واصلت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية و ذلك في ليلة الخامس من موسم محرمّ لعام 1444 هـ ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم بصوت القارئ موسى عمران ، وبعدها زيارة الإمام الحسين بصوت القارئ مكي الحرحوش ، و تحت عنوان " الجماعة الصالحة " استهلّ سماحة السيد عدنان الكرّاني مجلسه بالآية المباركة من سورة آل عمران " ۞ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) " ، بدأت الآية " فَلَمَّا أَحَسَّ " الإحساس هي عملية ناتجة عن التعرّض لأمر ما ، حيث أحد الأعضاء يستقبل رسالة ، وهذه الوسيلة الوحيدة للإتصال بالعالم الخارجي الذي يتفاعل معه العامل البشري فمن غير هذه الحواس الخمس لا يستطيع أن يتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه .
هناك نوع آخر من الإحساس وهو أن يقف الإنسان عند مجموعة من القرائن و الدلائل التي يصل بها الى نتيجة فقد يتحسس أمرًا ما سيحدث ، ولكي يتضح الأمر أكثر نرجع الى سبب النزول و هي عندما وقف النبي عيسى (ع) عند قرائن تدلّ على أنّ هناك من سيقتله ، حينما يطلب الأنبياء الأنصار من المجتمع ، فهناك هدف وفائدة أكبر من مسألة الحماية و الدفع من الموت بالرغم من قيمة حياة النبي الكبيرة ، وهي بقاء الدين و عدم ضياعه فيستميت دفاعًا عنها ، الناحية الأولى : أن الأنبياء لا يخشون من الموت ، فلا يستطيع شخص أن يستثني نفسه من قاعدة الخروج من الدنيا (الموت) .
الناحية الثانية : اعتبار الأنصار كشهادة من التزكية ، كل مصلح عندما يسعى لاثبات حركته و يوجد حوله أنصار كثر، انما الأنصار يُعتبرون من الطبقة الواعية و المؤمنة و تمتلك كمًّا معرفيًا هائلًا ، فهم يضيفون عليها المشروعية و أن هدفه(المصلح) سليم بصورة عامة . نأتي بدليل من معركة صفين ، حيث قال النبي (ص) : " تقتل عمارا الفئة الباغية عن الطريق، وإن آخر رزقه من الدنيا ضياح من لبن " حيث اتضح للكثير أن عمّار بمثابة شهادة تزكية لأمير المؤمنين (ع) مع ما له من أسباب أخرى .
الناحية الثالثة : الخضوع للسنن التاريخية و الإلهية ، كل مصلح له نهضة توعوية في المجتمع قبل أن يتحرّك بها لابدّ أن يوقن حقيقة مهمّة ، أن الله يربط الأسباب و مسبباتها -مع ما له تعالى من قدرة تحقق ما تريد- ، الله عز وجل لما أراد أن يخلق انسانا بلا أم ولا أب صنع ، وعندما أراد أن يخلق انسانُا بلا أب فعل في عيسى(ع) ، النبي (ص) لم يُحارب في مكة حيث لم توجد بيئة مناسبة ، ولكن لما ذهب للمدينة ووجد مجموعة صالحة وتتحقق بها الأسباب ، لم تكن أي قوة تستطيع ان تتجرأ وتتقوّى عليه (ص) ، وهذا يبيّن لنا كيف أن الأئمة (ع) عملوا في بناء الجماعة الصالحة ، حيث كانت في تدبير مسبق لهم ، وليست الجماعة الصالحة نتيجة طبيعية للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر -وان كان له تأثيره- لكنها لم تكن طبيعة من دون إرادة ، وإنما الأئمة (ع) تقصّدوا الأمر وخطّطوا في إيجاد هذا الأمر.
الرواية عن الكليني توضّح الهدف من بناء الجماعة الصالحة ،عن الإمام الباقر ، عنه (ص) : " إن الله خلق الاسلام، فجعل له عرصة، وجعل له نورا، وجعل له حصنا، وجعل له ناصرا: فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم ، ...فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة " ، كان أول من اهتم هو رسول الله (ص) ، فأسس التشيّع لعلي كما يقول شهيد المحراب ، حيث كان مُتقصّدًا من رسول الله فاختار الجماعة الصالحة التي كانت البذرة ، تحتاج كلها لأساليب -بعيدًا عن جانب المنطق و العقل- ، انهم ركزا على التأكيد في صنع الجماعة الصالحة على العاطفة و المشاعر فربوا أتباعًات في غاية العظمة حيث يكونوا مضحّين ، و أصبح الواحد منهم يتخلّى عن حياته و أولاده و أمواله و كلّ ما يمتلكه من أجل هذا الخط الذي يرتبط به .
وجود الجماعة الصالحة ليس من أجل المظهر العام فقط ، وانما لها ميزة عظيمة في الحفاظ على المجتمع الإسلامي وبقائه استمراره ، سواء في حضور الإمام أو غيبته ، ويجب أن يعيشوا حالة التأهب والترقّب للظهور وانتظار الفرج فهي من أفضل الأعمال حيث قال (ص) ، من سورة آل عمران : " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) " ، الجماعة مع صاحب الزمان تتجانس مع الجماعة الصالحة مع الحسين (ع) .
التعليقات (0)