شارك هذا الموضوع

فيدرالية العراق .. اعتراضات مشروعة

محمد عبد الله محمديقيناً أن صَدّاماً مُجرم وسفّاح وطاغية، ولعنة آثمة ولغت بإسراف في الدم والإرهاب وفي تدمير الإنسان، وسوف أجعل في أذُنِي اليُمنى طيناً وفي اليسرى عجيناً لكي لا أسمع غير ذلك، كما أن حقائق مُرَّة وبائسة في تاريخ العراق ستبقى ماثلة في الذاكرة العربية والإسلامية لا يُزيحها شيء سوى استحضار صالح الأمّة وخياراتها والعض عليها بالنواجذ، والاستدارة من أمام تلك التراجيديات استجداءً للنسيان، خصوصاً وأن بعضها حسّاس للغاية يقترب بالأشياء إلى حد الصراط، والآخر مُؤجّل ينتظر خروج المارد من قمقمه، ولكي نكون أكثر وضوحاً وبياناً يجب أن نُشير (للدرس والعبرة فقط وليس للشحن الطائفي أو العاطفي) أن أفجع الحقائق وأمرّها هي حالة التشطير المذهبي والاجتماعي الذي مارسها النظام العفلقي بحق العراقيين، ومحاولاته المستميتة نحو استمالة فئوية مذهبية أفضت إلى (تسنيين) الدولة رغم علمانيتها الفاقعة، انعكست لاحقاً على تشكيلات الجيش والأجهزة الأمنية وهي حقيقة مُؤسفة أدت إلى احتقانات اعتمل أوارها على نار هادئة طيلة حكم حزب البعث التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً .


ولكن ورغم كل تلك المآسي الحارِقة للقلب لا يجب أبداً أن ينزلق العراقيون الشيعة (بانفعال وتوتر) في مشاريع سياسية تُضر بمصلحة العراق والمنطقة كمشاريع الفدرلة وإنعاش الأقلمة . إن من الخطأ (والظلم معاً) أن تُختزل مئات السنين من التجاور المجتمعي والإنساني الحميمي بين السُنة والشيعة (العراقيون) في فترة الثلاثين أو الأربعين عاماً من حكم البعث الصدامي البائد، كذلك فإن الدولة المركزية التي بدأت النخب العراقية في تشويهها وتقذيرها يجب ألاّ تُظلم بهذا الشكل المُريع بحجة أن صدام حسين حكم من العراق من خلالها، فهي تبقى مفهوماً لإدارة الدولة قد يُحسَن استخدامه وقد يُساء، كما يتوجب على السياسيين والنخب في العراق ألاّ يشحنوا الشعب العراقي بموضوع الفيدارلية وكأنها الخلاص لمحنتهم، لأن الأمثلة التي سِيقت من الشرق والغرب لأجل إقناع الشارع العراقي والعربي بالفيدرالية قد تصلح وقد لا تصلح خصوصاً وأن المبادئ المطروحة هي عموميات حالمة صِيغت بخلاصات جوهرية للتجارب، ولا تُوجد مجسّات عراقية واقعية (لحد الآن) تُبشّر بوجود أرضيات مُمهدة لهكذا مشاريع، اللهم إلاّ قواعد جماهيرية تُحركها الأحزاب والتنظيمات يتم استجلاب المشروعية من خلالها لمعالجة أزمة الضمير .


ثم ألا يحق لنا أن نعلم كيفية التوصيف الذي ستكون عليه الطوائف المذهبية حال تطبيق مادة (كل إقليم أو أزيد) حيث أن الأكيد هو الإفضاء إلى وجود أقليات شيعية في مناطق أغلبية سنية وأقليات سنية في مناطق أغلبية شيعية وبالتالي الخوف من استئساد طائفة (الأكثرية) على طائفة (الأقلية) والانزلاق نحو حرب أهلية تُذكيها تراكمات ما بعد احتلال العراق، ثم أيضاً لماذا يرغب شيعة العراق في الفيدرالية وهم أكثرية ساحقة تقيهم بعبع الإلغاء والرمي في الشط !!


أقول أن الدول المركزية بإمكانها أن تنسج علاقات مجتمعية هادئة وتُؤسس لمنظومة مدنية جيدة إذا تمّ تضمينها بوسائل الدولة الحديثة، كما أن بإمكانها تقرير موضوع الثروة الوطنية وقانون الأحوال الشخصية وعلاقة الدين بالدولة والأوضاع الإدارية للمحافظات بالصورة التي تُرضي العراقيين .


قد يكون مفهوم الدولة كما يرى جاك دونديو دوفابر فكرة قديمة عندما تعلو الدولة على الثروات، وتكون وحدتها متفوقة على عدم استمرار الحياة العامة وانقطاعها، إلاّ أنها أيضاً مساحة حقوقية تكون تصرفات الحكومة فيها خاضعة لقواعد ثابتة وأكيدة، ولا أعتقد بأن الدولة المركزية ستتوحش على هكذا أمور.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع