واصل سماحة الشيخ حسن القيدوم سلسلة مجالسه بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، وذلك يوم السادس من المحرّم الحرام لعام 1444هـ / 2022 م ، وقد ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة التوبة " ۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) " هذه الآية الكريمة تدعو المؤمنين الى التفقه في الدين ، معنى التفقه في الدين هو تعلّمه سواء العقيدة أو الأحكام الشرعية و بصورة عامة أن يطلب الانسان العلم في عقيدته و في أحكامها و ممارساتها العبادية و المعاملات.
التفقه في الدين على عدة مستويات ، منه ما هو واجب وجوبا عينيًا على المكلّف كالصلاة و الصيام و الزكاة و التي تتحقق بشروطها ، و منه ما هو واجب وجوب كفائي ، فالتفقه في الدين واجب عيني ، حيث لا يسقط عنه في حال من أي الأحوال ، يجب عليه أن يتعلم أجزاء العبادات و شرائطها ، كوجوب جلسة الاستراحة بعد السجدة الثانية و قبل القيام التي قد يغفل عنها البعض او لعجلته حيث لا توجد تلك الجلسة عند أهل السنة ، و أيضا وجوب أن يواري الولي الجثة أو توجيه المُحتضر ناحية القبلة وكلها أحكام شرعية يجي على المكلّف تعلّمها .
على مستوى المعاملات ، يحتاج من يعمل في التجارة أن يتعلّم الأحكام الشرعية المُرتبطة بعمله وهو واجب عيني ، و يجب على كل مكلف أن يتعلم ما هو مرتبط به و بعائلته ، في رواية عن الصادق (ع) يقول: " تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول [في كتابه]: " ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ". و الاعرابي بمعنى أن يكون كمن هو في البادية ، ومن الذنوب الكبيرة التعرب بعد الهجرة وهو الذهاب الى بلد الكفر حيث لا يستطيع ممارسة دينه أو لا يستطيع تعلم الأحكام بعد أن نشأ في بلد مسلم وتجب عليه العودة الى بلد الإيمان .
عن الصادق (ع) : عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة (4) ولم يزك له عملا. " وسبب عدم القبول كونها غير صحيحة . عن الإمام الباقر (ع) : " لو اتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه [في الدين] لأدبته " . مدرسة أهل البيت هي مدرسة القرآن و الحكمة .
أما عن التخصص في الأمور العقائدية و الشرعية بمستويات فهو واجب كفائي وليس مطلوبا و لا مقدورا لعامة الناس أن يتوصلوا الى الأحكام بمستوى الفقاهة و الاستدلال حيث ان قام به البعض سقط عن الآخر ، و الأئمة (ع) حرصوا على تعليم أصحابهم و تلامذتهم العلم الى مستوى يكونون فيها فقهاء و أتقياء و أجلاء و أعلام . وهم فئة خاصة تتعلم عند الإمام الباقر أو الصادق أو غيرهم و يعطيهم الإمام طرق الإستدلال الى الأحكام الشرعية بحيث يكون الفقيه في بلده محط الأنظار و تأخذ احكامها و دينها من هذا العالم الورع و الفقيه الذي قضى وقته في التعلّم .
وقد حرص الأئمة على أن يكون أصحابهم يفتون لعموم المسلمين وليس للشيعة فقط ، قال الإمام الباقر(ع) لأبان بن تغلب : " اجلس في مسجد المدينة، وأفتِ الناس ؛ فإنّي أُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك " . و ايضا محمد بن مسلم الثقفي ، امتدت هذه المدرسة الى زمن الغيبة الصغرى و الغيبة الكبرى و نجد سلسلة من الفقهاء من الشيخ الكليني و ابن ابي عقيل و الشيخ الصدوق و المفيد و السيد الشريف المرتضى و المحقق الحلي و تمتد الى يومنا هذا ، لم تنقطع الشيعة أن تُخرج جماعة لتدرس الدين حتى مستوى الفقاهة فلكل زمان مرجع ، و هناك احترام لهذه الرموز العلمائية حتى من خارج الدين و المذهب . الشعوب و المجتمعات القيادات الدينية لا تحتؤم الجهال بل تنظر الى أهل العلم و البصيرة . ولابد أن نشكى الله على بقاء هذا الخط بعد كل هذه التضحيات.
التعليقات (0)