واصل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك ، وذلك في ليلة الرابع و العشرين من شهر رمضان لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " اقتل الوقت تموت الحضارة " ، إبتدأ سماحته بمقدمة ، لاشك ولا ريب أن الله خلق هذا الإنسان لا للعبث و اللهو ، و إنما لغرض سام ، إما في علم او عبادة أو عمل أو جنب منفعة له ، فكيف استغللت هذا العمر في حياتك و بناء حضارتك؟ حديثنا الليلة حول أهمية الوقت ، البعض منا يعيش العشوائية ولا يخطط لما سيفعله ، فلا يستغل أوقاته .
للوقت أهمية كبيرة للإنسان و المجتمع و الحضارة ، أولًا : العمر الزمني هو ما يقضيه الإنسان في هذه الدنيا و العمر العملي هو ما قضاه في العلم أو العمل أو الدين او جلب منفعة ، فالمناط هو العمل وليس الزمن ، اذ لا عبرة بالوقت الزمني . ثانيًا : هناك حضارة استهلاكية و حضارة انتاجية ، في الأساس عنوان الدول أو الحضارة في وقت العامل للبناء، فتنبني الحضارة أو الدولة ، و كم يعطي من وقته لسيتنزف من تلك الحضارة . الحضارة المتفوّقة هي من تعطي وقتًا للإنتاج أكثر من الوقت للإستنزاف ، فلا فائدة من أن يكون عملك أقل من وقته الفعلي . فلننظر الى الصين و بنائها و حضارتها ، كل ذلك لم يأتي من الإستنزاف و الأكل والشرب ، و لا يتطور المجتمع الذي يكون مستهلكًا ، فيكون ميتًا لا حركة فيه .
أسباب قتل الوقت كثيرة ، أولها : كثرة النوم ، عن الإمام الباقر (ع): قال موسى (ع):" يا رب، أي عبادك أبغض إليك؟ قال: جيفة بالليل بطال بالنهار " ، ولا يُقصد هنا بمن ينام في الليل راحة لطلب العلم و العمل في الصباح ، بل من ينام بدون هدف ، ثانيًا : اللهو و العبث ، هناك لهوًا ممدوحًا ، فهي لذّات لتستقوي على العمل ، مثل السفر و الرحلات و التزاور للترويح عن النفس وان كان بعضها يتحوّل الى العبادة ، وهناك لهوٌ مذمومٌ مثل القمار و الألعاب الخطيرة و اللعب اللهوي العبثي ، عن الإمام الصادق (ع) - لما سأله بكير عن اللعب بالشطرنج -: "إن المؤمن لفي شغل عن اللعب ".
المؤمن هش بش ، و يتعاشر مع الناس و يتزاور معهم ، عنه ( ص ) : " الهوا والعبوا، فإني أكره أن يرى في دينكم غلظة " ، و المقصود به اللعب الممدوح وليس المذموم وهو من أسباب قتل الوقت . عن الإمام الصادق (ع) - لما سأله صفوان الجمال عن صاحب هذا الأمر -: صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن وهو صغير ومعه بهمة عناق مكية ويقول لها: اسجدي لربك، فاخذه أبو عبد الله (ع) وضمه إليه وقال:بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب " .
يجب استثمار الوقت و هذا يكون من خلال الخروج من دائرة اللعب و العبث المذموم الى دائرة جلب المنفعة و العمل و استثمار و استغلال الوقت ، لابدّ للإنسان أن يخطط ليومه لا أن يسير بالبركة . من الصحيفة السجادية " ولَا تَشْغَلْنِي بِالاهْتِمَامِ عَنْ تَعَاهُدِ فُرُوضِكَ ، واسْتِعْمَالِ سُنَّتِكَ " . أيضًا نحتاج الى ترتيب الوقت ، فيجد البعض أن وقته مزحومًا ، وهذا قد يكون بسبب عدم التنظيم و الترتيب وبالنتيجة عدم الإنتاجية ، و يؤدي ذلك الى التراجع .
عن الإمام الكاظم (ع):" اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم"
التعليقات (0)