ألقى سماحة الشيخ محمد الغريفي كلمة بعد صلاة العشائين وذلك بعد انتهاء فعاليات يوم العاشر من المحرم لعام 1444هـ/2022م ، السلام على الحسين و أصحابه و أهل بيته ، ظلت سيدتنا الحوراء زينب تجول في هذه الليلة بعد هذه الفاجعة و من خيمة الى خيمة تبحث عن الأطفال و النساء ، يبحثون لهم عن الماء و الأجساد المبضّعة بالسيوف و السهام ، عشنا موسمًا كبيرًا في الوهج والإرتباط بالحسين (ع) وأهل بيته ، والسؤال الذي يُطرح و نحتاج أن نجيب عليه هو ما هي أهداف ثورة كربلاء؟ هناك أهداف ذكرها البعض ولكن هل هي سليمة أو تستقيم مع رؤية الحسين (ع) أم أنها لا تستقيم مع ذلك .
قد يقول قائل بأن الهدف الأساس من الصراع هو الرئاسة و الزعامة و قد خرج الحسين من أجلها ، و هذا الهدف لا يستقيم مع ما طرحه الحسين (ع) ، حيث قال(ع) " إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ".هناك رؤية واضحة عند الحسين في خروجه و ثورته ضد الطاغي يزيد ، وهل من شخص يطلب الزعامة و الرئاسة و هو يقول " خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ " ، حيث حدّد الحسين أنه يسير للموت و ليس للزعامة ، و ان كانت الرئاسة الشرعية من حقه و أهل البيت ، فهناك كانت رئاسة شكلة و صورية ، فليس الهدف اذن هو الزعامة و الرئاسة .
هناك قول آخر يقول بأن الهدف من الثورة هو إبقاء الحسّ الثوري و الجهادي في الأمة ، حيث بنو أمية عمدوا على إماتة ذلك في نفوس الناس ، فأراد الحسين أن يُبقي وهج هذا الجهاد أمامهم وهو يعلم أن الغلبة العسكرية من جهة يزيد حيث لا تكافؤ بين الجيشين ، الا أن هذا الهدف لا يستقيم مع هدفه الأسمى وان كان فيه جزءًا .ثم يقول البعض أن الهدف هو أن يحسّن الأمة فكريًا و روحيًا و سلوكيًا و عقائديًا أمام المشروع الأموي الذي عمد على مسخ هوية الأمة وتضييع عقائدها وسلوكها و أخلاقها وقد يكون شيئًا من ذلك .
إنّ الهدف الأكبر الذي تحرّك من أجله الحسين ، " ان كان دين محمد لن يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني " ، هنا يتضّح الهدف و هو دين الإسلام ، أي أن بني أمية أرادوا تغييب دين الإسلام و تحريفه والعبث بالدين الى أن جاء الحسين ليصوّب ويقوّم ذلك في الأمّة ، و هو الذي ارتجز وقال " أنا الحسين بن علي * آليت أن لا أنثني ، أحمي عيالات أبي * أمضي على دين النبي" .هنا يحدد الحسين (ع) المسار، لذلك بنو أمية استهدفوا الدين ، ولولا ثورة الحسين لم يكن للدين وجودٌ ، وهذا ما نفهمه من قول النبي الأكرم ، " حسين منّي و أنا من حسين " ، أي أنّ الحسين سيحمي هذا الدّين و يقوّم هذا الإعوجاج ، ويقف أمام التحريف و الزيف لمشروع بني أمية .
يجب أن نلاحظ أن كلّ المشاريع المناهضة تستهدف دينكم و إيمانكم و عقيدتكم و أخلاقكم و سلوككم ، فهذه المشاريع تتلوّن لتُسقط الدين من أنفسكم ، ولذلك أكبر موسمٍ يُمكنه أن يواجه كل هذه الإنحرافات هو موسم عاشوراء الحسين(ع) ، وكل مشاريع التحريف و العبث تسقط أمام موسم عاشوراء ، لما يمثله من وعيٍ و حضورٍ كبير في نفوسنا ، لذا ينبغي أن نحافظ على قُدسية عاشوراء.عاشوراء تثبّت الدين و الإسلام في نفوسنا وهي حضور للدين و الإسلام في واقعنا لا أن نعيش عاشوراء بكاءً و عاطفةً و يغيب عاشوراء الوعي و السلوك و التربية و الفكر من واقعنا ، ليس عاشوراء الذي نبكي فيه على الحسين (ع) و لكننا نتمرد فيه على الله عز وجل ، وليس عاشوراء الذي نلطم فيه صدورنا على الحسين (ع) ونتجاوز قيمه و أخلاقه في كلّ أيامنا و أوقاتنا .لذلك أن نعيش عاشوراء حقيقة هو أن نرتبط بالدّين و الإسلام و الشريعة الغرّاء في كل حياتنا
سمعنا خلال عاشوراء الكثير من الخطاب المنبري ، ونعود مرة أخرى الى هذا الخطاب ، لسنا في محلّ التوجيه له ، لكن ما نحتاجه اليوم هو أن يكون هذا الخطاب مُعالجًا لأزماتنا و وواقعنا و لكل الإشكالات التي تُطرح ، الكل يعرف بخطر المثلية و الإلحاد و التيّارات المنحرفة داخل الطائفة ، لكن ما هي العلاجات التي ينبغي أن نُحصّن بها هذا الجيل و نقف عندها لنوقف هذا الخطر ، نحن اليوم في أمسّ الحاجة أن يكون الخطاب العاشورائي يُلامس الواقع و يُعالجه ، لا أن يستثير هذا الواقع ويقف عاجزًا دون أن يستطيع معالجته .
أوجه هذا المقترح لإدارات المآتم أن تكون هناك عشرة باسم الشباب لتقف على كلّ الإشكالات و تقف على كلّ التحدّيات و التيّارات المنحرفة التي تواجه هذا الجيل ، و هم المُستهدف الأوّل ، و المرأة كذلك مُستهدفة في دينها وعفّتها وحجابها و عقيدتها ، لذلك نحن في أمسّ الحاجة أن يكون هذا الخطاب يُلامسهم ويجيب على كل الإشكالات و التحدّيات و كيف نخرج منها ، نثمّن الجهود التي بذلت من قبل الكوادر العاملة في ادارات المآتم و قد أبلوا بلاءً حسنًا و أثمّن هذا الحضور الحاشد من الجمهور العاشورائي وقد ملؤوا الحسينيات في الداخل و الخارج وكانوا مظهرًا تقشعرّ له الأبدان ، وأثمّن مواكب العزاء الحاشدة ، و أثمّن لكلّ الخطباء و الرواديد و الشعراء وخدّام الحسين في كل المواقع هذه الجهود التي بُذلت من أجل انجاح الموسم بصورة واضحة وكبيرة.
التحدّي الأكبر الذي نواجهه بعد انتهاء الموسم هو كيف نحافظ على هذه الحشود الجماهيرية في مؤسساتنا ، عاشوراء هو بنفسه يستقطب كل الأبناء و الشباب بوهجهم وحماسهم في العمل ، ولكن ينبغي أن لا يختفي بعده ، كل المناسبات هي كبيرة في نفوسنا ويجب أن نحافظ عليها بمستوى هذا الإحتشاد كما شهدناه في العشرة علينا أن نشهده في وفاة النبي الأكرم(ص) و باقي الأئمة (ع) ، وهذا هو نجاح موسم عاشوراء ، و اذا أردنا أن نختبر أنفسنا أننا عشنا عاشوراء حقيقة ، سنجد هذا مُطبقًا في كل مناسبات أهل البيت ، و متى ما وجدنا ضعفًا علينا أن نراجع أنفسنا في احياء مناسبات الحسين هل كانت صادقة معه أو لا .
التعليقات (0)