-واصل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك ، وذلك في ليلة السابع عشر من شهر رمضان لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " شبهة خلف الله في القصص القرآني " إبتدأ سماحته بمقدمة عن أستاذ ودكتور لقسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية بمصر وهو خلف الله أحمد ، وقد قدّم رسالة دكتوراه عن الفن القصصي في القرآن الكريم حيث أثارت أطروحته ضجة واسعة في مصر ، وجعلوه في مرمى الإرتداد و الضلال .
لنقف على خلاصة أطروحته ثم نناقش ما أفاده من تلخيص . أطروحته يذهب فيها على أن القصص القرآني عبارة عن أساطير يتعارف عليه الناس و يستشهدون بها وتكون ببلاغة جذب للمستمع ، وبالتالي لما القرآن الكريم استعملها ، أراد بها جذب المستمع و أخذ العبرة و العظة بغض النظر عن كونها صحيحة أم لا . و أضاف خلف الله أن القرآن الكريم عبارة عن كتاب أدب و ليس كتاب تاريخ ، و لو كان ذلك لحاسبنا رسول الله (ص) حيث لم يذكر الأماكن و الأزمان ، " وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) " ففي الكثير من الأماكن لا يذكر الأماكن و الأشخاص ، ويستعمل الملاحم القصصية وان كانت خرافية . أيضُا من دلائله على ذلك انه وردت كلمة أساطير الأولين أكثر من تسع مرات ، وما كان النبي يرد على قريش و ما كان القرآن يردّ على ذلك ، قيعني ذلك أن الأساطير وصف صحيح للقصص القرآني .
للوقوف حول هذه الشبهة ، أولًا نذكر عقيدتنا نحن الإمامية بالنسبة للقصص القرآني ومن ثم نرد على الشبهة ، حيث تعرّضت الكثير من كتب علماؤنا حول القصص القرآني ، الغرض من القصص القرآني أولًا بيان دعوة النبي وحقيقتها ، حيث لم يكن النبي أول من أتى لهداية الناس ، ولم يكن ما أتى به جديدّا ، فصار القصص القرآني مستندًا للرسول على أنه ليس بصاحب بدعة وجديد ، ثانيًا أن نتعلّم وحدة المنهجية في الدعوة ، فلم تستطع قريش أن تردّ على هدم الأصنام وترك عبادة الأوثان لأن النبي مكمّل الى نهج قديم في الدعوة لله و التوحيد وما سبقه من أنبياء .
النبي (ص) لمّا أقبل بالمعاجز - غير القرآن الكريم - كانشقاق القمر ورد الشمس يُدلّل على عدم سحره و هو بالأمر الطبيعي في الأنبياء التي خلت ، إضافة الى ذلك أن القصص القرآني فيها من المعنويات ، حيث أن الله ينصر رسله وهذه سنة الله في الخلق وقد نصرهم على طواغيت الأزمنة . فمنهجية انتصار الأنبياء واضحة في القصص القرآني كي يثبت المؤمنون ويحافظوا على معنوياتهم ، أيضًا هناك عدوّ مشترك لكل البشرية وهو الشيطان، و لولا القصص القرآني لم يعرفوا ما يفعل الشيطان ، فكان القصص القرآني شفيعًا لتلك الإجابة . القصص القرآني مثل الصندوق المعرفي تأخذ منه حقيقة عقائدية أو مبدأ أخلاقيً ودروسًا وعبرًا و أحكامًا شرعية و أخلاقًا ومواعظًا ، وهي كنوز معرفية.
تتميّز القصص القرآنية عن الغير قرآنية في عدة جوانب ، الأول أن القصص القرآني قصص وحياني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأن الله من أوحى بها الى النبي (ص) و غير القرآني ليس وحيانيًا بل من نتاج البشر ، ولا يستطيع أحد أن يجزم بأنها وقعت بل يبني على الظن ، وبذلك فالقصة القرآني تستطيع أن تأخذ منها أحكامًا تشريعية وهي مصدر من مصاجر التشريع ، ولا تسطيع مع غيرها من القصص ، ثانيًا لا يستطيع أحد أن يذكر القصة كما ذكرها الله ، فقد بيّن الهواجس و الخواطر الحقة في القصص القرآنية ، فيتكلّم ميت من عالم القبور ، من سورة يس " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) " .
أمّا في الرد على شبهة خلف الله في أن القرآن كتابًا أدبيَا و ليس كتابُا تاريخيًا ، فنقول أنه جاهل بالآيات فذلك على نحو أن النبي لم يكن يرد عليهم ، ونحن في صدد الرد نرد بمثل الآيات التي استدلّ بها ، من سورة القلم " فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)" ، فالله أوصفهم بكامل صفاتهم ولا يمكن إطاعتهم لأنهم يقولون ذلك . و في سورة المطففين " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ".
من سورة يوسف " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) " وهذا يدلّ على أخذ العبر ، أما في ما ذهب اليه أنه كتاب أدب وليس كتاب تاريخ فنقول أن القرآن أعظم من كتاب أدب والله يتحدّى به الناس أن ياتوا بآية واحدة ، والقرآن لا نقول عنه كتاب تاريخ أو ليس بتاريخ فهو أعظم من كتاب تاريخ ، من يستطيع أن يأتي بقصة في غابر التاريخ بتفاصيلها وحذافيرها فيأتي الينا بما حدث لآدم و ولادة مريم و النبي سليمان ، و هذا عمق في التاريخ .
أيضًا كان الأئمة عليهم السلام في احتجاجهم بالقصص القرآني لأنه حق .ونستشهد بذلك للإمام الرضا ، حيث قال عليه السلام: يا رأس الجالوت، فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وقد كان يُحيى الموتى، ويُبرء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئه الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله تعالى؟ قال رأس الجالوت: يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده.قال الرضاعليه السلام: أرأيت ما جاء به موسى من الآيات، شاهدته؟ أليس إنما جاءت الأخبار من ثُقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك؟قال: بلى.قال: فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل بعيسى بن مريم عليه السلام، فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى؟.فلم يَحِرْ جواباً.
التعليقات (0)