ابتدأت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية و ذلك في ليلة الحادي من موسم محرمّ لعام 1444 هـ ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم بصوت القارئ السيد جعفر الموسوي ، وبعدها زيارة الإمام الحسين بصوت الرادود محمود القلاف ، و تحت عنوان " خلود الحسين " استهلّ سماحة السيد عدنان الكرّاني مجلسه بحديث عن الإمام الحسن بن علي (ع) مخاطبًا الحسين " لا يوم كيومك يا أبا عبدالله " ، هذه الكلمات التي نقلها الشيخ الصدوق ننطلق بها لتعرفنا بعضًا من أسرار خلود حركة الحسين (ع ) و ما لها من أثر كبير غطّى الدنيا و ما فيها بجميع أبعادها و أزمانها ، هذا الكلام ليس عاطفيًا ، لابد أن يكون هناك سرًا وراء تفاعل جميع الطوائف و الملل مع ثورته (ع) ، هذا الخلود لم تكن الطرق اليه معبدة و لا سهلة ، كلما جاءت أجيالٌ و أجيالٌ تجد الحسين هو المحرّك لها ، ومن دون وجوده تجد المجتمعات فاقدة للحياة و النبض ، و كل ذلك يعود الى بركته (ع) .
الله سبحانه و تعالى أرادت مشيئته أن تُخلّد رسالات الأنبياء و أنوار أوصيائهم و من بعدهم أدوار المصلحين و العاملين في هذه الأرض ، كل ذلك ضمن الله استمراره ، وتبين الآية الكريمة من سورة الحج " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)" ، و في مورد آخر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) " مهمة الأنبياء و الأوصياء هي العمل على انقاذ الأمة و احياء المجتمع ولا يكون ذلك الأمر ولا يبقى ولا يستمر الا بتخليد تلك الرسالة ، إن الحركة الإصلاحية للحسين (ع) لا تعدوعن كونها من تلك الرسالات و الحركات و النهضات ، المتأمل لزيارة وارث يرى كيف أن الحسين قد ورث هذا الخط من آدم وصولًا الى رسول الله ( ص ) ، و هو عين و ذات الخط الذي أتى به رسول الله ومن سبقه من الأنبياء و الرسل .
لما نستعرض الشريط التأريخي في الزمن نجد أن هناك العديد من التضحيات التي كلّفت الكثير و العناء و البذل ، فما حكمة تميّز هذه الحركة و جعلها خالدة و باقية ؟ و ما هي عوامل الت تميزت بها حركة الحسين (ع) ؟ للجواب على ذلك ، كل تلك الحركات تارة نتعامل معها تعاملًا تجزيئيًا انطلاقًا من ذاتها وهذا غير صحيح ، وتارة نقيّمها تقييمًا شموليًا ونتعامل معها من جميع الجهات وهو الأمر الصحيح . هناك خمسة عوامل نقيّم بها تلك الحركة ، العامل الأول شخصية صاحب الحركة ، الثاني هدف الحركة ، الثالث طبيعة الحركة ، الرابع حجم الحركة و الأخيرهو نتائج تلك الحركة ، و أي حركة إسلامية أو خلاف ذلك لابدّ أن تُقيّم انطلاقًا من تلك العوامل .
العامل الأول فشخصية العامل مؤثرة جدًا في التفاعل و المضي بتلك الحركة واصاحب كتاب مكارم الأخلاق ينقل لنا وصية من رسول الله لأمير المؤمنين تتكوّن من مقطعين ، و الثاني أشدّ عجبًا من الأول ، " يا علي، ركعتين يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد ، و المقطع الثاني " يا علي، نوم العالم أفضل من عبادة العابد " ، لابدّ أن نتعامل مع الحسين انطلاقًا من المعرفة . تتفاوت معرفة الناس بالحسين (ع) و كلّ يأخذ من حركته بمقدار معرفته به ، هذه المعرفة لها قيمة ومكانة كبيرة عند الله عز وجلّ ، الإمام الحسين وليّ من أولياء الله و إمامٌ مفترض الطاعة ، فإذا أردت أن تتعاطى مع حركة الحسين يجب أن تتعاطى مع تلك الأمور والفكر النوراني الذي جاء به الحسين (ع) .
العامل الثاني هو الهدف ، الحدث التأريخي ينقل لنا كيف أنّ عبدالله بن الزبيرعندما حارب وحرر الكعبة لم تًخلّد حركته لآن هدفه لم يكن ساميًا ، والحسين عليه السلام كان هدفه أعلى من الآخرة و هي رضا الله عز وجل . العامل الثالث هو حقيقة الحركة ، المدقق سيجد أن هذا العامل ينبثق جزئيًا من العامل الثاني ، والأمر هنا حتى لو كان الهدف رضا الله عز وجل لكن لابد أن يكون الطريق يتفق مع شريعة الله ، فيجب علينا أن لا نغترّ بالشعارات و العبارات الرنانة و المنمّقة ، لربما يكون صاحب الحركة يعيش حالة من الجهل المركّب ، وان كان الهدف سامٍ لكن الحركة خلفه تؤدي الى عدم التوفيق وعدم جني الثمار .
عندما نأتي للقرآن الكريم يريدنا أن نلتزم بخط الله عز وجل ، من سورة الإسراء " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) " ، عن رسول الله (ص) قال " لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة " لابد أن يتساوى عند الإنسان جانب التطبيق و جانب النظرية ، لا أن يكون فقط كلامًا و حشوًا ، بل لابد لهذا الكلام أن يُطبّق على أرض الواقع ، لابدّ أن تكون النية جيّدة و مُخلصة ، بالإضافة الى ذلك أن تُصيب السنة أي أن يكون الطريقُ و المحرّك مُنطلقًا من رٍضا الله ، من سورة الكهف " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)" ، و الخوارج من أكبر المصاديق على هذا الأمر.
العامل الرابع حجم الحركة و حجم حركة الحسين تفوق العقول، الى مستوى قال فيها الحسين "اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى"، و المدقق في دعاء عرفة يجد كيف أنه (ع) ذكر تضحيته بأبسط ذرات جسده و قد ضحى بها فعلًا سواءً بجسده أو بعياله أو بأهله ، و هذا ما يُعطيك حجم حركته ، و العامل الخامس ، إن نتائج حركة الحسين نجدها جلية وعظيمة وما خرج الحسين الا من أجل الدين فعليك أن تعضّ عليه و تقبض عليه ، الإسلام محمّدي الوجود وهي العلّة المُحدثة ، حسيني البقاء وهي العلّة المبقية .
التعليقات (0)