واصلت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية و ذلك في ليلة الثامن من موسم محرمّ لعام 1444 هـ ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم بصوت القارئ حسين أحمد ، وبعدها زيارة الإمام الحسين بصوت القارئ رياض يوسف ، و تحت عنوان " القيادة في الإسلام " استهلّ سماحة السيد عدنان الكرّاني بالآية المباركة من سورة الأنبياء " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) " ، مفهوم الرشد و كيف تعامل القرآن مع هذه المفردة .

الآيات التي أشارت الى الرشد تعامل معها القرآن على ناحيتين ، الناحية الأولى على الأطفال الذين لم يصلوا الى مرحلة النضج العقلي بعد تجاوزهم سنّ البلوغ وقد تعامل مرة مع فئة اليتامى ، من سورة النساء " وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ " ، الثانية تعامل مع بعض الناس الذين تجاوزا مرحلة البلوغ لكن لا يملكون نضجًا عقليًا ولا يصلون من خلال الموقع الذي هم فيه الى نتائج جيدة ، من سورة هود " وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)" ، و في مورد آخر من مثل السورة " إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) " ، توجد بعض الشخصيات في المجتمع تعرف التعامل مع جميع الناس وتتخذ القرارات الصحيحة ، البعض يتأثر ببعض الشخصيات و تنجذب الناس اليه ، ويجب أن يكون الإنسان حذرًا في التعامل مع الناس في المجتمع

يقول العلماء في معنى الرشد انه نوع من الكمال النوعي و الروحي ، أي الإدارة و القدرة على المحافظة على القدرات و يعرف كيف يديرها ويستخدمها ويحفظ عليها ، وذلك ليس حصرًا على الطاقة المادية الجسمانية وإنما جميع الطاقات الروحية و السياسية و الإقتصادية ، انطلاقًا من حسن ادارته في علاقته مع الناس ، أيضًا نوعٌ أخر من الرشد في العبادة ، بمعنى أن العبادة الصحيحة هي التي تجذب روح الإنسان الى العبادة ، وليست كثرة الطعام دليل على حُسن التغذية فأحيانًا تكون مُفرطة و غير مغنية ، فكذلك من يستطيع أن يدير علاقته مع الله عز وجل ، فمن عرف نفسه عرف ربّه ، كيف نتعامل معها عندما تقبل و عندما تدبر عن العبادة ، و الكمال على مستويات حيث يجب الإنتقال من مستوى الى مستوى آخر بحكمة .

العنوان الثاني هي القيادة و الإمامة ، الرشد هي العلاقة في هداية الآخرين ، ولكن أفضل لفظ أن تطلقها على الإمامة هي القيادة ، ولابد أن نفرّق بين النبوة و الإمامة فالنبوة قيادة و لكنهم يعملون على كشف الطريق ووضع الناس على الجادة الصحيحة ، و الإمامة هي قيادة الناس على ذلك الطريق ، فقيادة الناس الى نهاية الطريق الذي يريده الله عز وجل ، من سورة البقرة " ۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) " ، هذا العهد و المنصب و المقام لا يناله من كان ظالمًا سواء من ذريته أو لا ، أئمتنا (ع) قد حازوا على هذه المرتبة السامية وهم ليسوا بأنبياء ولكنهم ساروا على طريق الأنبياء ، الحياة و المجتمع لم يوجد فقط على الجانب الإجتماعي وانما يرافقه و يلاحقه جانب إلهي ، من وضع نفسه لقيادة الناس أن يعرف مدى طاقاته و قدراته حتى يتحرّك من خلاله ، و الله سهّل كل الموجودات .

من سورة الإسراء " ۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) " ، الأمر الثاني القائد الذي ينصب نفسه على الناس يجب أن يعرف القوانين التي من خلالها يستطيع الوصول لقلوب الناس ويؤثر عليهم ، وهذه مهمة خطيرة لم يستطع أن يتعامل معها الا من جاء عن طريق الله عز وجل ، و المثال على ذلك رسول الله (ص) ، من سورة الأحزاب " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) " ، فهو أرقى نماذج القيادة حيث عاش يتيمًا واستطاع أن يستوعب محبّة البشر كلّهم .

كان أبو ذر تخلف عن رسول الله (ص) في غزوة تبوك ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف، فلحق بعد ثلاثة أيام ، ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره، فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله (ص) كأن أبا ذر، فقالوا: هو أبو ذر، فقال رسول الله (ص):أدركوه بالماء فإنه عطشان، فأدركوه بالماء، ووافى أبو ذر رسول الله (ص) ومعه إداوة فيها ماء، فقال رسول الله (ص) يا با ذر معك ماء وعطشت؟ فقال: نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء، فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت: لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله (ص).