقائق و الخروج من حالة الشك و الظن الى حالة اليقين ، و سائر العبادت توصلك لليقين ، " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) " هناك من فسّر اليقين بالموت ، و منهم من ذهب أن اليقين مرتبة معرفة عالية تأتي فوق الإسلام و الإيمان ، فيصل المؤمن لليقين ، هناك تتجلّى الحقائق عند الإنسان وترتفع الحجب عن صفحة قلب المؤمن ، عندها يستشعر قول الله " وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)" . بلوغ مراتب اليقين و الله عز وجل يقول في آية الصوم أن يصل المؤمن الى مراتب التقوى و اليقين . " كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ " ،من تفسير الميزان " هذا مبني على أن يكون المراد رؤية الجحيم يوم القيامة كما قال: " وبرزت الجحيم لمن يرى " النازعات: 36 وهو غير مسلم بل الظاهر أن المراد رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة وهي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين " . اذن مشروع الصيام يبدأ بالتخلية ثم التحلية و ينتهي بالتجلية فتشرق قلوبنا باليقين و المعرفة و عندئذ يُعرف مقامات العباد .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع