واصل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك ، وذلك في ليلة الثامن عشر من شهر رمضان لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " الإنتحار سير للهاوية " ، وقد إبتدأ بمقدمة أن الإنتحار هو لمن قتل نفسه ، ولعلّه يعتقد أنه لم يقتل أحد ، فهو يحمل عنوان القاتل ، وارتكابة جريمة بشعة تهدد أمن المجتمع ، عندما ينتشر هذا السلوك و -لله الحمد- لم يصل الإنتحار الى كونه ظاهرة في مجتمعنا العربي بل هو أمر نادر ، ونحن مطالبون بالتوعية والوقاية كي لا تتسع دائرة هذا الموضوع ، وعندها يُطالب طلبة العلم بطرحه و إيقافه ، ونحن عندما نطرحه بسبب وجود بعض المعطيات ، من الخوف أن تنتشر عند رجالنا ونساؤنا .
من الأسباب التي تؤدي الى الإنتحار : أولًا الإعلام ، الإعلام اليوم ليس كما هو قبل خمسون سنة ، فعندما ينتحر شخص قبل أعوام خلت ، لا ينتشر الموضوع كما ينتشر الآن ، و لست دائمًا انت المستهدف في حالة الرخاء ، لكنه مصدر تشجيع لمن يعيش المشاكل والضغوطات ، فالإعلام يبث هذه السموم ، و سيتحوّل في المستقبل لا سمح الله الى سلوك طبيعي ، ثانيا وجود الجاليات الكثيرة التي فيها بعض الملوثات ، فنحن عندنا مبادئ ومعتقدات ، فالجاليات عادة ما تنشر ما يخالف الدين و الثقافة .
وقفة قرآنية حول الإنتحار ، من سورة النساء " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) " رحمة الله واسعة ، والله عندما يبتليك فانه يبتليك على قدر ما تستطيع و تُجزى أجر ذلك الصبر فلا تعمد الى ايذاء نفسك ، و الذي يعتقد أنه سيرتاح وهذا الدافع الأساسي للإنتحار ، فنقول إن الضيق الذي يبرر للإنسان قتل نفسه بمثابة كوية بسيطة تحدث في اصبعك ثم بعدها تنتقل الى نار تُخلّد فيها ولا موت فيها . فلن ترتاح ، مجرّد انتقال من حالة بسيطة الى حالة لا تقاس صعوبتها . فهذه موبقة من الذنوب الكبيرة ، ويقول الطباطبائي أن قتل النفس هو قتلان ، قتل النفس وقتل الآخرين .
من جانب عقائدي ، من يقتل نفسه و يتلفها مخلد في النار كأصل ، يقول السيستاني ان قتل النفس جرما كبيرا وذنبًا كبيرًا لكنه لا يُخرجه من الإسلام ، وعلى أثر ذلك هناك إمكانية أن لا يخلّد في النار ، لأن الأصل هو التخليد في النار ، قال الصادق (عليه السلام): "من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها "، وهذا حكم أساسي ، لكن من دائرة الإمكان قد لا يخلد لأن ذلك لا يخرجه من الإسلام ، فشأنه مع رب العالمين ، والعلم عند الله إما أن يُخلّد (وهو الأساس) أو تُفتح له دائرة الإمكان في أن لا يُخلّد . ثانيُا في دائرة الرحمة عليه ، رجوعًا للمبدأ الأساسي بانه لم يخرج عن الإسلام فالعلماء أجازوا الترحّم عليه .
من جانب فقهي ، فهل يكفن و يصلّى عليه ؟ ، نرجع للأساس كونه لم يخرج عن دائرة الإسلام ، فأصبح من الواجب أن يٌقسل و يصلى عليه و يدفن في مقابر المسلمين ، وهذا امتثال لحكم شرعي ، ولا شأن لنا بعاقبته و مصيره حتى لو عرفت انه قتل نفسه ، عليك الدعاء له ، من جانب آخر لو أوصى وصية وانتحر ، هناك حالتان : ان كانت الوصية قبل أن يُحدث الحدث المؤدي الى الموت فوصيته مقبولة و مأخوذ بها على المشهور ، لكنه لو أحدث الحدث المؤدي للموت و نازع الموت وكتب الورقة بعدها فلا تؤخذ وصيته عند مشهور العلماء .
ولذلك من الأفعال المحرّمة ما يؤدي الى اتلاف النفس حتما ، أو يؤدي الى الموت أو الحتف ، فإنه لا تجوز المغامرة في ذلك
وحفظ النفس من التلف واجب ، فلا تعمد الى اشهار نفسك بأكل ما يؤدي الى القتل أو تقوم بالمغامرات القاتلة أو ما شابه ذلك ، فبعض الفقهاء مثلًا يحرّم التدخين ، والبعض عنده بعض الأعمال من المباحات وكل حسب التشخيص .
من المسببات التي تؤدي الى الإنتحار حسب ما كتب السيد السيستاني نسبة لكثرة الإنتحار في العراق بسبب المشاكل و الظروف الحياتية ، فوقف سماحته وقفة في هذا الأمر : أحد الأسباب هو الإياس و القنوط من رحمة الله و ضعف الإيمان يؤدي الى التفكير بذلك . لا يخادع الإنسان نفسه ويقول أنه لا يتحمّل فإنه يطعن في عدالة الله سبحانه وتعالى . ولذلك نوصي بقراءة القرآن و الخلوة مع الله عز وجل كي لا ينهار الإنسان عند الخسارة المادية أو الإجتماعية أو الصدمات ، فالحضور في المآتم و المساجد و القراءات تربي الإنسان وتخدمه عند النكبات ، فتجد المؤمن الصابر مختلفٌا عن غيره في صموده و ثباته . أيضًا الإعلام ، فلا نتحسس من ذلك أحبائي ، توقفوا عن نشر أخبار الإنتحار في المجتمع خصوصًا لما ينتحر مسلم ، فلا علاقة لنا بأخبار الإنتحار في أي بقعة . أيضًا عندما يتعاطف الناس مع المنتحر تصبح حالة من الرضا و التعاطف معه فتتحمل أنت مسؤولية من راقب كلامك واتبع رأيك .
التعليقات (0)